منتدى بيت الأسرة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى بيت الأسرة


 
الرئيسيةبوابة الأسرةأحدث الصورالتسجيلدخول
نرحب مجددا بجميع أعضاء بيت الأسرة ,, ويسعدنا تننشيط عضويتكم بالتواصل على جوالي بالنسبة للأعضاء ,, وعلى جوال أم عبدالله بالنسبة للأخوات ,, وبامكان الجميع التواصل معي على ايميلي aabohadi @hotmail.com ,, متمنين للجميع سنة جميلة مليئة بالحب والتواصل
 


 

 ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ماجد قادري
عضو ذهبي
عضو ذهبي
ماجد قادري


نقاط : 8656
سمعة العضو : 5
الموقع : صبيا

ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي) Empty
مُساهمةموضوع: ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)   ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي) Icon_minitimeالجمعة أبريل 30, 2010 3:45 am

ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم
لما تتابع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة أقام هو بمكة ينتظر ما يؤمر به من ذلك وتخلف معه علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق ، فلما رأت قريش ذلك حذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قصيّ بن كلاب وتشاوروا فيها
وكانوا عتبة، وشيبة. وأبا سفيان ، وطعيمة بن عدي وحبيب بن مطعم والحارث بن عامر، والنضر بن الحارث ، وأبا البختري بن هشام وربيعة بن الأسود، وحَكيم بن حزام ، وأبا جهل ونُبَيْهاً، ومنبهاً ابني الحجاج ، وأمية بن خلف وغيرهم فقال بعضهم لبعض: إنّ هذا الرجل قد كان من أمره ما كان وما نأمنه على الوثوب علينا بمن اتبعه فأجمعوا فيه رأياً.
فقال بعضهم: احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه باباً ثم تربصوا به ما أصاب الشعراء قبله ، فقال النجدي: ما هذا لكم برأي لو حبستموه يخرج أمره من وراء الباب إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من أيديكم ، فقال آخر: نخرجه وننفيه من بلدنا ولا نبالي أين وقع إذا غاب عنا، فقال النجدي: ألم تروا حُسْنَ حديثه وحلاوة منطقه ؟ لو فعلتم ذلك لحلَّ على حي من أحياء العرب فيغلب عليهم بحلاوة منطقه ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم ويأخذ أمركم من أيديكم ، فقال أبو جهل: أرى أنْ نأخذ من كل قبيلة فتى نسيباً ونعطي كل فتى منهم سيفاً، ثم يضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه ،فإذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل كلها فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً ورضوا منا بالعَقْل(1)، فقال النجدي: القول ما قال الرجل هذا الرأي. فتفرقوا على ذلك.
فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: لا تَبِتْ الليلة على فراشك ، فلما كان العتمة اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه ، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعلي بن أبي طالب نَمْ على فراشي واتشح ببردي الأخضر فنم فيه فإنه لا يخلص إليك شيء تكرهه وأمره أن يؤدي ما عنده من وديعة وأمانة وغير ذلك وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب فجعله على رؤوسهم وهو يتلو ( يس وَالقُران الحكيم) إلى قوله (فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)(2) ثم انصرف فلم يروه فأتاهم آت ، فقال فى ما تنتظر ون ؟
قالوا: محمداً. قال: خيبكم الله خرج عليكم ولم يترك أحداً منك إلا جعلََ على رأسه التراب وانطلق لحاجته.
فوضعوا أيديهم على رؤوسهم فرأوا التراب وجعلوا ينظرون فيرون علياً نائماً وعليه بُرْد النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: إنّ محمداً لنائم فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا(3)، فقام عليّ عن الفراش فعرفوه وأنزل الله في ذلك ( وَإذْ يمكرُ بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك )(4) الآية ، وسأل أولئك الرهط علياً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: لا أدري أمرتموه بالخروج فخرج. فضربوه وأخرجوه إلى المسجد فحبسوه ساعة ثم تركوه ونجى الله رسوله من مكرهم وأمره بالهجرة.
وقام عليّ يؤدي أمانة النبي ص ويفعل ما أمره.
وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئه أحد طرفي النهار أن يأتي بيت أبي بكر إما بكرة وإما عشية حتى كان اليوم الذي أذن فيه لرسوله بالهجرة أتانا بالهاجرة، فلما رآه أبو بكر، قال: ما جاء هذه الساعة إلا لأمر حدث ، فلما دخل جلس على السرير وقال: أخرج مَن عندك. قال: يا رسول الله إنما هما ابنتاي وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي. قال: إن الله قد أذن لي في الخروج ، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله. قال: الصحبة.
فبكى أبو بكر من الفرح فاستأجرا عبد الله بن أريقط من بني الديل بن بكر وكان مشركاً يدلهما على الطريق ، ولم يعلم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر وعليّ وآل أبي بكر فأما علي فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخلف عنه حتى يؤدي عن رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده ثم يلحقه. وخرجا من خَوْخَة(1) في بيت أبي بكر في ظهر بيته ثم عمداً إلى غار بثور(2) فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أنْ يتسمع لهما بمكة نهاره ثم يأتيهما ليلاً وأمر عامر بن فهيرة مولاه أنْ يرعى غنمه نهاره ثم يأتيهما بها ليلاً، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بطعامهما مساء فأقاما في الغار ثلاثاً وجعلت قريش مائة ناقة لمن رده عليهم ، وكان عبد الله بن أبي بكر إذا غدا من عندهما أتبع أثره بالغنم حتى يعفي أثره ، فلما مضت الثلاث وسكن الناس أتاهما دليلهما ببعيريهما فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما بالثمن فركبه وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتهما(3) ونسيت أنْ تجعل لهما عِصَاماً فحلت نطاقها(4) فجعلته عصاماً وعلقت السفرة به وكان يقال لأسماء " ذات النطاقين " لذلك. ثم ركبا وسارا وأردف أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة يخدمهما في الطريق فساروا ليلتهم ومن الغد إلى الظهر ورأوا صخرة طويلة فسوَّي أبو بكر عندها مكاناً ليقيل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وليستظل بظلها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرسه أبو بكر حتى رحلوا بعد ما زالت الشمس وكانت قريش قد جعلت لمن يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم دِيَة فتبعهم سُرَاقة بن مالك بن جُعْشُم المدلجي(1) فلحقهم وهم في أرضٍ صلبة فقال أبو بكر: يا رسول الله أدركنا الطلب. فقال: ( لَا تَحْزَنْ إنَ اللَّهَ مَعَنَا)(2) ودعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتطمت(3) فرسه إلى بطنها وثار مِنْ تحتها مثل الدخان فقال: ادع لي يا محمد ليخلصني الله ولك عليّ أن أرد عنك الطلب. فدعا له فتخلص فعاد يتبعهم ، فدعا عليه الثانية فساخت قوائم فرسه في الأرض أشد من الأولى فقال: يا محمد قد علمت أنّ هذا من دعائك عليّ فادع لي ولك عهد الله أنْ أرد عنك الطلب.
فدعا له فخلص وقرب من النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله خذ سهماً من كنانتي وإنّ إبلي بمكان كذا فخُذْ منها ما أحببت. فقال: لا حاجة لي في إبلك
فلما أراد أن يعود عنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بك يا سراقة إذا سُوَرْتَ بسوارَيْ كِسْرَي قال: كسرى بن هرمز، قال: نعم. فعاد سراقة فكان لا يلقاه أحد يريد الطلب إلا قال: كفيتم ما ههنا ولا يلقى أحداً إلا رَدّه. قالت: أسماء بنت أبي بكر: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل فوقفوا على باب أبي بكر فقالوا: أين أبوك ؟ قلت: لا أدري. فرفع أبو جهل يده فلطم خدي لطمة طرح قُرْطِي(4) وكان فاحشاً خبيثاً ، ومكثنا ملياً لا ندري أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حتى أتى رجل من أسفل مكة والناس يتبعونه يسمعون صوته ولا يرون شخصه وهو يقول :
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالهدى واغتديا به فأفلح من أمسى رفيق محمد
فيالقصي ما زوى الله عنكم به من فعال لا تجاري وسُودد
ليهن بني كعب مكانُ فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد(1)

قالت: فلما سمعنا قوله عرفنا أنّ وجهه كان إلى المدينة وقدم بهما ليلهما(2) قباء فنزل على بني عمرو بن عوف لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول يوم الاثنين حين كادت الشمس تعتدل فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم أخي بني عمرو بن عوف ، وقيل نزل على سعد بن خيثمة وكان عزباً وكان ينزل عنده العزاب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : وكان يقال لبيته: بيت العزاب والله أعلم.
ونزل أبو بكر على خبيب بن أساف بالسُّنح(3) وقيل: نزل على خارجة بن زيد أخي بني الحارث بن الخزرج. وأما علي فإنه لما فرغ من الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة. فكان يسير الليل ويكمن النهار حتى قدم المدينة، وقد تفطرت قدماه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ادعوا لي علياً قيل: لا يقدر أن يمشي فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم واعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم وتفل في يديه وأمَّرها على قدميه فلم يشتكهما بعدُ حتى قُتِل ، ونزل بالمدينة على امرأة لا زوج لها(4). فرأى إنساناً يأتيها كل ليلة ويعطيها شيئاً فاستراب بها فسألها عنه فقالَ: هو سهل بن حُنَيْف(1) قد علم أني امرأة لا زوج لي فهو يكسر أصنام قومه ويحملها إليّ ويقول احتطبي بهذه ، فكان عليّ يذكر ذلك عن سهل بن حنيف بعد موته.
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقُبَاء(2) يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وأسس مسجدهم ، ثم خرج يوم الجمعة، وقيل: أقام عندهم أكثر من ذلك والله أعلم. وأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي ببطن الوادي ، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة.
قال ابن عباس: ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، واستنبىء يوم الاثنين ، ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين ؟ وهاجر يوم الاثنين ، وقبض يوم الاثنين ، واختلف العلماء في مقامه بمكة بعد أن أوحي إليه ، فقال أنس وابن عباس رضي الله عنهم من رواية أبي سلمة عنه وعائشة: أنه أقام بمكة عشر سنين ومثلهم قال من التابعين ابن المسيب والحسن وعمرو بن دينار، وقيل: أقام ثلاث عشرة سنة قاله ابن عباس من رواية أبي حمزة وعكرمة أيضاً عنه ولعل الذي قال أقام عشر سنين أراد بعد إظهار الدعوة فإنه بقي سنين يسيرة، ومما يقوي هذا القول قول صرمة بن أبي أنس الأنصاري :
ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقى صديقاً مُوانيا(3)
فهذا يدل على مقامه ثلاث عشرة سنة، لأنه قد زاد على عشر سنين ، فلو كان خمس عشرة لصح الوزن وكذلك ست عشرة وسبع عشرة، وحيث لم يستقم الوزن بأن يقول ثلاث عشرة قال بضع عشرة ولم ينقل في مقام زيادة على عشر سنين إلا ثلاث عشرة وخمس عشرة،
ذكر ما كان من الأمور أول سنة من الهجرة
فمن ذلك تجميعه صلى الله عليه وسلم بأصحابه الجمعة في اليوم الذي نزل فيه من قباء في بني سالم في بطن واد لهم: وهي أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام وخطبهم وهي أول خطبة، وكان رجل من قُباء يريد المدينة فركب ناقته وأرخى زمامها فكان لا يمر بدار من دور الأنصار إلا قالوا: هلم يا رسول الله إلى العدد والعدة والمنعة فيقول: " خلوا سبيلها فإنها مأمورة " حتى انتهى إلى موضع مسجده اليوم فبركت على باب مسجده وهو يومئذ مِرْبَد(2) لغلامين يتيمين في حجر معاذ بن عفراء وهما سهل وسهيل ابنا عمرو من بني النجار، فلما بركت لم ينزل عنها ثم وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ، فالتفتت خلفها ثم رجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ووضعت جرانها (3) فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمل أبو أيوب الأنصاري رحله وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المربد فقال معاذ بن عفراء هو ليتيمين لي وسأرضيهما من ثمنه فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يبنى مسجداً، وقام عند أبي أيوب حين بنى مسجده ومساكنه.
وقيل: إن موضع المسجد كان لبني النجار فيه نخل وحرث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثامنوني به. فقالوا: لا نبغي به إلا ما عند الله.
فأمر به فبنى مسجده وكان قبله يصلي حيث أدركته الصلاة وبناه هو والمهاجرون والأنصار وهو الصحيح. وفيها بني مسجد قُبَاء. وفيها أيضاً توفي كلثوم بن الهدم ، وتوفي بعده أسعد بن زُرَارَة وكان نقيب بني النجار فاجتمع بنو النجار وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم لهم نقيباً فقال لهم: أنتم إخواني(4) وأنا نقيبكم. فكان فضيلة لهم. وفيها مات أبو أحيحة بالطائف ، والوليد.بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي بمكة مشركين.
وفيها بنى النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة بعد مقدمه المدينة بثمانية أشهر؛ وقيل: بسبعة أشهر في ذي القعدة وقيل: في شوال وكان تزوجها بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين بعد وفاة خديجة وهي ابنة ست سنين ، وقيل: ابنة سبع سنين. وفيها هاجرت سَوْدَة بنت زَمْعَة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته ما عدا زينب ، وهاجر أيضاً عيال أبي بكر ومعهم ابنه عبد الله وطلحة بن عبيد الله. وفيها زيد في صلاه العصر ركعتان بعد مقدمه المدينة بشهر. وفيها ولد عبد الله بن الزبير وقيل: في السنة الثانية في شوال ، وكان أول مولود للمهاجرين بالمدينة ، وكان النعمان بن بشير أول مولود للأنصار بعد الهجرة وقيل: إن المختار بن أبي عبيد، وزياد بن أبيه ولدا فيها. وفيها على رأس سبعة أشهر عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه حمزة لواءً أبيض في ثلاثين رجلًا من المهاجرين ليتعرضوا لِعِيْر قريش فلقي أبا جهل في ثلاثمائة رجل فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني ، وكان يحمل اللواء أبو مرثد وهو أول لواء عقده. وفيها أيضاً عقد لواء لعبيدة بن الحارث بن المطلب وكان أبيض يحمله مِسْطَح بن أثاثة فالتقى هو والمشركين فكان بينهم الرمي دون المسايفة، وكان سعد بن أبي وقاص أول من رمى بسهم في سبيل الله ، وكان المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان مسلمين بمكة فخرجا مع المشركين يتوصلان بذلك فلما لقيهم المسلمون. إنحاز إليهم. وقال بعضهم: كان لواء أبي عبيدة أول لواء عقده وإنما اشتبه ذلك لقرب بعضها ببعض ، وكان على المشركين أبو سفيان بن حرب ، وقيل: مُكرز بن حفص بن الأخيف ، وقيل عكرمة بن أبي جهل.
و(الأخيف ) بالخاء المعجمة والياء المثناة من تحتها.
وفيها عقد لواء لسعد بن أبي وقاص وسَيّره إلى الأبواء(1)، وكان يحمل اللواء المقداد بن الأسود وكان مسيره في ذي القعدة وجميع من معه من المهاجرين فلم يلق حرباً. جعل الواقدي هذه السرايا جميعها في السنة الأولى من الهجرة، وجعلها ابن إسحاق في السنة الثانية فقال: على رأس اثني عشر شهراً من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة خرج غازياً واستخلف على المدينة سعد بن عبادة فبلغَ وَذَان(2) يريد قريشاً وبني ضمرة من كنانة وهي غزاة الأبواء بينهما ستة أميال فوادعته فيها بنو ضمرة ورئيسهم مخشى بن عمرو ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً.
وذكر ابن إسحاق بعد هذه الغزوة غزوة عُبيدة بن الحارث ثم غزوة حمزة بن عبد المطلب. وفيها كان غزوة بوطة (1)، خرجِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه في شهر ربيع الآخر يعني سنة اثنتين يريد قريشاَ حتى بلغ بُواطَ من ناحية رضوى وكان في عير قريش أمية بن خلف الجمحي في مائة رجل ومعهم ألفان وخمسمائة بعير فرجع ولم يلق كيداً، وكان يحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص ، واستخلف على المدينة سعد بن معاذ (2).
(بُوَاط ) بضم الباء الموحدة وبالطاء المهملة. وفيها غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة العُشَيْرة
من ينبع في جمادى الأولى يريد قريشاً حين ساروا إلى الشام فلما وصل العشيرة وادع بني مدلج وحلفاءهم من ضمرة ورجع ولم يلق كيداً، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، وكان يحمل لواءه حمزة. وفي هذه الغزوة كنى النبي صلى الله عليه وسلم علياً أبا تراب في قول بعضهم. وفيها أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة (3) فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ وادياً يقال له سفوان من ناحية بدر وفاته كرز وكان لواؤه مع علي واستخلف على المدينة زيد (4) بن حارثة (5). وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص في سرية ثمانية رهط فرجع ولم يلق كيداً. وفيها جاء أبو قيس بن الأسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الِإسلام فقال: ما أحسن ما تدعو إليه سأنظر في أمري ثم أعود فلقيه عبد الله بن أبي المنافق فقال كرهت قتال الخزرج فقال أبو قيس: لا أسلم إلى سنة فمات في ذي القعدة.

ثم دخلت السنة الثانية من الهجرة
وفي هذه السنة غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول بعض أهل السير غزوة الأبواء، وقيل: ودّان وبينهما ستة أميال واستخلف رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم على المدينة سعد بن عبادة وكان لواؤه أبيض مع حمزة بن عبد المطلب وقد تقدم ذكرها. وفيها زوج علي بن أبي طالب فاطمة في صفر.
ذكر سرية عبد الله بن جحش
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح أن يتجهز للغزو فتجهز فلما أراد المسير بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مكانه عبد الله بن جحش في جمادى الآخرة معه ثمانية رهط من المهاجرين ، وقيل: اثنا عشر رجلاً وكتب له كتاباً وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يكره أحداً من أصحابه ففعل ذلك ثم قرأ الكتاب وفيه يأمره بنزول نخلة بين مكة والطائف فيرصد قريشاً ويعلم أخبارهم فأعلم أصحابه فساروا معه وأضل سعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان بعيراً لهما يتعقبانه فتخلفا في طلبه ومض عبد الله ونزل بنخلة فمرت عير لقريش تحمل زبيباً وغيره فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل والحكم بن كيسان فأشرف لهم عُكاشة بن محصن وقد حلق رأسه فلما رأوه قالوا: عمار لا بأس عليكم -وذلك آخر يوم من رجب - فرمى واقد بن عبد الله التيمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله واستأسر عثمان والحكم وهرب نوفل وغنم المسلمون ما معهم ، فقال عبد الله بن جحش: إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس ما غنمتم وذلك قبل أن يفرض الخمس ، وكانت أول غنيمة غنمها المسلمون وأول خمس في الِإسلام ، وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والاسرى إلى المدينة. فلما قدموا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أمرتُكم بقتالٍ في الشهر الحرام ؟!
فوقف العير والأسيرين فسقط في أيديهم وعنّفهم المسلمون ، وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام.
وقالت الاليهود: تفائل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله ، عمر وعمرت الحرب ، والحضرمي حضرت الحرب ، وواقد وقدت الحرب ، فأنزل اللهّ (يَسْألُونَكَ عَن الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٌ فِيْه ) (1) الآية فلما نزل القران وفرج الله عن المسلمين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير وكانت أول غنيمة أصابوها وَفَدَي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسيرين فأما الحكم فأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قُتل يوم بئرمعونة، وقيل كان قتلهم عمرو بن الحضرمي وأخذ العير آخر يوم من الجمادى وأول ليلة من رجب.
وفيها صُرِفَت القبلة من الشام إلى الكعبة، وكان أول ما فرضت القبلة إلى بيت المقدس والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة وكان يحب استقبال الكعبة وكان يصلي بمكة ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس فلما هاجر إلى المدينة لم يمكنه ذلك وكان يؤثر أنْ يصرف إلى الكعبة فأمره الله أن يستقبل الكعبة يوم الثلاثاء للنصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً من قدومه المدينة، وقيل: على رأس ستة عشر شهراً في صلاة الظهر. وفيها أيضاً قي شعبان فرض صوم شهر رمضان وكان لما قدم المدينة رأى الاليهود تصوم عاشوراء فصامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان لم يأمرهم بصوم عاشوراء ولم ينههم. وفيها أمر الناس بإخراج زكاة الفطر قبل الفطر بيوم أو يومين. وفيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فصلى بهم صلاة العيد وكان ذلك أول خرجة خرجها وحملت بين يديه العَنَزَة (2) وكانت للزبير وهبها له النجاشي وهي اليوم للمؤذنين في المدينة.

ذكر غزوة بدر الكبرى
وفي السنة الثانية كانت وقعة بدر الكبرى في شهر رمضان في سابع عشرة،وقيل: تاسع عشرة وكانت يوم الجمعة.
وكان سببها قتل عمرو بن الحضرمي وإقبال أبي سفيان بن حرب في عِيْر لقريش عظيمة من الشام وفيها أموال كثيرة ومعها ثلاثون رجلًا أو أربعون ، وقيل: قريباً من سبعين رجلاً من قريش منهم مخرمة بن نوفل الزهري ، وعمرو بن العاص فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب المسلمين إليهم وقال: هذه عِيْر قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أنْ ينفلكموها، فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك لأنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حرباً، وكان أبو سفيان قد سمع أن النبيّ صلى الله عليه وسلم يريده فحذر، واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة يستنفر قريشاً ويخبرهم الخبر فخرج ضمضم إلى مكة. وكانت عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها فقصتها على أخيها العباس واستكتمته خبرها قالت: رأيت راكباً على بعير له واقفاً بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته أن انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث قالت: فأري الناس قد اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد فمثل بعيره على الكعبة ثم صرخ مثلها ثم مثل بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ مثلها ثم أخذ صخرة عظيمة وأرسلها فلما كانت بأسفل الوادي ارفضت فما بقي بيت من مكة إلا دخل فلقة منها؛ فخرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان صديقه فذكرها له واستكتمه ذلك فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الخبر فلقي أبو جهل العباس فقال له: يا أبا الفضل أقبل إلينا. قال: فلما فرغتُ من طوافي أقبلت إليه فقال لي: متى حدثت فيكم هذه النبية؟
وذكر رؤيا عاتكة، ثم قال: ما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يكن حقاً وإلا كتبنا عليكم أنكم أكذب أهل بيت في العرب. قال العباس: فما كان مني إليه إلا أني جحدت ذلك وأنكرته فلما أمسيت أتاني نساء بني عبد المطلب وقلن لي: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أنْ يقع في رجالكم وقد تناول نساءكم ولم تنكر عليه ذلك قال قلت: والله كان ذلك ولأتعرضن له فإن عاد كفيتكموه. قال: فغدوت اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا مغضب أحب أنْ أدركه فرأيته في المسجد فمشيت نحوه أتعرض له ليعود فأوقع به فخرج نحو باب المسجد يشتد قال قلت: ما باله قاتله الله أكل هذا فرَقاً من أن أشاتمه ؟ وإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو وهو يصرخ ببطن الوادي واقفاً على بعيره قد جدّعه ، وحوّل رحله وشق قميصه وهو يقول :يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه لا أدري إنْ تدركوها الغوث الغوث فشغلني عنه وشغله عني قال: فتجهز الناس سراعاً ولم يتخلف من أشرافهم أحد إلا أبو لهب وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة (1) وعزم أمية بن خلف الجمحي على القعود فإنه كان شيخاً ثقيلاً بطيئاً فأتاه(2) عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها نار وما يتبخر به وقال: يا أبا علي استجمر فإنما أنت من النساء. فقال: "قبحك الله وقبح ما جئت به "، وتجهز وخرج معهم.
وعزم عتبة بن ربيعة أيضاً على القعود فقال له أخوه شيبة: إنْ فارقنا قومنا كان ذلك سبة علينا فامض مع قومك فمشى معهم فلما أجمعوا على المسير ذكروا ما بينهم وبين بكر بن عبد مناة بن كنانة بن الحارث فخافوا أنْ يؤتوا من خلفهم فجاءهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجي وكان من أشراف كنانة وقال: أنا جار لكم فاخرجوا سراعاً وكانوا تسعمائة وخمسين رجلًا، وقيل: كانوا ألف رجل وكانت خيلهم مائة فرس فنجا منها سبعون فرساً وغنم المسلمون ثلاثين فرساً وكان مع المشركين سبعمائة بعير، وكان مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم لثلاث ليال خلون من شهر رمضان في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلأ، وقيل: أربعة عشر؛
ولم يكن فيهم غير فارسين أحدهما المقداد بن عمرو الكندي ولا خلاف فيه ، والثاني قيل: كان الزبير بن العوّام ، وقيل كان مرثد بن أبي مرثد(1)، وقيل المقداد وحده.
وكانت الإبل سبعين بعيراً فكانوا يتعاقبون عليها، البعير بين الرجلين والثلاثة والأربعة، فكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ، وزيد بن حارثة بعير، وبين أبي بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف بعير، وعليّ مثل هذا ، وكان لواؤه مع مصعب بن عمير بن عبد الدار ورايته مع علي بن أبي طالب.
وعلى الساقة قيس بن أبي صعصعة الأنصاري فلما كان قريباً ،من الصفراء بعث بُسَيْس بن عمرو. وعدي بن أبي الزغباء الجهنيين يتجسسان الأخبار عن أبي سفيان
ثم ارتحل رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم وترك الصفراء يساراً وعاد إليه بسيس بن عمرو يخبره أنّ العِيْر قد قاربت بدراً ولمِ يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين عِلْم بمسير قريش لمنع عِيرهم ، وكان قد بعث علياَ والزبير وسعداً يلتمسون له الخبر ببدر فأصابوا راوية لقريش فيهم أسلم غلام بني الجحجاح ، وأبو يسار غلام بني العاص فأتوا بهما النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي فسألوهما فقالا نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكَرِه القوم خبرهما وضربوهما ليخبروهما عن أبي سفيان فقالا: نحن لأبي سفيان ، فتركوهما، وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة وقال: إذا صدقاكم ضربتموها، وإذا كذباكم تركتموها! صدقا أنهما لقريش أخبِرَاني أين قريش ؟
قالا: هم وراء هذا الكثيب الذي تري بالعَدْوة القُصْوَى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم القوم ؟ قالا: كثير، قال: كم عدتهم ؟ قالا: لا ندري ، قال: كم ينحرون ؟ قالا: يوماً تسعاً، ويوماً عشراً. قال: القوم بين التسعمائة إلى الألف. ثم قال: لهما: فمَنْ فيهم من أشراف قريش ؟ قالا: عتبة، وشيبة ابنا ربيعة، والوليد، وأبو البختري بن هشام ، وحَكيم بن حِزَام ، والحارث بن عامر، وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث وزَمْعَة بن الأسود، وأبو جهل ، وأمية بن خلف ، ونُبَيْه ، ومُنبه ابنا الحجاج ، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد وُدّ.
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وقال: "هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها".
ثم استشار. أصحابه فقال أبو بكر، فأحسن ، ثم قال عمر فأحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله أمْضِ لِمَا أمَرَكَ الله فنحن معك ، والله لا نقول كما قالت بنو اسرائيل لموسى (اذْهَبْ أنْتَ وَرَبِّكَ فَقَاتِلَا إنَا ههُنَا قَاعِدُون ) (1) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سِرْتَ بنا إلى بِرْك الغَمَاد (2)-يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ".
فدعا له بخير ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أشيروا عليَّ أيها الناس ، وإنما يريد الأنصار لأنهم كانوا عدته للناس وخاف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة وليس عليهم أن يسير بهم فقال له سعد بن معاذ: " لكأنك تريدنا يا رسول الله ".
قال: أجل. قال: قد آمنا بك ، وصدّقناك ، وأعطيناك عهودنا، فامض يا رسول الله لِمَا أمِرْتَ ، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا الخبر فخضته لنخوضنه معك وما نكره أن تكون تلقى العدو بنا غداً، إنا لصُيُرٌ عند الحرب صُدُقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تَقَرُّبه عينُك فَسِرْبنا على بَرَكة الله.
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أبشروا فَإِن الله قد وَعَدَنِي إحدى الطائفتين ، والله لكَأنِّي أنظر إلى مصارع القوم. ثم انحط على بدر فنزل قريباً منها.
وكان أبو سفيان قد ساحل (3) وترك بدراً يساراً ثم أسرع فنجا فلما رأى أنه قد أحرز عِيْرَه أرسل إلى قريش وهم بالجُحْفَة (4)إن الله قد نَجَى عيركم وأموالكم فارجعوا. فقال أبو جهل بن هشام: والله لا نرجع حتى نَرِدَ بدراً - وكان بدر موسماً من مواسم العرب تجتمع لهم بها سوق كل عام - فنقيم بها ثلاثاً فننحر الجُزُرَ، ونُطْعِمَ الطعام ، ونسقي الخمر. وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبداً. فقال الأخنس بن شُرَيْق الثقفي وكان حليفاً لبني زهرة وهم بالجحفة: يا بني زهْرَة قد نَجى اللةُ أمواس وصاحبكم فارجعوا، فرجعوا فلم يشهدها زُهْرِيّ ولا عَدَوِيّ وشهدها سائر بطون قريش ، ولما كانت قريش بالجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال: إني رأيتُ فيما يرى النائم رجلاً أقبل على فَرَسٍ ومعه بَعِير له فقال: قتل عتبة، وشيبة ، وأبو جهل - وغيرهم ممن قتل يومئذ - ورأيته ضرب لَبَّة بعيره ثم أرسَله في العسكر فما بقي خباء إلا أصابه من دمه. فقال أبو جهل: وهذا أيضاً نبي من بني المطلب سيعلم غداً مَن المقتول !
وكان بين طالب بن أبي طالب وهو في القوم وبين بعض قريش محاورة فقالوا: والله قد عرفنا أنّ هواكم مع محمد، فرجع طالب إلى مكة فيمن رجع ، وقيل: إنما كان خرج كرهاً فلم يوجد في الأسرى ولا في القتلى ولا فيمن رجع إلى مكة وهو الذي يقول :
يا رب إمّا يغزون طالب في مِقْنَب (1)من هذه المقانب
فليكن المسلوب غير السالب وليكن المغلوب غير الغالب
ومضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي وبعث الله السماء وكان الوادي دهسا (2) فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منه ما لَبد لهم الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشاً منه ما لم يقدروا على أن يرحلوا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزله فقال: الحُبَاب بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله أهذا منزل أنزلكه الله ، ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخره ؟ أم هو الرأي في والحرب والمكيدة؟
قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: يا رسول الله فإن هذا ليس لك بمنزل ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء سواه مش القوم فننزله ثم نُغَوِّرُ ما وراءه من
القلب (1) ثم نبني عليه حوضاً ونملأه ماء فنشرب ماء ولا يشربون ثم نقاتلهم (2). ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك.
فلما نزل جاءه سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله نبني لك عريشاً (3) من جَرِيْد فتكون فيه ونترك عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإنْ أعزنا الله وأظهرنا الله عليهم كان ذلك مما أحببناه وإنْ كانت الأخري جلست على ركائبك فلحقتَ بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حباً لك منهم ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم يناصحونك ويحاربون معك.
فأثنى عليه خيراً، ثم بُني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش ، وأقبلت قريش بخيلائها وفخرها، فلما رآها قال: " اللهم هذه قريش قد أقبلتْ بخيلائها وفخرها ، تحاذُك (4) وتُكَذّب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني ، اللهم أحنهم (5) الغداة.
ورأي عتبة بن ربيعة جمل أحمر فقال: إنْ يكن عند أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر إنْ يطيعوهُ يُرشدوا. وكان خُفاف بن أيماء بن رحضة الغفاري أو أبوه إيماء بعث إلى قريش حين مروا به ابناً له بجزائر أهداها لهم وعرض عليهم المدد بالرجال والسلاح.
فقال قريش: إنْ كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف وإنْ كنا نقاتل الله كما زعم محمد فما لأحدٍ باللّه طاقة.
فلما نزلت قريش أقبل جماعة ، منهم حكيم بن حزام حتى وردوا حوض النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتركوهم. فما شرب منه رجل إلا قتل يومئذ إلا حكيم نجا على فرس له يقال: له الوجيه ، وأسلم بعد ذلك فحسُنَ اسلامه وكان يقول إذا اجتهد في يمينه ؛ لا والذي نجّاني يوم بدر. ولما اطمأنت قريش بعثوا عمرو بن وهب الجمحي ليحزر المسلمين (1) فجال بفرسه حولهم ثم عاد فقال: هم ثلاثمائة يزيدون قليلاً أو ينقصون ، ولقد رأيت البلايا (2) تحمل المنايا نواضح (3) يثرب تحمل الموت الناقع ،
ليس لهم منعة ولا ملجأ إِلا سيوفهم ، والله لا يُقتل رجلً منهم إلا يقتل رجلاً منكم فإذا أصابوا أعدادهم فما خيرُ العيش بعد ذلك فَرُوا رأيكم.
فلما سمع حَكيم بن حَزَام ذلك مشى في القوم فأتى عتبة بن ربيعة فقال: " يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها هل لك أن لا تزال تُذْكَر فيها بخير إلى آخر الدهر؟ "
قال: وما ذاك ؟ قال: ترجع بالناس وتحمل دم حليفك عمرو بن الحضرمي.
قال: قد فعلتُ على دمه وما أصيب من ماله فأت ابن الحنظلية - يعني أبا جهل -فلا أخشى أن يفسد أمر الناس غيره.
فقام عتبة في الناس فقال: إنكم ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاً واللّه لئن أصبتموهم لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلاً من عشيرته. قال حكيم بن حزام: فانطلقت إلى أبي جهل فوجدته قد نثل درعاً (4) وهو يهيئها فأعلمته ما قال عتبة فقال: انتفخ والله سحره حين رأى محمداً وأصحابه ، واللهّ لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال لكن رأي ابنه أبا حذيفة فيهم وقد خافكم عليه. ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي فقال له: هذا حليفك يريد أن يرجع إلى مكة بالناس وقد رأيتُ ثأرك بعينك فانشد خفرتك ومقتل أخيك.
فقام عامِر وصرخ: واعمراه واعمراه ، فحمِيَتْ الحربُ واستوثق الناس على الشر فلما بلغ عتبة قول أبي جهل " انتفخ سحره " قال: سيعلم المُصَفِّرُّ استه من انتفخ سَحره أنا أم هو؟ ثم ألتمس بيضة يدخلها رأسَه فما وجد من عظم هامته فاعتجر (1) ببرد له وخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي وكان سيئ الخلق فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم ولأهدمنه ، أو لأموتن دونه.
فخرج إليه حمزة فضربه فأطن قدمه (2) بنصف ساقه فوقع على الأرض ثم حبا إلى الحوض فاقتحم فيه ليبر يمينه ، وتبعه حمزة فضربه حَتى قتله في الحوض. ثم خرج عتبة، وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة ودَعُوا إلى المبارزة، فخرج إليهم عوف ومُعوذ ابنا عفراء وعبد الله بن رواحة كلهم من الأنصار، فقالوا: من أنتم ؟ قالوا: من الأنصار. فقالوا: أكفاء كِرام وما لنا بكم من حاجة؟ ليخرج إلينا أكفاؤنا من قومنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قُم يا حمزة، قم يا عبيدة بن الحارث ، قم يا علي ، فقاموا، ودنا بعضُهم من بعض فبارز عبيدة بن الحارث بن عبد الطلب وكان أمير القوم عتبة، وبارز حمزة شيبة وبارز علي الوليد، فأما حمزة فلم يمهل شيبة أنْ قتله ، وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما قد أثبت صاحبه ، وكر حمزة وعليّ عنى عتبة فقتلاه ، واحتملا عبيدة إلى أصحابه وقد قُطِعَتْ رجله فلما أتوا به النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ألستُ شهيداً يا رسول الله "؟ قال: نعم ، قال: " لورآني أبو طالب لعلم أننا أحق منه بقوله :
ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل.
ثم مات ، وتزاحف القومُ ودنا بعضُهُم من بعض وأبو جهل يقول اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لم نعرف فأحنه الغداة فكان هو المستفتح على نفسه (3) وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم وقال: إِنْ اكتنفكم القوم فانضحوهم (1) عنكم بالنبل ، ونزل في العريش ومعه أبو بكر وهو يدعو ويقول
اللهم إنْ تهلك هذه العصابة من أهل الاسلام لا تعبد في الأرض ، اللهم انجز لي ما وعدتني "، ولم يزل حتى سقط "رداؤه فوضعه عليه أبو بكر ثم قال له :
كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. واغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش إغفاءة، وانتبه ثم قال: يا أبا بكر أتاك نصر الله ، هذا جبريل اخذ بعنان فرسه يقوده على ، ثناياه النقع ! وانزل الله ( إذْ تَسْتَغِيْثُون رَبَكُم ) (2) الآية ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وهو يقول: ( سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وُيوَلون الدبُر ) (3) وحرض المسلمين وقال :
والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إِلا أدخله الله الجنة.
فقال: عمير بن الحمام الأنصاري وبيده تمرات يأكلهن "بَخ بَخٍ ما بيني وبين أنْ أدخل الجنة إلا أن يقتُلني هؤلاء "! ثم ألقى التمرات من يده وقاتل حتى قُتِلَ.
ورُمِيَ مِهْجَع مولى عمر بن الخطاب بسهم فقتل فكان أول قتيل ؛ ثم رُمِيٍ حارثة بن سراقة الأنصاري فقتلِ ، وقاتل عوف بن عفراء حتى قتل ، واقتتل الناس قتالا شديداً، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حِفْنة من التراب ورمى بها قريشاً وقال: " شاهت الوجوه "، وقال لأصحابه: " شُذوا عليهم "، فكانت الهزيمة فقتل الله من قَتَل من المشركين ، وأسر من أسَرَ منهم.
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وسعد بن معاذ قائم على باب العريش متوشحاً بالسيف في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم يخافون عليه كَرَّةَ العدو فرأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس من الأسر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكأنك تكره ذلك يا سعد؟
قال أجل: يا رسول الله أول وقعة أوقعها الله بالمشركين كان الإثخان (1) أحبّ أليَ من استبقاء الرجال. وكان أول من لقي أبا جهل معاذ بن عمرو بن الجموح وقريش محيطة به يقولون: لا يخلص إلى أبي الحكم. قال معاذ: فجعلته مِنْ شأني فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه وضربني ابنه عكرمة فطرح يدي من عاتقي فتعلقت بجلدة من جثتي فقاتلت عامة يوفي وإني لاسحبها خلفي فلما آذتني جعلت عليها رجلي ، ثم تمطيت حتى طرحتها. وعاش معاذ إلى زمان عثمان رضي الله عنه.
ثم مر بأبي جهل مُعَوَذ بن عفراء فضربه حتى أثبته وتركه وبه رَمَق (2) ثم مر به ابن مسعود وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُلْتَمَس في القتلى فوجده بآخر رَمَق قال: فوضعت رجلي على عُنقِهِ ثم قلت: هل أخزاك الله يا عدو الله ؟ قال وبما أخزاني ؟ أ أعمد من رجل قتلتموه ؟ ! أخبرني لمن الدائرة؟ قلت: لله ولرسوله.
فقال له أبو جهل: لقد ارتقيت يا رُويعي الغنم مرتقىً صعباً. قال: فقلتُ إني قاتِلُكَ.
قال: ما أنت بأول عَبْدٍ قَتَلَ سيده أما إنّ اشد شيء لقيته اليوم قتلك إياي وألا قتلني رجل من المطيبين الأحلاف. فضربه عبد الله فوقع رأسُه بين رجليه ، فحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد شكراً لله.
وكان عبد الرحمن بن عوف قد غنم أذراعاً فمر بأمية بن خلف وابنه علي فقالا له :
نحن خيرٌ لك من هذه الأدراع. فطرح الأدراع وأخذ بيده وبيد ابنه ومشى بهما. فقال له أمية: مَن الرجل المعلم بريشة نعامة في صدره ؟ قال: حمزة بن عبد المطلب. قال أمية: هو الذي فَعَلَ بنا الأفاعيل. ورأى بلال أميةَ – وكان يعذبه بمكة فيخرج به إلى رَمْضَاء مكة فيضجعه على ظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ويقول: لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد فيقول بلال: أحد أحد – فلما رآه بلال قال: أمية رأس الكفر؟ ! لا نجوتُ إنْ نجا، ثم صرخ: يا أنصار الله رأسُ الكفر رأسُ الكفر، أمية بن خلف ،لا نجوتُ إنْ نجا. فأحاط بهم المسلمون وقَتَل أمية وابنه علي ، وكان عبد الرحمن يقول: " رحم الله بلالاً ذهبت أدراعي وفَجَعَنِي بأسيرَيَّ ".
وقُتِل حنظلة بن أبي سفيان بن حرب قتله علِى بن أبي طالب.
ولما انهزم المشركون أمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يُقْتَل أبو البختري بن هشام لأنه كان أخف القوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة؛ وكان ممن اهتم في نقض الصحيفة فلقيه المُجَذَر (1) بن زياد البَلْوِيّ حليف الأنصار ومعه زميل له ، فقال له: إن رسول الله قد نهى عن قتلِك.
فقال: وزميلي. فقال المجذر: لا والله. قال: إذا والله لأموتن أنا وهو، ولا تتحدث نساء قريش أني تركت زميلي حرصاً على الحياة. فقتل ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبره. وجيءَ بالعباس أسره أبو اليُسر وكان مجموعاً (2)، وكان العباس جسيماً. فقيل لأبي اليسر: كيف أسرتَه ؟ قال: أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك بهيئة كذا وكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أعانك عليه مَلَكٌ كريم. ولما أمسى العباس مأسوراً بات رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ساهراً أول ليلة، فقال له أصحابه: يا رسول الله مالك لا تنام. فقال :سمعتُ تضور (3) العباس في وَثَاقِهِ فمنع مني النوم. فقاموا اليه فأطلقوه. فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه يومئذ: قد عرفت رجالاً من بني هاشم وغيرهم أُخْرِجُوا كُرْهاً فمَن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله ، ومَنْ لقيَ العباس بن عبد المطلب فلا يقتله فإنه أخرج كرهاً(4) ، فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: أنقتل أبناءنا وآباءنا وإخواننا ونترك العباس ! والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال لعمر: يا أبا حفص أما تسمع قول أبي حذيفة أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟
فقال أبو حذيفة: لا أزال خائفاً من تلك الكلمة ولا يكفِّرها عني إلا الشهادة فقُتل يوم اليمامة شهيداً.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: قد رأيت جبريل وعلى ثناياه النَقْع (1). فقال رجل من بني غفار: أقبلت أنا وابن عم لي فصعدنا جبلًا يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننظر لمن تكون الدائرة فننتهب فدنت منا سحابة فسمعت فيها حمحمة الخيل وسمعتُ قائلًا يقول: أقدِم حيِزوم. قال: فأما ابن عمي فمات فكأنه ، وأما أنا فكِدْت أهلك فتماسكت. وقال أبو داود المازني ، إني لاتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذ وقع رأسَه قبل أنْ يصل سيفي إليه فعرفتُ أنه قتله غيري. وقال سهل بن حنيف: كان أحدُنا يشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف. فلما هَزَم الله المشركين وقُتل منهم من قتل واسر من أسر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ تطرح القتلى في القَلِيْب فطرحوا فيه إلا أمية بن خَلَف فإنه انتفخ في درعه فملأها فذهبوا به ليخرجوه فتقطع وطرحوا عليه من التراب والحجارة ما غيبه ، ولما ألقوا في القليب وقف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقال :
( يا أهل القَلِيب بِئْسَ عشيرة النبي كنتم لنبيكم ، كذبتموني وصدَّقني الناس ".
ثم قال: يا عُتْبة، يا شيبة، يا أمية بن خلف ، يا أبا جهل بن هشام -وعَدَد مَنْ كان في القليب - هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني وجدتُ ما وعدني ربي حقاً. فقال له أصحابه: أتكلم قوماً موتى ! فقال: ما أنتم بأسمع لِمَا أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أنْ يجيبوني.
ولما قال صلى الله عليه وسلم لأهل القليب ما قال رأي في وجه أبي حذيفة بن عتبة الكراهية وقد تغير فقال: لعلك قد دَخَلَك من شَأن أبيك شيء؟ قال: لا والله يا رسول الله ما شككت في أبي وفي مصرعه ولكنه كان له عقل وحِلْمٌ وفَضْلٌ فكنتُ أرجو له الاسلام ، فلما رأيت ما مات عليه من الكفر أحزنني ذلك. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فجمع ما في العسكر فاختلف المسلمون ، فقال مَن جمعه: هو لنا. وقال الذين كانوا يقاتلون العدو: والله لولا نحن ما أصبتموه نحن شَغلَنَا القومُ عنكم حتى أصبتم ما أصبتم. وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في العريش: والله ما أنتم بأحق به منا لقد رأينا أنْ نأخذ المتاع حين لم يكن له مَنْ يمنعه. ولكن خفنا كَرًةَ العدو على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمنا دونه. فنزع الله الأنفال من أيديهم وجعلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسّمها بين المسلمين على سواء، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن رواحة بشيراً إلى أهل العالية، وزيد بن حارثة بشيراً إلى أهل السافلة من المدينة ، فوصل زيد وقد سَوّو التراب على رُقَيًة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت زوجة عثمان بن عفان خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وقسم له ، فلما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه الناس يهنئونه بما فتح الله عليه ، فقال، سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري: إنْ لقينا الأعجائز صلعاً (1) كالبدن المعقلة (2) فنحرناها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال: يا بن أخي أولئك الملأ من قريش ، وكان في الأسري النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ، فأمر علي بن أبي طالب بقتل النضر فقتله بالصفراء ، وأمر عاصمَ بن ثابت بقتل عُقْبَة بن أبي مَعَيْط ؛ فلما أرادوا قتله جزع من القتل ،وقال: مالي أسوة بهؤلاء – يعني الأسرى-؟ ثم قال: يا محمد مَنْ للصَبْيَة؟ قال: النار.
فقتله بعرق الظبية صبراً (3). وكان في الأسرى سُهَيْل بن عمرو أسره مالك بن الدَّخْشَم (4) الأنصاري ، فلما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر بن الخطاب: دعني انزع ثنيتيه يا رسول الله فلا يقوم عليك خطيباً أبداً - وكان سهيل أعلم - (5). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه يا عمر فسيقوم مقاماً تحمده عليه. فكان مقامه ذلك عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ، وسنذكره عند خبر الردة إنْ شاء الله. ولما قدم به المدينة قالت له سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : أعطيتم بأيديكم كماتفعل النساء! ألا متم كراماً. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قولها فقال لها: يا سودة على الله وعلى رسوله (1)؟
فقالت: يا رسول الله ما مَلَكَتْ نفسي حين رأيتُه أنْ قلتُ ما قلتُ. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استوصوا بالأسري خيراً. وكان أحدهم يؤثر أسيره بطعامه.
فكان أول من قَدِمَ مكة بمصاب قريش الحيسمان بن أياس الخزاعي فقالوا: ما وراءك ؟
قال: قُتِلَ عتبة وشيبة، وأبو الحكم ،. ونُبَيْه ، ومنبه ابنا الحجاج ، وعَدد أشراف قريش. فقال صفوان بن أمية: والله إنْ يعقل (2) فاسألوه عني. فقالوا: ما فعل صفوان. قال: هو ذاك جالس في الحِجْر وقد رأيت أباه وأخاه حين قُتِلاَ. ومات أبو لهب بمكة بعد وصول خبر مقتل قريش.بتسعة أيام ، وناحت قريش على قتلاهم ، ثم قالوا: لا تفعلوا فيَشْمَتْ محمدٌ وأصحابه ، ولا تبعثوا في فداء أسراكم لا يشتط عليكم محمد. وكان الأسود بن عبد يغوث قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة، وعقيل ، والحارث. وكان يحب أن يبكي على بَنِيْه فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة فقال لغلامه وقد ذهب بصره: انْظُرْ هل أحل البكاء لِعليِّ أبكي على زمعة فإنّ جوفي قد احترق. فرجع إليه ، وقال له: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلّته فقال :
أتبكي أنْ يضل لها بعيرٌ ويمنَعُهَا من النوم السهود!
ولا تبكي على بكرٍ ولكن على بدرٍ تقاصرتْ الجدود!
على بدر سراة بني هُصيْص ومخزوم ورهط أبي الوليد (3)
فبكى إن بكيت على عقيل وبكى حارثاً أسد الأسود
وبكيهم ولا تسمى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء 2
» ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء الثالث
» ذكر قصة الشورى وقصة عثمان رضي الله عنه (ذاكرة التاريخ الاسلامي)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى بيت الأسرة :: المنتدى الاسلامي :: المكتبة الاسلامية-
انتقل الى: