هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى بيت الأسرة
نرحب مجددا بجميع أعضاء بيت الأسرة ,, ويسعدنا تننشيط عضويتكم بالتواصل على جوالي بالنسبة للأعضاء ,, وعلى جوال أم عبدالله بالنسبة للأخوات ,, وبامكان الجميع التواصل معي على ايميلي aabohadi @hotmail.com ,, متمنين للجميع سنة جميلة مليئة بالحب والتواصل
ذكر قصة الشورى وقصة عثمان رضي الله عنه (ذاكرة التاريخ الاسلامي)
كاتب الموضوع
رسالة
ماجد قادري عضو ذهبي
نقاط : 8831 سمعة العضو : 5 الموقع : صبيا
موضوع: ذكر قصة الشورى وقصة عثمان رضي الله عنه (ذاكرة التاريخ الاسلامي) الجمعة أبريل 30, 2010 3:43 am
ذكر قصة الشورى قال عمر بن ميمون الأودي:إن عمر بن الخطاب لما طُعن قيل له:يا أمير المؤمنين لو استخلفت . فقال:من استخلف؟ فقال:لو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته وقلت لربي إنّ سألني:سمعتُ نبيك يقول:" إنّه أمينُ هذه الأمة"(1)، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة (2) حَيّاً استخلفته وقلت لربي إنْ سَألني:سمعتُ نبيك يقول:" إنّ سالماً شديد الحب للّه تعالى " فقال له رجل:أدلُّك عليه:عبداللّه بن عمر. فقال:قاتلك اللّه . واللهّ ما أردت اللهّ بهذا ، ويحك ! كيف أستخلف رجلًا عجز عن طلاق امرأته؟لا إرب لنا في أموركم ، فما حمدتُها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي ، إنْ كان خيراً فقد أصبنا منه ، وإنْ كان شراً فقد صرف عنا . بحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجلٌ واحد ويسأل عن أمر أمة محمد . أما لقد جهدتُ نفسي ، وَحَرْمتُ أهلي ، وإنْ نجوتُ كَفَافاً لا وزْرَ ولا أجر إني لسعيدٌ ، أنظر فإنْ استخلف فقد استخلف مَنْ هو خيرٌ مني ، وإن أترك فقد تَرَكَ مَنْ هو خيرٌ مِني ، ولن يضيّع الله دينه . فخرجوا ، ثم راحوا فقالوا:يا أمير المؤمنين لو عهدت عهداً . فقال:قد كنتُ أجمعتُ بعد مقالتي لكم أنْ انظر فأولّي رجلاً أمركم هو أحراكم أنْ يحملكم على الحق . وأشار إلى علي ، فرهقتني غشية فرأيتُ رجلاً دخل جنة قد غرسها فجعل يقطف كل غضة ويانعة فيضمه إليه ويصيره تحته ، فعلمتُ أن الله غالب أمره ، ومتوفٍ عمر، فما أردتُ أن أتحمَّلها حياً وميتاً . عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم من أهل الجنة وهم:علي، وعثمان ، وعبد الرحمن ، وسعد، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله فليختاروا مِنْهم رجلاً، فإذا وَلُّوا والياً فأحسنوا موازرته ، وأعينوه ، إن ائتمن أحداً منكم فليؤد إليه أمانته . فخرجوا فقال العباس لعلي:لا تدخل معهم . قال:إنّي أكره الخلاف . قال:إذَنْ تري ما تكره . فلما أصبح عمر دعا عَلِياً، وعثمان ، وسعدأ، وعبد الرحمن ، والزبير فقال لهم :إني نظرتُ فوجدتُكم رؤساء الناس وقادتهم ، ولا يكون هذا الأمر إلا فيكم ، وقد قُبض رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم وهو عنكم راضٍ ، وإني لا أخافُ الناس عليكم إنْ استقمتم ، ولكني أخافكم فيما بينكم فيختلف الناس ، فانهضوا إِلى حجرة عائشة بإذنها فتشاوروا فيها . واختاروا رجلاً منكم، ووضع رأسه وقد نزفه الدم فدخلوا فتناجوا حتى ارتفعتْ أصواتُهم ، فقال عبد الله بن عمر: سبحانَ الله إنّ أمير المؤمنين لم يمت بعد. فسمعه عمر فانتبه وقال:أعرِضُوا عن هذا ، فإذا متُّ فتشاوروا ثلاثة أيام ، وليصلِّ بالناسِ صهيب ، ولا يأتين اليوم الرابع إلاّ وعليكم أميرٌ منكم ، ويحضر عبد الله بن عمر مشيراَ ولا شيء له من الأمر، وطلحة شريككم في الأمر فإنْ قَدِمَ في الأيام الثلاثة فأحضروه أمركم . وإنْ مضت الأيام الثلاثة قبل قدومه فأمضوا أمركم ومَنْ لي بطلحة؟فقال سعد بن أبي وقاص:أنا لك به ولا يخالف إنْ شاء الله تعالى . فقال عمر: أرجو أنْ لا يخالف إنْ شاء الله ، وما أظن يلي إلا أحدُ هذين الرجلين عليّ أو عثمان ، فإنْ ولي عثمان فرجلٌ فيه لِيْن ، وإنْ ولي علي ففيه دعابة وأحرى به أن يحملهم على طريق الحق ، وإنْ تولوا سعداً فأهله هو وإلّا فليستعن به الوالي فإنّي لم أعزله عن ضعف ولا خيانة، وبعْم ذُو الرأي عبد الرحمن بن عوف مُسَدَدٌ رشيد، له من الله حافظ، فاسمعوا منه وأطيعوا . وقال لأبي طلحة الأنصاري:يا أبا طلحة إنّ الله طالما أعز بكم الاسلام فاختر خمسين رجلاً من الأنصار فاستحثّ هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلًا منهم . وقال للمقداد بن الاسود: إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتىِ يختاروا رجلًا منهم . وقال لصهيب:صَلِّ بالناس ثلاثة أيام وأدخل هؤلاء الرهط بيتاَ وقم على رؤوسهم ، فإنْ اجتمع خمسة وأبن واحدٌ فاشدخ رأسه بالسيف ، وإنْ اتفق أربعة وأبن اثنان فاضرب رؤوسهما، وإنْ رضي ثلاثةٌ رجلا وثلاثة رجلًا فحكّموا عبدالله بن عمر، فإن لم يرضوا بحكم عبدالله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين إنْ رَغِبُوا عمّا اجتمع فيه الناس . فخرجوا فقال علي لقوم معه من بني هاشم:إنْ أطيع فيكم قومكم لم تؤمِّروا أبداً . وتلقّاه عمه العباس فقال :عدلتْ عنّا . فقال:وما عِلْمُك ؟ قال:قرن بني عثمان وقال:كونوا مع الأكثر فإنْ رضي رجلان رجلًا ورجلان رجلاً فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن فسعدٌ لا يخالف ابن عمه ، وعبد الرحمن صِهْر عثمان لا يختلفون فيوليها أحدهما الآخر، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني. فقال له العباس:لم أرفعك في شيء إلّا رجعتَ إليّ مستأخراً لما أكره ، أشرتُ عليك عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ تسأله فيمن هذا الأمر فأبيتَ ، فأشرتُ عليك بعد وفاته أنْ تعاجل الأمر فأبيت ، وأشرتُ عليك حين سمّاك عمر في الشورى م نْ لا تدخل معهم فأبيت . احفظْ عني واحدة:كُلّ ما عَرَضَ عليك القوم فقل ة لا، إلّا أنْ يولوك ، وأحذر هؤلاء الرهط فإنهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم به لنا غيرنا، وأيم اللهّ لا يناله إلا بشر لا ينفع معه خير. فقال علي:أما لئن بقي عثمان لأذكرنه ما أتى ، ولئن مات ليتداولونها بينهم ، ولئن فعلوا لتجدني حيث يكرهون . ثم تمثل : حلفت برب الراقصات عشية غدون خفافاً فابتدرن المحصبا ليختلين رهط ابن يعمر فارساً نجيعاً بنو الشداخ ورداً مصلبا والتفتْ فرأي أبا طلحة فكرِه مكانه فقال أبو طلحة:لن تُرَاعَ أبا الحسن. فلما مات عمر وأخرجْت جنازته صَلى عليه صهيب ، فلما دُفن عمر جمع المقداد أهل الشورى في بيت المسور بن مخرمة، وقيل:في بيت المال ، وقيل: فى عائشة بإذنها وطلحة غائب وأمروا أبا طلحة أن يحجبهم ، وجاء عمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة فجلسا بالباب فحصبهما سعد وأقامهما وقال:تريدان أن تقولا: حضرنا وكنا في أهل الشورى، فتنافس القومُ في الأمرِ، وكثر فيهم الكلام فقال أبو طلحة:أنا كنتُ لأن تدفعوها أخوف مني لأن تتنافسوها، والذي ذهب بنفس عمر لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمر، ثم أجلس في بيتي فانظر ما تصنعون . فقال عبد الرحمن:أيكّم يُخرج منها نفسه ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم ؟ فلم يُجِبْه أحد، فقال:فأنا أنخلع منها. فقال عثمان:أنا أول مَنْ رضيَ فقال القوم:قد رضينا . وعليّ ساكت فقال:ما تقول يا أبا الحسن؟قال:أعطني موثقاً لتؤثرنّ الحق ، ولا تتبع الهوى، ولا تخصّ ذا رحم ، ولا تألوا الأمة نُصْحاً. فقال:أعطوني مواثيقكم على أنْ تكونوا معي على من بدّل وغيّر، وأنْ ترضوا مَنْ اخترتُ لكمْ وعليّ ميثاق الله أنْ لا أخصَ ذا رحم لرحمه ، ولا آلو المسلمين . فأخذ منهم ميثاقاً وأعطاهم مثله ، فقال لعلي:تقول إني أحق مَضْ حضر بهذا الأمر لقرابتك ، وسابقتك ، وحُسْن أثرك في الدين ، ولم تبعد في نفسك ولكن أرأيت لو صُرفَ هذا الأمر عنك فلم تحضر: مَنْ كنتَ تري من هؤلاء الرهط أحقّ به؟قال:عثمان . وخلا بعثمان فقال:تقول شيخ من بني عبد مناف ، وصهر رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم، وابن عمه ، ولي سابقة وفضل ، فأين يصرف هذا الأمر عني ، ولكن لو لم تحضر أيّ هؤلاء الرهط تراه أحق به؟قال:عليّ . ثم خلا بالزبير فكلّمه بمثل ما كلم به علياً وعثمان فقال:عثمان . ثم خلا بسعد فكلمه فقال:عثمان. ولقي عليّ سعداً فقال له:اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ، اسألك برحم ابني هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرَحِم عمي حمزة منك أنْ لا تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيراً عليَّ . ودار عبد الرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَنْ وافن المدينة من أمراء الأجناد، وأشراف الناس يشاورهم حتى إذا كان الليلة التي صبيحتها تستكمل الأجل أتى منزل المسور بن مخرمة بعد ابهيرار من الليل فأيقظه وقال له:لم اذق في هذه الليلة كبير غمض . أنطلق فادع الزبير وسعداً . فدعاهما فبدأ بالزبير فقال له:خلّ بني عبد منافِ وهذا الأمر. قال:نصيبي لعلي وقال لسعد: أجعل نصيبك لي فقال:إن اخترت نفسك فنعم ، وإن اخترت عثمان فعليّ أحب إليّ أيها الرجل بايع لنفسك وأرحنا وارفع رؤوسنا . فقال له:قد خلعتُ نفسي منها على أنْ اختار، ولو لم أفعل لم أُرِدْهَا، إِنّي رأيتُ روضةً خضراء كثيرة العُشْب فدخل فَحْل ما رأيت أكرم منه ، فمرّ ،نه سَهْمٌ له ا يلتفت إلى شيءٍ منها حتى قطعها لم يعرّج ودخل بعير يتلوه فاتبع أثره حتى خرج منها، ثم دخل فحل عبقري يجرّ خطامه يلتفت يميناً وشمالًا. ومض قصد الأولين ، ثم دخل بعير رابع فرتع في الروضة ولا والله لا أكون الرابع ولا يقوم مقام أبي بكر وعمر بعدهما أحذ فيرض الناس عنه . قال:وأرسل المسور فاستدعى علياً فناجاه طويلاً وهو: لا يشك أنّه صاحب الأمر، ثم نهض ، ثم أرسل إلى عثمان فتناجيا حتى فرَّق بينهما الصبح . قال عمرو بن ميمون:قال لي عبد الله بن عمر: من أخبرك أنه يعلم ما كلم به عبد الرحمن بن عوف علياً وعثمان فقد قال بغير علم ،فوقع قضاء ربك على عثمان . فلما صلوا الصبح جمع الرهط وبعث إلى مَنْ حضره من المهاجرين وأهل السابقة والفضل من الانصار وإلى أمراء الأجناد فاجتمعوا حتى التجَّ المسجد بأهله فقال:أيُّهَا ا الناسُ إنّ الناس قد أجمعوا أنْ يرجعَ أهلُ الأمصار إلى أمصارهم ، فأشيروا عليَّ فقال عمار: إنْ أردتَ أنْ لا يختلف المسلمون فبايع علياً . فقال المقداد بن الأسود:صدق عمار إنْ باب ت عَلياً قلنا:سمعنا وأطعنا . وقال أبن أبي سرح:إنْ أردت أنْ لا تختلف قريش فبايع عثمان . فقال عبدالله بن أبي ربيعة:صدقت إنْ بايعتَ عثمان قلنا:سمعنا وأطعنا . فتبسم ابن أبي سرح . فقال عمار: متى كنت تنصح المسلمين؟. فتكلم بنو هاشم وبنو أمية فقال عمار: أيها الناس إنّ الله أكرمنا بنببه وأعزّنا بدينه فأنَى تَصْرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم . فقال رجلٌ من بني مخزوم:لقد عدوتَ طورك يا بن سمية، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها. فقال سعد بن أبي وقاض:يا عبد الرحمن أفرغ قبل أن يفتتن الناس . فقال عبد الرحمن:إنّي قد نظرتُ وشاو، تُ فلا تجعلنَّ أيها الرهط على أنفسكم سبيلاً، ودعا علياً وقال:عليك عهد الله وميثاقه لتعملنَ بكتاب الله وسنة رسوله وسِيْرَه الخليفتين من بعده؟قال:أرجو أنْ أفعل فأعمل بمبلغ علمي وطاقتي . ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي فقال:نعم نعمل . فرفع رأسه إِلى سقف المسجد ويده في يد عثمان فقال:اللهم أسمع وأشهد إني قد جعلتُ ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان . فبايعه . فقال علي:ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا. فصبرٌ جميل والله المستعانُ على ما تصفون ، والله ما وليتَ عثمان إلا ليردَ الأمرَ إليك ،واللّهُ كل يوم في شأن. فقال عبد الرحمن:يا عليّ لا تجعلْ على نفسك حُجَّة وسبيلاً. فخرج علي وهو يقول:سيبلغ الكتاب أجله. فقال المقداد:يا عبد الرحمن أما والله لقد تركته لانه من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون . فقال:يا مقداد واللّهِ لقد اجتهدتُ للمسلمين . قال:إنْ كنتَ أردتَ الله فأثابك اللّهُ ثواب المحسنين . فقال المقداد:ما رأيتُ مثل ما أتجن إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم إنّي لأعجب من قريش أنهم تركوا رجلاً ما أقول ولا أعلم أنّ رجلًا أقضى بالعدل ولا أعلم منه ، أما والته لو أجدُ أعواناً عليه . فقال عبد الرحمن:يا مقداد اتقِ الله فإنّي خائفٌ عليك الفتنة . فقال رجل للمقداد: رحمك الله من أهل هذا البيت ومن هذا الرجل؟قال:أهل البيت بنو عبد المطلب والرجل علي بن أبي طالب . فقال علي:إنّ الناس ينظرون إلى قريش وقريش تنظر بينها فتقول:إنْ ولي عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً وما كانت في غيرهم تتداولونها بينكم . وقدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان فقيل له:بايَعوا لعثمان . فقال:كُلّ قريش راض به ؟قالوا:نعم . فأتى عثمان فقال له عثمان:أنتَ على رأس أمرك وإن أبيتَ رددتها .
المجلد الثاني قال:أتردها؟ قال:نعم . قال:أكل الناس بايعوك؟قال:نعم . قال:قد رضيتُ . لا أرغبُ عما أجمعوا عليه . وبايعه ، وقال المغيرة بن شعبة لعبد الرحمن:يا أبا محمد قد أصبتَ أن بايعت عثمان . وقال لعثمان:ولو بايعِ عبد الرحمن غيرك ما رضينا . فقال عبد الرحمن:كذبتَ يا أعور لو بايعت غيره لبايعته ولقلت هذه المقالة . قال:وكان المسور يقول:ما رأيتُ أحداً بذ قوماً فيما دخلوا فيه بمثل ما بذهم عبد الرحمن . قلت قوله:إنّ عبد الرحمن صهر عثمان -يعني أنّ عبد الرحمن تزوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أخت عثمان لأمه خَلَف عليها عقبة بعد عثمان . وقد ذكر أبو جعفر رواية أخرى في الشورى عن المسور بن مخرمة وهي تمام حديث مقتل عمر وقد تقدم ، والذي ذكره ها هنا قريب من الذي تقدم آنفاً غير أنه قال:لما دفن عمر جمعهم عبد الرحمن وخَطَبهم وأمَرَهم بالاجتماعِ وتَرْك التفرق ، فتكلم عثمان فقال:الحمد لله الذي اتخذ محمداً نبياً، وبعثه رسولاَ، وصَدَقَه وَعْدَه ، ووهب له نصره على كل من بَعُدَ نسباً أو قرب رحماً، صلى الله عليه جعلنا الله له تابعين ، وبأمره مهتدين ، فهو لنا نور، ونحن بأمره نقوم عند تفرق الأهواء، ومجادلة الأعداء ، جعلنا الله بفضله أئمة، وبطاعته أمراء، لا يخرج أمرنا منا، ولا يدخل علينا غيرنا إلا مَنْ سفه الحق ، ونكل عن القصد، وأحر بها يا بن عوف أنْ تترك ، وأجدر بها أن يكون إنْ خولف أمرك وترك دعاؤك ، فأنا أول مجيب لك ، وداع إليك ، وكفيل بما أقول زعيم وأستغفر اللهّ لي ولكم. ثم تكلم الزبير بعده فقال:أما بعد فإنّ داعي الله لا يجهل ، ومجيبه لا يخذل عند تفرق الأهواء ولي الأعناق ولن يقصر عما قلت إلا غوي ، ولن يترك ما دعوت إليه إلا شقي ، ولولا حدود الله فرضت ، وفرائض الله حُدَّت ، تراح على الله أهلها وتحيا ولا تموت لكان الموت من الِإمارة نجاة، والفرار من الولاية عصمة ولكن للّه علينا إجابة الدعوة وإظهار السنة لئلا نموت ميتة عمية، ولا نعمى عمي الجاهلية، فإنا مجيبك إلى ما دعوت ، ومعينك على ما أمرت ، ولا حول ولا قوة إلا باللهّ وأستغفر اللهّ لي ولكم ثم تكلم سعد فقال بعد حمد الله:وبمحمد صلى الله عليه وسلم أنارت الطرق واستقامت السبل ،وظهر كل حق ومات كل باطل ، إياكم أيها النفر وقول الزور، وأمنية أهلِ الغرور، وقد سلبت الأماني قوماً قبلكم ورثوا ما ورثتم ، ونالوا ما نلتم فاتخذهم الله عدواَ ، ولعنهم لعناً كبيراً ، قال الله تعالى:لعِنَ الَّذِيْنَ كَفَرُوا مِن بَنِي إسْرَائِيْلَ) إلى قوله:لَبِئْسَ مَا كَانُوايَفْعَلُون)(1) إني نكبت قَرَنِي (2) ، وأخذت سهمي الفالج ، وأخذت لطلحة بن عبيدالله ما ارتضيت لنفسي ، فأنا به كفيل ، وبما أعطيت عنه زعيم ، والأمر إليك يا بن عوف بجهد النفس ، وقصد النصح ، وعلى الله قصد السبيل ، وإليه الرجوع ، وأستغفر الله لي ولكم ، وأعوذ بالله من مخالفتكم . ثم تكلم علي بن أبي طالب فقال:الحمد لله الذي بعث محمداً منا نبياً، وبعثه إلينا رسولًا فنحن بيت النبوة ، ومعدن الحكمة ، وأمان أهل الأرض ، ونجاة لمن طلب ، لنا حق إنْ نعطه نأخذه ، وإنْ نمنعه نركب أعجاز الِإبل ولو طال السري ، لو عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عهداً لانفذنا عهده ، ولو قال لنا قولاً لجادلنا علمِه حتى نموت ، لن يسرع أحدٌ قبلي إلى دعوة حق وصلة رحم ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، اسمعوا كلامي وَعُوا منطقي ، عسى أنْ تروا هذا الأمر بعد هذا المجمع تنتضي فيه السيوف ، وتخان فيه العهود، حتى تكونوا جماعة ويكون بعضكم أئمة لأهل اضلالة، وشيعة لأهل الجهالة . ثم قال : فإن تك جاسم هلكت فإنّي بما فعلت بنو عبد بن ضخم مطيع في الهواجر كل غَيّ بصير بالنوى من كل نجم فقال عبد الرحمن:أيّكم يطيب نفساً أنْ يُخرج نفسه من هذا الأمرويوليه غيره ؟ وذكر قريباً مما تقدم ، ثم جلس عثمان في جانب المسجد بعد بيعته ، ودعا عبيد الله بن عمر بن الخطاب وكان قتل قاتل أبيه أبا لؤلؤة، وقتل جفينة رجلَاَ نصرانياً من أهل الحيرة كان ظهيراً لسعد(3) بن مالك ، وقتل الهرمزان فلما ضربه بم السيف قال:لا إله إلا الله ، فلما قتل هؤلاء أخذه سعد بن أبي وقاص وحبسه في داره وأخذ سيفه وأحضره عند عثمان ، وكان عبيد اللهّ يقول:والله لأقتلنّ رجالًا ممن شرك في دم أبي يعرض بالمهاجرين والأنصار . وإنّما قَتَل هؤلاء النفر لأن عبد الرحمن بن أبي بكر قال:غداة عمر رأيتُ عشية أمس الهرمزان ، وأبا لؤلؤة ، وجفينة وهم يتناجون ، فلما رأوني ثاروا وسَقَطَ منهم خنجرٌ له رأسان نِصَابهُ في وسطه وهو الخنجر الذي ضرب به عمر، فقتلهم عبيد الله ، فلما أحضره عثمان قال:أشيروا علي في هذا الرجل الذي فتق في الاسلام ما فتق فقال علي:أري أنْ تقتله . فقال بعض المهاجرين:قُتِل عمر أمس وُيقْتل ابنه اليوم؟فقالع عَمْرو بن العاص:إنّ الله قد أعفاك أنْ يكون هذا الحدث ولك على المسلمين سلطان . فقال عثمان:أنا وليه وقد جعلتها دِيَة وأحتملها نجي مالي ، وكان زياد بن لبيد البياضي الأنصاري (1) إذا رأى عبيد الله بن عمر يقول : ألا يا عبيدالله مالك مهرب ولا ملجأ من ابن أروى ولا خفر أصبتَ دماً والله في غير حله حراماً وقتل الهرمزان له خطر على غير شيء غير أن قال قائل أتتهمون الهرمزان على عمر فقال سفيه والحوادث جمة:نعم أتهمه قد أشار وقد أمر وكان سلاح العبد في جوف بيته يقلّبها والأمر بالأمر يعتبر فشكا عبيد الله إلى عثمان زياد بن لبيد فنهن عثمان زياداً فقال في عثمان : أبا عمرو عبيد الله رهن فلا تشكك بقتل الهرمزان فإنك إنْ عفوت الجرم عنه وأسباب الخطا فرساً رهان أتعفو إذْ عفوت بغير حق فما لك بالذي تحكي يدان فدعا عثمان زياداً فنهاه وشذبه . وقيل في فداء عبيد الله غير ذلك ، قال القماذبان بن الهرمزان كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض فمرّ فيروز أبو لؤلؤة بالهرمزان ومعه خنجر له رأسان فتناوله منه وقال:ما تصنع به ؟قال :أسنّ به ، فرآه رجلٌ فلما أصيب عمر قال رأيتُ الهرمزان دفعه إلى فيروز فأقبل عبيد الله فقلته . فلما ولي عثمان أمكنني منه فخرجتُ به وما في الأرض أحذ إلّا معي إلا إنهم يطلبون إلي فيه. فقلتُ لهم:إلى قتله؟قالوا: نعم وسبُّوا عبيد الله . قلت لهم:أفلكم منعه؟قالوا: لا. وسبوه ، فتركته لله ولهم فحملوني فوالله ما بلغت المنزل إلا على رؤوس الناس ، والأول أصح في إطلاق عبيد الله لأن علياً لَمّا ولي الخلافة أراد قتله فهرب منه إلى معاوية بالشام ، ولو كان إطلاقه بأمر ولي الدم لم يتعرض له علي . ذكر عدة حوادث كان العمال فيها على مكة:نافع بن عبد الحرث الخزاعي ، وعلى الطائف:سفيان بن عبد الله الثقفي ، وعلى صنعاء يعلى بن أمية، وعلى الجُنْد:عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى الكوفة:المُغِيْرة ين شُعْبة، وعلى البصرة:أبو موسى الاشعري ، وعلى مصر: عمرو بن العاص ، وعلى حِمْص:عمير بن سعد، وعلى دمشق:معاوية، وعلى البحرين وما والاها:عثمان بن أبي العاص الثقفي. وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغ عَمُّورِيَّة ومعه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عُبَادة بن الصامت . وأبو أيوب الأنصاري ، وأبو ذر، وشداد بن أوس . وفيها فتح معاوية عسقلان على صُلح ، وكان على قضاء الكوفة:شُرَيْح ، وعلى قضاء البصرة: كعب بن سور، وقيل:إنّ أبا بكر وعمر لم يكن لهم قاض . وفي هذه السنة:توفي قَتَادة بن النعمان الأنصاري (1) وهو الذي رَدّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عينَه وصلى عليه عمر بن الخطاب وهو بدري ، وقيل:توفي سنة أربع وعشرين ، وفي خلافة عمر توفي الحُبَاب بن المنذر بن الجموح الانصاري (2) وهو بدري . وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب (1) وهو أسن من العباس . وعمير،بن عوف مولى سهيل بن عمرو(2) وهو بدري. وعمير بن وهب بن خلف الجمحي (3)شهد أحداً . وعتبة بن مسعود(4) أخو عبدالله بن مسعود وهو من مهاجرة الحبشة شهد أحداً. وعدي بن أبي الزغباء الجهني (5) وهو عين رسول الله ليَهيَم يوم بدر وشهد غيرها أيضاً. وفيها مات عويم بن ساعدة الأنصاري (6) وهو عَقَبِي بدري. وقيل:إنه من بلى وله حلف في الأنصار . وفيها مات سهُيْل بن رافع الأنصاري (1) شهد بدراً . ومسعود بن أوس بن زيد الأنصاري(2). وقيل:بل عاش بعد ذلك وشهد صفِّين مع عليّ . وفيها توفي واقد بن عبد الله التميمي (3) حليف الخطاب ، وهو أول مَنْ قَاتَلَ في سبيل الله في الإسلام . وقتل عمرو بن الحضرمي وكان إسلامه قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم . وفيها مات أبو جندل بن سهيل بن عمرو(4)، وأخوه عبد الله -وكان عبد الله بدريا ولم يشهدها أبو جندل لأنّ أباه سجنه بمكة، ومنعه من الهجرة إلى يوم الحديبية، وقد تقدم كيف خَلُص . وفيها مات أبو خالد الحارث بن قيس بن خالد(5) - وكان أصابه جرح باليمامة فاندمل ثم انتقض عليه فمات منه وهو عَقَبيِ بدريّ . وفيها مات أبو خِرَاش الهذلي الشاعر(1) ، وخبر موته مشهور . وفيها توفي غَيْلَان بن سلمة الثقفي (2) وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة . وفيها في آخرها مات الصَّعْب بن جَثَّامَة بن القيس الليثي (3) .
خِلاَفَة عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه ثم دخلت سنة أربع وعشرين ذكر بيعة عثمان بن عفان بالخلافة في المحرم منها لثلاث مضين منه بويع عثمان بن عفان ، وقيل غير ذلك على ما تقدم ، وكان هذا العام يسمى عام الرعاف لكثرته فيه بالناس ، واجتمع أهل الشورى عليه وقد دخل وقت العصر فأذّن مؤذن صهيب واجتمعوا بين الأذان والاقامة، فخرج فصلى بالناس وزادهم مائة مائة ، ووفد أهل الأمصار وهو أول من صنع ذلك وقصد المنبر وهو أشدهم كآبة فخطب الناس ووعظهم وأقبلوا يبايعونه . ذكر عزل المغيرة عن الكوفة وولاية سعد بن أبي وَقاص وفيها عزل عثمان المغيرة بن شعبة عن الكوفة وأستعمل سعد بن أبي وقاص عليها بوصية عمر فإنّه قال:" أوصِي الخليفة بعدي أنْ يستعمل سعداً فإنّي لم أعزله عن سوءٍ ولا خيانة لما فكان أول عامل بعثه فعمل عليها سعد سنة وبعض أخري . وقيل:بل أقر عثمان عُمّال عمر جميعهم سنة لأن عمر أوصى بذلك ، ثم عزل المغيرة بعد سنة وأستعمل سعداً ، فعلى هذا القول تكون إمارة سعد سنة خمس وعشرين . وحج بالناس في هذه السنة عثمان . وقيل:عبد الرحمن بن عوف بأمر عثمان ، وقد تقدم ذكر الفتوح التي ذكر بعض العلماء أنها كانت زمن عثمان وذكرت الخلاف هنالك . وفي هذه السنة مات عبد الرحمن بن كعب الأنصاري (1) وهو بدري وهو أحد البكّائين في غزوة تبوك . وسراقة بن مالك بن جعشم المدلجي (2) وقيل:مات بعد ذلك وهو الذي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته . ثم دخلت سنة خمس وعشرين ذكر خلاف أهل الاسكندرية في هذه السنة خالف بم هلُ الاسكندرية ونقضُوا صُلْحَهم ، وكان سبب ذلك أنّ الروم عَظُمَ عليهم فتح المسلمين الاسكندرية وظنوا أنهم لا يمكنهم المقام ببلادهم بعد خروج الاسكندرية عن ملكهم ، فكاتبوا مَنْ كان فيها من الروم ودعوهم إلى نقض الصلح ، فأجابوهم إلى ذلك فسار إليهم من القسطنطينية جيشٌ كثير وعليهم منويل الخَصِيّ فأرسوا بها واتفق معهم مَنْ بها من الروم ولم يوافقهم المقوقس بل ثبت على صُلْحِهِ ، فلمّا بلغ الخبر إلى عمرو بن العاص سار إليهم وسارَ الروم إليه فالتقوا واقتتلوا قتالاً شديداً فانهزم الروم وتبعهم المسلمون إلى أنْ أدخلوهم الاسكندرية وقتلوا منهم في البلد مقتلة عظيمة منهم منويل الخصي ، وكان الروم لما خرجوا من الاسكندرية قد اخذوا أموال أهل تلك القري من وافقهم ومن خالفهم ، فلما ظفر بهم المسلمون جاء أهلُ القري الذين خالفوهم فقالوا لعمرو بن العاص:إن الروم أخذوا دوابنا وأموالنا ولم نخالف نحن عليكم وكنا على الطاعة فردّ عليهم ما عرفوا من أموالهم بعد إقامة البينة، وهدم عمر سور الاسكندرية وتركها بغير سور. وفيها بلغ سعد بن أبي وقاص عن أهل الري عزمٌ على نقض الهُدْنة والغدر فأرسل إليهم وأصلحهم ، وغزا الديلم ثم انصرف . ذكر عزل سعد عن الكوفة وولاية الوليد بن عقبة في هذه السنة عزل عثمان بن عفان سعد بن أبي وقاص عن الكوفة في قول بعضهم وأستعمل الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيْط (1)، واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو واسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس وهو أخو عثمان لأمه أمهما أروي بنطَ كريز، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب ، وسبب ذلك أنّ سعداً اقترض من عبد الله بن مسعود من بيت المال قرضاً فلما تقاضاه ابن مسعود لم يتيسر له قضاؤه فارتفع بينهما الكلام فقال له سعد:ما أراك إلا ستلقى شراً هل أنت إلا ابن مسعود عبد من هذيل؟فقال:أجل والله إني لابن مسعود وإنك لابن حمينة . وكان هاشم بن عتبة بن أبي وقاص حاضراً فقال:إنكما لصاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنْظَر إليكما . فرفع سعد يده ليدعو على ابن مسعود - وكان فيه حدة - فقال:اللهم رب السموات والأرض . فقال ابن مسعود:ويلك قُلْ خيراً ولا تلعن . فقال سعد عند ذلك:أما والله لولا اتقاء الله لَدَعَوْتُ عليك دعوةً لا تُخطِئُك. فولى عبد الله سريعاً حتى خرج ، ثم استعان عبد الله بأناس على استخراجِ المال ، واستعان سعد بأناس على إنظاره فافترقوا وبعضهم يلوم بعضاً يلوم هؤلاء سعداَ وهؤلاء عبد الله ، فكان ذلك أول ما نزغ به بين أهل الكوفة، وأول مِصْر نزغ الشيطان بين أهل الكوفة . وبلغ الخبر عثمان فغضب عليهما فعزل سعداً وأقرّ عبد الله ، واستعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط . مكان سعد، وكان على عرب الجزيرة عاملاً لعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان بعده ، فقدِم الكوفة والياً عليها، وأقام عليها خمس سنين وهو من أحب الناس إلى أهلها. فلما قدم قال له سعد:أكِسْستَ بعدَنا أم حمقنا بعدك ! فقال:لا تجزعنّ يا أبا اسحاق كل ذلك لم يكن ، وإنما هو المُلك يتغداه قومٌ ويتعشّاه آخرون ، فقال سعد:أراكم جعلتموها مُلكاً . وقال له ابن مسعود:ما أدري أصلحتَ بعدنا أمْ فسدَ الناس ! ذكر أهل أرمينية وأذربيجان لما استعمل عثمان الوليد على الكوفة عزل عتبة بن فرقد عن أذربيجان فنقضوا ، فغزاهم الوليد سنة خمس وعشرين ، وعلى مقدمته عبد الله بن شبيل الأحمسي فأغار على أهل موقان ، والبير، والطيلسان ففتح ، وغنم ، وسبى ، فطلب أهل كور أذربيجان الصلح فصالحهم على صلح حذيفة وهو ثمانمائة ألف درهم وقبض المال ، ثم بث سراياه ، وبعث سلمان بن ربيعة الباهلي إلى أهل أرمينية في اثني عشر ألفاً فسار في أرمينية يقتل ويسبي ويغنم ، ثم انصرف وقد ملأ يديه حتى أتن الوليد، فعاد الوليد وقد ظفر وغنم وجعل طريقه على الموصل ، ثم أتن الحديثة فنزلها، فاتاه بها كتاب عثمان فيه أنّ معاوية بن أبي سفيان كتب إليّ يخبرني أنّ الروم قد أجلبت على المسلمين في جموع كثيرة، وقد رأيتُ أنْ يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث إليهم رجلاً له نجدة وبأس في ثمانية آلاف أو تسعة آلاف من المكان الذي يأتيك كتابي فيه والسلام . فقام الوليد في الناس وأعلمهم الحال وندبهم مع سلمان بن ربيعة الباهلي فانتدب معه ثمانية آلاف فمضوا حتى دخلوا مع أهل الشام إلى أرض الروم وعلى جند أهل الشام حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري ،وعلى جند أهل الكوفة سلمان بن ربيعة فشنُوا الغارات على أرض الروم فأصاب الناس ما شاؤوا من سَبْيٍ ملأوا أيديهم من المغنموافتتحوا حُصُوناً كثيرة، وقيل:إنّ الذي أمَدَّ حبيب بن مسلمة بسلمان بن ربيعة كان سعيد بن العاص ، وكان سبب ذلك أنّ عثمان كتب إلى معاوية يأمره أنْ يغزي حبيب بن مسلمة في أهل الشام أرمينية فوجهه إليها فأتن قاليقلا فحصرها وضيّق على مَنْ بها فطلبوا الأمان على الجلاء أو الجزية فَجَلا كثير منهم فلحقوا ببلاد الروم ، وأقام حبيب بها فيمن معه أشهراً ، وإنما سميت قاليقلا لأن امرأة بطريق أرميناقس كان اسمها قالي بنت هذه المدينة فسمتها قالي قلة تعني إحسان قالي فعربتها العرب فقالت:"قاليقلا" ، ثم بلغه أنّ بطريق أرميناقس وهي البلاد التىِ هي الآن بيد أولاد السلطان قلج أرسلان وهي ملطية ، وسيواس ، واقصرا ، وقونية ، وما والاها من البلاد إلى خليج القسطنطينية واسمه الموريان قد توجّه نحوه في ثمانين ألفاً من الروم ، والترك فكتب حبيب بذلك إلى معاوية يخبره ، فكتب معاوية إلى عثمان ، فأرسل عثمان إلى سعيد بن العاص يأمره بإمداد حبيب ، فأمدّه بسلمان بن ربيعة في ستة آلاف وأجمع حبيب على تبييت الروم فسمعته امرأته أم عبد الله بنت يزيد الكلبية فقالت:أين موعدك؟فقال:سرادق الموريان أو الجنه .ثم بيّتهم فقتل مَنْ وقف له ، ثم أتن السرادق فوجد امرأته " له قد سبقته إليه فكانت أول امرأة من العرب ضرب عليها حجاب سرادق ، ومات عنها، حبيب فخلفه ، عليها الضحاك بن قيس فهي أم ولده . ولما انهزمت الروم عاد حبيب ألى قاليقلا، ثم سار منها فنزل مربالاً فأتاه بطريق خلاط بكتاب عياض بن غنم بأمانه فأجراه عليه وحمل اليه البطريق ما عليه من المال ونزل حبيب خلاط . ثم سار منها فلقيه صاحب مكس وهي من البسفرجان فقاطعه على بلاده ، ثم سار منها إلى أزدشاط وهي القرية التي يكون فيها القرمز الذي يصبغ به فنزل على نهر دبيل وسرح الخيول إليها فحصرها فتحصن أهلها، فنصب عليهم منجنيقاً فطلبوا الأمان فأجابهم إليه ، وبث السرايا فبلغتْ خيله"ذات اللُّجُم "(1) وإنما سُمِّيَت ذات اللجم لأن المسلمين أخذوا لجم خيولهم فكبسهم الروم قبل أنْ يلجموها ثم ألجموها وقاتلوهم فظفروا بهم ، ووجه سرية إلى سراج طير وبغروند فصالحه بطريقها على إتاوة(2) فقدم عليه بِطْريق (3) البسفرجان فصالحه على جميع بلاده ، وأتى السِيْسَجَان (4) فحاربه أهلها فهزمهم وغلب على حصونهم ، وسار إلى جرزان فأتاه رسولُ بِطْرِيقها يطلب الصلح فصالحه . وسار إلى تَفْلِيْس (5) فصالحه أهلها وهي من جرزان . وفتح عدة حصون ومدن بجاورها صلحاً . وسار سلمان بن ربيعة الباهلي إلى أزَان (6) ففتح البيلقان صلحاً على أنّ أمنهم على دمائهم وأموالهم وحيطان مدينتهم واشترط عليهم الجزية والخراج . ثم أتى سلمان مدينة بَرْذَعَة(7) فعسكر على الثرثور نهر بينه وبينها نحو فرسخ فقاتله أهلها أيامآ، وشنّ الغارات في قُرَاهَا فصِالحوه على مثل صلح البيلقان ودخلها . ووجه خيله ففتحت رساتيق الولاية ، ودعا أكراد البلاشجان إلى الإسلام فقاتلوه فظفر بهم فأقر بعضهم على الجزية وأدي بعضهم الصدقة وهم قليل ، ووجّه سرية إلى شمكور ففتحوها وهي مدينة قديمة ولم تزل معمورة حتى أخربها السناوردية وهم قوم تجمعوا لما انصرف يزيد بن أسد عن أرمينية فعظم أمرهم فعمرها بغا سنة أربعين ومائتين وسماها المتوكلية نسبة إِلى المتوكل . وسار سلمان إلى مجمع أرس والكر ففتح قبلة وصالحه صاحب سكر وغيرها على الِإتاوة وصالحه ملك شروان وسائر ملوك الجبال وأهل مسقط والشابران ومدينة الباب ثم امتنعت بعده . ذكر غزوة معاوية الروم وفيها غزا معاوية الروم فبلغ عَمُّورِية فوجد الحصون التي بين أنطاكية، وطرطوس خالية فجعل عندها جماعة كثيرة من أهل الشام والجزيرة حتى انصرف من غزاته ثم أغزى بعد ذلك يزيد بن الحر العبسي الصائفة وأمره ففعل مثل ذلك ، ولما خرج هدم الحصون إلى انطاكية . ذكر غزوة افريقية في هذه السنة سيّر عمرو بن العاص عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى أطراف إفريقية غازياً بأمر عثمان ، وكان عبد الله من جند مصر فلما سار إليها أمدّه عمرو بالجنود فغنم هو وجنده ، فلما عاد عبد الله كتب إلى عثمان يستأذنه في غزو افريقية فأذِنَ له في ذلك . ذكر عدة حوادث وفيها أرسل عثمان عبد الله بن عامر إلى كابل وهي عمالة سجستان فبلغها في قولٍ فكانت أعظم من خراسان حتى مات معاوية وامتنع أهلُها وفيها ولد يزيد بن معاوية . وفيها كانت غزوة سابور الأولة ، وقيل:سنة ست وعشرين وقد تقدم ذلك ، وسج بالناس عثمان . ثم دخلت سنة ست وعشرين ذكر الزيادة في الحرم في هذه السنة أمر عثمان بتجديد أنصاب الحرم ، وفيها زاد عثمان في المسجد الحرام ، ووسّعه ، وابتاع من قومٍ فأبن آخرون فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال ، فصاحوا بعثمان فأمر بهم فحبسوا ، وقال لهم:أتدرون ما جرّأكم عليّ؟ما جرّأكم عليّ إلا حِلْمي. قد فعل هذا بكم عمر فلم تصيحوا به ! فكلّمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسِيْد فأطلقهم . ثم دخلت سنة سبع وعشرين (1) ذكر ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر وفتح إفريقية في هذه السنة عزل عمرو بن العاص عن خراج مصر، واستعمل عليه عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان أخا عثمان من الرضاعة فتياغيا فكتب عبد الله إلى عثمان يقول:إنْ عَمْرأ كسر عليّ الخراج ، وكتب عمرو يقول:إنّ عبد الله قد كسر على مكيدة الحرب . فعزل عثمان عَمْراً، واستقدمه ، واستعمل بدله عبد الله على حرب مصر وخراجها فقدِم عمرو مغضباً فدخل على عثمان وعليه جُبَّة محشوة ر قطناً. فقال له:ما حشو جبتُك؟قال:عمرو قال:قد علمتُ ولم أرِدْ هذا، إنما سألتُ أقطنٌ هو أم غيره وكان عبد الله من جند مصر، وكان قد أمره عثمان بغزو إفريقية سنة خمس وعشرين وقاك له عثمان:إنْ فتح الله عليك فلَكَ من ألفيء خُمْس الخمس نَفْلاً . وأمّر عبد الله بم ت نافع بن عبد القيس وعبد الله بن نافع بن الحارث على جند وسرحهما إلى الأندلس وأمرهما بالاجتماع مع عبد الله بن سعد على صاحب إفريقية وثَمّ يقيم عبد الله في عمله ويسيران إلى عملهما . فخرجوا حتى قطعوا أرض مصر، ووطئوا أرضَ افريقية، وكانوا في جيش كثير عُدَّتهم عشرة آلاف من شجعان المسلمين ، ة صالحهم أهلها على مالٍ يؤدُّونه ، ولم يُقْدِمُوا على دخول إفريقية والتوغّل فيها لكثرة أهلها. ثم إنّ عبد الله بن سعد لمّا ولي أرسل إلى عثمان في غزو إفريقية والاستكثار من الجموع عليها وفتحها، فاستشار عثمان مَنْ عنده من الصحابة فأشار أكثرهم بذلك ،فجهز إليه العساكر من المدينة وفيهم جماعة من أعيان الصحابة منهم عبد الله بن عباس وغيره . فسار بهم عبد الله بن سعد إلى إفريقية، فلما وصلوا إلى برقة لقيهم ، عقبة بن نافع"فيمن معه من المسلمين وكانوا بها وساروا إلى طرابلس الغرب فنهبوا مَنْ عندها من الروم ، وسار نحو إفريقية، وبث السرايا في كل ناحية ، وكان مَلِكُهم اسمه جرجير وملكه من طرابلس إلى طنجة، وكان هرقل ملك الروم قد ولّاه إِفريقية فهو يحمل إليه الخراج كل سنة، فلما بلغه خبر المسلمين تجهّز وجمع العساكر وأهل البلاد فبَلَغَ عسكره مائة ألف وعشرين ألف فارس ، وألتقى هو والمسلمون بمكان بينه وبين مدينة سبيطلة يوم وليلة وهذه المدينة كانت ذلك الوقت دار الملك فأقاموا هناك يقتتلون كل يوم ، وراسله عبد الله بن سعد يدعوه إلى الإسلام أو الجزية فامتنع منهما وتكبّر عن قَبُول أحدهما، وانقطع خبر المسلمين عن عثمان فسيّر عبد الله بن الزبير في جماعة إليهم ليأتيه بأخبارهم فسار مُجِدّا ، ووصل إليهم ، وأقام معهم، ولما وصل كثر الصياح والتكبير في المسلمين ، فسأل جرجير عن الخبر، فقيل:قد أتاهم عسكر، ففتّ ذلك في عضده . ورأى عبد الله بن الزبير قتال المسلمين كل يوم من بكرةٍ إلى الظهر فإذا أذن بالظهر عاد كلُ فريق إلى خيامه ، وشهد القتال من الغد فلم ير ابن أبي سرح معهم فسال عنه فقيل إنه سمع منادي جرجير يقول:" من قتل عبد الله بن سعد فله مائة ألف دينار وأزوِّجُه ابنتي"وهو يخاف، فحضر عنده وقال له:تأمر منادياً ينادي:" من أتاني برأس جرجير نفلته مائة ألف وزوجته ابنته واستعملته على بلاده ففعل ذلك فصار جرجير يخاف أشد من عبد الله " ثم إن عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن سعد:إن أمرنا يطول مع هؤلاء وهم في أمداد متصلة وبلاد هي لهم ونحن منقطعون عن المسلمين وبلادهم وقد رأيتُ أنْ نترك غَداً جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهبين ونقاتل نحن والروم في باقي العسكر إلى أن يضجروا ويمتُوا ، فإذا رجعوا إلى خيامهم ، ورجع المسلمون ركب مَنْ كأن في الخيام مِن المسلمين ولم يشهدوا القتال وهم مستريحون ونقصدهم على غِرّة فلعل الله ينصرنا عليهم. فأحضر جماعة من أعيان الصحابة واستشارهم فوافقوه على ذلك ، فلما كان الغد فعل عبد الله ما اتفقوا عليه ، وأقام جميعُ شجعان المسلمين في خيامهم وخيولهم عندهم مُسرجة ومضى الباقون فقاتلوالروم إلى الظهر قتالاً شديداً فلقا أذن بالظهر هَم الروم بالانصراف على العادة فلم يمكنُهم ابن الزبير وألَح عليهم بالقتال حتى أتعبهم ثم عاد عنهم هو والمسلمون فكلّ من الطائفتين ألقى سلاحه ووقع تَعِباً، فعند ذلك أخذ عبد الله بن الزبير مَنْ كان مستريحاً مِنْ شجعان المسلمين وقصد الروم فلم يشعروا بهم حتى خالطوهم وحملوا حملةَ.رجل واحد وكبّروا فلم يتمكن الروم مِنْ لبس سلاحهم حتى غَشِيهُم المسلمون وقتل جرير قتله ابن الزبير، وانهزم الروم ، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وأخذت ابنة الملك جرجير سبية، ونازل عبد الله بن سعد المدينة فحصرها حتى فتحها ورأي فيها من الأموال ما لم يكن في غيرها فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار وسهم الراجل ألف دينار . ولما فتح عبد الله مدينة سبيطلة بثّ جيوشه في البلاد فبلغت قفصة فسبوا وغنموا وسيّر عسكراً إلى حصن الأجمّ ، وقد احتمى به أهلُ تلك البلاد فحصره وفتحه بالأمان فصالحه أهلُ افريقية على ألفي ألف وخمسمائة ألف دينار، ونفل عبد الله بن الزبير ابنة الملك وأرسله إلى عثمان بالبشارة بفتح افريقية . وقيل:إن ابنة الملك وقعت لرجلٍ من الأنصار فأركبها بعيراً وارتجز بها يقول : يا ابنة جرجير تمشي عقبتك إنّ عليك بالحجاز ربتك لتحملن من قباء قربتك ثم إنّ عبد الله بن سعد عاد من إفريقية إلى مصر وكان مقامه بإفريقية سنة وثلاثة أشهر ولم يفقد من المسلمين إلا ثلاثة نفر قتل منهم أبو ذؤيب الهذلي الشاعر فدفن هناك ، وحمل خُمس إفريقية إلى المدينة فاشتراه مَرْوان بن الحَكَم بخمسمائة ألف دينار فوضعها عنه عثمان ، وكان هذا مما أخذ عليه . وهذا أحسن ما قيل في خمس افريقية فإنَ بعض الناس يقول:أعطن عثمان خمس افريقية عبد الله بن سعد، وبعضهم يقول:أعطاه مروان بن الحكم ، وظهر بهذا أنّه أعطى عبد الله خمس الغزوة الأولى وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع افريقية والله أعلم .
ذكر انتقاض إفريقية وفتحها ثانية كان هرقل ملك القسطنطينية يؤدي إليه كل ملك من ملوك النصاري الخراج من إفريقية ، ومصر، والأندلس ، وغير ذلك فلما صالح أهلُ إفريقية عبد الله بن سعد أرسل هرقل إلى أهلها بطْرِيْقاً له وأمره أنْ يأخذ منهم مثل ما أخذ المسلمون ، فنزل البِطْرِيق في قُرْطَاجَنة وجمع أَهل افريقية وأخبرهم بما أمره الملك فانجوا عليه ، وقالوا:نحن نؤدي ما كان يؤخذ منا، وقد كان ينبغي له أنْ يسامحنا لِمَا ناله المسلمون مِنّا وكان قد قام بأمر إفريقية بعد قتل جرجير رجلٌ آخر من الروم فطرده البِطْريق بعد فِتَن كثيرة، فسار إلى الشام وبه معاوية وقد استقرّ له الأمر بعد قتل عليّ ، فوصف له إفريقية ، وطلب أنْ يرسل معه جيشاً، فستر معه معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حُدَيْج السكوني فلما وصلوا إلى الإسكندرية هلك الروميّ ومضن ابن حديج فوصل إلى افريقية وهي نار تضطرم وكان معه عسكر عظيم فنزل عند قَمُونيَة(1)، وأرسل البطريق إليه ثلاثين ألف مقاتل ، فلقا سمع بهم معاوية سيّر إليهم جيشاً من المسلمين فقاتلوهم فانهزمت الروم ، وحصر حصن جلولاء فلم يقدر عليه فانهدم سور الحصن فملَكه المسلمون وغنموا ما فيه ، وبث السرايا فسكن الناس وأطاعوا وعاد إلى مصر. ثم لم يزل أهل إفريقية من أطوع أهل البلدان وأسمعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك حتى دبى إليهم دعاة أهل العراق فاستشاروهم وشقُوا العصا وفرّقوا بينهم إلى اليوم ، وكانوا يقولون:لا نخالف الأئمة بما تجني العمال ، ولا نَحْمِل ذلك عليهم . فقالوا لهم:أنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك . فقالوا:حتى نخبرَهم فخرج ميسرة في بضعة وعشرين رجلاً فقدِموا على هشام فلم يؤذَن لهم ، فدخلوا على الأبرش فقالوا:أبلغْ أمير المؤمنين أنّ أميرنا يغزو بنا وبجنده ، فإذا غنِمنا نَفَلَهم دوننا ويقول:" هذا أخلص لجهادكم"، وإذا حاصرنا مدينة قَدَّمَنَا وأخَرَهم ويقول:" هذا ازدياد في الأجر، ومثلنا كفى إخوانه ، ثم إنّهم عمدوا إلى ماشيتنا فجعلوا يبقرون بطونها عن سِخَالها(2) يطلبون الفِرَاء البيض لأمير المؤمنين فيقتلون ألف شاة في جِلْدٍ فاحتملنا ذلك ، ثم إنهم سامونا أنْ يأخذوا كل جميلة من بناتنا، فقلنا لم نجد هذا في كتاب ولا سُنَة، ونحن مسلمون فأحببنا أنْ نعلَم أعَن رَأي أمير المؤمنين هذا أم لا؟ فطال عليهم المقام ونفدتْ نفقاتُهم ، فكتبوا أسماءهم ودفعوها إلى وزرائه وقالوا:: إن سأل عنا أمير المؤمنين فأخبروه ، ثم رجعوا إلى . افريقية فخرجوا على عامل هشام فقتلوه واستولوا على إفريقية ، وبلغ الخبر هشاماً فسأل عن النفر فرفعتْ إليه، فعرف أسماءهم فإذا هم الذين صنعوا ذلك . ذكر غزوة الأندلس لما افتتحت إفريقية أمر عَثمان عبدالله بن نافع بن الحصين ، وعبد الله بن نافع بن عبد القيس أنْ يسيرا إلى الأندلس فأتياها من قِبَل البحر، وكتب عثمان إلى مَن انتدب معهما:" أمّا بعد فإنّ القسطنطينية إنما تفتح من قِبَل الأندلس وإنكم إن:افتتحتموها كنتم شركاء مَنْ يفتحها في الأجر والسلام " فخرجوا ومعهم البربر فأتَوْهَا من بَرِّهَا وبحرها ففتح الله على المسلمين وزاد في سلطان المسلمين مثل إفريقية، ولما عزل عثمان عبد الله بن سعد عن إفريقية ترك في عمله عبد الله بن نافعٍ بن عبد القيس فكان عليها، ورجع عبد الله إلى مصر وبعث عبد الله إلى عثمان مالا قد حشد لمنهيه ، فدخل عمرو على عثمان فقال له: يا عَمْرو هل تعلم أنّ تلك اللقاح دَزَتْ بعدك؟قال عمرو:إنَ فِصَالَهَا(1) قْد هلكتْ . ذكر عدة حوادث حج بالناس هذه السنة عثمان . وفيها كان فتح إصطَخر الثاني على يد عثمان بن أبي العاص . وفيها غزا معاوية بن أبي سفي ان قنسرين . وفيها مات أبو ذؤيب الهذلي الشاعر(2) بمصر منصرفاً من افريقية، وقيل:بل مات بطريق مكة في البادية، وقيل:مات ببلاد الروم وكلهم قالوا:مات في خلافة عثمان . وفيها مات أبو رمثة البلوي (3) بإفريقية له صحبة. وفيها ماتت حفصة بنت عمر بن الخطاب زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل:ماتت سنة إحدى وأربعين ، وقيل:سنة خمس وأربعين. ثم دخلت سنة ثمان وعشرين ذكر فتح قُبْرُس قيل:في سنة ثمان وعشرين كان فتح قبرس على يد معاوية، وقيل:سنة تسع وعشرين ، وقيل:سنة ثلاث وثلاثين ، وقيل:إنما غزيت سنة ثلاث وثلاثين لأن م هلها غدروا على ما نذكره فغزاها المسلمون ، ولما غزاها معاوية هذه السنة غزا معه جماعة من الصحابة فيهم أبو ذر ، وعبادة بن الصامت ومعه زوجته أم حرام ، والمقداد، وأبو الدرداء ، وشداد بن أوس . وكان معاوية قد لج (1) على عمر في غزو البحر وقرب الروم من حمص وقال:إنّ قرية من قرى حمص ليسمع أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم (2) حتى كاد ذلك يأخذ بقلب عمر، فكتب عمر إلى عَمرو بن العاص صِفْ لي البحر وراكبه فإنّ نفسي تنازعني إليه ، فكتب إليه عَمْرو بن العاص:" إني رأيتُ خلقاً كبيراً يركبه خلقٌ صغير، ليس إلا السماء والماء إنْ ركد خرق القلوب ، وإنْ تحرك م زاغ العقول ، يزداد فيه اليقين قلة، والشك كثرة هم فيه كدود على عُود، إنْ مال غرق ،. وإن نجا برق"فلما قرأه عمر كتب إلى معاوية"والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق لا أحملُ فيه مسلماً م بداً، وقد بلغني م نّ بحر الشام يشرف على أطول شيء من الأرض فيستأذن الله في كل يوم وليلة في أنْ يُغْرق الأرض ، فكيف أحمل بالجنود على هذا الكافر و المستصعب ! وبالله لمسلم واحد أحبّ إليّ مما حوتْ الرومُ ، وإياك أنْ تعرض إلف وقد تقدمتُ إليك، فقد علمتَ ما لقي العلاءُ مني ولم أتقدم إليه بمثل ذلك . قال:وترك ملك الروم الغزو، وكاتب عمر وقاربه ، وبعثت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب زوج عمر بن الخطاب إلى امرأة ملك الروم بِطيْب وشيء يصلح للنساء مع البريد فأبلغه إليها، فأهدت امرأة الملك إليها هدية منها عقد فاخر، فلما رجع البريد أخذ عمر ما معه ونادي الصلاةُ جامعة فاجتمعوا ، وأعلمهم الخبر. فقال القائْلون:هو لها بالذي كان لها وليست امرأة الملك بذمة فتصانعك به ، ولا تحت يدك فتتقيك. وقال آخرون:قد كنا نهدي لنستثيب فقال عمر:لكن الرسول رسووُ، المسلمين والبريدُ بريدهم ، والمسلمون عظَّموها في صدرها . فأمر بردهَا إلى بيت المال ، وأعطاها بقَدْر نفقتها. فلما كان زمن عثمان كتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر مِرَاراً ، فأجابه عثمان بأخرة إلى ذلك وقال له:لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم خيرْهم فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله وأعِنْهُ ففعل ، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الجاسي حليف بني فزاوة، وسار المسلمون من الشام إلى قبرس ، وسار إليها عبد الله بن سعد من مصر فاجتمعوا عليها فصالحهم أهلها على سجزية سبعة آلاف دينار كل سنة يؤدُّون إلى الروم مثلها لا يمنعهم المسلمون عن ذلك ، وليس على المسلمين منعهم ممن أرادهم ممن وراءهم ، وعليهم أنْ يؤذِنِوا المسلمين بمسير عدوهم من الروم إليهم ، ويكون طريق المسلمين إلى العدو عليهم ،قال جبير بن نفير:ولما فُتِحَتْ قبرس ونهبْ منها السبي نظرتُ إلى أبي الدرداء يبكي فقلتُ:ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الاسلام وأهله وأذل فيه الكفر وأهله ؟ قال:فضرب منكبي بيده وقال:ثكلتك أقُك يا جبير ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم المُلك
ذكر قصة الشورى وقصة عثمان رضي الله عنه (ذاكرة التاريخ الاسلامي)