منتدى بيت الأسرة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى بيت الأسرة


 
الرئيسيةبوابة الأسرةأحدث الصورالتسجيلدخول
نرحب مجددا بجميع أعضاء بيت الأسرة ,, ويسعدنا تننشيط عضويتكم بالتواصل على جوالي بالنسبة للأعضاء ,, وعلى جوال أم عبدالله بالنسبة للأخوات ,, وبامكان الجميع التواصل معي على ايميلي aabohadi @hotmail.com ,, متمنين للجميع سنة جميلة مليئة بالحب والتواصل
 


 

 ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ماجد قادري
عضو ذهبي
عضو ذهبي
ماجد قادري


نقاط : 8655
سمعة العضو : 5
الموقع : صبيا

ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء 2 Empty
مُساهمةموضوع: ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء 2   ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء 2 Icon_minitimeالجمعة أبريل 30, 2010 4:01 am

ودخلت السنة الثالثة من الهجرة
في المحرم سنة ثلاث. سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ جَمْعاً من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان ، وبني محارب بن حفص ، تجمعوا ليصيبوا من المسلمين فسار إليهم في أربعمائة وخمسين رجلَاَ، فلما صار بذي القَصة لقي رجلاً من ثعلبة فدعاه إلى الاسلامٍ فأسلم وأخبره أنّ المشركين أتاهم خبره فهربوا إلى رؤوس الجبال فعاد ولم يلق كيدا ، وكان مقامه اثنتي عشرة ليلة. وفيها في جمادى الاولى غزا بني سليم ببجْرَان ، وسبب هذه الغزوة أنّ جمعاً من بني سليم تجمعوا ببجران من ناحية الفرع ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسار إليهم في ثلاثمائة فلمّا بلغ بحران وجدهم قد تفرقوا فانصرف ولم يلق كيداً، وكانت غيبته عشر ليال واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم.
ذكر قتل كعب بن الأشْرَف الاليهودي
وفي هذه السنة قتل كعب بن الأشرف وهو أحد بني نبهان من طّيِئ ،وكانت أمه من بني النضير وكان قد كبر عليه قتل من قتل ببدر من قريش فسار إلى مكة وحَرَّض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى أصحاب بدر، وكان يشبب بنساء المسلمين (1) حتى آذاهم ، فلما عاد إلى المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لي من ابن الأشرف ؟ فقال محمد بن مسلمة الأنصاري: أنا لك به ، أنا اقتله. قال: فافعل إنْ قدرتَ على ذلك. قال :يا رسول الله
لا بد لنا ما نقول(1). قال: قولوا ما بدا لكم فأنتم في حلٍّ من ذلك.
فاجتمع محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة،والحارث بن أوس بن معاذ -وكان أخا كعب من الرضاعة -وعباد بن بشر، وأبو عَبْس بن جبر. ثم قدّموا إلى ابن الاشرف أبا نائلة فتحدث معه ثم قال له: (2)يا بن الأشرف إنىِ قد جئتُك لحاجة فاكتمها على. قال: افعل. قال: كان قدوم هذا الرجل شُوماً على العرب ، قطع عنا السبل حتى ضاعت العيال وجهدت البهائم. فقال كعب: قد كنتُ أخبرتك بهذا ، قال: أبو نائلة: وأريد أن تبيعنا طعاماً ونرهنك ونوثق لك وتحسن في ذلك قال: ترهنوني أبناءكم(3). قال: أردت أن تفضحنا إنَ معي أصحابي على مثل رأيي تبيعهم وتحسن ونجعل عندك رَهْناً من الحلقة ما فيه وفاء - وأراد أبو نائلة بذكر الحلقة
وهي السلاح أنْ لا ينكر السلاح إذا جاء مع اصحابه -فقال: إن في الحلقة لوفاء.
فرجع أبو نائلة إلى أصحابه فأخبرهم فأخذوا السلاح وساروا إليه ، وشيّعهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، ودعا لهم فلما انتهوا إِلى حصن كعب هتف به أبو نائلة وكان كعب قريب عهد بعُرْس فوثب إليه وعليه ملحفة وتحدثوا ساعة وسار معهم إلى شِعْب العجوز، ثم إن أبا نائلة أخذ برأس كعب وشَم بيده وقال: ما رأيت كالليلة طيباً أعْرَف قط ، ثم مشى ساعة وعاد لمثلها حتى اطمأن كعب ثم مشى ساعة وأخذ بفود(4) رأسه ، ثم قال: اضربوا عدو الله فاختلفتْ عليه أسيافهم فلم تُغْنِ شيئاً. قال محمد بن مسلمة: فذكرتُ مغولًا(5) في سيفي فأخذته وقد صاح عدو الله صيحةً لم يبق حولنا حصنٌ ألاأوقِدَتْ عليه نار، قال: فوضعته في ثُنته (1) ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته ووقع عدوُّ الله وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ أصابه بعض أسيافنا. قال: فخرجنا على بُعاث وقد أبطأ علينا صاحُبنَا فوقفنا له ساعة وقد نزفه الدم ، ثم أتانا فاحتملناه وجئنا به للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بقَتل عدو الله ، وتَفَلَ على جُرْح صاحبنا وعُدْنَا إلى أهلينا فأصبحنا وقد خافت اليهود لِوَقْعَتنا بعدو الله فليس بها اليهوديّ إلّا وهو يخاف على نفسه. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ ظفرتم به من رجال اليهود فاقتلوه ". فوثب محيصة بن مسعود(2) على ابن سُنَيْنَةُ الاليهودي وهو من تجار اليهود فقتله وكان يبايعهم ، فقال له أخوه حويصة وهو مشرك: يا عدو الله قتلته أما والله لرب شحم في بطنك من ماله ، وضربه. فقال محيصة. لقد أمرني بقتله مَنْ لو أمرني بقتلك لقتلتك. قال: فوالله إنْ كان لأول إسلام حويصة، فقال: إن ديناً بلغ بك ما أرى لعجب ثم أسلم.
وفي ربيع الأول منها تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم ونجى بها في جمادى الآخرة. وفيها ولد السائب بن زيد(3) ابن أخت نمير. وقال الواقدي وفيها غزا ا رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم غزوة أنمار، يقال لها: دوام وقد ذكرنا قول ابن اسحاق قبل ذلك. وفيها كان غزوة الفَرْدة وكان أميرها زيد بن حارثة ، وهي أول سرية خرج فيها زيد أميراً ، وكان من حديثها أنّ قريشاً خافت من طريقها التي كانت تسلك إلى الشام بعد بدر فسلكوا طريق العراق فخرج منهم جماعة. فيهم صفوان بن أمية، وأبو سفيان وكان عظيم تجارتهم الفضة ، وكان دليلهم فرات بن حيان من بكر(1) بن وائل فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً.فلقيهم على ماء يقال له الفردة فأصاب العير وما فيها وأعجزه الرجال فقدِمَ بها على آ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الخُمْس عشرين ألفاً، وقَسّم الأربعة أخماس على السوية وأتي بفرات بن حيان أسيراً فأسلم فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(الفردة) ماء بنجد وقد اختلف العلماء في ضبطه فقيل فَرْدة بالفاء المفتوحة والراء الساكنة وبه مات زيد الخيل ويرد ذكره ، وضَبَطه ابن الفرات في غير موضع قردة بالقاف ، وقال ابن إسحاق: وسيّر زيد بن حارثة إلى الفَرَدة ماء من مياه نجد ضبطه ابن الفرات أيضاً بفتح الفاء والراء فإن كانا مكانين وإلا فقد ضبط ابن الفرات أحدهما خطأ.
ذكر قَتْل أبي رافع
في هذه السنة، في جمادى الآخرة قتل أبو رافع سلآم بن أبي الحُقَيْق الاليهودي ،وكان يظاهر كعبَ بن الأشرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قُتل كعب بن الأشرف وكان قتلته من الأوس. قالت الخزرج: واللّه لا يذهبون بها علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم -وكانا يتصاولان تصاول الفَحْلين - فتذاكر الخزرج مَنْ يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كابن الأشرف فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخَيْبر فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله فأذن لهم فخرج إليه من الخزرج عبد الله بن عَتِيْك (2) ومسعود بن سنان (3)، وعبد الله بن أنيس ، وأبو قتادة (4)، وخزاعي بن الأسود (5) حليف لهم وأمّر عليهم عبد الله بن عَتِيْك فخرجوا حتى
قدموا خيبر فأتوا دار أبي رافع ليلاً ، فلم يَدَعوا باباً في الدار إلا أغلقوه على أهله وكان في عُلية فاستأذنوا عليه فخرجت امرأته فقالت: من أنتم ؟ قالوا: نفس من العرب يلتمسون المِيْرة. قالت: ذاك صاحبكم فادخلوا عليه.
فدخلوا ، فلما دخلوا أغلقوا باب العُلية ووجدوه على فراشه وابتدروه ، فصاحت المرأة فجعل الرجل منهم يريد قتلها فيذكر نهي النبي صلى الله عليه وسلم إياهم عن قتل النساء والصبيان فيُمْسك عنها، وضربوه بأسيافهم ، وتحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه في بطنه ، حتى أنفذه ، ثم خرجوا مِنْ عنده ، وكان عبد اللهّ بن.عَتِيْك سيء البصر فوقع من الدرجة فوثئت (1) رجله وثأ شديداً، فاحتملوه واختفوا وطلبتهم اليهود في كل وجه فلم يروهم فرجعوا إلى صاحبهم فقال المسلمون: كيف نعلم أنّ عدو الله قد مات ؟ فعاد بعضهم ودخل في الناس فرأي الناس حوله وهو يقول: لقد عرفتُ صوت ابن عَتِيْك ثم قلت ؟ أين ابن عتيك. ثم صاحت امرأته وقالت: مات والله. قال: فما سمعتُ كلمة ألذ إلى نفسي منها، ثم عاد إلى أصحابه وأخبرهم الخبر وسمع صوت الناعي يقول: انعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز، وساروا حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، واختلفوا في قتله ، فقال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " هاتوا أسيافكم "فجاؤوا بها فنظر إليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس ، هذا قتله ، أري فيه أثر الطعام. وقيل في قتله (2): إن رسول الله بعثَ إلى أبي رافع الاليهودي وكان بأرض الحجاز رجالاً من الأنصار وأمّر عليهم عبدالله بن عتيك وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنوا منه غربت الشمس وراح الناس بسرحهم ، فقال عبد الله بن عَتِيْك لأصحابه: أقيموا مكانكم ، فإني أنطلق وأتلطّف للبواب لعلي أدخل. فانطلق فأقبلَ حتَى دنا مِن الباب فتقنّع بثوبه كأنه يقضي حاجته فهتف به البواب إنْ كنتَ تريد أنْ تدخل فادخل فإني أريد أن أغلق الباب. فدخل ، وأغلق الباب ، وعَلّق المفاتيح على وتد، قال: فقمتُ فأخذتها ففتحتُ بها الباب وكان أبو رافع يَسْمَر عنده في علالي له ، فلما أراد النوم ذهب عنه السمار فصعدتُ إليه فجعلتُ كلما فتحتُ باباً أغلقته على مِنْ داخل ، فقلت: إنْ علموا بي لم يخلصوا إليّ حتى أقتله. قال: فانتهيت إِليه فإذا هو في بيتٍ مظلم وسط عياله لا أدري أين هو؟ فقلت: أبا رافع. قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فضربته ضربة بالسيف وأنا دهش فما أغنى عني شيئاً وصاح فخرجت من البيت غير بعيد ثم دخلتُ عليه فقلت: ما هذا الصوت ؟ قال: لأمك الويل إنّ رجلًا في البيت ضربني بالسيف. قال: فضربته فأثخنته فلم أقتله ثم وضعتُ حد السيف في بطنه حتى أخرجته من ظهره ، فعرفتُ أني قتلته فجعلت أفتح الأبواب وأخرج حتى انتهيتُ إلى درجة فوضت رجلي وأنا أظن أني انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة وانكسرت لأش ساقي فعصبتُها بعمامتي وجلست عند الباب فقلت: والله لا أبرح حتى أعلم أقتلته أم لا. فلما صاح الديك قام الناعي فقال: أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز فانطلقتُ إلى أصحابي فقلت: النجاء قد قَتَل الله أبا رافع ، فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال: ابسط رجلك فبسطتها فمسحها فكأنّي لم أشتكها قط ، قيل: كان قتل أبي رافع في ذي الحجة سنة أربع من الهجرة والله أعلم.
( سلّام ) بتشديد اللام و( حُقَيْق ) بضم الحاء المهملة وفتح القاف الأولى تصغير حق.
وفيهِا تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب في شعبان ، وكانت قبله تحت ( خُنيْس ) -وهو ابن حذافة السهمي فتوفي فيها.

ذكر غزوة أحُد (1)
وفيها في شوال لسبع ليال خلون منه كانت وقعة أحُد، وقيل للنصف منه. وكان الذي أهاجها وقعة بدر، فإنه لما أصِيْب من المشركين مَن أصيب ببدر مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية وغيرهم ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهِم وإخوانهم بها فكلموا أبا سفيان ؛ ومن كان له في تلك العير تجارة وسألوهم أنْ يعينوهم بذلك المال على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدركوا ثأرهم منهم ففعلوا وتجهز الناس وأرسلوا أربعة نفر وهم عمرو بن العاص ، وهبيرة بن أبىِ وهب ، وابن الزبعرى وأبو عزة الجمحي ، فساروا في العرب ليستنفروهم ، فجمعوا جمعاً من ثقيف وكنانة وغيرهم واجتمعت قريش بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وتهامة، ودعا جبير بن مُطَعّم غلامه وَحْشِي بن حرب وكان حبشياً يقدف بالحربة قلّما يخطىء فقال له: اخرج الناس فإنْ قتلت عم محمد بعمي طعيمة بن عَدِيّ فأنت عتيق ، وخرجوا معهم بالظُعُن (2) لئلا يفروا، وكان أبو سفيان قائد الناس فخرج بزوجته هند بنت عتبة وغيره من رؤساء قريش ، خرجوا بنسائهم ، خرج عكرمة بن أبي جهل بزوجته أمّ حكيم بنت الحارث بزَ هشام ، وخرج الحارث بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة أخت خالد، وخرج صفوان بن أمية ببريرة – وقيل: برزة بنت مسعود الثقفية أخت عروة بن مسعود وهي أمّ ابنه عبد الله بن صفوان –وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج وهي أمّ ولده عبد الله بن عمرو، وخرج طلحة بن أبي طلحة بسلافة بنت سعد؛ وهي أمّ بنيه مسافع والجلاس وكلّاب وغيرهم ، وكان مع النساء الدفوف يبكين على قتلى بدر يحرضنَ بذلك المشركين.
وكان مع المشركين أبو عامر الراهب الأنصاري وكان خرج إلى مكة مباعداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه خمسون غلاماً من الأوس - وقيل: كانوا خمسة عشر- وكان يَعِدُ رز ، قريشاً أنه لو لقيَ محمداً لم يتخلف عنه من الأوس رجلان فلما التقى الناس باه حُد كان ؟ أبو عامر أول من لقيَ في الأحابيش وعبدان أهل مكة، فنادى: يا معشر الأوس أنا أبو عامر. فقالوا: فلا أنعم الله بك عيناً يا فاسق. فقال: لقد أصاب قومي بعدي شَر. ثم قاتلهم قِتَالاً شديداً حتى راضخهم بالحجارة.
وكانت هند كلما مرّت بوحشيّ أو مر بها قالت له: يا أبا دُسْمَة (1)أشف واستشف - وكان يكنى أبا دُسْمَة - فأقبلوا حتى نزلوا بعينين بجبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مما يلي المدينة. فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قال: إني رأيتُ بَقَراً فأوّلتُها خيراً، ورأيتُ في ذُباب سيفي ثلماً (2) ، ورأيتُ أنّي أدخلتُ يدي في دِرْعٍ حصينة فأوّلتها المدينة فإنْ رأيتم أنْ تقيموا بالمدينة وتَدَعوهم فإنْ أقاموا اقاموا بشر مقام وانْ دخلوا علينا قاتلناهم فيها.
وكان رأىُ عبد الله بن أبَي بن سلول مع رَأي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الخروج ، وأشار بالخروج جماعة ممن استشهد يومئذ وأقامت قريش يوم الأربعاء والخميس والجمعة، ؤ وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حِين صلى الجمعة فالتقوا يوم السبت نصف شوال فلما لَبس رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحه وخرج ندم الذين كانوا أشاروا بالخروج إلى قريش وقالوا: استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشير عليه ، فالوحيُ يأتيه فيه فاعتذروا إليه وقالوا: اصنع ما شئت. فقال: " لا ينبغي لنبي أن يلبس لأمته (3) فيضعها حتى يقاتل ".
فخرج في ألف رجل واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم فلما كان بين المدينة واحُد عاد عبد الله بن أبيّ بثُلُث الناس. فقال: أطاعهم وعصاني وكان من تبعه أهل النفاق والريب واتّبعهم عبد الله بن حرام أخو بني سلمة يُذكرهم الله أن لا يخذلوا نبيهم. فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم وانصرفوا. فقال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم. وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة فسار في حرّة بني حارثة وبين أموالهم ، فمر بمال رجل من المنافقين يقال له: مربع بن قيظى وكان ضرير البصر، فلما سمع حِسّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه قام يحثي التراب في وجوههم ويقول: إنْ كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي وأخذ حفنة من تراب في يده ، وقال: لو أعلم أني لا أصيب غيرك لضربت به وجهك ، فابتدروه ليقتلوه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تفعلوا فهذا الأعمى ، أعمى البصر وأعمى القلب " ، فضربه سعد بن زيد بقوسٍ فشجّه ، وذبّ فرس بذنبه فأصاب كلّاب (1) سيف صاحبه فاستله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيوفكم فإني أرى السيوف سَتُسَلُّ اليوم.
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نزل بعدوة الوادي ، وجعل ظهره وعسكره إلى أحُد،وكان المشركون ثلاثة آلاف. منهم سبعمائة دارع ، والخيل مائتي فرس ، والظعن خمس عشرة امرأة، وكان المسلمون مائة دارع ، ولم يكن من الخيل غير فرسين فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفرس لأبي بردة بن نيار (2)، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم المقاتلة، فردّ زيد بن ثابت ، وابن عمر، وأسيد بن ظهير (3) والبراء بن عازب ، وعرابة بن أوس ، وأبا سعيد ا لخدري ، وغيرهم ، وأجاز جابر بن سَمرَة ، ورافع بن خَديج.
وأرسل أبو سفيان إلى الأنصار يقول: خلوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم فلا حاجة لنا إلى قتالكم. فردوا عليه بما يكره ، وتعبى (4) المشركون ، فجعلوا على ميمنتهم خالد بن الوليد، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل ، وكان لواؤهم مع بني عبد الدار، فقال لهم أبو سفيان: إنما يؤتى الناسُ من قِبَل راياتهم فإما أن تَكْفُونا وإما أن تُخَلُّوا بيننا وبين اللواء، يحرضهم بذلك. فقالوا: ستعلم إذا التقينا كيف نصنع ،.
واستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وترك أحُداً خلف ظهره ، وجعل وراءه الرماة، وهم خمسون رجلاً وافر عليهم عبد الله بن جبير (1) أخا خَوّات بن جبير وقال له: انضحْ عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خَلْفنَا إنْ كانت لنا أو علينا، واثبت مكانك لا نؤتين من قبلك.
وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين دِرْعَيْن وأعطى اللواء مُصْعَب بن عُمَيْر وأمّر الزبير على الخيل ومعه المقداد، وخرج حمزة بالجيش بين يديه ، وأقبل خالد وعكرمة، فلقيهما الزبير والمقداد فهزما المشركين ، وحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهزموا أبا سفيان ، وخرج طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين ،.وقال: يا معشر أصحاب محمد إنكم تزعمون أنّ الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة فهل أحدٌ منكم يعجّله سيفي إلى الجنة أو يعجلني سيفه إلى النار؟فبرز إليه علي بن أبي طالب فضربه علي فقطعَ رجله فسقط وانكشفت عورته ، فناشده الله والرحم فتركه فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعلي: ما مَنَعَكَ أنْ تُجْهِزَ عليه قال: إنّه ناشدني الله والرحم فاستحييت منه. وكان بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف فقال: مَنْ يأخذه بحقه ؟ فقام إليه رجال فأمسكه عنهم ، حتى قام أبو دُجَانة (2) فقال: وما حقُّهُ يا رسول الله ؟ قال: تضرب به العَدُوَّ حتى ينحني. قال: أنا آخُذُه. فأعطاه إياه. وكان شجاعاً، وكان إذا أعلم بعصابةٍ له حمراء علم الناسُ أنه يقاتل - فعصب رأسه بها وأخذ السيف ؟ وجعل يتبختر بين الصفين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنها مِشْيَة يبغضها الله إلا في هذا الموطن (3) ". فجعل لا يرتفع له شيءٌ إلا حَطمه حتى انتهى إلى نسوة في سفح الجبل معهن دفوف لهن فيهن امرأة تقول :
نحن بنات طارق نمشي على النمارق (1) مشي القطا البوارق والمسك في المفارق والدرُّ في المخانق (2) إنْ تُقْبِلُوا نُعَانِق ونفرشُ النمارق أو تدبروا نفارق فراق غير وامق (3)
وتقول أيضاً :
ويها بني عبد الدار ويها حماة الأدبار (4) ضرباً بكل بتار
فرفع السيف ليضربها ثم أكرم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يضرب به امرأة، وكانت المرأة هند والنساء معها يضربن بالدفوف خلف الرجال يحرضْنَ.
واقتتل الناس قتالًا شديداً وأمعن (5) في الناس حمزة وعلي وأبو دجانة في رجالٍ من المسلمين ، وأنزل الله نصره على المسلمين وكانت الهزيمة على المشركين ، وهرب النساءُ مُصَعِّدات في الجبل ، ودخل المسلمون عسكرهم ينهبون. فلما نظر بعض الرماة إلى العسكر حين انكشف الكفار عنه أقبلوا يريدون النًهْبَ ، وثبتت طائفة وقالوا: نطيع رسول الله ونثبت مكاننا فأنزل الله تعالى: ( مِنْكم مَنْ يُرِيْدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَن يُّرِيْدُ الآخِرَةَ) (6) يعني اتّباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن مسعود: وما علمت أنّ أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزلت الآية. فلما فارق بعض الرماة مكانهم رأي خالد بن الوليد قِلَّةَ مَنْ بقيَ من الرماة، فحملَ عليهم فقتلهم وحملَ على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مِنْ خلفهم فلما رأى المشركون خيلهم تقاتل تبادروا فشدوا عنى المسلمين فهزموهم وقتلوهم ، وقد كان المسلمون قَتَلُوا أصحاب اللواء فبقي مطروحاً لا يدنو منه أحد، فأخذته عَمْرة بنت علقمة الحارثية فرفعته فاجتمعت قريش حوله وأخذه صواب (7) فقتل عليه ، وكان الذي قتل أصحاب اللواء عليّ - قاله أبو رافع ، قال: فلما قتلهم أبصر النبي صلى الله عليه وسلم جماعةً من المشركين فقال لعلي: احمل عليهم ، ففرّقهم وقتل فيهم ، ثم أبصر جماعة أخرى فقال له: احمل عليهم ، فحمل عليهم وفرقهم وقتل فيهم ، فقال جبريل: يا رسول الله هذه المواساة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّه مِنّي وأنا منه ". فقال جبريل: " وأنا منكما "، قال: فسمعوا صوتاً: " لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتىً إلا عَلِيّ " (1).
وكسرتْ رباعية (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم السُفْلَى وشقَّت شفته وكَلِمَ (3) في وجنته وجبهته في أصول شعره ، وعلاه ابن قمئة بالسيف وكان هو الذي أصابه -وقيل أصابه عتبة بن أبي وقاص ، وقيل: عبد الله بن شهاب الزهري جد محمد بن مسلم ، وقيل: إن عتبة بن أبي وقاص وابن قمئة الليثي الأدرمي من بني تيم بن غالب (4) وكان أدرم ناقص الذقن وأبى بن خلف الجمحي ، وعبد الله بن حميد الأسدي أسد قريش تعاقدوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما ابن شهاب فأصاب جبهته وأما عتبة فرماه بأربعة أحجار فكسر رباعيته. اليمنى وشق شفته. وأما ابن قمئة فكلم وجنته ودخل من حلق المغفر فيها وعلاه بالسيف فلم يطق أن يقطع فسقط رسول الله صلى الله عليه وسلم فجحشت ركبته (5) ، وأما أبَيّ بن خلف فشد عليه بحربة فأخذها رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم منه وقتله بها، وقيل: بل كانت حربة الزبير أخذها منه ، وقيل: أخذها من الحارث بن الصمة ، وأما عبد الله بن حميد فقتله أبو دجانة الأنصاري.
ولما جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسحه ويقول: "كيف يفلحُ قومٌ خضبوا وَجْهَ نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله "؟ (6).
وقاتل دونه نفر خمسة من الأنصار فقُتِلُوا ، وترّس (7) أبو دجانة (Cool رسول الله صلى الله عليه وسلم
بنفسه فكان يقع النبل في ظهره وهو منحنٍ عليه ، ورمى سعد بن أبي وقاص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناوله السهم ويقول: ارم فِدَاكَ أبي وأمي ، وأصيبتْ يومئذ عين قتادة بن النعمان (1) فردّها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فكانت أحسن عينيه.
وقاتل مصعب بن عمير ومعه لواء المسلمين فقُتِلَ قَتَله ابن قمئة الليثي وهو يظن أنه النبي صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش ، وقال: قتلتُ محمداً فجعل الناس يقولون: قُتل محمد، قُتل محمد، ولما قُتِل مصعب أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء عليّ بن أبي طالب. وقاتلَ حمزة حتى مرَّ به سباع بن عبد العزى الغبشاني ، فقال له حمزة: هَلُتَم إليّ يا بن مُقَطِّعَة البظور وكانت أمه أم أنمار خَتّانة بمكة فلما التقيا ضربه حمزة فقتله. قال وحشي: إني والله لأنظر إلى حمزة وهو يهذ الناس بسيفه هَذّاً ما يلقى شيئاً يمر به إلا قَتَلَه ، وقتل سِباع بن عبد العزى قال: فهززتُ حربتي ودفعتُها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجتْ من بين رجليه ، وأقبل نحوي فقُلِب فوقَعَ فأمهلته حتى مات ، جئت فأخذت حربتي ثم تنحيتُ إلى العسكر، فرضيَ اللهّ عن حمزة وأرضاه.
وقَتَل عاصم بن ثابت مسافعِ بن طلحة وأخاه كلاب بن طلحة بسهمين فحُمِلَا إلى أمهما سلافة (2) وأخبراها أنّ عاصماَ قتلهما فنذرتْ إنْ أمكنها الله من رأسه أنْ تشرب فيه الخمر. وبرز عبد الرحمن بن أبي بكر وكان مع المشركين وطلب المبارزة فأراد أبو بكر أن يبرز إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شم سيفك وأمتعنا بك ، وانتهى أنس بن النضر (3) عم أنس بن مالك إلى عمر وطلحة في رجال من المهاجرين قد ألقوا بأيديهم فقال: " ما يحبسكم "؟ قالوا: قد قُتِل النبي صلى الله عليه وسلم ! قال: فما تصنعون بالحياة بعده ؟ موتوا على ما مات عليه.
ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل فوُجد به سبعون ضربة وطعنة، وما عرفه إلا اخته عرفته بحسن بنانه.
وقيل: إن انس بن النضر سمع نفراً من المسلمين يقولون لما سمعوا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قُتل: ليت لنا من يأتي عبد الله بن أبيّ بن سلول ليأخذ لنا أمَاناً من أبي سفيان قبل أن يقتلونا. فقال لهم أنس: يا قوم إنْ كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل ، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد، اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء،ثم قاتل حتى قتل.
وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك قال: فناديتُ بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله حيّ لم يُقْتَل فأشار إليه " أنصت " (1) فلما عَرِفه المسلمون نهضوا نحو العب ومعه علي ، وأبو بكر، وعمر، وطلحة، والزبير، والحارث بن الصمة وغيرهم ، فلما أسند إلى الشِّعب أدركه أبي بن خلف ، وهو يقول: يا محمد لا نجوتُ إنْ نجوتَ. فعطف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطعنه بالحربة في عنقه ، وكان أبَيّ يقول بمكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ عندي العود فرساً أعلفه كل يوم فرَقاً من ذرة أقتلك عليه ، ثم فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: " بل أنا أقتلك إنْ شاء الله تعالى "، فلما رجع إلى قريش وقد خَدَشَه رسول الله صلى الله عليه وسلم خدشاً غير كبير قال: قتلني محمد. قالوا: والله ما بك بأس. قال إنه قد كان قال لي " أنا أقتلك " فوالله لو بصق علىّ لقتلني فمات عدوّ الله بسَرَف (2).
وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد قتالاً شديداً، فرمى بالنبل حتى فني نبله ، وانكسرتْ سية (3) قوسه ، وانقطع وتره.
ولما جرح رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم جعل عليّ ينقل له الماء في درقته من المِهْراس (4) ويغسله فلم ينقطع الدم فأتت فاطمة وجعلت تعانقه وتبكي وأحرقتْ حصيراً وجعلت على (4)هو ما عطف من طرفي القوس. الجرح مِنْ رماده فانقطع الدم.
ورمى مالك بن زهير الجشمي النبي صلى الله عليه وسلم فاتقاه طلحة بيده. فأصاب السهم خنصره ، وقيل: رماه حبان بن العرقة فقال: حِسّ (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قال: باسم الله لدخل الجنة والناس ينظرون إليه. وقيل: إن يده شُلّت إلا السبابة والوسطى والأول أثبت.
وصد أبو سفيان ومعه جماعة من المشركين في الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس لهم ان يعْلُونَا " ، فقاتلهم عمر وجماعة من المهاجرين حتى أهبطوهم ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصخرة ليعلوها وكان عليه درعان فلم يستطع فجلس تحته طلحة حتى صعد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أوجبَ طلحة ،وانتهت الهزيمة بجماعة المسلمين. فيهم عثمان بن عفان وغيره إلى الأعوص ، فأقاموا به ثلاثاً ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم حين رآهم ، لقد ذهبتُم فيها عريضة. والتقى حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة، وأبو سفيان بن حرب ، فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأسود وهو ابن شعوب فدعاه أبو سفيان فأتاه فضرب حنظلة فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه لتغسله الملائكة، فسلوا أهله " فسُئِلَتْ صاحبته. فقالت: خرج وهو جنب سمع الهائعة (2) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لذلك غسّلته الملائكة ".
وقال أبو سفيان: يذكر صبره ومعاونة بن شعوب إياه على قتل حنظلة.
ولو شئت نجتني كميت (3) طِمرّة (4) ولم أحمل النعماء لابن شعوب
فما زال مُهري مَزجر الكلب منهم لدن غدوة حتى دنت لغروب
أقاتلهم وأدّعي يا آل غالب وادفعهم عني بركن صليب
فبكى ولا ترعى مقالة عاذل ولا تسأمي من عبرة بنحيب
أباك وأخواناً لنا قد تتابعوا وحق لهم من عبرة بنصيب
وسليّ الذي قد كان في النفس أنني قتلت من النجار كل نجيب
ومن هاشم قرماً نجيباً (1) ومصعباً (2) وكان لدى الهيجاء غير هيوب
ولو أنني لم أشف منهم قرونه لكانت شجا (3) في القلب ذات نُدوب
فأجابه حسان بقوله :
ذكرتُ القروم الصيد (4) من آل هاشم ولست لزوى قلته بمصيب
أتعجب أن أقصدت حمزة منهم عشاء وقد سميته بنجيب
ألم يقتلوا عمراً وعتبة وابنه وشيبة والحجاج وابن حبيب
غداة دعا العاصي علياً فراعه بضربة عضب بله بخضيب
ووقعت هند وصواحباتها على القتلى يمثلْن بهم واتخذت هند من آذان الرجال وآنافهم خدماً (5) وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وَحْشِيّا، وبقرتْ عن كبد حمزة فلاكَتْهَا فلم تستطع أنْ تسيغها فلفظتها.
ثم أشرف أبو سفيان على المسلمين فقال: أفي القوم محمد؟ثلاثاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه.. ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاثاً؟ ثم قال: أفي القوم عمر بن الخطاب ؟ ثلاثاً. ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا. فقال عمر: كذبتَ أي عدو الله قد أبقي الله لك ما يخزيك. فقال: اعْلُ هُبَل ، اعْلُ هُبَل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قولوا الله أعلى وأجلّ ". فقال أبو سفيان: إنّ لنا العُزَي ولا عُزَّي لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا الله مولانا ولا مولى لكم. فقال أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمداً. قال عمر: اللهم لا وإنه ليسمع كلامك. فقال: أنت أصدق من ابن قمئة. ثم قال: هذا بيوم بدر والحرب سِجَال ، أمَا إنّكم ستجدون في قتلاكم مثلة واللهّ ما رضيتُ ولا سخطتُ ولا نهيتُ ولا أمرتُ.
واجتاز به الحليس بن زبان سيد الأحابيش وهو يضرب في شِدْق (1) حمزة بزج الرمح ويقول: ذق عُقق. فقال الحُلَيس: يا بني كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه كما ترون لحماً. فقال أبو سفيان: اكتمها عني فإنها زلة. وكانت أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء من الأنصار يسقين الماء فرماها حِبانَ (2) بن العرقة بسهم فأصاب ذيلها فضحك ، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن أبي وقاص سهماً وقال: ارمه. فرماه فأصابه فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال: " استقاد لها سعد، أجاب الله دعوتك ، وسدد رميتك ". ثم انصرف أبو سفيان ومن معه ، وقال: إنّ موعدكم العام المقبل. ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً في أثرهم ، وقال: انظر فَإنْ جنبوا الخيل وامتطوا الِإبل فإنهم يريدون مكة، وإنْ ركبوا الخيل فإنهم يريدون المدينة فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأناجِزَنَهُم. قال علي: فخرجت في أثرهم فامتطوا الإبل وجنبوا الخيل يريدون مكة ، فأقبلت اصيح (3) ما أستطيع أن أكتم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالكتمان. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً أنْ ينظر في القتلى فرأى سعد بن الربيع الأنصاري وبه رَمَق فقال للذي رآه: " أبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له: جزاك الله عنا خير ما جزي نبياً عن أمته ، وأبلغ قومي السلام وقل لهم: لا عذر لكم عند الله إنْ خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أذى وفيكم عين تطرف ". ثم مات. ووُجد حمزة ببطن الوادي قد بُقِرَ بطنه عن كبده ومُثلَ به فجدع أنفه وأذناه فحين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لولا أنْ تحزن صفية أو تكون سُنَة بعدي لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش لأمثلهن بثلاثين رجلاً منهم. وقال المسلمون: لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب ، فأنزل الله في ذلك ( وإنْ عَاقَبْتُم فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عِوقِبْتم به )(4) الآية فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة.
وأقبلت صفية بنت عبد المطلب فقال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم لأبنها الزبير: " لتردها لئلا تري ما بأخيها حمزة فلقيها الزبير فأعلمها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنه بلغني أنه مُثّل بأخي وذلك في الله قليل فما أرضانا بما كان من ذلك لأحتسبن ولأصبرن ".
فأعلم الزبير النبىَ صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: خَل سبيلها. فأتته وصلت عليه واسترجعت ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به فدُفن.
وكان في المسلمين رجل اسمه قزمان وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه من أهل النار فقاتل يوم أحد قتالًا شديداً فقتل من المشركين ثمانية أو تسعة، ثم جرح فحُمل إلى داره ، وقال له المسلمون. أبشر قزمان. قال بم أبشر! وأنا ما قاتلتُ إلا عن أحساب قومي. ثم اشتد عليه جرحه فأخذ سهماً فقطع رواهشه (1) فنزف الدم فمات ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أني رسول الله. وكان. ممن قتل يوم أحد مخيريق الاليهودي قال ذلك اليوم لاليهود: يا معشر اليهود لقد علمتم أنّ نصر محمد عليكم حق. فقالوا: إنّ اليوم يوم السبت. فقال: لا سبت. وأخذ سيفه وعدته وقال: إن قتلت فمالي لمحمد يصنع به ما يشاء. ثم غدا فقاتل حتى قتل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مخيريق خير اليهود. (2)
وقتل اليمان أبو حذيفة قتله المسلمون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعه وثابت بن قيس بن وقش مع النساء فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان: ما ننتظر أفلا نأخذ أسيافنا فنلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله أن يرزقنا الشهادة؟ ففعلا ودخلا في الناس ولا يعلم بهما فأما ثابت فقتله المشركون، وأما اليمان فاختلف عليه سيوف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه فقال حذيفة: أبي أبي. فقالوا: والله ما عرفناه. فقال: يغفر الله لكم. وأراد رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَدِيَه فتصدق حذيفة بدِيَته على المسلمين.
واحتمل بعض الناس قتلاهم إلى المدينة،فأمر رسول الله في صلى الله عليه وسلم بدفنهم حيث صُرِعُوا، وأمر أنْ يدفن الإِثنان والثلاثة في القبر الواحد وأنْ يقدم إلى القبلة أكثرهم قراناً وصلى عليهم ، فكان كلما أتِيَ بشهيد جعل حمزة معه ، وصلى عليهما، وقيل: كان يجمع تسعة من الشهداء وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم.
ونزل في قبره عليّ ، وأبو بكر، وعمر، والزبير، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفرته.
وأمر أنْ يُدْفَن عمرو بن الجموح ، وعبد الله بن حرام في قبر واحد وقال: كانا متصافيين في الدنيا.
فلما دفن الشهداء انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيته حمنة بنت جحش (1) فنعى لها أخاها عبد الله فاسترجعت له ثم نعى أخاها حمزة فاستغفرت له ، ثم نعى لها زوجها مصعب بن عمير فولولت وصاحت ؛ فقال: " إن زوج المرأة منها لبمكان "،.
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدار من دور الأنصار فسمع البكاء والنوائح فذرفت عيناه بالبكاء وقال: "لكن حمزة لا بواكي له "(2). فرجع سعد بن معاذ إلى دار بني عبد الأشهل فأمر نساءهم أنْ يذهبن فيبكين على حمزة.
ومرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار قد أصيب أبوها وزوجها فلما نُعِيا لها قالت :
ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: هو بحمد الله كما تحبين.
قالت: أرونيه ، فلما نظرت إليه قالت: كُلُّ مصيبةٍ بعدك جلل. وكان رجوعه إلى المدينة يوم السبت يوم الوقعة.
ذكر غزوة حمراء الأسد
لما كان الغد من يوم الأحد أذَّن مؤذن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بالغزو، وقال: " لا يخرج معنا إلا مَنْ حضر بالأمس ".
فخرج ليظن (1)الكفار به قوة،وخرج معه جماعة جرحن يحملون نفوسهم وساروا حتى بلغوا حمراء الأسد - وهي من المدينة على سبعة أميال - فأقام بها الاثنين ين والثلاثاء والأربعاء، ومر به معبد الخزاعي وكانت خزاعة مسلمهم ، ومشركهم عيبة نصح (2) لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة، وكان معبد مشركاً فقال: يا محمد لقد عَز علينا ما أصابك. ثم خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم فلقيَ أبا سفيان ومن معه بالروحاء قد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستأصلوا المسلمين بزعمهم فلما رأى أبو سفيان معبداً. !بر قال :ما وراءك ؟
قال: محمدٌ قد خرج في أصحابه يطلبكم في جَمْعٍ لم أرَ مثله ، قد جمع معه مَنْ. تخلف عنه وندموا على ما صنعوا، وما ترحل حتى تري نواصي الخيل.
قال: فواللّه قد أجمعنا الرجعة لنسأتصل بقيتهم. قال: إني أنهاك عن هذا. فثنى ذلك (3)أبا سفيان ومَنْ معه ، ومر بأبي سفيان ركبٌ من عبد القيس. فقال لهم: بلّغوا عني محمداً رسالة وأحَمّل لكم إبلكم هذه زبيباً بعكاظ. قالوا: أ. قال: أخبروه أنّا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصلهم.
فمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه فقال صلى الله عليه وسلم : حسبنا الله ونعم الوكيل.
ثم عاد إلى المدينة، وظفر في طريقه بمعاوية بن المغيرة بن أبي العاص وبأبي عزة عمرو بن عبيد الله الجمحي ، وكان قد تخلف عن المشركين بحمراء الأسد ، ساروا وتركوه نائماً وكان أبو عزة قد أسِرَ يوم بدر فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فداء لأنه شكا إليه فقراً وكثير عيال فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه العهود أنْ لا يقاتله ولا يُعِيْن على قتاله فخرج معهم يوم أحُد وحرّض على المسلمين فلما أتِيَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال له: يا محمد امنن عليّ. قال: المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. وأمر به وقتل.
وأما معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية وهو الذي جَدَعَ أنف حمزة ومثّل به مع من مثل به وكان قد أخطأ الطريق فلما أصبح أتن دار عثمان بن عفان فلما رآه قال له عثمان: أهلكتني وأهلكت نفسك. فقال: أنت أقربهم مني رَحِماً وقد جئتك لتجيرني. وأدخله عثمان داره وقصد رسول الله في صلى الله عليه وسلم ليشفع في فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول: إنّ معاوية بالمدينة فاطلبوه ، فأخرَجُوه من منزل عثمان وانطلقوا به إِلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال عثمان: والذي بعثك بالحق ما جئت الا لأطلب له أماناً فَهِبْه لي.
فوهبه له وأجَّله ثلاثة أيام ، وأقسم لئن أقام بعدها ليقتلنه فجهزه عثمان وقال له: ارتحل. وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد وأقام معاوية ليعرف أخبار النبي صلى الله عليه وسلم . فلما كان اليوم الرابع قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن معاوية أصبح قريباً ولم يبعد فأطلبوه فطلبه زيد بن حارثة وعمار فأدركاه بالحماة فقتلاه ، وهذا معاوية جد عبد الملك بن مروان بن الحكم لأمه..
وفيها قيل: ولد الحسن بن علي في النصف من شهر رمضان. وفيها علقت فاطمة بالحسين وكان بين ولادتها وحملها خمسون يوماً.
وفيها حملت جميلة بنت عبد الله (1) بن أبَيّ عامر (2)غسيل الملائكة في شوال.

ودخلت السنة الرابعة من الهجرة
ذكر غزوة (1) الرجيع
. في هذه السنة في صفر كانت غزوة الرجيع ، وكان سببها أن رهطاً من عَضل والقارة قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنّ فينا إِسلاماً فآبعث لنا نفراً يفقهوننا في الدين ويقرؤننا القرآن. فبعث معهم ستة(2) نفر وأمّر عليهم عاصم بن ثابت(3) - وقيل: مرثد بن أبي مرثد - فلما كانوا بالهَدْأة(4)، غدروا واستصرخوا عليهم حَيَّا من هُذَيل يقال لهم: بنو لحيان (5) فبعثوا لهم مائة رجل فالتجأ المسلمون إلى جبل فاستنزلوهم، وأعطوهم العهد فقال عاصم: والله لا أنزل على عهد كافر، اللهم خَبَر نبيك عنا، وقاتلهُم هو ومرثد، وخالد بن البكير، ونزل إليهم ابن الدثنة، وخبيب بن عدي (6)ورجل آخر فأوثقوهم. فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أتبعكم فقتلوه. وانطلقوا بخبيب وابن الدثنة فباعوهما بمكة فأخَذَ خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل وكان خبيب هو الذي قتل الحارث بأحُد فأخذوه ليقتلوه بالحارث فبينما خبيب عند بنات الحارث استعار مِنْ بعضهنّ موسى يستحد بها للقتل فدب صبي لها فجلس على فخذ خبيب والموسى في يده فصاحت المرأة ، فقال خبيب: أتخشين أنْ أقتله. إنّ الغدر ليس من شأننا. فكانت المرأة تقول: ما رأيتُ أسيراً خيراً من خبيب ؛ لقد رأيته وما بمكة ثمرة وإنّ في يده لقطفاً من عنب يأكله ما كان ألا رزقاً رزقه الله خبيباً. فلما خرجوا من الحرم بخبيب ليقتلوه قال: ردوني أصَلِّي ركعتين ، فتركوه فصلاهما فجَرْت سُنَّةُ لمن قُتِلَ صبراً، ثم قال خبيب: لولا أنْ تقولوا جزع لزدت ، وقال أبياتاً منها :
ولَسْتُ أبالي حين أقْتَلُ مسلماً على أي شِق كان في الله مصرعي
وَذَفِكَ فِي ذَاتِ الِإفه وإنْ يَشأ يبارك على أوصال شلو ممزع (1)
اللهم أحصِهِم عدداً واقتلهم بدداً(2) ثم صلبوه. وأما عاصم بن ثابت فإنهم أرادوا رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد وكانت نذرتْ أنْ تشرب الخمر في رأس عاصم لأنه قتل ابنيها بأحد فجاءت النحل فمنعته ، فقالوا: دعوه حتى لُمْسي فنأخذه. فبعث الله الوادي فاحتمل عاصماً، وكان عاهد الله أنْ لا يمس مشركاً ولا يمسه مشرك فمنعه الله في مماته كما منع في حياته ، وأما ابن الدثنة فان صفوان بن أمية بعث به مع غلامه نسطاس إلى التنعيم ليقتله بأبنيه فقال نسطاس: أنشدك الله أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وإنك في أهلك. قال: ما أحب أن محمداً الآن مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي ، فقال أبو سفيان: ما رأيتُ من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً، ثم قتله نسطاس.
ذكر إرسال عمرو بن أمية لقتل أبي سفيان
ولما قُتِلَ عاصم وأصحابه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى مكة مع رجل من الأنصار، وأمرهما بقتل أبي سفيان بن حرب ، قال عمرو: فخرجت أنا ومعي بعيرٌ لي وبرجل صاحبي علة فكنت أحمله على بعيري حتى جئنا بطن يأجج (1) فعقلنا بعيرنا في فناء شِعْب وقلت لصاحبي: انطلق بنا إلى دار أبي سفيان لنقتله فإنْ خشيتَ شيئاً فالحق بالبعير فاركبه ، والحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر وخَلِّ عني فإني عالمٌ بالبلد.
فدخلنا مكة ومعي خنجر قد أعددته إن عاقني إنسان ضربته به فقال لى صاحبى: هل لك ان نبدأ فنطوف ونصلي ركعتين فقلت :إن أهل مكة يجلسون بأفنيتهم وأنا أعرف بها فلم يزل بي حتى أتينا البيت فطُفنا وصلينا ثم خرجنا فمررنا بمجلس لهم فعرفني بعضُهم فصرخ بأعلى صوته هذا عمرو بن أمية. فثار أهلُ مكة إلينا وقالوا: ما جاء إلّا لشرّ، وكان فاتكاً متشيطناً في الجاهلية.
فقلت لصاحبي: النجاء هذا والله الذي كنت أحذر، أما أبو سفيان فليس إليه سبيل فانج بنفسك فخرجنا نشتد حتى صعدنا الجبل فدخلنا غاراً فبِتْنَا فيه ليلتنا ننتظر أنْ يسكن الطلب. قال: فوالله إني لفيه إذْ أقبل عثمان بن مالك التيمي يختل بفرس له فقام على باب الغار فخرجتُ إليه فضربته بالخنجر تحت الثدي فصاح صيحة أسمَع أهل مكة، فأقبلوا إليه ورجعتُ إلى مكاني فوجدوه وبه رَمَق فقالوا: مَنْ ضربك ؟ قال: عمرو بن أمية. ثم مات ولم يقدر يخبرهم بمكاني وشغلهم قتل صاحبهم عن طلبي فاحتملوه ، ومكثنا في الغار يومين حتى سكن عنا الطلب ، ثم خرجنا إلى التنعيم فإذا بخشبة خبيب ، وحوله حرس فصعدت خشبته فاحتللته واحتملته على ظهري فما مشيتُ به إلا نحو أربعين خطوة حتى نذروا بي ؛ فطرحتُه فاشتدوا في أثري فأخذتُ الطريق فأعيوا ورجعوا وانطلق صاحبي فركب البعير وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره ، وأما خبيب فلم يُرَ بعد ذلك ، وكأن الأرض ابتلعته. قال: وسرتُ حتى دخلتُ غاراً بضَجَنَان (2) ومعي قوسي وأسهمي فبينا أنا فيه إذ دخل على رجلٌ من بني الدئل أعور طويل يسوق غنماً فقال: مَنْ الرجل ؟ قلت: من بني الدئل فاضطجع معي ورفع عقيرته يتغنى ويقول :
ولستُ بمسلم مادمتُ حياً ولستُ أدينُ دين المسلمينَا
ثم نام فقتلته أسوأ قِتْلَة ثم سرتُ فإذا رجلان بعثتهما قريش يتجسسان أمْرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرميتُ أحدهما بسهم فقتلته ، واستأسرتُ الأخر فقدمتُ على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرتُه الخبر فضحك حتى بَدَتْ نواجذه ودعا لي بخير.
وفي هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة أم المساكين من بني هلال في شهر رمضان ، وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث فطلقها، وولى المشركون الحج في هذه السنة.

ذكر بثر مَعُونَة
في هذه السنة في صَفَر قتل جمع من المسلمين ببئر معونة، وكان سبب ذلك أن أبا براء بن عازب بن عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة سيد بني عامر بن صعصعه قدم المدينة وأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدية فلم يقبلها، وقال: يا أبا براء لا أقبلُ هديةَ مشرك ، ثم عَرَضَ عليه الِإسلام ، فلم يبعد عنه ولم يسلم ، وقال: إنّ أمرك هذا حسن ، فلو بعثت رجلاً من أصحابك إلى أهل نجد يدعوهم إلى أمرك لرجوتُ أن يستجيبوا لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخشى عليهم أهل نجد. فقال أبو براء: أنا لهم جار. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا فيهم المنذر بن عمروالأنصاري ، والحارث بن الصمة، وحرام بن مِلْحَان ، وعامر بن فُهَيْرة وغيرهم -قيل: كانوا أربعين -فساروا حتى نزلوا ببئر معونة(1) من أرض بني عامر، وحرة بني سليم فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل ، فلما أتاه لم ينظر إلى الكتاب وعدا على حرام فقتله. فلما طعنه قال: الله أكبر فزتُ ورب الكعبة.
واستصرخ بنى عامر فلم يجيبوه وقالوا: لن نخفر أبا براء فقد أجارهم، فاستصرخ بنى سليم،عصية ورعل وذكوان ، فأجابوه وخرجوا حتى أحاطوا بالمسلمين فقاتلوهم حتى قتِلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد الأنصاري ، فإنهم تركوه وبه رَمَق فعاش ، حتى قُتِلَ يوم الخندق. وكان في سرح القوم عمرو بن أمية ورجلٌ من الأنصار فرأيا الطير تحوم على العسكر فقالا: إنّ لها لشأناً فأقبلا ينظران فإذا القوم صرعى وإذا الخيلُ واقفة فقال عمرو:.نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر. فقال الأنصاري: لا أرغب بنفسي عن موطن فيه المنذر بن سرو ثم قاتل القويم حتى قتل ، فأخذوا عمرو بن أمية أسيراً، فلماعلم عامر أنه من مَعَد أطلقه ، وخرج عمرو حتى إذا كان بالقرقرة لقيَ رجلين من بني عامر فنزلا معه ومعهما عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلم به عمرو فقتلهما ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الخبر فقال له: لقد قتلت قتيلين لأدينهما، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عمل أبي براء، فشق عليه ذلك. وكان فيمن قتل عامر بن فهيرة(1)، فكان عامر بن الطفيل يقول: مَنْ الرجل منهم لما قُتِلي رُفِعَ بين السماء والأرض ؟ قالوا: هو عامر بن فهيرة. وقال حسان بن ثابت يحرَض بني أبي براء على عامر بن الطفيل :
بني أم البنين ألم يرعكم وأنتم من ذوائب أهل نجد.
تهكم عامر بأبي براء ليخفره وما خطأٍ كعمد
في أبياتٍ له ، فقال كعب بن مالك :
لقد طارت شعاعاً كل وجه خفارة ما أجار أبو براء
في أبيات أخرى. فلما بلغ ربيعة بن أبي براء ذلك حمل على عامر بن الطفيل فطعنه فخر عن فرسه فقال: إنْ متُ فدمي لعمي. وأنزل الله عز وجل في أهل بئر معونة قرآناً ( بَتَغُوا قومَنَا عنا أنا ق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء 4
» ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)
» ذكر قصة الشورى وقصة عثمان رضي الله عنه (ذاكرة التاريخ الاسلامي)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى بيت الأسرة :: المنتدى الاسلامي :: المكتبة الاسلامية-
انتقل الى: