منتدى بيت الأسرة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى بيت الأسرة


 
الرئيسيةبوابة الأسرةأحدث الصورالتسجيلدخول
نرحب مجددا بجميع أعضاء بيت الأسرة ,, ويسعدنا تننشيط عضويتكم بالتواصل على جوالي بالنسبة للأعضاء ,, وعلى جوال أم عبدالله بالنسبة للأخوات ,, وبامكان الجميع التواصل معي على ايميلي aabohadi @hotmail.com ,, متمنين للجميع سنة جميلة مليئة بالحب والتواصل
 


 

 ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء 4

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ماجد قادري
عضو ذهبي
عضو ذهبي
ماجد قادري


نقاط : 8656
سمعة العضو : 5
الموقع : صبيا

ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء 4 Empty
مُساهمةموضوع: ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء 4   ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء 4 Icon_minitimeالجمعة أبريل 30, 2010 4:04 am

ذكر مكاتبة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الملوك
وفيها بعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسل إلى كسري ، وقيصر، والنجاشي ، وغيرهم وأرسل حاطب بن أبي بلتعة إلي المقوقس بمصر، وأرسل شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ، وأرسل دِحْيَة إلى قيصر، وأرسل سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي ، وبعث عبد اللّه بن حُذَافة إلي كسرى، وأرسل عمرو بن أمية الضمريّ إلى النجاشي ، وأرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي أخي عبد القيس ، وقيل: إنّ إرساله كان سنة ثمان والله أعلم.
فأما المقوقس فإنّه قبل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأهدي إليه أربع جوار، منهن مارية أم ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما قيصر وهو هرقل فإنه قبل كتاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وجعله بين فخذيه وخاصرته ، وكتب إلى رجل برومية كان يقرأ الكتاب يخبره شأنه فكتب إليه صاحب رُوْمِيَّة إنه النبي الذي كنا ننتظره لا شك فيه فاتبعه وصدِّقه ، فجمع هرقل بطارقة الروم في الدسكرة(1) وغلقت أبوابها ثم اطلع عليهم من علية وخافهم على نفسه وقال لهم: قد أتاني كتاب هذا الرجل يدعوني إلى دينه وإنه والله النبي الذي نجده في كتابنا فهلم فلنتبعه ونصدقه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا. فنخروا نخرة رجل واحد، ثم ابتدروا الأبواب ليخرجوا فقال: ردوهم عليّ وخافهم على نفسه ، وقال لهم: إنما قلتُ لكم ما قلتُ لأنظر كيف صلابتكم في دينكم ؟ وقد رأيت منكم ما سرني فسجدوا له ، وانطلق وقال لدحية: إني لأعلم أنّ صاحبك نبي مرسل ، ولكني أخاف الروم على نفسي ، ولولا ذلك لاتبعته فاذهب إلى الأسقف الأعظم في الروم واذكر له أمر صاحبك وانظر ما يقول لك ، فجاء دحية وأخبره بما جاء به من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الأسقف: والله إن صاحبك نبيُّ مرسل ؛ نعرفه بصفته ، ونجده في كتابنا، ثم أخذ عصاه وخرج على الروم وهم في الكنيسة فقال: يا معشر الروم: قد جاءنا كتاب من أحمد يدعونا إلى الله وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، قال: فوثبوا عليه فقتلوه. فرجع دحية إلى هِرقل وأخبره الخبر قال: قد قلت: إنا نخافهم على أنفسنا. وقال: قيصر للروم: هلموا نعطيه الجزية فأبوا فقال: نعطيه أرض سورية وهي الشام ونصالحه فأبوا، واستدعي هرقل أبا سفيان وكان تاجراً إلى الشام في الهدنة فحضر عنده ومعه جماعة من قريش أجلسهم هرقل خلفه ، وقال: إني سائله فإنْ كذب فكذبوه. فقال أبو سفيان: لولا أنْ يؤثرَ عني الكذب لكذبت ، فسأله عن النبي قال: فصغَّرتُ له شانه فلم يلتفتْ إلى، قولي ، وقال: كيف نسبه فيكم ؟ قلت: هو أوسطنا نسباً، قال: هل كان من أهل بينه من يقول مثل قوله ؟ قلت لا. قال: فهل له فيكم ملك سلبتموه إياه ؟ قلت: لا. قال: فمن اتبعه منكم ؟ قلت: الضعفاء والمساكين والأحداث من الغلمان والنساء. قال: فهل يحبه من يتبعه ويلزمه أو يقليه وتفارقه ؟ قلت: ما تبعه رجل ففارقه ، قال: فكيف الحرب بينكم.وبينه ؟ قلت: سجال يدال علينا وندال عليه ، قال: هل يغدر؟ قال: فلم أجد شيئاً أغمز به غيرها قلت: لا ونحن منه في هدنة لا نأمن غدره. قال: فما التفت إليها قال أبو سفيان: فقال لي هرقل: سألتك عن نسبه فزعمت أنه من أوسط الناس وكذلك الأنبياء وسألتك هل قال أحد من أهل بيته مثل قوله فهو متشبه به ؟ فزعمت أن لا،فسألتك هل سلبتموه ملكه فجاء بهذا لتردوا عليه ملكه ؟ فزعمت أن لا. وسألتك عن أتباعه فزعمتَ أنهم الضعفاء والمساكين وكذلك أتباع الرسل ، وسألتك ، عمن يتبعه أيحبه أم يفارقه ؟ فزعمت أنهم يحبونه ولا يفارقونه. وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلباً فتخرج منه ، وسألت هل يغدر؟ فزعمت أن لا ولئن صدقتَني ليغلبن على ما تحت قدميّ هاتين ولوددتُ أني عنده فأغسل قدميه ، انطلق لشأنك. قال: فخرجتُ وأنا أضرب إحدى يدي بالأخري وأقول أي عباد اللّه لقد أمَر أمر ابن أبي كبشة(1) أصبح ملوك الروم يهابونه في سلطانهم ! قال: وقدم عليه دحية بكتاب النبى صلى الله عليه وسلم : " بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللّه إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهدى أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين إنْ توليت فإن إثم الأكارين (2) عليك.
وأما الحارث بن أبي شمر الغساني فأتاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شجاع بن وهب فلما قرأه عليهم قال: من ينزع مني ملكي أنا ساتر إليه. فلما بلغ قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بادَ مُلكه.
وأما النجاشي فإنه لما جاءه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم آمن به واتبعه وأسلم علي يد جعفر بن أبي طالب وأرسل إليه ابنه في ستين من الحبشة فغرقوا في البحر، وأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت مهاجرة بالحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش فتنصر وتوفي بالحبشة فخطبها النجاشي إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابت وزوجها وأصدقها النجاشي أربعمائة دينار، فلما سمع أبو سفيان تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة قال: ذاك الفحل لا يقدع أنفه(1).
وأما كسرى فجاءه كتاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن حذافة فمزّق الكتاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مزق الله ملكه"وكان كتابه: " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من تبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وإني أدعوك بدعاء الله وإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين ، فأسلم تسلم وإن توليت فإن إثم المجوس عليك "، فلما قرأه شَقَه قال: يكتب إليّ بهذا وهو عندي !
ثم كتب إلى باذان وهو باليمن أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به ! فبعت باذان بابويه وكان كاتباً حاسباً ورجلًا آخر من الفرس وكتب معهما يأمره بالمسير معهما إلى كسرى، وتقدم إلى بابويه أن يأتيه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعتْ قريش بذلك ففرحوا ، وقالوا: أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك ، كفيتم الرجل ، فخرجا حتى قَدِمَا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما فكره النظر إليهما وقال: وتلكما مَنْ أمركما بهذا. قالا: ربنا. يعنينان الملك. فقال: لكن ربي أمرني أن أعفيَ لحيتي وأقص شاربي ، فأعْلَمَاه بما قدما له ، وقالا: إنْ فعلتَ كَتَبَ باذان فيك إِلي كسري وإنْ أبيتَ فهو يهلكك ويهلك قومك. فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ارجعا حتى تأتيان غداً.
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء إنّ الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله في شهر كذا وليلة كذا فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرهما بقتل كسرى. وقال لهما: قولا له إنّ ديني وسلطاني سيبلغ ملك كسرى وتنتهي منتهى الخف والحافر، وأمرهما أن يقولا لباذان: أسلِم فإن أسْلَمَ أقرّه على ما تحت يده وأملكه على قومه ، ثم أعطى خرخسره منطقة ذهب وفضة أهداها له بعض الملوك. وخرجا فقدما على باذان وأخبراه الخبر فقال: والله ما هذا كلام ملك وإني لأراه نبياً ولننظرن فإنْ كان ما قال: حقاً فإنه لنبي مرسل ، وإنْ لم يكن فنري فيه رأينا. فلم يلبث باذان أنْ قدم عليه كتاب شيرويه يخبره بقتل كسرى وأنّه قتله غضباً للفرس لما استحل من قتل أشرافهم وتأمره بأخذ الطاعة له باليَمَن وبالكف عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أتاه كتاب شيرويه أسلم وأسلم معه أبناء من فارس ، وكانت حِمْير تسمي خرخسره صاحب المعجزة والمعجزة بلغة حمير المنطقة.
وأما هوذة بن علي فكان ملك اليمامة فلما أتاه سليط بن عمرو يدعوه إلي الإسلام وكان نصرانياً أرسل إلي النبي صلى الله عليه وسلم وفداً فيهم مُجاعة بن مرارة والرجّال بن عنفوة يقول له: إنْ جعل الأمر له من بعده أسلم وسار إليه ونصره وإلا قصد حربه. فقال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " لا ولا كرامة ، اللهم اكفنيه ". فمات بعد قليل. وأما مجاعة والرجال فأسلما وأقام الرجال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأ سورة البقرة وغيرها وتفقه وعاد إلى اليمامة فارتدَ، وشهد أنّ رسول اللّه أشرك مسيلمة معه فكانت فتنته أشد من فتنة مسيلمة.
وأما المنذر بن ساوى والي البحرين: فلما أتاه العلاء بن الحضرمي يدعوه ومن معه بالبحرين إلى الاسلام أو الجزية وكانت ولاية البحرين للفرس فأسلم المنذر بن ساوى وأسلم جميع العرب بالبحرين ، فأما أهل البلاد من الاليهود والنصارى والمجوس فإنهم صالحوا العلاء والمنذر على الجزية من كل حالم دينار ولم يكن بالبحرين قتال إنما بعضهم أسلم وبعضهم صالح. وولي الحج في هذه السنة المشركون ، وفي هذه السنة ماتت أم رومان وهي أم عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم.
ودخلت سنة سبع
ذكر غزوة خيبر
لما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية أقام بالمدينة ذا الحجة وبعض المحرم وسار إلى خَيْبر في ألف وأربعمائة رجل معهم ماتتا فارس ، وكان مسيره إلى خيبر في المحرم سنة سبع واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري فمضى حتى نزل بجيشه بالرجيع (1) ليحول بين أهل خيبر وغطفان لأنهم كانوا مظاهرين لهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقصدت غطفان خيبر ليظاهروا اليهود عليه ثم خافوا المسلمين أنْ يخلفوهم في أهليهم وأموالهم فرجعوا ودخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم واليهود، فسار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقال في مسيره لعامر بن الأكوع عم سلمة بن عمرو بن الأكوع: حدُ لنا فنزل وحداهم تقول : والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فانزل سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحمك الله. فقال له عمر: هَلَّا أمتعتنا به يا رسول اللّه - وكان إذا قالها لرجل قُتل - فلما نازلوا خيبر بارز عامر فعاد عليه سيفه فجرحه جرحاً شديداً فمات منه فقال الناس: إنه قتل نفسه فقال سلمة ابن أخيه للنبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا فقال: كذبوا بل له أجره مرتين ، فلما تعرف عليها قال لأصحابه: قفوا. ثم قال: " اللهم رب السموات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما أذرين ، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشرما فيها اقدموا بسم الله ، وكان يقول ذلك لكل قرية يقدمها، ونزل على خيبر ليلاً ولم يعلم أهلها فخرجوا عند الصباح إلى عملهم بمساحيهم ومكاتلهم فلمارأوه عادوا وقالوا: محمد والله محمد والخميس معه يعنون الجيش. فقال النبي صلى الله عليه وسلم " الله أكبر خَرِبَتْ خيبر. إنّا إذا نزلنا بساحة قوم ( فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذِرِيْن ) ثلاثاً.
ثم حصرهم وضيّق عليهم وبدأ بالأموال يأخذها مالاً مالاً وتفتحها حصناً حصناً،فكان أول حصن افتتحه حصن ناعم وعنده قتل محمود بن سلمة ألقيت عليه منه رحى فقتلته ، ثم القموص حصن بني أبي الحُقَيْق ، وأصاب منهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سبايا، منهم صفية بنت حُيَّ بن أخطب وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وبنتي عم لها فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، وفشت السبايا في المسلمين ، وأكلوا لحوم الحمُر الأنسية، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، وكان الزبير بن باطا القرظيّ قد مَنَ على تابت بن قيس بن شماس في الجاهلية، يوم بُعَاث فأطلقه ، فلما كان الآن أتاه تابت فقال له: أتعرفني ؟ قال: وهل يجهل مثلي مثلك ؟ قال: أريد أنْ أجزيك بيدك عندي ، قال: إنّ الكريم تجزي الكريم ، فأتى تابت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: كان للزبير عندي يد أريد أنْ أجزيه بها فهَبْه لي فوهبه له ، فأتاه فقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك فهو لك ، قال: شيخٌ كبير لا أهلَ له ولا ولد.
فاستوهب تابت أهله وولده ، من رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبهم له ، فقال: الزبير أهل بيت بالحجاز لا مال لهم ، فاستوهب ثابت ماله من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فوهبه له فمنّ عليه بالجميع. فقال الزبير: أي تابت ما فعل الذي كان وجهه مرآة صقيلة يتراءى فيها عذارى الحيّ كعب بن أسد؟ قال: قتل ، قال: فما فعل سيداً لحاضر والبادي ، حي بن أخطب ؟ قال: قُتل: قال: فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا كررنا عزال بن سموال ؟ قال: قُتل. قال: فما فعل المجلسان يعني بني كعب بن قريظة ، وبني عمرو بن قريظة؟ قال: ذهبوا. قال: فإني سألك يا تابت بيدي عندك إلا ما ألحقتني بهم ، فواللّه ما في العيش بعدهم خير فقتله ، ثم افتتح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حصن الصعب - وهو أكثرها طعاماً وودكا -(1) ثم قصد حصنهم الوطيح والسلالم وكانا اخر ما افتتح حاصرهم رسول اللّه بضع عشرة ليلة، فخرج منه مرحب الاليهودي وقد جمع سلاحه ، وهو يقول :
قد علمتْ خيبر أني مَرحب شاكي السلاح بطل مجرّب
أطعن أحياناً وحيناً أضرب إذا الليوث أقبلت تلتهب
كان حِماي كالحمى لا يقرب
وسأل المبارزة فخرج إليه محمد بن مسلمة وقال: أنا والله الموتور الثائر. قتلوا أخي بالأمس ، فأقره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بمبارزته وقال: اللهم أعِنهُ عليه ، فخرج إليه فتقاتلا طويلاً، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة، فضربه فاتقاه بالدرقة، فوقع سيفه ، فيها فعضَت عليه وأمسكت ، فضربه محمد بن مسلمة حتى قتله ، ثم خرج بعده أخوه ياسر وهو يقول : قد علمت خيبر أنّي ياسر شاكي السلاح بطل مغاور
وطلب المبارزة ،وقيل: إن الذي قتل مرحباً وأخذ الحصن علي بن أبي طالب ، وهو الأشهر والأصح. قال بريدة الأسلمي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما أخذته الشقيقة(1) فيلبث اليوم ، واليومين لا يخرج ، فلما نزل خيبر أخذته ، فلم يخرج إلى الناس فأخذ أبو بكر الراية من رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً ، ثم رجع فأخذها عمر فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من القتال الأول ، ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما والله لأعطينها غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة - وليس ثَم علي كان قد تخلف بالمدينة لرمدٍ لحقه - فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مقالته هذه تطاولت لها قريش ورَجَا كل واحد منهم أنْ يكون صاحبَ ذلك فأصبح فجاء عَليّ على بعير له حتى أناخ قريباً من خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أرمد قد عَصَبَ عينيه بشقة برد قطري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك ؟ قال: رمدتْ بعدك. فقال له: ادنْ مني. فدنا منه فتفل في عينيه فما شكا وجعاً حتى مضى لسبيله ، ثم أعطاه الراية فنهض بها معه وعليه حلة حمراء فأتى خيبر فأشرف عليه رجل من اليهود فقال: من أنت ؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. فقال الاليهودي: غُلبتم يا معشر اليهود، وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مِغْفَر(2) يماني قد نقبه مثل البيضة على رأسه وهو يقول :
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
فقال علي : أنا الذي سمتني أمي حيدره كليثِ غاباتٍ كريه المنظرهْ أكيلهم بالسيف كيل السندره (1)
فاختلفا ضربتين فبدره عليّ فضربه فقدَ الحجفة والمغفر ورأسه حتى وقع في الأرض وأخذ المدينة، قال أبو رافع مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: خرجنا مع عليّ حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته إلى خيبر، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه اليهودي فطرح ترسه من يديه فتناول علي باباً كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتحها الله علي يديه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتنيِ في نفر منهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه ، وكان فتحها في صَفر فلما فتحت خيبر جاء بلال بصفية وأخرى معها على قتلى اليهود فلما رأتهم التي مع صفية صرختْ وصكَت وجهها وحثت التراب على رأسها، فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم. صفية وأبعد الأخرى وقال: إنها شيطانة لأجل فعلها ، وقال لبلال: أنزعت منك الرحمة؟ جئت بهما على قتلاهما، وكانت صفية قد رأت في منامها، وهي عروس لكنانة بن أبي الحقيق ، أنّ قمراً وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها ، فقال: ما هذا إلا أنك تتمنين مَلِكَ الحجاز محمداً، ولطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها فأتى بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وبها أثر منها وسألها ما هو فأخبرته ، ودفع كنانة بن أبي الحقيق إلى محمد بن مسلمة فقتله بأخيه محمود. وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم حصني أهل خيبر الوطيح ، والسلالم ، فلما أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيّرهم وتحقن دماءهم فأجابهم إلى ذلك ، وكان قد حاز الأموال كلها الشق ونطاة. والكتيبة، وجميع حصونهم فلما سمع بذلك أهل فَدْك بعثوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسألونه أنْ يُسَيِّرهم وتخلون له الأموال ففعل ذلك. ولما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف ، وأن يخرجهم إذا شاء فساقاهم على الأموال على الشرط الذي طلبوا وفعل مثل ذلك أهل فدك ، وكانت خيبر فَيْئاً للمسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب.
ولما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدتْ له زينب بنت الحارث امرأة سلاّم بن مشكم شاة مصلية(1) مسمومة فوضعتها بين يديه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور، فأكل بشر منها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة ". ثم دعا المرأة فاعترفت فقال: ما حملك على ذلك ؟ قالت: بلغتَ من قومي ما لم يَخْفَ عليك فقلت: إنْ كان نبياً فسيخبرَ، وإنْ كان ملكاً استرحنا منه. فتجاوز عنها، ومات بشر بن البراء من تلك الأكلة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: هذا الأوان وجدت انقطاع أبهري من أكلة خيبر، فكان المسلمون يرون أنه مات شهيداً مع كرامة النبوة. ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف إلى وادي القرى فحاصر أهله ليالي فافتتحه عنوة وفي حصاره قتل مدعم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي فقال المسلمون: هنيئاً له الجنة. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: كلا والذي نفس محمد بيده إنّ شملته الآن لتشتعل عليه ناراً وكان غلها من في المسلمين يوم خيبر. فسمعه رجل فأتاه فقال: يا رسول اللّه أصبت شراكين لنعلين لي كنت أخذتهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدّ لك مثلهما من النار ، وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل والأرض في أيدي أهل الوادي وعاملهم نحو ما عامل أهل خيبر فبقوا كذلك إلى أن وَليَ عمر الخلافة، فأجلاهم ، وقيل: إنه لم يجلهم لأنها خارجة عن الحجاز.
وفي هذه السفرة أعني خيبر نام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس والقصة مشهورة.
وشهد معه نساء من نساء المسلمين فرضخ لهن من الفيء(2).
وفي هذه السفرة قال الحجاج بن علاط السلمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ لي بمكة مالاً عند صاحبتي أم شيبة ابنة أبي طلحة وهي أم ابنه معرض بن الحجاج ومال متفرق في تجار مكة فأذن لي يا رسول الله فأذن له فقال: إنه لا بد من أنْ أقول. قال: قُلْ. فقدم الحجاج مكة فسأله أهل مكة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما صنع بخيبر ولم يكونوا علموا بإسلامه فقال لهم: إن اليهود هزمته وأصحابه وقتل أصحابه قتلاً ذريعاً وأسر محمد وقالتَ اليهود: لن نقتله حتى نبعت به إلى مكة فيقتلوه بين أظهرهم. فصاحوا بمكة بذلك فقال: أعينوني في جمع مالي حتى أقدم خيبر فأصيب من فل (1) محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار فجمعوه كله كأحث شيء فأتاه العباس وسأله عن الخبر فأخبره بعد أن جمع ماله بفتح خيبر وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ صفية بنت حي لنفسه وأنه قدم لجمع ماله وسأله أن يكتم عنه ثلاثاً خوف الطلب فكتم العباس الخبر ثلاثاً بعد مسيره ثم لبس حلة له وتخلّق وأخذ عصاه وخرج فطاف بالكعبة فلما رأته قريش قالوا: يا أبا الفضل هذا واللّه التجلد لحر المصيبة. قال: كلا والله لقد افتتح محمد خيبر وأخذ ابنة ملكهم وأحرز أموالهم ، وأخبرهم بخبر الحجاج. فقالوا: لو علمنا لكان له ولنا شان. وقسم من أموال خيبر الشق بين المسلمين وكانت الكتيبة خُمس الله والرسول وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فطعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وطعم رجال مشوا بين رسول اللّه وبين أهل فدك بالصلح وقسمت خيبر على أهل الحديبية فأعطى الفرس سهمين والرجل سهماً وأقر النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بخيبر، وأبو بكر بعده ، وعمر صَدْراً من إمارته حتى بلغه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: " لا يجتمع بجزيرة العرب دينان ".
فأجلى عمر من اليهود من لم يكن معه عهد من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.
ذكر فَدَك
لما انصرف رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم من خيبر بعث مُحَيْصة بن مسعود إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام ورئيسهم يومئذ يوشع بن نون الاليهودي ، فصالحوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على نصف الأرض فقبل منهم ذلك وكان نصف فدك خالصاً لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأنه لم يوجف (1) المسلمون عليه بخيل ولا رِكَاب يصرف ما يأتيه منها على أبناء السبيل ، ولم يزل أهلها بها حتى استخلف عمر بن الخطاب وأجلى يهود الحجاز فبعث أبا الهيثم بن أتي التيِّهَان ،وسهل بن أبي خيثمة، وزيد بن تابت فقوَمُوا نصف تربتها بقيمة عدل فدفعها إلى اليهود وأجلاهم إلى الشام.
ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي يصنعون صنيع رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فلما ولي معاوية الخلافة أقطعها مروان بن الحكم ، فوهبها مروان ابنيه. عبد الملك ، وعبد العزيز، ثم صارت لعمر بن عبد العزيز وللوليد وسليمان ابني عبد الملك بن مروان ، فلما ولي الوليد الخلافة وَهَبَ نصيبه عمر بن عبد العزيز، ثم لما ولي سليمان الخلافة فوهب نصيبه منها أيضاً عمر بن عبد العزيز، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة خطب الناس وأعلمهم أمر فدك وانه قد رَدّها إلى ما كانت عليه مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان ، وعلي ، فوليها أولاد فاطمة بنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذت منهم. فلما كانت سنة عشر ومائتين ردها المأمون إليهم.
وفي هذه السنة رد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع زوجها في المحرم.
وفيها قدم حاطب من عند المقوقس بمارّية أم ابراهيم بن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأختها سيرين ، وبغلته دلدل ، وسماره يعفور، وكسوة ، فأسلمت مارية وأختها قبل قدومهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ مارية لنفسه ووهب سيرين حسان بن ثابت الأنصاري فهي أم ابنه عبد الرحمن فهو وإبراهيم ابنا خالة.
وفيها اتخذ صلى الله عليه وسلم منبره الذي كان يخطب الناس عليه واتخذ درجتين ومقعدة وقيل: إنه عمل سنة ثمان وهو الثبت.
وفيها بعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب في ثلاثين رجلَاَ إلى عجز هوازن بتربة(1)، فهربوا منه ولم يلق كيداً ورجع.
وفيها كانت سرية بشير بن سعد والد النعمان بن بشير الأنصاري إلى بني مرة بفدك ، في شعبان في ثلاثين رجلًا أصيب أصحابه ، وارتثَّ في القتلى ، ثم رجع إلى المدينة. وفيها كانت سرية غالب بن عبد اللّه الليثي إلى أرض بني مرة. فأصاب مرداس بن نهيك حليفاً لهم من جُهَيْنة قتله أسامة بن زيد ورجل من الأنصار، قال أسامة: لما غشيناه قال: أشهد أن لا إله إلا الله ، فلم ننزع عنه حتى قتلناه فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبرناه الخبر فقال: يا أسامة كيف تصنع بلا إله إلا الله؟ ".وفيها كانت سرية غالب بن عبد الله أيضاً في مائة وثلاثين راكباً إلى بني عبد بن ثعلبة ، فأغار عليهم واستاق النعم والشاء وحدروها إلى المدينة.
وفيها كانت سرية بشير بن سعد إلى اليُمْن والجناب في شوال من سنة سبع ، وكان سببها أن جبيل بن نويرة الأشجعي كان دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنّ جمعاً من غطفان بالجناب قد مدهم عيينة بن حصن ، وأمرهم بالمسير إلى المدينة فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد فأصابوا نعماً وقتلوا مولى لعيينة، ثم لقوا جمع عيينة فهزمهم المسلمون ، وانهزم عيينة ، فلقيه الحارث بن عوف منهزماً ، فقال له: قد آن لك أن تقصر عما مضى.
ذكر عمرة القضاء
لما عاد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من خيبر أقام بالمدينة جماديين ورجب وشعبان ورمضان.
وشوالَاَ يبعث السرايا، ثم خرج في ذي الحجة معتمراً عمرة القضاء، وساق معه سبعين بدنة، وخرج معه المسلمون ممن كان معه في عمرته الأولى، فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه ، وتحدثت قريش بينها أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في عُسْرِ وجهد وحاجة فاصطفوا له عند دار الندوة لينظروا إليه ولأصحابه معه فلما دخلها اضَطبع بردائه ، فأخرج عضده اليمني ثم قال: " رحم الله امرءاً أراهم اليوم من نفسه قوة "، ثم استلم الركن وخرج يهرول ، ويهرول أصحابه معه (1).
وكان بين يديه لما دخل مكة عبد اللّه بن رواحة آخذاً بخطام ناقته ، وهو يقول :
خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا فكل الخير في رسوله
يا رب إني مؤمنٌ بقيله أعرف حق الله في قبوله
نحن قتلناكم على تأويله كما قتلناكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله
-وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم في سفره هذا بميمونة بنت الحارث ، وأقام بمكة ثلاثاً ، فأرسل المشركون إليه مع علي بن أبي طالب ليخرج عنهم ، فقال: ما عليهم لو أعرستُ أظهرهم وصنعنا لهم طعاماً فحضروه معنا ! فقالوا: لا حاجة لنا في طعامه ، فليخرج عنا. فخرج عنهم وبنى بميمونة بسرف (2) ثم انصرف إلى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع وبعث جيشه الذي أصيب بمؤتة وولى تلك الحجة المشركون.
وفيها كانت غزوة ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم في ذي القعدة فلقوه فأصيب هو واصحابه ،وقيل: بل نجا وأصيب أصحابه.
ودخلت سنة ثمان
وفيها توفيت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله الواقدي.
وفيها كانت سرية غالب بن عبد اللّه الليثي الكلبي إلى كلب الليث إلى بني الملوّح في صفر فلقيه الحارث بن البرصاء الليثي فأخذه أسيراً فقال: إني إنما جئت لأسلم. فقال له غالب: إن كنت صادقاً فلن يضرك رباط ليلة وإن كنت كاذباً استوثقنا منك. ووكل به بعض أصحابه وقال له: إن نازعك فخذ رأسه وأمره بالمقام إلى أنْ يعود، ثم ساروا حتى أتوا بطن الكديد فنزلوا بعد العصر وأرسلوا جندب بن مكيث الجهني ربيئة لهم قال: فقصدت تلًا هناك يطلعني على الحاضر فانبطحت عليه فخرج لي منهم رجل فنظر فرآني منبطحاً فاخذ قوسه وسهمين فرماني بأحدهما فوضعه في جنبي. قال: فنزعته ولم أتحرك ثم رماني بالثاني فوضعه في رأس منكبي. قال: فنزعته ولم أتحرك قال: أما والله لقد خالطه سهماي ولو كان ربيئة (1) لتحرك. قال: فأمهلناهم - حتى راحت مواشيهم واحتلبوا وعطنوا - شننا عليهم الغارة فقتلنا منهم مَنْ قتلنا واستقنا منهم النعم ورجعنا سراعاً وأتى صريخ القوم فجاءنا ما لا قبل لنا به حتى إذا لم يكن بيننا إلا بطن الوادي من قديد بعث الله عز وجل من حيت شاء سحاباً ما رأينا قبل ذلك مطراً مثله فجاء الوادي بما لا يقدر أحد يجوزه فلقد رأيتهم ينظرون إلينا ما يقدر أحد يتقدم. وقدمنا المدينة، وكان عدتهم بضعة عشر رجلاً.
وفيها كانت سرية شجاع بن وهب إلى بني عاس في شهر ربيع الأول فىِ أربعة عشر رجلاً فشن الغارة عليهم فأصابوا نعماً فكان سهم كل رجل منهم خمسة عشر بعيراً.
وفيها كانت سرية كعب بن عمير الغفاري إلى ذات اطلاح خرج في خمسة عشر رجلاً فوجد بها جمعاً كثيراً فدعاهم إلى الاسلام فأبوا أن يجيبوا وقتلوا أصحاب كعب ونجا حتى قدم المدينة ، وذات اطلاح من ناحية الشام ؛ وكانوا من قضاعة ورئيسهم رجل يقال له: سدوس.
ذكر إسلام خالد بن الوليد. وعمرو بن العاص ، وعثمان بن طلحة
في هذه السنة في صفر قدم عمرو بن العاص مسلماً على النبي صلى الله عليه وسلم وقدم معه خالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة العبدري.
وكان سبب اسلام عمرو أنه قال: لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق قلت لأصحابىِ: إني أرى أمر محمد يعلو الأمور علواً منكراً وإني قد رأيت أن نلحق بالنجاشي فإن ظهر محمدٌ على قومنا كنا عند النجاشي وإن ظهر قومنا على محمد فنحن من قد عرفوا. قالوا: إنّ هذا لرأي. قال: فجمعنا له أدماً كثيراً وخرجنا إلى النجاشي حتى قدمنا عليه فوالله إنا لعنده إذ وصل عمرو بن أمية الضمري رسولًا من النبي صلى الله عليه وسلم فى أمر جعفر وأصحابه ، قال: فدخلت على النجاشي وطلبتُ منه أن يسلّم إليَّ عمرو بن أمية الضمرىِ لأقتله تقرباً إلى قريش بمكة. فلما سمع كلامي غضب وضرب أنفه ضربة ظننتَ أنه قد كسره ، يعني النجاشي فخفتَه ، ثم قلت: واللّه لو ظننتُ أنك تكره هذا ما سألتكه ، قال: أتسألنىِ أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله !
قال: قلت: أيها الملك ، أكذلك هو؟ قال: ويحك يا عمرو، أطعني واتبعه فإنه واللّه لعلى الحق ، وليظهرن على مَنْ خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده.
قال: فقلت فبايعني له على الإِسلام.
فبسط يده فبايعته ، ثم خرجت إلى أصحابي وكتمتُهم اسلامي ، وخرجتُ عائداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسلم ولقيني خالد بن الوليد، وذلك قبل الفتح وهو مُقبل من مكة فقلت أين يا أبا سليمان ؟ قال: والله لقد استقام الميسم وإنّ الرجل لنبي ، أذهب والله أسلم ، فحتى متى؟
فقلت: واللّه ما جئت إلا للاسلام. فقدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع ، ثم دنوت فأسلمت ، وتقدم عثمان بن طلحة فاسلم.
ذكر غزوة ذات السلاسل
وفيها أرسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، عمرو بن العاص ، إلى أرض بلى وعذرة يدعو الناس إلى الاسلام ، وكانت أمه من بلى فتألفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فسار حتى إذا كان على ماء بأرض جذام ، يقال له: السلاسل ، وبه سميت تلك الغزوة ذات السلاسل ، فلما كان به خاف ، فبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستمده ، فبعت إليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين فيهم أبو بكر، وعمر وقال لأبي عبيدة حين وجهه: لا تختلفا. فخرج أبو عبيدة فلما قدم عليه قال عمر: وإنما جئتَ مدداً إليّ. فقال له أبو عبيدة: يا عمرو إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: لا تختلفا فإن عصيتني أطعتُك. قال: فأنا أميرٌ عليك. قال: فدونك. فصلى عمرو بن العاص بالناس.
وفيها أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى جيفر وعياذ ابني الجلندى بعمان فآمنا وصدقا وأخذ الجزية من المجوس.
ذكر غزوة الخبط وغيرها
وفيها كانت غزوة الخبط ، وأميرهم أبو عبيدة بن الجراح ، في ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار، وكانت في رجب وزودهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جراباً من تمر، فكان أبو عبيدة يقبض لهم قبضة ثم تمرة تمرة، فكان أحدهم يلوكها وتشرب عليها الماء إلى الليل فنفذ ما في الجراب فأكلوا الخبط وجاعوا جوعاً شديداً فنحر لهم قيس بن سعد بن عبادة تسع جزائر فأكلواها فنهاه أبو عبيدة فانتهى ثم إن البحر ألقى إليهم حوتاً ميتاً فأكلوا منه حتى شبعوا ، ونصب أبو عبيد ضلعاً من أضلاعه فيمر الراكب تحته فلما قدموا المدينة ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " كلوا رزقاً أخرجه اللّه لكم ا". وأكل منه رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم. وذكروا صنيع قيس بن سعد فقال: إن الجود من شيمة أهل ذلك البيت.
وفيها كانت سرية وجهها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في شعبان أميرها أبو قتادة ومعه عبد اللهّ بن أبي حدرد الأسلمي ، وكان سببها ان رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة في بطن عظيم من جشم نزل بالغابة يجمع لحرب النبي صلى الله عليه وسلم فبعت النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة ومن معه ليأتوا منه بخبر فوصلوا قريباً من الحاضر مع غروب الشمس فكمن كل واحد منهم في ناحية وكانوا ثلاثة، وقيل: كانوا ستة عشر رجلاً، قال عبد الله بن أبي حدرد: فكان لهم راعٍ أبطأ عليها فخرج رفاعة بن قيس في طلبه ومعه سلاحه فرميته بسهم في فؤاده فما تكلم قال: فأخذت رأسه ثم شددت في ناحية العسكر وكبرت وكبر صاحباي فواللهّ ما كان إلا النجاء فأخذوا نساءهم وأبناءهم وما خف عليهم واستقنا الِإبل الكثيرة والغنم فجئنا بها رسول الله وجئت برأسه أحمله معي فأعطاني رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم من تلك الِإبل ثلاثة عشر بعيراً. وكنت قد تزوجت وأخذت أهلي ، وعدل البعير بعشر من الغنم.
وفيها أغزى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أبا قتادة أيضا الى إِضم (1)ومعه محلم بن جثامة الليثي قبل الفتح فلقيهم عامر بن الأضبط الأشجعي على بعير له ومعه متاعه فسلّم عليهم بتحية الاسلام فأمسكوا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة لشيء كان بينهما فقتله وأخذ بعيره فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر فنزل ( يَا أيُّها الذِيْنَ آمَنُوا إذا ضَرَبْتُم فِي سَبيْل الله فَتَبَيَّنُوا)(2) الآية.
وقيل: كانت هذه السرية حين خرج إلى مكة في رمضان وكانوا ثمانية نفر.
***
ذكر غزوة مؤتة
كان ينبغي أن نقدمِ هذه الغزوة على ما تقدم وإنما أخرناها لتتصل الغزوات العظيمة فيتلو بعضها بعضاَ.
وكانت في جمادى الأولى من سنة ثمان ، واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم زيد بن حارثة وقال: إنْ أصيب زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب ، فإنْ أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة.
فقال جعفر: ما كنت أرهب ان تستعمل عليّ زيداً. فقال: امض فإنك لا تدري أيّ ذلك خير. فبكى الناس وقالوا: هلا متعتنا بهم يا رسول الله فأمسك -وكان إذا قال: فإن أصيب فلان فالأمير فلان أصيب كل من ذكره - فتجهز الناس وهم ثلاثة آلاف وودعهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والناس ، فلما ودع عبد الله بن رواحة بكى عبد اللّه فقال له الناس: ما يبكيك ؟فقال: ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية وهي ( وَإِنْ مِنْكُم إلّا وَارِدَهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيا ) (1)فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود؟ فقال المسلمون: صحبكم الله وردكم إلينا سالمين. فقال عبد اللّه بن رواحة : لكنني أسال الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع (2) تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي (3) يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
فلما ودعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاد قال عبد اللهّ : خلف السلام على امرئ ودعته في النخل خير مشيع وخليل
ثم ساروا حتى نزلوا معان من أرض الشام ، فبلغهم أن هِرقل سار إليهم في مائة ألف من الروم ، ومائة ألف من المستعربة، من لخم وجذام
وبلقين ، وبلى عليهم رجل من بلى ، يقال له: مالك بن رافلة ، ونزلوا مآب من أرض البلقاء، فأقام المسلمون بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ نخبره الخبر، وننتظر أمره ، فشجعهم عبد الله بن رواحة على المضيّ. وقال: يا قوم والله إنّ التي تكرهون للتي خرجتم إياها تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلِقوا فما هي إلا إحدى الحسنيين ، إما ظهور وإما شهادة.
فقال الناس: صدق والله: وساروا وسمعه زيد بن أرقم. وكان يتيماً في حجره وقد أردفه في مسيره ذلك على حقيبته – وهو يقول :
إذا أديتني وحملت رحلي مسيرة أربع بعد الحساء(1) فشأنك فانعمي وخلاك ذم (2) ولا أرجع إلى أهلي وراء
وجاء المسلمون وغادروني بارض الشام مشهور الثواء(3) وردك كل ذي نسب قريب من الرحمن منقطع الأخاء
هنالك لا أبالي طلع بعل ولا نخل أسافلها رواء
فلما سمعها زيد بكى، فخفقه بالدرة وقال: ما عليك يا لكع (4)؟ يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل.
تم ساروا فالتقتهم جموع الروم والعرب بقرية من البلقاء، يقال لها: مشارف ثم دنى العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها ة مؤته ، فالتقى الناس عندها وتعبأوا ، وكان على ميمنة المسلمين قطبة بن قتادة العذري ، وعلى ميسرتهم عَباية بن مالك الأنصاري. فاقتتلوا قتالاً شديداً ، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط (5) في رماح القوم ، ثم أخذها جعفر بن أبي طالب فقاتل بها وهو يقول :
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارداً شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
عليّ إذ لاقيتها ضرابها
فلما اشتد القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثم قاتل القوم حتى قتل ،وكان جعفر أول من عقر فرسه في الِإسلام ، فوجدوا به بضعاً وثمانين بين رمية وضربة وطعنة. فلما قتل أخذ الراية عبد اللّه بن رواحة، ثم تقدم فتردد بعض التردد، ثم قال يخاطب نفسه :
أقسمتُ يا نفسُ لتنزلنه طائعة أو لتكرهنه
إن أجلب الناسُ وشدوا الرنه (1) مالي أراك تكرهين الجنة
قد طالما قد كنت مطمئنه هل أنت الا نطفة في شنه (2)
وقال أيضاً :
يا نفس إن لم تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليتي
وما تمنيت فقد أعطيتي إنْ تفعلي فعلهما هديتي
ثم نزل عن فرسه وأتاه ابن عم له بعرق (3) من لحم فقال له: شد بهذا صلبك فقد لقيت أيامك هذه ما لقيت.
فأخذه فانتهس (4) منه نهسة، ثم سمع الحطمة (5) في. ناحية العسكر فقال لنفسه: وأنت في الدنيا.
ثم ألقاه وأخذ سيفه وتقدم فقاتل حتى قتل ، واشتد الأمر على المسلمين ، وكلب عليهم العدو وقد كان قطبة بن قتادة قتل قبل ذلك مالك بن رافلة قائد المستعربة ثم إن الخبر جاء من السماء في ساعته إِلى النبي صلى الله عليه وسلم ،فصعد المنبر وأمر فنوديَ الصلاة جامعة، فاجتمع الناس ، فقال: ثار خبر ثلاثاً عن جيشكم هذا الغازي إنهم لقوا العدو فقُتل زيد شهيداً. فاستغفر له ، ثم أخذ اللواء جعفر فشدّ على القوم حتى قُتِل شهيداً فاستغفر له ،ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة وصمت حتى تغيرتْ وجوُه الأنصار، وظنوا انه قد كان من عبد الله ما يكرهون ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقاتل القوم حتى قتل شهيداً ، ثم قال: لقد رُفِعُوا إلى الجنة على سُرُرٍ من ذهب فرأيتُ في سرير ابن رواحة ازوراراً عن سريري صاحبيه فقلت: عم هذا؟
فقيل: مضيا وتردد بعض التردد، ثم مضى ، ولما قتل ابن رواحة أخذ الراية ثابت بن أرقم الأنصاري ، وقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجلٍ منكم. فقالوا: رضينا بك ، فقال: ما أنا بفاعل. فاصطلحوا على خالد بن الوليد فأخذ الراية ودافع القوم وانحازوا عنه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم أخذ سيفٌ من سيوف الله خالد بن الوليد فعاد بالناس فمن يومئذ سمي خالد سيف الله.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرّ بي جعفر البارحة في نفر من الملائكة له جناحان مخضب القوادم بالدم. قالت أسماء: أتاني النبي صلى الله عليه وسلم وقد فرغت من اشتغالي وغسلت أولاد جعفر ودهنتهم فأخذهم وشمهم ودمعت عيناه فقلت: يا رسول الله أبلغك عن جعفر شيء ؟ قال: نعم أصيب هذا اليوم. ثم عاد إلى أهله فأمرهم أن يصنعوا لآل جعفر طعاماً، فهو أول ما عمل في دين الاسلام ، قالت أسماء بنت عميس: فقمت أصنع واجتمع إليّ النساء ، فلما رجع الجيش ودنا من المدينة لقيهم رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم والمسلمون فأخذ عبد الله بن جعفر فحمله بين يديه فجعل الناس يحثون التراب على الجيش ويقولون: يا فُرّار في سبيل الله ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليسوا بالفرار ولكنهم الكرَّار إن شاء الله تعالى.
ذكر فتح مكة
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة مؤتة جمادى الآخرة ورجب ، ثم إن بني بكر بن عبدمناة عَدَتْ على خزاعة وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له: الوتير، وكانت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبكر في عهد قريش في صلح الحديبية، وكان سبب ذلك أنّ رجلًا من بني الحضرمي اسمه مالك بن عباد وكان حليفاً للأسود بن رزن الديلي ثم البكري في الجاهلية خرج تاجراً فلما كان بأرض خزاعة قتلوه وأخذوا ماله فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه ، فعدت خزاعة على بني الأسود بن رزن وهم سلمى وكلثوم وذؤيب فقتلوهم بعرفة عند أنصباء الحرم ، وكانوا من أشراف بني بكر فبينما خزاعة وبكر على ذلك جاء الِإسلام واشتغل الناس به فلما كان صلح الحديبية ودخلت خزاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ودخلت بكر في عهد قريش اغتنمت بكر تلك الهدنة وأرادوا أن يصيبوا من خزاعة ثأرهم بقتل بني الأسود فخرج نوفل بن معاوية الديلي بمن تبعه من بكر حتى بيت خزاعة على ماء الوتير. وقيل: كان سبب ذلك أن رجلاً من خزاعة سمع رجلَاَ من بكر ينشد هجاء النبي صلى الله عليه وسلم فشجه فهاج الشر بينهم وثارت بكر بخزاعة حتى بيتوهم بالوتير. وأعانت قريش بني بكر على خزاعة بسلاح ودوابّ وقاتل معهم جماعة من قريش مختفين ، منهم صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل ، وسهل بن عمرو مع عيرهم وعبيدهم ، فانحازىَ خزاعة إلى الحرم وقتل منهم نفر، فلما دخلت خزاعة الحرم. قالت بكر: يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك. فقال: كلمة عظيمة لا إله له اليوم ؟ يا بني بكر أصيبوا ثأركم ؛ فلعمري إنكم لتسرفون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟
فلما نقضت بكر وقريش العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم بما استحلت من خزاعة ، خرج عمرو بن سالم الخزاعي ثم الكعبي حتى قدم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة فوقف عليه وهو في المسجد جالس بين ظهراني الناس ثم قال :
يا رب إني ناشدٌ محمدا حِلفَ أبينا وأبيه ألاتلدا
فوالداً كنا وكنت ولدا(1) تمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر رسول الله نصراً أعتدا(2) وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا ابيض (3) مثل اليد تنمي صعدا
إن سيم خسفاً وجهه تربدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا
إنّ قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وجعلوا لي في كداء رصدا وزعموا أنْ لست أدعو أحدا
وهم أذل وأقل عددا هم بيتونا بالوتير هجدا وقتلونا ركعاً وسجدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد نُصِرْتَ يا عمرو بن سالم.
ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء فقال: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب ، وكان بين عبد المطلب وخزاعة حلف قديم ، فلهذا قال عمرو بن سالم: حلف أبينا وأبيه الأتلدا(4) ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنادوه وهو يغتسل ، فقال: يا لبيكم وخرج إليهم فأخبروه الخبر ثم انصرفوا راجعين إلى مكة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال للناس: كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليجدد العهد خوفاً وتزيد في المدة، ومضى بديل فلقي أبا سفيان بعسفان يريد النبي صلى الله عليه وسلم ليجدد العهد خوفاً منه ، فقال لبديل: من أين أقبلت ؟
قال: من خزاعة في الساحل وبطن هذا الوادي. قال: أو ما أتيت محمداً؟ قال: لا. فقال أبو سفيان لأصحابه لما راح بديل: انظروا بَعْر ناقته ، فإنْ جاء المدينة لقد علف
النوى فنظروا بعر الناقة فرأوا فيه النوى، ثم خرج أبو سفيان حتى أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته أم حبيبة زوج النبي فلما أراد أن يجلس علي فراش رسول اللّه طوته عنه ، فقال: ما أدري أرغبت به عني أم رغبت بي عنه ؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك نجس فلم أحبّ أن تجلس عليه. فقال: لقد أصابك يا بنية بعدي شر. فقالت: بل هداني الله للاسلام.
تم خرج حتى أتى للنبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يرد عليه شيئاً، ثم أتى أبا بكر فكلمه ليكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما أنا بفاعل ، ثم أتى عمر فكلمه وقال: أنا أشفع لكمِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ، ثم خرج حتى أتى علياَ وعنده فاطمة والحسن غلام يدبّ بين يديها فكلمه في ذلك ، فقال له: والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر لا نستطيع أن نكلمه فيه.
والتفت إلى فاطمة فقال: يا بنت محمد هل لك أن تأمري ابنك هذا أنْ يجير بين الناس فيكون سيد العرب ؟
فقالت: ما بلغ ابني أن يجير بين الناس وما يجير على رسول الله أحد، فالتفت إليّ علي فقال له: أرى الأمور قد اشتدت عليّ فانصحني ، قال: أنت سيد كنانة فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك ، فقام أبو سفيان في المسجد فقال: أيها الناس قد أجرت بين الناس ، ثم ركب بعيره وقدم مكة وأخبر قريشاً ما جرى له وما أشار به صلى الله عليه وسلم عليه فقالوا له: والله ما زاد على أنْ يسخر بك ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تجهز وأمر الناس بالتهجز إلى مكة، وقال: "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها(1) في بلادها ".
فكتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش يعلمهم الخبر وسيّره مع امرأة من مزينة اسمها كنود، وقيل: مع سارة مولاة لبني المطلب تعلمهم الخبر وسيره معها فأرسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم علياً والزبير فأدركاها بالحليفة وأخذا منها الكتاب وجاء ا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحضر حاطباً وقال له: ما حملك على هذا؟فقال: والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما بدلت ولا غيرت ، ولكن لي بين أظهرهم أهل وولد وليس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء 4
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء 2
» ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)
» ذكر قصة الشورى وقصة عثمان رضي الله عنه (ذاكرة التاريخ الاسلامي)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى بيت الأسرة :: المنتدى الاسلامي :: المكتبة الاسلامية-
انتقل الى: