هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى بيت الأسرة
نرحب مجددا بجميع أعضاء بيت الأسرة ,, ويسعدنا تننشيط عضويتكم بالتواصل على جوالي بالنسبة للأعضاء ,, وعلى جوال أم عبدالله بالنسبة للأخوات ,, وبامكان الجميع التواصل معي على ايميلي aabohadi @hotmail.com ,, متمنين للجميع سنة جميلة مليئة بالحب والتواصل
ابن كثير الفصل الثاني الباب 2 قصة موسى كليم الله وهلاك فرعون
كاتب الموضوع
رسالة
ماجد قادري عضو ذهبي
نقاط : 8853 سمعة العضو : 5 الموقع : صبيا
موضوع: ابن كثير الفصل الثاني الباب 2 قصة موسى كليم الله وهلاك فرعون السبت أبريل 24, 2010 2:31 am
* هلاك فرعون وجنوده @ لما تمادى قبط مصر على كفرهم وعتوهم وعنادهم متابعة لملكهم فرعون ومخالفة لنبي الله ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام وأقام الله على أهل مصر الحجج العظيمة القاهرة وأراهم من خوارق العادات ما بهر الأبصار وحير العقول وهم مع ذلك لا يرعون ولا ينتهون ولا ينزعون ولا يرجعون ولم يؤمن منهم إلا القليل قيل ثلاثة وهم امرأة فرعون ولا علم لأهل الكتاب بخبرها ومؤمن آل فرعون الذي تقدم حكاية موعظته ومشورته وحجته عليهم والرجل الناصح الذي جاء يسعى من أقصى المدينة فقال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين قاله ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم عنه ومراده غير السحرة فإنهم كانوا من القبط وقيل بل آمن طائفة من القبط من قوم فرعون والسحرة كلهم وجميع شعب بني إسرائيل ويدل على هذا قوله تعالى فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملائهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين فالضمير في قوله إلا ذرية من قومه عائد على فرعون لأن السياق يدل عليه وقيل على موسى لقربه والأول أظهر كما هو مقرر في التفسير وإيمانهم كان خفية لمخافتهم من فرعون وسطوته وجبروته وسلطته ومن ملائهم أن ينموا عليهم إليه فيفتنهم عن دينهم قال الله تعالى مخبرا عن فرعون وكفى بالله شهيدا وإن فرعون لعال في الأرض أي جبار عنيد مستعل بغير الحق وإنه لمن المسرفين هذه دعوة عظيمة دعا بها كليم الله موسى على عدو الله فرعون غضبا لله عليه لتكبره عن اتباع الحق ربنا اطمس على أموالهم قال ابن عباس ومجاهد أي أهلكها وقال محمد بن كعب جعل سكرهم حجارة وقال أيضا صارت أموالهم كلها حجارة ذكر ذلك لعمر بن عبدالعزيز فقال عمر بن عبدالعزيز لغلام له قم ايتني بكيس فجاءه بكيس فإذا فيه حمص وبيض قد حول حجارة رواه ابن أبي حاتم وقوله واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم قال ابن عباس أي اطبع عليها وهذه دعوة غضب لله تعالى ولدينه ولبراهينه فاستجاب الله تعالى لها وحققها وتقبلها كما استجاب لنوح في قومه حيث قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ولهذا قال تعالى مخاطبا لموسى حين دعا على فرعون وملائه وأمن أخوه هارون على دعائه فنزل ذلك منزلة الداعي أيضا قال قد أجبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون قال المفسرون وغيرهم من أهل الكتاب استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلى عيد لهم فأذن لهم وهو كاره ولكنهم تجهزوا للخروج وتأهبوا له وإنما كان في نفس الأمر مكيدة بفرعون وجنوده ليتخلصوا منهم ويخرجوا عنهم وأمرهم الله تعالى فيما ذكره أهل الكتاب أن يستعيروا حليا منهم فأعاروهم شيئا كثيرا فخرجوا بليل فساروا مستمرين ذاهبين من فورهم طالبين بلاد الشام فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق واشتد غضبه عليهم وشرع في استحثاث جيشه وجمع جنوه ليلحقهم ويمحقهم قال الله تعالى وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي انكم متبعون فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل فاتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم قال علماء التفسير لما ركب فرعون في جنوده طالبا بني إسرائيل يقفو أثرهم كان في جيش كثيف حتى قيل كان في خيوله مائة ألف فحل أدهم وكانت عدة جنوده تزيد على ألف ألف وستمائة ألف فالله أعلم وقيل إن بني إسرائيل كانوا نحوا من ستمائة ألف مقاتل غير الذرية وكان بين خروجهم من مصر صحبة موسى عليه السلام ودخولهم إليها صحبة أبيهم إسرائيل أربعمائة سنة وستا وعشرين سنة شمسية والمقصود أن فرعون لحقهم بالجنود فادركهم عند شروق الشمس وتراءى الجمعان ولم يبق ثم ريب ولا لبس وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه ولم يبق إلا المقاتلة والمجادلة والمحاماة فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون إنا لمدركون وفرعون قد غالقهم وواجههم وعاينوه في جنوده وجيوشه وعدده وهم منه في غاية الخوف والذعر لما قاسوا في سلطانه من الإهانة والمنكر فشكوا إلى نبي الله ما هم فيه مما قد شاهدوه وعاينوه فقال لهم الرسول الصادق المصدوق كلا إن معي ربي سيهدين وكان في الساقة فتقدم إلى المقدمة ونظر إلى البحر وهو يقول ههنا أمرت ومعه أخوه هرون ويوشع بن نون وهو يومئذ من سادات بني إسرائيل وعلمائهم وعبادهم الكبار وقد أوحى الله إليه وجعله نبيا بعد موسى وهرون عليهما السلام كما سنذكره فيما بعد إن شاء الله وهم وقوف وبنو إسرائيل بكمالهم عليهم عكوف ويقال إن مؤمن آل فرعون جعل يقتحم بفرسه مرارا في البحر هل يمكن سلوكه فلا يمكن ويقول لموسى عليه السلام يا نبي الله أههنا أمرت فيقول نعم فلما تفاقم الأمر وضاق الحال واشتد الأمر واقترب فرعون وجنوده في جدهم فعند ذلك أوحى الحليم العظيم القدير رب العرش الكريم إلى موسى الكليم أن اضرب بعصاك البحر فلما ضربه يقال إنه قال له انفلق بإذن الله قال الله تعالى فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم مثل الجبال مكفوفا بالقدرة العظيمة الصادرة من الذي يقول للشيء كن فيكون وأمر الله ريح الدبور فلقحت حال البحر فاذهبته حتى صار يابسا لا يعلق في سنابك الخيول والدواب قال الله تعالى ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى فاتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى والمقصود أنه لما آل أمر البحر إلى هذه الحال بإذن الرب العظيم الشديد المحال أمر موسى عليه السلام أن يجوزه ببني إسرائيل فانحدروا فيه مسرعين مستبشرين مبادرين وقد شاهدوا من الأمر العظيم ما يحير الناظرين ويهدي قلوب المؤمنين فلما جاوزوه وجاوزه وخرج آخرهم منه وانفصلوا عنه كان ذلك عند قدوم أول جيش فرعون إليه ووفودهم عليه فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان عليه لئلا يكون لفرعون وجنوده وصول إليه ولا سبيل عليه فأمره القدير ذو الجلال أن يترك البحر على هذه الحال كما قال وهو الصادق في المقال ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم أن أدوا إلى عباد الله إني لكم رسول أمين وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين فقوله تعالى وأترك البحر رهوا أي ساكنا على هيئته لا تغيره عن هذه الصفة قاله عبدالله بن عباس ومجاهد وعكرمة والربيع والضحاك وقتادة وكعب الأحبار وسماك بن حرب وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم فلما تركه على هيئته وحالته وانتهى فرعون فرأى ما رأى وعاين ما عاين هاله هذا المنظر العظيم وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك من أن هذا من فعل رب العرش الكريم فأحجم ولم يتقدم وندم في نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه حيث لا ينفعه الندم لكنه أظهر لجنوده تجلدا وعاملهم معاملة العدا وحملته النفس الكافرة والسجية الفاجرة على أن قال لمن استخفهم فأطاعوه وعلى باطله تابعوه أنظروا كيف انحسر البحر لي لأدرك عبيدي الخارجين عن طاعتي وبلدي وجعل يوري في نفسه أن يذهب خلفهم ويرجو أن ينجو وهيهات فلما رأته الجنود قد سلك البحر اقتحموا وراءه مسرعين فحصلوا في البحر أجمعين حتى هم أولهم بالخروج منه فعند ذلك أمر الله تعالى كليمه فيما أوحاه إليه أن يضرب البحر بعصاه فضربه فارتد عليهم البحر كما كان فلم ينج منهم إنسان قال الله تعالى وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم أي في إنجائه أولياءه فلم يغرق منهم أحد واغراقه أعداءه فلم يخلص منهم أحد آية عظيمة وبرهان قاطع على قدرته تعالى العظيمة وصدق رسوله فيما جاء به عن ربه قال تعالى فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأو بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون وهكذا دعا موسى على فرعون وملائه أن يطمس على أموالهم ويشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم أي حين لا ينفعهم ذلك ويكون حسرة عليهم وقد قال تعالى لهما أي لموسى وهرون حين دعوا بهذا قد أجيبت دعوتكما فهذا من إجابة الله تعالى دعوة كليمه وأخيه هرون عليهما السلام ومن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال فرعون آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال لي جبريل يا محمد لو رأيتني وأنا أغطه وأدس من الحال في فيه مخافة أن تدركه رحمة الله فيغفر له يعني فرعون وقد أرسله غير واحد من السلف كإبراهيم التيمي وقتادة وميمون بن مهران ويقال إن الضحاك بن قيس خطب به الناس وفي بعض الروايات إن جبريل قال ما بغضت أحدا بغضي لفرعون حين قال أنا ربكم الأعلى ولقد جعلت أدس في فيه الطين حين قال ما قال وقوله تعالى آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين استفهام إنكار ونص على عدم قبوله تعالى منه ذلك لأنه والله أعلم لو رد إلى الدنيا كما كان لعاد إلى ما كان عليه كما أخبر تعالى عن الكفار إذا عاينوا النار وشاهدوها أنهم يقولون يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين قال الله بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه وإنهم لكاذبون وقوله فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية قال ابن عباس وغير واحد شك بعض بني إسرائيل في موت فرعون حتى قال بعضهم إنه لا يموت فأمر الله البحر فرفعه على مرتفع قيل على وجه الماء وقيل على نجوة من الأرض وعليه درعه التي يعرفونها من ملابسه ليتحققوا بذلك هلاكه ويعلموا قدرة الله عليه ولهذا قال فاليوم ننجيك ببدنك أي مصاحبا درعك المعروفة بك لتكون أي أنت آية لمن خلفك أي من بني إسرائيل دليلا على قدرة الله الذي أهلكه ولهذا قرأ بعض السلف لتكون لمن خلقك آية ويحتمل أن يكون المراد ننجيك مصاحبا لتكون درعك علامة لمن وراءك من بني إسرائيل على معرفتك وإنك هلكت والله أعلم وقد كان هلاكه وجنوده في يوم عاشوراء كما قال الإمام البخاري في صحيحه حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقالوا هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون قال النبي صلى الله عليه وسلم أنتم أحق بموسى منهم فصوموا وأصل هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما والله أعلم *2* أمر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون @ قال الله تعالى فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتو على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم يذكر تعالى ما كان من أمر فرعون وجنوده في غرقهم وكيف سلبهم عزهم ومالهم وأنفسهم وأورث بني إسرائيل جميع أموالهم وأملاكهم كما قال كذلك وأورثناها بني إسرائيل وقال ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين وقال ههنا وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون أي أهلك ذلك جميعه وسلبهم عزهم العزيز العريض في الدنيا وهلك الملك وحاشيته وأمراؤه وجنوده ولم يبق ببلد مصر سوى العامة والرعايا فذكر ابن عبدالحكم في تاريخ مصر أنه من ذلك الزمان تسلط نساء مصر على رجالها بسبب أن نساء الأمراء والكبراء تزوجن بمن دونهن من العامة فكانت لهن السطوة عليهم واستمرت هذه سنة نساء مصر إلى يومك هذا وعند أهل الكتاب أن بني إسرائيل لما أمروا بالخروج من مصر جعل الله ذلك الشهر أول سنتهم وأمروا أن يذبح كل أهل بيت حملا من الغنم فإن كانوا لا يحتاجون إلى حمل فليشترك الجار وجاره فيه فإذا ذبحوه فلينضحوا من دمه على أعتاب أبوابهم ليكون علامة لهم على بيوتهم ولا يأكلونه مطبوخا ولكن مشويا برأسه وأكارعه وبطنه ولا يبقوا منه شيئا ولا يكثروا له عظما ولا يخرجوا منه شيئا إلى خارج بيوتهم وليكن خبزهم فطيرا سبعة أيام ابتداؤها من الرابع عشر من الشهر الأول من سنتهم وكان ذلك في فصل الربيع فإذا أكلوا فلتكن أوساطهم مشدودة وخفافهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم وليأكلوا بسرعة قياما ومهما فضل عن عشائهم فما بقي إلى الغد فليحرقوه بالنار وشرع لهم هذا عيدا لأعقابهم ما دامت التوراة معمولا بها فإذا نسخت بطل شرعها وقد وقع قالوا وقتل الله عز وجل في تلك الليلة أبكار القبط وأبكار دوابهم ليشتغلوا عنهم وخرج بنو إسرائيل حين انتصف النهار وأهل مصر في مناحة عظيمة على أبكار أولادهم وأبكار أموالهم ليس من بيت الا وفيه عويل وحين جاء الوحي إلى موسى خرجوا مسرعين فحملوا العجين قبل اختماره وحملوا الأزواد في الأردية والقوها على عواتقهم وكانوا قد استعاروا من أهل مصر حليا كثيرا فخرجوا وهم ستمائة ألف رجل سوى الذراري بما معهم من الأنعام وكانت مدة مقامهم بمصر أربعمائة سنة وثلاثين سنة هذا نص كتابهم وهذه السنة عندهم تسمى سنة الفسخ وهذا العيد عيد الفسخ ولهم عيد الفطير وعيد الحمل وهو أول السنة وهذه الأعياد الثلاثة آكد أعيادهم منصوص عليها في كتابهم ولما خرجوا من مصر أخرجوا معهم تابوت يوسف عليه السلام وخرجوا على طريق بحر سوف وكانوا في النهار يسيرون والسحاب بين أيديهم يسير أمامهم فيه عامود نور وبالليل أمامهم عامود نار فانتهى بهم الطريق إلى ساحل البحر فنزلوا هنالك وأدركهم فرعون وجنوده من المصريين وهم هناك حلول على شاطىء اليم فقلق كثير من بني إسرائيل حتى قال قائلهم كان بقاؤنا بمصر أحب إلينا من الموت بهذه البرية وقال موسى عليه السلام لمن قال هذه المقالة لا تخشوا فإن فرعون وجنوده لا يرجعون إلى بلدهم بعد هذا قالوا وأمر الله موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه وأن يقسمه ليدخل بنو إسرائيل في البحر واليبس وصار الماء من ههنا وههنا كالجبلين وصار وسطه يبسا لأن الله سلط عليه ريح الجنوب والسموم فجاز بنو إسرائيل البحر واتبعهم فرعون وجنوده فلما توسطوه أمر الله موسى فضرب البحر بعصاه فرجع الماء كما كان عليهم لكن عند أهل الكتاب أن هذا كان في الليل وأن البحر ارتطم عليهم عند الصبح وهذا من غلطهم وعدم فهمهم في تعريبهم والله أعلم قالوا ولما أغرق الله فرعون وجنوده حينئذ سبح موسى وبنو إسرائيل بهذا التسبيح للرب وقالوا نسبح الرب البهي الذي قهر الجنود ونبذ فرسانها في البحر المنيع المحمود وهو تسبيح طويل قالوا وأخذت مريم النبية أخت هارون دفا بيدها وخرج النساء في أثرها كلهن بدفوف وطبول وجعلت مريم ترتل لهن وتقول سبحان الرب القهار الذي قهر الخيول وركبانها إلقاء في البحر هكذا رأيته في كتابهم ولعل هذا هو من الذي حمل محمد بن كعب القرظي على زعمه أن مريم بنت عمران أم عيسى هي أخت هرون وموسى مع قوله يا أخت هرون وقد بينا غلطه في ذلك وان هذا لا يمكن أن يقال ولم يتابعه أحد عليه بل كل واحد خالفه فيه ولو قدر أن هذا محفوظ فهذه مريم بنت عمران أخت موسى وهرون عليهما السلام وأم عيسى عليها السلام وافقتها في الأسم واسم الأب واسم الأخ لأنهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة لما سأله أهل نجران عن قوله يا أخت هرون فلم يدر ما يقول لهم حتى سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال أما علمت أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم رواه مسلم وقولهم النبية كما يقال للمرأة من بيت الملك ملكة ومن بيت الإمرة أميرة وإن لم تكن مباشرة شيئا من ذلك فكذا هذه استعارة لها لا أنها نبية حقيقة يوحى إليها وضربها بالدف في مثل هذا اليوم الذي هو أعظم الأعياد عندهم دليل على أنه قد كان شرع من قبلنا ضرب الدف في العيد وهذا مشروع لنا أيضا في حق النساء لحديث الجاريتين اللتين كانتا عند عائشة يضربان بالدف في أيام منى ورسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجع مولي ظهره اليهم ووجهه إلى الحائط فلما دخل أبو بكر زجرهن وقال ابمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعهن يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا وهكذا يشرع عندنا في الأعراس ولقدوم الغياب كما هو مقرر في موضعه والله أعلم وذكروا أنهم لما جاوزوا البحر وذهبوا قاصدين إلى بلاد الشام مكثوا ثلاثة أيام لا يجدون ماء فتكلم من تكلم منهم بسبب ذلك فوجدوا ماء زعاقا أجاجا لم يستطيعوا شربه فأمر الله موسى فأخذ خشبة فوضعها فيه فحلا وساغ شربه وعلمه الرب هنالك فرائض وسننا ووصاه وصايا كثيرة وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز المهيمن على ما عداه من الكتب وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا الها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون قالوا هذا الجهل والضلال وقد عاينوا من آيات الله وقدرته ما دلهم على صدق ما جاءهم به رسول ذي الجلال والإكرام وذلك أنهم مروا على قوم يعبدون أصناما قيل كانت على صور البقر فكأنهم سألوهم لم يعبدونها فزعموا لهم أنها تنفعهم وتضرهم ويسترزقون بها عند الضرورات فكأن بعض الجهال منهم صدقوهم في ذلك فسألوا نبيهم الكليم الكريم العظيم أن يجعل لهم آلهة كما لأولئك آلهة فقال لهم مبينا لهم أنهم لا يعقلون ولا يهتدون إن هؤلاء متبر ما فيه وباطل ما كانوا يعملون ثم ذكرهم نعمة الله عليهم في تفضيله إياهم على عالمي زمانهم بالعلم والشرع والرسول الذي بين أظهرهم وما أحسن به اليهم وما امتن به عليهم من انجائهم من قبضة فرعون الجبار العنيد وإهلاكه إياه وهم ينظرون وتوريثه إياهم ما كان فرعون وملاؤه يجمعونه من الاموال والسعادة وما كانوا يعرشون وبين لهم أنه لا تصلح العبادة الا لله وحده لا شريك له لأنه الخالق الرازق القهار وليس كل بني إسرائيل سأل هذا السؤال بل هذا الضمير عائد على الجنس في قوله وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة أي قال بعضهم كما في قوله وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا فالذين زعموا هذا بعض الناس لا كلهم وقد قال الإمام أحمد حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن سنان بن أبي سنان الديلي عن أبي واقد الليثي قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله أكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة انكم تركبون سنن الذين من قبلكم ورواه النسائي عن محمد بن رافع عن عبدالرزاق به ورواه الترمذي عن سعيد بن عبدالرحمن المخزومي عن سفيان بن عيينة عن الزهري به ثم قال حسن صحيح وقد روى ابن جرير من حديث محمد بن اسحق ومعمر وعقيل عن الزهري عن سنان بن أبي سنان عن أبي واقد الليثي أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر قال وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ويعلقون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط قال فمررنا بسدرة خضراء عظيمة قال فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون والمقصود أن موسى عليه السلام لما انفصل من بلاد مصر وواجه بلاد بيت المقدس وجد فيها قوما من الجبارين من الحيثانيين والفزاريين والكنعانيين وغيرهم فأمرهم موسى عليه السلام بالدخول عليهم ومقاتلتهم واجلائهم اياهم عن بيت المقدس فإن الله كتبه لهم ووعدهم إياه على لسان إبراهيم الخليل أو موسى الكليم الجليل فأبوا ونكلوا عن الجهاد فسلط الله عليهم الخوف والقاهم في التيه يسيرون ويحلون ويرتحلون ويذهبون ويجيئون في مدة من السنين طويلة هي من العدد أربعون كما قال الله تعالى وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فانا داخلون قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما أدخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال فانها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين يذكرهم نبي الله نعمة الله عليهم احسانه عليهم بالنعم الدينية والدنيوية ويأمرهم بالجهاد في سبيل الله ومقاتلة أعدائه فقال يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم أي تنكصوا على أعقابكم وتنكلوا على قتال أعدائكم فتنقلبوا خاسرين أي فتخسروا بعد الربح وتنقصوا بعد الكمال قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين أي عتاة كفرة متمردين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا فإنا داخلون خافوا من هؤلاء الجبارين وقد عاينوا هلاك فرعون وهو أجبر من هؤلاء وأشد بأسا وأكثر جمعا وأعظم جندا وهذا يدل على أنهم ملومون في هذه المقالة ومذمومون على هذه الحالة من الذلة عن مصاولة الاعداء ومقاومة المردة الأشقياء وقد ذكر كثير من المفسرين ههنا آثارا فيها مجازفات كثيرة باطلة يدل العقل والنقل على خلافها من أنهم كانوا أشكالا هائلة ضخاما جدا حتى إنهم ذكروا أن رسل بني إسرائيل لما قدموا عليهم تلقاهم رجل من رسل الجبارين فجعل يأخذهم واحدا واحدا ويلفهم في أكمامه وحجزة سراويله وهم إثنا عشر رجلا فجاء بهم فنثرهم بين يدي ملك الجبارين فقال ما هؤلاء ولم يعرف أنهم من بني آدم حتى عرفوه وكل هذه هذيانات وخرافات لا حقيقة لها وأن الملك بعث معهم عنبا كل عنبة تكفي الرجل وشيئا من ثمارهم ليعلموا ضخامة أشكالهم وهذا ليس بصحيح وذكروا ههنا أن عوج بن عنق خرج من عند الجبارين إلى بني إسرائيل ليهلكهم وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة ذراع وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلث ذراع هكذا ذكره البغوي وغيره وليس بصحيح كما قدمنا بيانه عند قوله صلى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعا ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن قالوا فعمد عوج إلى قمة جبل فاقتلعها ثم أخذها بيديه ليلقيها على جيش موسى فجاء طائر فنقر تلك الصخرة فخرقها صارت طوقا في عنق عوج بن عنق ثم عمد موسى إليه فوثب في الهواء عشرة أذرع وطوله عشرة أذرع وبيده عصاه وطولها عشرة أذرع فوصل إلى كعب قدمه فقتله يروى هذا عن عوف البكالي ونقله ابن جرير عن ابن عباس وفي إسناده إليه نظر ثم هو مع هذا كله من الإسرائيليات وكل هذه من وضع جهال بني إسرائيل فإن الأخبار الكذبة قد كثرت عندهم ولا تميز لهم بين صحتها وباطلها ثم لو كان هذا صحيحا لكان بنو إسرائيل معذورين في النكول عن قتالهم وقد ذمهم الله على نكولهم وعاقبهم بالتيه على ترك جهادهم ومخالفتهم رسولهم وقد أشار عليهم رجلان صالحان منهم بالاقدام ونهياهم عن الاحجام ويقال إنهما يوشع بن نون وكالب بن يوقنا قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطية والسدي والربيع بن أنس وغير واحد قال رجلان من الذين يخافون أي يخافون الله وقرأ بعضهم يخافون أي يهابون أنعم الله عليهما أي بالإسلام والإيمان والطاعة والشجاعة ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين أي إذا توكلتم على الله واستعنتم به ولجأتم إليه نصركم على عدوكم وأيدكم عليهم وأظفركم بهم قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون فصمم ملاؤهم علىالنكول عن الجهاد ووقع أمر عظيم ووهن كبير فيقال إن يوشع وكالب لما سمعا هذا الكلام شقا ثيابهما وإن موسى وهرون سجدا إعظاما لهذا الكلام وغضبا لله عز وجل وشفقة عليهم من وبيل هذه المقالة قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال ابن عباس اقض بيني وبينهم قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرص فلا تأس على القوم الفاسقين عوقبوا على نكولهم بالتيهان في الأرض يسيروا إلى غير مقصد ليلا ونهارا وصباحا ومساء ويقال إنه لم يخرج أحد من التيه ممن دخله بل ماتوا كلهم في مدة أربعين سنة ولم يبق إلا ذراريهم سوى يوشع وكالب عليهما السلام لكن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر لم يقولوا له كما قال قوم موسى لموسى بل لما استشارهم في الذهاب إلى النفير تكلم الصديق فأحسن وغيره من المهاجرين ثم جعل يقول أشيروا علي حتى قال سعد بن معاذ كأنك تعرض بنا يا رسول الله فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن يلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقربه عينك فسر بنا على بركة الله فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد وبسطه ذلك وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن مخارق بن عبدالله الأحمسي عن طارق هو ابن شهاب أن المقداد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون وهذا إسناد جيد من هذا الوجه وله طرق أخرى قال أحمد حدثنا أسود بن عامر حدثنا إسرائيل عن مخارق عن طارق بن شهاب قال قال عبدالله بن مسعود لقد شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلى مما عدل به أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين قال والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكنا نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وسر بذلك رواه البخاري في التفسير والمغازي من طرق عن مخارق به وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه حدثنا علي بن الحسن بن علي حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا محمد بن عبدالله الأنصاري حدثنا حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر استشار المسلمين فأشار عليه عمر ثم استشارهم فقالت الأنصار يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا إذا لا نقول له كما قال بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون والذي بعثك بالحق إن ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك رواه الإمام أحمد عن عبيدة بن حميد عن حميد الطويل عن أنس به ورواه النسائي عن محمد بن المثنى عن خالد بن الحارث عن حميد عن أنس به نحوه وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى عن عبدالأعلى بن حماد عن معتمر عن حميد عن أنس به نحوه *2* دخول بني إسرائيل التيه وما فيه من الأمور العجيبة @ قد ذكرنا نكول بني إسرائيل عن قتال الجبارين وأن الله تعالى عاقبهم بالتيه وحكم بأنهم لا يخرجون منه إلى أربعين سنة ولم أر في كتاب أهل الكتاب قصة نكولهم عن قتال الجبارين ولكن فيها أن يوشع جهزه موسى لقتال طائفة من الكفار وأن موسى وهرون وخور جلسوا على رأس أكمة ورفع موسى عصاه فكلما رفعها انتصر يوشع عليهم وكلما مالت يده بها من تعب أو نحوه غلبهم أولئك وجعل هرون وخور يدعمان يديه عن يمينه وشماله ذلك اليوم إلى غروب الشمس فانتصر حزب يوشع عليه السلام وعندهم أن يثرون كلهن مدين وختن موسى عليه السلام بلغه ما كان من أمر موسى وكيف أظفره الله بعدوه فرعون فقدم على موسى مسلما ومعه ابنته صفورا زوجة موسى وابناها منه جرشون وعازر فتلقاه موسى وأكرمه واجتمع به شيوخ بني إسرائيل وعظموه وأجلوه وذكروا أنه رأى كثرة اجتماع بني إسرائيل على موسى في الخصومات التي تقع بينهم فأشار على موسى أن يجعل على الناس رجالا أمناء أتقياء أعفاء يبغضون الرشاء والخيانة فيجعلهم على الناس رؤس ألوف ورؤس مئين ورؤس خمسين ورؤس عشرة فيقضوا بين الناس فإذا أشكل عليهم أمر جاؤك ففصلت بينهم ما أشكل عليهم ففعل ذلك موسى عليه السلام قالوا ودخل بنو إسرائيل البرية عند سيناء في الشهر الثالث من خروجهم من مصر وكان خروجهم في أول السنة التي شرعت لهم وهي أول فصل الربيع فكأنهم دخلوا التيه في أول فصل الصيف والله أعلم قالوا ونزل بنو إسرائيل حول طور سيناء وصعد موسى الجبل فكلمه ربه وأمره أن يذكر بني إسرائيل ما أنعم الله به عليهم من أنجائه إياهم من فرعون وقومه وكيف حملهم على مثل جناحي نسر من يده وقبضته وأمره أن يأمر بني إسرائيل بأن يتطهروا ويغتسلوا ويغسلوا ثيابهم وليستعدوا إلى اليوم الثالث فإذا كان في اليوم الثالث فليجتمعوا حول الجبل ولا يقتربن أحد منهم إليه فمن دنا منه قتل حتى ولا شيء من البهائم ما داموا يسمعون صوت القرن فإذا سكن القرن فقد حل لكم أن ترتقوه فسمع بنو إسرائيل ذلك وأطاعوا واغتسلوا وتنظفوا وتطيبوا فلما كان اليوم الثالث ركب الجبل غمامة عظيمة وفيها أصوات وبروق وصوت الصور شديد جدا ففزع بنو إسرائيل من ذلك فزعا شديدا وخرجوا فقاموا في سفح الجبل وغشى الجبل دخان عظيم في وسطه عمود نور وتزلزل الجبل كله زلزلة شديدة واستمر صوت الصور وهو البوق واشتد وموسى عليه السلام فوق الجبل والله يكلمه ويناجيه وأمر الرب عز وجل موسى أن ينزل فأمر بني إسرائيل أن يقتربوا من الجبل ليسمعوا وصية الله ويأمر الاحبار وهم علمائهم أن يدنوا فيصعدوا الجبل ليقدموا بالقرب وهذا نص في كتابهم على وقوع النسخ لا محالة فقال موسى يا رب إنهم لا يستطيعون أن يصعدوه وقد نهيتهم عن ذلك فأمره الله تعالى أن يذهب فيأتي معه بأخيه هرون وليكن الكهنة وهم العلماء والشعب وهم بقية بني إسرائيل غير بعيد ففعل موسى وكلمه ربه عز وجل فأمره حينئذ بالعشر كلمات وعندهم أن بني إسرائيل سمعوا كلام الله ولكن لم يفهموا حتى فهمهم موسى وجعلوا يقولون لموسى بلغنا أنت عن الرب عز وجل فانا نخاف أن نموت فبلغهم عنه فقال هذه العشر الكلمات وهي الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والنهي عن الحلف بالله كاذبا والأمر بالمحافظة على السبت ومعناه تفرغ يوم من الأسبوع للعبادة وهذا حاصل بيوم الجمعة الذي نسخ الله به السبت أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض الذي يعطيك الله ربك لا تقتل لا تزن لا تسرق لا تشهد على صاحبك شهادة زور لا تمد عينك إلى بيت صاحبك ولا تشته امرأة صاحبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا من الذي لصاحبك ومعناه النهي عن الحسد وقد قال كثير من علماء السلف وغيرهم مضمون هذه العشر الكلمات في آيتين من القرآن وهما قوله تعالى في سورة الأنعام قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي وبعهد الله أوفوا ذلك وصاكم به لعلكم تذكرون وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه الآية وذكروا بعد العشر الكلمات وصايا كثيرة وأحكاما متفرقة عزيزة كانت فزالت وعملت بها حينا من الدهر ثم طرأ عليها عصيان من المكلفين بها ثم عمدوا إليها فبدلوها وحرفوها وأولوها ثم بعد ذلك كله سلبوها فصارت منسوخة مبدلة بعد ما كانت مشروعة مكملة فلله الأمر من قبل ومن بعد وهو الذي يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد الا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين وقد قال الله تعالى يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى يذكر تعالى منته وإحسانه إلى بني إسرائيل بما أنجاهم من أعدائهم وخلصهم من الضيق والحرج وأنه وعدهم صحبة نبيهم إلى جانب الطور الأيمن أي منهم لينزل عليه أحكاما عظيمة فيها مصلحة لهم في دنياهم وأخراهم وأنه تعالى أنزل عليهم في حال شدتهم وضرورتهم في سفرهم في الأرض التي ليس فيها زرع ولا ضرع منا من السماء يصبحون فيجدونه خلال بيوتهم فيأخذون منه قدر حاجتهم في ذلك اليوم إلى مثله من الغد ومن ادخر منه لأكثر من ذلك فسد ومن أخذ منه قليلا كفاه أو كثيرا لم يفضل عنه فيصنعون منه مثل الخبز وهو في غاية البياض والحلاوة فإذا كان من آخر النهار غشيهم طير السلوى فيقتنصون منه بلا كلفة ما يحتاجون إليه حسب كفايتهم لعشاهم وإذا كان فصل الصيف ظلل الله عليهم الغمام وهو السحاب الذي يستر عنهم حر الشمس وضوأها الباهر كما قال تعالى في سورة البقرة يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون إلى أن قال وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوي كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون إلى أن قال وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون فذكر تعالى إنعامه عليهم وإحسانه إليهم بما يسر لهم من المن والسلوى طعامين شهيين بلا كلفة ولا سعي لهم فيه بل ينزل الله المن باكرا ويرسل عليهم طير السلوى عشيا وأنبع الماء لهم بضرب موسى عليه السلام حجرا كانوا يحملونه معهم بالعصا فتفجر منه اثنتا عشرة عينا لكل سبط عين منه تنبجس ثم تنفجر ماءا زلالا فيستقون ويسقون دوابهم ويدخرون كفايتهم وظلل عليهم الغمام من الحر وهذه نعم من الله عظيمة وعطيات جسيمة فما رعوها حق رعايتها ولا قاموا بشكرها وحق عبادتها ثم ضجر كثير منها وتبرموا بها وسألوا أن يستبدلوا منها ببدلها مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها فقرعهم الكليم ووبخهم وأنبهم على هذه المقالة وعنفهم قائلا أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم أي هذا الذي تطلبونه وتريدونه بدل هذه النعم التي فيها حاصل لأهل الأمصار الصغار والكبار موجود بها وإذا هبطتم إليها أي ونزلتم عن هذه المرتبة التي لا تصلحون لمنصبها تجدوا بها ما تشتهون وما ترومون مما ذكرتم من المآكل الدنية والأغذية الردية ولكني لست أجيبكم إلى سؤال ذلك ههنا ولا أبلغكم ما تعنتم به من المنى وكل هذه الصفات المذكورة عنهم الصادرة منهم تدل على أنهم لم ينتهوا عما نهوا عنه كما قال تعالى ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى أي فقد هلك وحق له والله الهلاك والدمار وقد حل عليه غضب الملك الجبار ولكنه تعالى مزج هذا الوعيد الشديد بالرجاء لمن أناب وتاب ولم يستمر على متابعة الشيطان المريد فقال وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى *2* سؤال الرؤية @ قال الله تعالى وواعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هرون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وأن يرو سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون الا ما كانوا يعملون قال جماعة من السلف منهم ابن عباس ومسروق ومجاهد الثلاثون ليلة هي شهر ذي القعدة بكماله واتمت أربعين ليلة بعشر ذي الحجة فعلى هذا يكون كلام الله له يوم عيد النحر وفي مثله أكمل الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم دينه وأقام حجته وبراهينه والمقصود أن موسى عليه السلام لما استكمل الميقات وكان فيه صائما فأمر الله أن يمسك عشرا أخرى فصارت أربعين ليلة فلما عزم على الذهاب استخلف على شعب بني إسرائيل أخاه هرون المحبب المبجل الجليل وهو ابن أمه وأبيه ووزيره في الدعوة إلى مصطفيه فوصاه وأمره وليس في هذا لعلو منزلته في نبوته منافاة قال الله تعالى ولما جاء موسى لميقاتنا أي في الوقت الذي أمر بالمجىء فيه وكلمه ربه أي كلمه الله من وراء حجاب الا أنه أسمعه الخطاب فناداه وناجاه وقربه وأدناه وهذا مقام رفيع ومعقل منيع ومنصب شريف ومنزل منيف فصلوات الله عليه تترى وسلامه عليه في الدنيا والأخرى ولما أعطى هذه المنزلة العلية والمرتبة السنية وسمع الخطاب سأل رفع الحجاب فقال للعظيم الذي لا تدركه الأبصار القوى البرهان ربي أرني أنظر إليك قال لن تراني ثم بين تعالى أنه لا يستطيع أن يثبت عند تجليه تبارك وتعالى لأن الجبل الذي هو أقوى وأكبر ذاتا وأشد ثباتا من الإنسان لا يثبت عند التجلي من الرحمان ولهذا قال ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني وفي الكتب المتقدمة أن الله تعالى قال له يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده وفي الصحيحين عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال حجابه النور وفي رواية النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وقال ابن عباس في قوله تعالى لا تدركه الأبصار ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى لشيء لا يقوم له شيء ولهذا قال تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين قال مجاهد ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فإنه أكبر منك وأشد خلقا فلما تجلى ربه للجبل فنظر إلى الجبل لا يتمالك وأقبل الجبل فدك على أوله ورأى موسى ما يصنع الجبل فخر صعقا وقد ذكرنا في التفسير ما رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه ابن جرير والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت زاد ابن جرير وليث عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا قال هكذا بإصبعه ووضع النبي صلى الله عليه وسلم الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر فساخ الجبل لفظ ابن جرير وقال السدي عن عكرمة وعن ابن عباس ما تجلى يعني من العظمة إلا قدر الخنصر فجعل الجبل دكا قال ترابا وخر موسى صعقا أي مغشيا عليه وقال قتادة ميتا والصحيح الأول لقوله فلما أفاق فإن الإفاقة إنما تكون عن غشي قال سبحانك تنزيه وتعظيم وإجلال إن يراه بعظمته أحد تبت إليك أي فلست أسأل بعد هذا الرؤية وأنا أول المؤمنين أنه لا يراك حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده وقد ثبت في الصحيحين من طريق عمرو بن يحيى بن عمارة بن ابي حسن المازني الأنصاري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخيروني من بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أو جوزي بصعقة الطور لقظ البخاري وفي أوله قصة اليهودي الذي لطم وجهه الأنصاري حين قال لا والذي اصطفى موسى على البشر فقال رسول الله لا تخيروني من بين الأنبياء وفي الصحيحين من طريق الزهري عن أبي سلمة وعبدالرحمن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه وفيه لا تخيروني على موسى وذكر تمامه وهذا من باب الهضم والتواضع أو نهي عن التفضيل بين الأنبياء على وجه الغضب والعصبية أو ليس هذا إليكم بل الله هو الذي رفع بعضهم فوق بعض درجات وليس ينال هذا بمجرد الرأي بل بالتوقيف ومن قال إن هذا قاله قبل أن يعلم أنه أفضل ثم نسخ باطلاعه على أفضليته عليهم كلهم ففي قوله نظر لان هذا من رواية أبي سعيد وأبي هريرة وما هاجر أبو هريرة إلا عام حنين متأخرا فيبعد أنه لم يعلم بهذا إلا بعد هذا والله اعلم ولا شك أنه صلوات الله وسلامه عليه أفضل البشر بل الخليقة قال الله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس وما كملوا إلا بشرف نبيهم وثبت بالتواتر عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ثم ذكر اختصاصه بالمقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون الذي تحيد عنه الأنبياء والمرسلون حتى أولو العزم إلا كملون نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وقوله صلى الله عليه وسلم فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش أي آخذا بها فلا أدري أفاق قبلي ام جوزي بصعقة الطور دليل على أن هذا الصعق الذي يحصل للخلائق في عرصات القيامة حين يتجلى الرب لفصل القضاء بين عباده فيصعقون من شدة الهيبة والعظمة والجلال فيكون أولهم إفاقة محمد خاتم الأنبياء ومصطفى رب الأرض والسماء على سائر الأنبياء فيجد موسى باطشا بقائمة العرش قال الصادق المصدوق لا أدري أصعق فأفاق قبلي أي كانت صعقته خفيقة لأنه قد ناله بهذا السبب في الدنيا صعق أو جوزي بصعقة الطور يعني فلم يصعق بالكلية وهذا شرف كبير لموسى عليه السلام من هذه الحيثية ولا يلزم تفضيله بها مطلقا من كل وجه ولهذا نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على شرفه وفضيلته بهذه الصفة لأن المسلم لما ضرب وجه اليهودي حين قال لا والذي اصطفى موسى على البشر قد يحصل في نفوس المشاهدين لذلك هضم بجناب موسى عليه السلام فبين النبي صلى الله عليه وسلم فضيلته وشرفه وقوله تعالى قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي أي في ذلك الزمان لا ما قبله لان إبراهيم الخليل أفضل منه كما تقدم بيان ذلك في قصة إبراهيم ولا ما بعده لان محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل منهما كما ظهر شرفه ليلة الإسراء على جميع المرسلين والأنبياء وكما ثبت أنه قال سأقوم مقاما يرغب إلى الخلق حتى إبراهيم وقوله تعالى فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين أي فخذ ما أعطيتك من الرسالة والكلام ولا تسأل زيادة عليه وكن من الشاكرين على ذلك قال الله تعالى وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لك
ابن كثير الفصل الثاني الباب 2 قصة موسى كليم الله وهلاك فرعون