هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى بيت الأسرة
نرحب مجددا بجميع أعضاء بيت الأسرة ,, ويسعدنا تننشيط عضويتكم بالتواصل على جوالي بالنسبة للأعضاء ,, وعلى جوال أم عبدالله بالنسبة للأخوات ,, وبامكان الجميع التواصل معي على ايميلي aabohadi @hotmail.com ,, متمنين للجميع سنة جميلة مليئة بالحب والتواصل
موضوع: لا تحزن الباب 2 الثلاثاء أبريل 27, 2010 10:37 pm
اتركِ المستقبلَ حتى يأتيَ
﴿ أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ لا تستبقِ الأحداث ، أتريدُ إجهاض الحملِ قبْل تمامِهِ؟! وقطف الثمرةِ قبل النضج ؟! إنَّ غداً مفقودٌ لا حقيقة لهُ ، ليس له وجودٌ ، ولا طعمٌ ، ولا لونٌ ، فلماذا نشغلُ أنفسنا بهِ ، ونتوجَّسُ من مصائِبِهِ ، ونهتمُّ لحوادثهِ ، نتوقعُ كوارثهُ ، ولا ندري هلْ يُحالُ بيننا وبينهُ ، أو نلقاهُ ، فإذا هو سرورٌ وحبورٌ ؟! المهمُّ أنه في عالمِ الغيبِ لم يصلْ إلى الأرضِ بعْدَ ، إن علينا أنْ لا نعبر جسراً حتى نأتيه ، ومن يدري؟ لعلَّنا نقِف قبل وصولِ الجسرِ ، أو لعلَّ الجسرَ ينهارُ قبْل وصولِنا ، وربَّما وصلنا الجسر ومررنا عليه بسلامٍ. إن إعطاء الذهنِ مساحةً أوسع للتفكيرِ في المستقبلِ وفتحِ كتابِ الغيبِ ثم الاكتواءِ بالمزعجاتِ المتوقعةِ ممقوتٌ شرعاً ؛ لأنه طولُ أملٍ ، وهو مذمومٌ عقلاً ؛ لأنه مصارعةُ للظلِّ. إن كثيراً من هذا العالم يتوقُع في مُستقبلهِ الجوعَ العري والمرضَ والفقرَ والمصائبَ ، وهذا كلُّه من مُقرراتِ مدارسِ الشيطانِ ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً ﴾ . كثيرٌ همْ الذين يبكون ؛ لأنهم سوف يجوعون غداً، وسوف يمرضون بعد سنةٍ، وسوف ينتهي العالمُ بعد مائةِ عام. إنَّ الذي عمرُه في يد غيره لا ينبغي لهُ أن يراهن على العدمٍ ، والذي لا يدرِي متى يموتُ لا يجوزُ لهُ الاشتغالُ بشيءٍ مفقودٍ لا حقيقة له. اترك غداً حتى يأتيك ، لا تسأل عن أخبارِه ، لا تنتظر زحوفه ، لأنك مشغولٌ باليوم. وإن تعجبْ فعجبٌ هؤلاء يقترضون الهمَّ نقداً ليقضوه نسيئةً في يومٍ لم تُشرق شمسُه ولم ير النور ، فحذار من طولِ الأملِ . **************************************** كيف تواجه النقد الآثم ؟
الرُّقعاءُ السُّخفاءُ سبُّوا الخالق الرَّازق جلَّ في علاه ، وشتموا الواحد الأحد لا إله إلا هو ، فماذا أتوقعُ أنا وأنت ونحنُ أهل الحيف والخطأ ، إنك سوف تواجهُ في حياتِك حرْباً! ضرُوساُ لا هوادة فيها من النًّقدِ الآثمِ المرِّ ، ومن التحطيم المدروسِ المقصودِ ، ومن الإهانةِ المتعمّدةِ مادام أنك تُعطي وتبني وتؤثرُ وتسطعُ وتلمعُ ، ولن يسكت هؤلاءِ عنك حتى تتخذ نفقاً في الأرضِ أو سلماً في السماءِ فتفرَّ منهم ، أما وأنت بين أظهرِهِمْ فانتظرْ منهمْ ما يسوؤك ويُبكي عينك ، ويُدمي مقلتك ، ويقضُّ مضجعك. إن الجالس على الأرضِ لا يسقطُ ، والناسُ لا يرفسون كلباً ميتاً ، لكنهم يغضبون عليك لأنك فُقْتَهمْ صلاحاً ، أو علماً ، أو أدباً ، أو مالاً ، فأنت عندهُم مُذنبٌ لا توبة لك حتى تترك مواهبك ونِعَمَ اللهِ عليك ، وتنخلع من كلِّ صفاتِ الحمدِ ، وتنسلخ من كلِّ معاني النبلِ ، وتبقى بليداً ! غبيَّا ، صفراً محطَّماً ، مكدوداً ، هذا ما يريدونهُ بالضبطِ . إذاً فاصمد لكلامِ هؤلاءِ ونقدهمْ وتشويهِهِمْ وتحقيرِهمْ (( أثبتْ أُحُدٌ )) وكنْ كالصخرةِ الصامتةِ المهيبةِ تتكسرُ عليها حبّاتُ البردِ لتثبت وجودها وقُدرتها على البقاءِ . إنك إنْ أصغيت لكلامِ هؤلاءِ وتفاعلت به حققت أمنيتهُم الغالية في تعكيرِ حياتِك وتكديرِ عمرك ، ألا فاصفح الصَّفْح الجميل ، ألا فأعرضْ عنهمْ ولا تكُ في ضيقٍ مما يمكرون. إن نقدهمُ السخيف ترجمةٌ محترمةٌ لك ، وبقدرِ وزنِك يكُون النقدُ الآثمُ المفتعلُ . إنك لنْ تستطيع أن تغلق أفواه هؤلاءِ ، ولنْ تستطيع أن تعتقل ألسنتهم لكنك تستطيعُ أن تدفن نقدهُم وتجنّيهم بتجافيك لهم ، وإهمالك لشأنهمْ ، واطِّراحك لأقوالهِمِ!. ﴿ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ﴾ بل تستطيعُ أنْ تصبَّ في أفواهِهِمُ الخرْدَلَ بزيادةِ فضائلك وتربيةِ محاسنِك وتقويم اعوجاجِك . إنْ كنت تُريد أن تكون مقبولاً عند الجميع ، محبوباً لدى الكلِّ ، سليماً من العيوبِ عند العالمِ ، فقدْ طلبت مستحيلاً وأمَّلت أملاً بعيداً . ************************************************ لا تنتظرْ شكراً من أحدٍ
خلق اللهُ العباد ليذكروهُ ورزق اللهُ الخليقة ليشكروهُ ، فعبد الكثيرُ غيره ، وشكرَ الغالبُ سواه ، لأنَّ طبيعة الجحودِ والنكرانِ والجفاءِ وكُفْرانِ النِّعم غالبةٌ على النفوس ، فلا تُصْدمْ إذا وجدت هؤلاءِ قد كفروا جميلك ، وأحرقوا إحسانك ، ونسوا معروفك ، بل ربما ناصبوك العِداءَ ، ورموك بمنجنيق الحقدِ الدفين ، لا لشيءٍ إلا لأنك أحسنت إليهمْ ﴿ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ وطالعْ سجلَّ العالمِ المشهود ، فإذا في فصولِهِ قصةُ أبٍ ربَّى ابنهُ وغذّاهُ وكساهُ وأطعمهُ وسقاهُ ، وأدَّبهُ ، وعلَّمهُ ، سهر لينام ، وجاع ليشبع ، وتعِب ليرتاح ، فلمَّا طرَّ شاربُ هذا الابن وقوي ساعده ، أصبح لوالدهِ كالكلبِ العقورِ ، استخفافاً ، ازدراءً ، مقتاً ، عقوقاً صارخاً ، عذاباً وبيلاً . ألا فليهدأ الذين احترقت أوراقُ جميلِهمْ عند منكوسي الفِطرِ ، ومحطَّمي الإراداتِ ، وليهنؤوا بعوضِ المثوبةِ عند من لا تنفدُ خزائنُه . إن هذا الخطاب الحارَّ لا يدعوك لتركِ الجميلِ ، وعدمِ الإحسانِ للغير ، وإنما يوطِّنُك على انتظار الجحودِ ، والتنكرِ لهذا الجميلِ والإحسانِ ، فلا تبتئس بما كانوا يصنعون. اعمل الخير لِوجْهِ اللهِ ؛ لأنك الفائزُ على كل حالٍ ، ثمَّ لا يضرك غمْطُ من غمطك ، ولا جحودُ من جحدك ، واحمدِ الله لأنك المحسنُ ، واليدُ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً ﴾ . وقد ذُهِل كثيرٌ من العقلاءِ من جبلَّةِ الجحودِ عند الغوْغاءِ ، وكأنهمْ ما سمعوا الوحي الجليل وهو ينعي على الصنف عتوَّه وتمردهُ ﴿ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ لا تُفاجأ إذا أهديت بليداً قلماً فكتب به هجاءك ، أو منحت جافياً عصاً يتوكأ عليها ويهشُّ بها على غنمهِ ، فشجَّ بها رأسك ، هذا هو الأصلُ عند هذهِ البشريةِ المحنّطةِ في كفنِ الجحودِ مع باريها جلَّ في علاه ، فكيف بها معي ومعك ؟! . **************************************** الإحسانُ إلى الآخرين انشراحٌ للصدر
الجميلُ كاسمِهِ ، والمعروفُ كرسمِهِ ، والخيرُ كطعمِهِ. أولُ المستفيدين من إسعادِ النَّاسِ همُ المتفضِّلون بهذا الإسعادِ ، يجنون ثمرتهُ عاجلاً في نفوسهِمْ ، وأخلاقِهم ، وضمائِرِهِم ، فيجدون الانشراح والانبساط ، والهدوء والسكينة. فإذا طاف بك طائفٌ من همٍّ أو ألمِّ بك غمٌّ فامنحْ غيرك معروفاً وأسدِ لهُ جميلاً تجدِ الفرج والرَّاحة. أعطِ محروماً ، انصر مظلوماً ، أنقِذْ مكروباً ، أطعمْ جائعاً ، عِدْ مريضاً ، أعنْ منكوباً ، تجدِ السعادة تغمرُك من بين يديْك ومنْ خلفِك. إنَّ فعلَ الخيرِ كالطيب ينفعُ حاملهُ وبائعه ومشتريهُ ، وعوائدُ الخيرِ النفسيَّة عقاقيرُ مباركةٌ تصرفُ في صيدليةِ الذي عُمِرتْ قلوبُهم بالبِّر والإحسان . إن توزيع البسماتِ المشرقةِ على فقراءِ الأخلاقِ صدقةٌ جاريةٌ في عالمِ القيمِ (( ولو أن تلقى أخاك بوجهِ طلْقِ )) وإن عبوس الوجهِ إعلانُ حربٍ ضروسٍ على الآخرين لا يعلمُ قيامها إلا علاَّمٌ الغيوبِ . شربةُ ماءِ من كفِّ بغي لكلب عقورٍ أثمرتْ دخول جنة عرضُها السمواتُ والأرضُ ؛ لأنَّ صاحب الثوابِ غفورٌ شكورٌ جميلٌ ، يحبُّ الجميل ، غنيٌ حميدٌ . يا منْ تُهدِّدهُمْ كوابيسُ الشقاءِ والفزع والخوفِ هلموا إلى بستانِ المعروفِ وتشاغلوا بالآخرين، عطاءً وضيافةً ومواساةً وإعانةً وخدمةً وستجدون السعادة طعماً ولوناً وذوقاً ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى{19} إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى{20} وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ . ***************************************** اطردِ الفراغ بالعملِ
الفارغون في الحياةِ هم أهلُ الأراجيفِ والشائعات لأنَّ أذهانهم موزَّعةٌ ﴿ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ ﴾ . إنَّ أخطر حالات الذهنِ يوم يفرغُ صاحبُه من العملِ ، فيبقى كالسيارةِ المسرعةِ في انحدارِ بلا سائقٍ تجنحُ ذات اليمين وذات الشمالِ . يوم تجدُ في حياتك فراغاً فتهيَّأ حينها للهمِّ والغمِّ والفزعِ ، لأن هذا الفراغ يسحبُ لك كلَّ ملفَّاتِ الماضي والحاضرِ والمستقبلِ من أدراج الحياةِ فيجعلك في أمرٍ مريجٍ ، ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمالٍ مثمرةٍ بدلاً من هذا الاسترخاءِ القاتلِ لأنهُ وأدٌ خفيٌّ ، وانتحارٌ بكبسولٍ مسكِّنٍ . إن الفراغً أشبهُ بالتعذيب البطيءِ الذي يمارسُ في سجونِ الصينِ بوضعِ السجينِ تحت أنبوبٍ يقطُرُ كلَّ دقيقةٍ قطرةً ، وفي فتراتِ انتظارِ هذه القطراتِ يُصابُ السجينُ بالجنونِ . الراحةُ غفلةٌ ، والفراغُ لِصٌّ محترِفٌ ، وعقلك هو فريسةٌ ممزَّقةٌ لهذه الحروبِ الوهميَّة . إذاً قم الآن صلِّ أو اقرأ ، أو سبِّحْ ، أو طالعْ ، أو اكتبْ ، أو رتِّب مكتبك ، أو أصلح بيتك ، أو انفعْ غيرك حتى تقضي على الفراغِ ، وإني لك من الناصحينْ . اذبحْ الفراغ بسكينِ العملِ ، ويضمن لك أطباءُ العالم 50% من السعادة مقابل هذا الإجراءِ الطارئِ فحسب ، انظر إلى الفلاحين والخبازين والبنائين يغردون بالأناشيد كالعصافيرِ في سعادةٍ وراحةٍ وأنت على فراشك تمسحُ دموعك وتضطرُب لأنك ملدوغٌ . **************************************** لا تكن إمعة
لا تتقمص شخصية غيرك ولا تذُب في الآخرين. إن هذا هو العذاب الدائم ، وكثيرٌ هم الذين ينسون أنفسهم وأصواتِهم وحركاتِهم ، وكلامَهم ، ومواهبهم ، وظروفهم ، لينصْهرُوا في شخصيِّات الآخرين ، فإذا التكلّفُ والصَّلفُ ، والاحتراقُ ، والإعدامُ للكيان وللذَّات. من آدم إلى آخر الخليقة لم يتفق اثنانِ في صورةٍ واحدةٍ ، فلماذا يتفقون في المواهبِ والأخلاق . أنت شيءٌ آخرُ لم يسبق لك في التاريخِ مثيلٌ ولن يأتي مثُلك في الدنيا شبيه . أنت مختلف تماماً عن زيد وعمرو فلا تحشرْ نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان . انطلق على هيئتك وسجيَّتك ﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ﴾ ، ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ﴾ عشْ كما خلقت لا تغير صوتك ، لا تبدل نبرتك ، لا تخالف مشيتك ، هذب نفسك بالوحي ، ولكن لا تلغِ وجودك وتقتل استقلالك. أنت لك طعم خاص ولون خاص ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا ؛ لأنك خلقت هكذا وعرفناك هكذا ((لا يكن أحدكم إمَّعة)) . إنَّ الناس في طبائعهمْ أشبهُ بعالمِ الأشجارِ : حلوٌ وحامضٌ ، وطويلٌ وقصيرٌ ، وهكذا فليكونوا. فإن كنت كالموزِ فلا تتحولْ إلى سفرجل ؛ لأن جمالك وقيمتك أن تكون موزاً ، إن اختلاف ألوانِنا وألسنتِنا ومواهبِنا وقدراتِنا آيةٌ منْ آياتِ الباري فلا تجحد آياته . ****************************** قضاء وقدر
﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا﴾ ، جفَّ القلمُ ، رُفعتِ الصحفُ ، قضي الأمرُ ، كتبت المقادير ، ﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا ﴾ ، ما أصابك لم يكنْ لِيُخطئِك ، وما أخطأكَ لم يكنْ لِيُصيِبك . إن هذه العقيدة إذا رسختْ في نفسك وقرَّت في ضميرِك صارتْ البليةُ عطيةً ، والمِحْنةُ مِنْحةً ، وكلُّ الوقائع جوائز وأوسمةً ((ومن يُرِدِ اللهُ به خيراً يُصِبْ منه)) فلا يصيبُك قلقٌ من مرضٍ أو موتِ قريبٍ ، أو خسارةٍ ماليةٍ ، أو احتراقِ بيتٍ ، فإنَّ الباري قد قدَّر والقضاءُ قد حلَّ ، والاختيارُ هكذا ، والخيرةُ للهِ ، والأجرُ حصل ، والذنبُ كُفِّر .هنيئاً لأهلِ المصائب صبرهم ورضاهم عن الآخذِ ، المعطي ، القابضِ ، الباسط ، ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ . ولن تهدأ أعصابُك وتسكن بلابلُ نفسِك ، وتذْهب وساوسُ صدْرِك حتى تؤمن بالقضاءِ والقدرِ ، جفَّ القلمُ بما أنت لاقٍ فلا تذهبْ نفسُك حسراتٍ ، لا تظنُّ أنه كان بوسعِك إيقافُ الجدار أن ينهار ، وحبْسُ الماءِ أنْ ينْسكِبُ ، ومَنْعُ الريحِ أن تهبُّ ، وحفظُ الزجاج أن ينكسر ، هذا ليس بصحيحٍ على رغمي ورغمك ، وسوف يقعُ المقدورُ ، وينْفُذُ القضاءُ ، ويحِلُّ المكتوبُ ﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾ . استسلمْ للقدر قبْل أن تطوّق بجيش السُّخْط والتذمُّر والعويل ، اعترفْ بالقضاءِ قبْل أن يدهمك سيْلُ النَّدمِ ، إذاً فليهدأ بالُك إذا فعلت الأسباب ، وبذلت الحِيل ، ثم وقع ما كنت تحذرُ ، فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع ، ولا تقُلْ ((لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ، ولكن قُلْ : قدَّر اللهُ وما شاء فعلْ)) . *************************************** ﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾ يا إنسانُ بعد الجوع شبعٌ ، وبعْدَ الظَّمأ ريٌّ ، وبعْدَ السَّهرِ نوْمٌ ، وبعْدَ المرض عافيةٌ ، سوف يصلُ الغائبُ ، ويهتدي الضالُّ ، ويُفكُّ العاني ، وينقشعُ الظلامُ ﴿ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ ﴾ . بشَّر الليل بصبح صادق يطاردُهُ على رؤِوسِ الجبال ، ومسارب الأوديةِ ، بشِّر المهمومَ بِفرجٍ مفاجئ يصِلُ في سرعةِ الضَّوْءِ ، ولمُحِ البصرِ ، بشِّرِ المنكوب بلطف خفيٍّ ، وكفٍ حانيةٍ وادعةٍ . إذا رأيت الصحراء تمتدُّ وتمتدُّ ، فاعلم أنَّ وراءها رياضاً خضراء وارفةّ الظِّلالِ. إذا رأيت الحِبْل يشتدُّ ويشتدُّ ، فاعلمْ أنه سوف يَنْقطُعِ . مع الدمعةِ بسمةٌ ، ومع الخوفِ أمْنٌ ، ومع الفَزَعِ سكينةٌ . النارُ لا تحرقُ إبراهيم الخليلِ ، لأنَّ الرعايةَ الربانيَّة فَتَحتْ نَافِذَةَ ﴿ بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ . البحرُ لا يُغْرِقُ كَلِيمَ الرَّحْمَنِ ، لأنَّ الصَّوْتَ القويَّ الصادق نَطَقَ بـ ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ . المعصومُ في الغارِ بشَّرَ صاحِبهُ بأنه وحْدَهْ جلَّ في عُلاهُ معنا ؛ فنزل الأمْنُ والفتُح والسكينة . إن عبيد ساعاتِهم الراهنةِ ، وأرِقّاءَ ظروفِهِمُ القاتمةِ لا يرَوْنَ إلاَّ النَّكَدَ والضِّيقَ والتَّعاسةَ ، لأنهم لا ينظرون إلاَّ إلى جدار الغرفةِ وباب الدَّارِ فَحَسْبُ. ألا فلْيَمُدُّوا أبصارَهُمْ وراء الحُجُبِ وليُطْلِقُوا أعنة أفكارِهِمْ إلى ما وراء الأسوارِ. إذاً فلا تضِقْ ذرعاً فمن المُحالِ دوامُ الحالِ ، وأفضلُ العبادِة انتظارُ الفرجِ ، الأيامُ دُولٌ ، والدهرُ قُلّبٌ ، والليالي حُبَالى ، والغيبُ مستورٌ ، والحكيمُ كلَّ يوم هو في شأنٍ ، ولعلَّ الله يُحْدِثُ بعد ذلك أمراً ، وإن مع العُسْرِ يُسْراً ، إن مع العُسْرِ يُسْراً . ******************************* اصنع من الليمون شراباً حلواً
الذكيُّ الأريبُ يحوّلُ الخسائر إلى أرباحٍ ، والجاهلُ الرِّعْديِدُ يجعلُ المصيبة مصيبتينِ. طُرِدَ الرسولُ من مكةَ فأقامَ في المدينةِ دولةً ملأتْ سمْع التاريخِ وبصرهُ . سُجن أحمدُ بنُ حَنْبَلَ وجلد ، فصار إمام السنة ، وحُبس ابنُ تيمية فأُخْرِج من حبسهِ علماً جماً ، ووُضع السرخسيُّ في قعْرِ بئْرٍ معطلةٍ فأخرج عشرين مجلداً في الفِقْهِ ، وأقعد ابن الأثيرِ فصنّفَ جامع الأصول والنهاية من أشهرِ وأنفعِ كتبِ الحديثِ ، ونُفي ابنُ الجوزي من بغداد ، فجوَّد القراءاتِ السبعِ ، وأصابتْ حمى الموتِ مالك بن الريبِ فأرسل للعالمين قصيدتهُ الرائعة الذائعة التي تعدِلُ دواوين شعراءِ الدولةِ العباسيةِ ، ومات أبناءُ أبي ذؤيب الهذلي فرثاهمْ بإلياذة أنْصت لها الدهرُ ، وذُهِل منها الجمهورُ ، وصفَّق لها التاريخُ . إذا داهمتك داهيةٌ فانظرْ في الجانبِ المشرِقِ منها ، وإذا ناولك أحدُهمْ كوب ليمونٍ فأضفْ إليهِ حِفْنَةً من سُكَّر ، وإذا أهدى لك ثعباناً فخذْ جلْدَهُ الثمين واتركْ باقيه ، وإذا لدغتْك عقربٌ فاعلم أنه مصلٌ واقٍ ومناعةٌ حصينة ضد سُمِّ الحياتِ . تكيَّف في ظرفكِ القاسي ، لتخرج لنا منهُ زهْراً وورْداً وياسميناً ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ . سجنتْ فرنسا قبل ثورتِها العارمةِ شاعرْين مجيديْنِ متفائلاً ومتشائماً فأخرجا رأسيْهما من نافذةِ السجنِ . فأما المتفائلُ فنظر نظرةٌ في النجومِ فضحك. وأما المتشائمٌ فنظر إلى الطينِ في الشارعِ المجاور فبكى. انظرْ إلى الوجه الآخر للمأساةِ ، لأن الشرَّ المحْض ليس موجوداً ؛ بل هناك خيرٌ ومَكْسبٌ وفَتْحٌ وأجْرٌ . ***************************************** ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾
من الذي يفْزعُ إليه المكروبُ ، ويستغيثُ به المنكوبً ، وتصمدُ إليه الكائناتُ ، وتسألهُ المخلوقاتُ ، وتلهجُ بذكِرِه الألسُنُ وتُؤَلِّهُهُ القلوب ؟ إنه اللهُ لا إله إلاَّ هو. وحقٌ عليَّ وعليك أن ندعوهُ في الشدةِ والرَّخاءِ والسَّراءِ والضَّراءِ ، ونفزعُ إليه في المُلِمَّاتِ ونتوسّلُ إليه في الكرباتِ وننطرحُ على عتباتِ بابهِ سائلين باكين ضارعين منيبين ، حينها يأتي مددُهْ ويصِلُ عوْنُه ، ويُسْرعٌ فرجُهُ ويَحُلَّ فتْحُهُ ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ فينجي الغريق ويردُّ الغائب ويعافي المبتلي وينصرُ المظلوم ويهْدِي الضالَّ ويشفي المريض ويفرّجُ عن المكروبِ ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ . ولن أسْرُد عليك هنا أدعية إزاحةِ الهمِ والغمِ والحزنِ والكربِ ، ولكن أُحيلُك إلى كُتُبِ السُّنَّةِ لتتعلم شريف الخطابِ معه ؛ فتناجيهِ وتناديهِ وتدعوهُ وترجوه، فإن وجدْتهُ وجدْت كلَّ شيءٍ ، وإن فقدت الإيمان به فقدت كلَّ شيء ، إن دعاءك ربَّك عبادةٌ أخرى ، وطاعةٌ عظمى ثانيةٌ فوق حصولِ المطلوبِ ، وإن عبداً يجيدُ فنَّ الدعاءِ حريٌّ أن لا يهتمَّ ولا يغتمَّ ولا يقلق كل الحبال تتصرّم إلاَّ حبلُه كلُّ الأبوابِ توصدُ إلاَّ بابهُ وهو قريبٌ سميعٌ مجيبٌ ، يجيب المضطرَّ إذا دعاه يأمُرُك- وأنت الفقيرُ الضعيفُ المحتاجُ ، وهو الغنيُّ القويُّ الواحدُ الماجدُ - بأن تدعوه ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ إذا نزلتْ بك النوازلُ ، وألَمَََََّتْ بك الخطوبُ فالْهجْ بذكرِهِ ، واهتفْ باسمِهِ ، واطلبْ مددهُ واسألْه فتْحهُ ونصْرَهُ ، مرِّغِ الجبين لتقديسِ اسمِهِ ، لتحصل على تاج الحريَّةِ ، وأرغم الأنْف في طين عبوديتِهِ لتحوز وِسام النجاةِ ، مدَّ يديْك ، ارفع كفَّيْكَ ، أطلقْ لسانك ، أكثرْ من طلبِهِ ، بالغْ في سؤالِهِ ، ألحَّ عليه ، الزمْ بابهُ ، انتظرْ لُطْفُه ، ترقبْ فتْحهُ ، أشْدُ باسمِهِ ، أحسنْ ظنَّك فيه ، انقطعْ إليه ، تبتَّلْ إليه تبتيلاً حتى تسعد وتُفْلِحَ . **************************************