هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى بيت الأسرة
نرحب مجددا بجميع أعضاء بيت الأسرة ,, ويسعدنا تننشيط عضويتكم بالتواصل على جوالي بالنسبة للأعضاء ,, وعلى جوال أم عبدالله بالنسبة للأخوات ,, وبامكان الجميع التواصل معي على ايميلي aabohadi @hotmail.com ,, متمنين للجميع سنة جميلة مليئة بالحب والتواصل
ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء الثالث
كاتب الموضوع
رسالة
ماجد قادري عضو ذهبي
نقاط : 8856 سمعة العضو : 5 الموقع : صبيا
موضوع: ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء الثالث الجمعة أبريل 30, 2010 4:03 am
ذكر غزوة الخندق وهي غزوة الأحزاب وكانت في شوال ، وكان سببها أن نفراً من اليهود من بني النضير، منهم سلام بن أبي الحُقَيْق ، وحُيّي بن أخطب ، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وغيرهم حَزبُوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموا على قريش بمكة فدعوهم إلي حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: نكون معكم حتى نستأصله. فأجابوهم إلى ذلك ثم أتوا على غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروهم أن قريشاً معهم على ذلك فأجابوهم ، فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب ، وخرجتَ غطفان وقائدها عُيَيْنَة بن حصن في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في مرة، ومِسعر بن رخيلة الأشجعي في أشجع. فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بحفر الخندق وأشار به سَلْمَان الفارسي وكان أول مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ حُر، فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة في الأجر وحَثَا للمسلمين وتسلل عنه جماعة من المنافقين بغير علم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله في ذلك: ( قَدْ يَعْلَم الله الَّذِيْنَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُم لِواذاً )(1) الآية، وكان الرجل من المسلمين إذا نابته نائبة لحاجة لا بد منها يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقضي حاجته ثم يعود، فأنزل الله تعالى: ( إنما المُؤمِنُونَ الَّذِيْنَ آمَنُوا بالله وَرَسُولهِ )(2) الآية ، وقسم الخندق بين المسلمين فاختلف المهاجرون والأنصار في سلمان كُل يدعيه أنه منهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سلمان منا سلمان منا أهل البيت ،(3). وجعل لكل عشرة أربعين ذراعاً فكان سلمان وحذيفة والنعمان بن مُقَرِّن ، وعمرو بن عوف وستة من الأنصار يعملون فخرجت عليهم صخرة كسرت المِعْوَل فأعلموا النبي صلى الله عليه وسلم فهبط إليها ومعه سلمان فأخذ المعول وضرب الصخرة ضربة صدعها، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة حَى لكان مصباحاً في جوف بيت مظلم فكبَر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، ثم الثانية كذلك ، ثم الثالثة كذلك ثم خرج وقد صدعها فسأله سلمان عما رأى من البرق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أضاءت الحيرة وقصور كسرى في البرقة الأولى ، وأخبرني جبريل أنّ أمتي ظاهرة عليها، وأضاء لي في الثانية القصور الحُمْر من أرض الشام والروم وأخبرني أن أمتي ظاهرة عليها، وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء وأخبرني أنّ أمتي ظاهرة عليها فأبشروا ، فاستبشر المسلمون وقال المنافقون: ألا تعجبون يعدكم الباطل ، وتخبركم أنّه ينظر من يثرب الحيرة، ومدائن كسرى، وإنها تُفْتَح لكم ، وأنتم تحفرون الخندق ولا تَسطيعون أن تبرزوا فأنزل الله ( وَإذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالذِينَ فِي قلُوبِهِم مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا الله ورَسُولُهُ إلا غُرُوراً )(1) فأقبلت قريش حَتى نزلت بمجتمع الأسيال من رَومة بين الجرف وزغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من كنانة وتهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم حتى نزلوا إلى جنب أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فجعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف فنزل هناك ، ورفع الذراريّ والنساء في الآطام. وخرج حُيي بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد سيد قريظة وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه فأغلق كعب حصنه ولم يأذن له وقال: إنك امرؤٌ مشؤوم وقد عاهدتُ محمداً ولم أر منه إلا الوفاء. قال حيي: يا كعب قد جئتُك بعز الدهر وببحرٍ طام جئتُك بقريش وقادتها وسادتها ، وغطفان بقادتها وقد عاهدوني أنهم لا يبرحون حتى يستأصلوا محمداً وأصحابه. قال كعب: جئتّني بذُلً الدهر وبجهام (2) قد هراق ماءه يرعد وتبرق وليس فيه شيء ، ويحك يا حُيَيّ دعني ومحمداً ولم يزل به يفتله في الذروة والغارب (3) حتى حَمَلَه على الغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم ففعل ونكت العهد، وعاهده حيي إنْ عادت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أنْ أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك. فعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم مِنْ فوقهم ومِنْ أسفل منهم ونجم النفاق من بعض المنافقين ، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون عليه بضعاً وعشرين ليلة قريباً من شهر، ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل ، فلمّا اشتد البلاء بعت رسول الله صلى الله عليه وسل إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المري قائدي غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أنْ يرجِعُوا بمن معهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابا إلى ذلك ، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة فقالا: يا رسول الله شيءٌ تحب أنْ تصنعه أم شيء أمرك الله به أو شيء تصنعه لنا؟ قال: بل لكم رأيتُ العرب قد رمتكم عن قوسٍ واحدة فأردتُ أنْ أكسر عنكم شوكتهم ، فقال سعد بن معاذ: قد كنا نحن وهم على الشرك ولا يطمعون أنْ يأكلوا منا تمرة إلّا قِرًى أو بَيْعاً فحين أكرمنا الله بالاسلام نعطيهم أموالنا! ما نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، فترك ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم إنّ فوارس من قريش منهم عمرو بن عبدوَد أحد بني عامر بن لؤي ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب ، ونوفل بن عبد الله ، وضِرار بن الخطاب الفهري خرجوا على خيولهم وأجتازوا ببني كنانة وقالوا: تجهزوا للحرب وستعلمون مَن الفرسان. وكان عمرو بن عبدوَد قد شهد بدراً كافراً وقاتل حتى كثرتْ الجراح فيه ولم يشهد أحداً وشهد الخندق معلماً حتى يُعْرَفَ مكانه ، فأقبل هو وأصحابه حتى وقفوا على الخندق ثم تيمموا مكاناً ضيقاً فاقتحموه فجالت بهم خيولهم في السبخة بين الخندق وسلع ، وخرج عليّ بن أبي طالب في نفر من المسلمين فأخذوا عليهم الثغرة(1) وكان عمرو قد خرج معلماً فقال له علي: يا عمرو إنك عاهدتَ أن لا يدعوك رجلٌ من قريش إلى خصلتين إلا أخذت إحداهما. قال: أجل. قال له علي: فإني أدعوك إلى الله والاسلام. قال: لا حاجة لي بذلك. قال: فإني أدعوك إلى النزال. قال: والله ما أحبّ أنْ أقتلك. قال علي: ولكني أحب أنْ أقتلك. فحمي عمرو عند ذلك فنزل عن فرسه وعقره ثم أقبل على علي فتجاولَا وقتله عليّ وخرجت خيلهم منهزمة، وقتل مع عمرو رجلان قتل عليّ أحدهما وأصاب آخر سهم فمات منه بمكة. ورُمِيَ سعد بن معاذ بسهم قطع أكحله رماه حِبان بن قيس بن العرقة بن عبد مناف من بني هُصَيص بن عامر بن لؤي ، والعرقة أمه ، وإنما قيل لها: العرقة لطيب ريح عرقها وهي قِلابة بنت سعيد بن سعد بن سَهم وهي جدة خديجة أم أبيها، أو هي أم عبدمناف بن الحارث جد أبيه ، فلما رمَى سعداً قال: خُذْها وأنا ابن العرقة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عرق الله وجهك في النار. ولم يُقطع الأكحل من أحد الأ مات فقال سعد: اللهم إنْ كنت أبقيت مِنْ حرب قريش شيئاً فأبقني لها فإنه لا قوم أحبّ إليّ أن أقاتلهم من قوم آذوا نبيك وكذبوه ، اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا فاجعلها لي شهادة ولا تُمِتْني حتى تقرعيني من بني قريظة، وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية. وقيل: إن الذي رمى سعداً هو أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم ، فلما قال سعد ما قال: انقطع الدم ، وكانت صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم في فارع حصن حسان بن ثابت وكان حسان فيه مع النساء لأنه كان جباناً قالت: فأتانا آتي من الاليهود فقلت لحسان: هذا الاليهودي يطوفُ بنا ولا نأمنه أنْ يدل على عوراتنا فانزل إليه فاقتله فقال: والله ما أنا بصاحب هذا قالت: فأخذتُ عموداً ونزلتُ إليه فقتلته ، ثم رجعتُ فقالت لحسان: انزل إليه فَخُذْ سَلْبَه فإنني يمنعني منه أنه رجل. فقال: والله ما لي بسلبه من حاجة، ثم إن تُعَيْم بن مسعود الأشجعي أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد أسلمتُ ولم يعلم قومي فمُرني بما شئت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنت رجل واحد فخذِّل عنا ما استطعت فإن الحرب خَدْعَة. فخرج حتى أتى بني قريظة وكان نديماَ لهم في الجاهلية فقال لهم: قد عرفتم وُدي إياكم ، فقالوا: لست عندنا بمتهم ، قال: قد ظاهرتم قريشاً وغطفان على حرب محمد وليسوا كأنتم البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه وإنّ قريشاً وغطفان إن رأوا نهزة(1) وغنيمة أصابوها وإنْ كان غير ذلك لحموا ببلادهم وخلوا بينكم وبين محمد ولا طاقة لكم به إنْ خلا بكم ، فلا تقاتلوا حتى تأخذوا منهم رهُناً من أشرافهم ثقة لكم حتى تناجزوا محمداً. قالوا: أشرت بالنُّصْح. ثم خرج حتي أتى قريشاً فقال لأبي سفيان ومن معه: قد عرفتم وُدّي إياكم وفراقي محمداً ، وقد بلغني أنّ قريظة ندموا ، وقد أرسلوا إلى محمد هل يرضيك عنا أن نأخذ من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم ؟ فأجابهم أنْ نعم ، فإنْ طلبتْ قريظة منكم رُهُناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم رجلًا واحد اً. ثم خرج حتى أتي غطفان فقال: أنتم أهلي وعشيرتي وقال لهم: مثل ما قال لقريش وحذّرهم ، فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس كان من صنع الله لرسوله أن أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان وقالوا لهم: أنا لسنا بدارِ مُقَام قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمداً. فأرسلوا إليهم أنّ اليوم السبت لا نعمل فيه شيئاً، ولسنا نقاتل معكم حتى تعطونا رُهُناً ثقة لنا فإنا نخشى أن ترجعوا إلى بلادكم وتتركونا والرجل ونحن ببلاده. فلما أبلغتهم الرسل هذا الكلام قالت قريش وغطفان: والله لقد صدق نعيم بن مسعود فأرسلوا إلى قريظة: إنا والله لا ندفع اليكم رجلًا واحداً ، فقالت قريظة عند ذلك. إنّ الذي ذكر نعيم بن مسعود لَحَقّ. وخذل الله بينهم. وبعت الله عليهم ريحاً في ليالٍ شاتية شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم ، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم اختلاف أمرهم دعا حذيفة بن اليمان ليلًا فقال: انطلق إليهم وانظر حالهم ولا تُحْدِثَن شيئاً حتى تأتينا. قال حذيفة: فذهبتُ فدخلتُ فيهم والريح وجنود الله تفعل فيهم ما تفعل لا يقر لهم قِدر ولا بناء ولا نار، فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش ليأخذ كُلُّ رجل منكم بيد جليسه. قال: فأخذتُ بيدِ الرجل الذي بجانبي فقلت: من أنت ؟ قال: أنا فلان. ثم قال أبو سفيان: والله لقد هلك الخف والحافر وأخلفتنا قريظة ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل. ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب على ثلاث قواتم ، ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليّ أنّي لا أحدث شيئاً لقتلته. قال حذيفة: فرجعتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مِرْط (1) لبعض نسائه فأدخلني وطرح على طرف المرط فلما سَلَّم أخبرتُه الخبر، وسمعتْ غطفان بما فعلت قريش فعادوا راجعين إلى بلادهم ، فلما عادوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الآن نغزوهم ولا يغزونا " فكان كذلك حتى فتح الله مكة. ذكر غزوة بني قريظة لما أصبح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عاد إلى المدينة ووضع المسلمون السلاح وضرب على سعد بن معاذ قُبّة في المسجد ليعوده من قريب ، فلما كان الظهر أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدْ وضعتَ السلاح ؟ قال: نعم. قال جبريل: ما وَضَعت الملائكة السلاح إنّ الله يأمُرُكَ بالمسير إلى بني قريظة وأنا عامد إليهم. فأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منادياً فنادى: مَنْ كان سامعاً مطيعاً فلا يُصَلَيَنَّ العصرَ إلا في بني قريظة. وقدّم علياً إليهم برايته وتلاحق الناس ونزل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وحاصر بني قريظة شهراً أو خمساً وعشرين ليلة فلما اشتد عليهم الحصار أرسلوا إلى رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم أن تبعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر(1)– وهو أنصاري من الأوس – نستشيره. فأرسلُه ، فلما رأوه قام إليه الرجال وبكى النساء والصبيان فرق لهم فقالوا ننزل على حكم رسول اللّه. فقال: نعم وأشار بيده إلى حَلْقه إنّه الذبح. قال أبو لبابة: فما زالت قدماي حتى عرفتُ أني خُنْتُ اللّه ورسوله ، وقلت: واللهّ لا أقمتُ بمكانٍ عصيتُ الله فيه. وانطلق على وجهه حتى ارتبط في المسجد وقال: لا أبرح حتى يتوب الله عليّ فتاب الله عليه وأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم. تم نزلوا على حكم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال الأوس: يا رسول الله افعل في موالينا مثل ما فعلتَ في موالي الخزرج يعني بني قينقاع وقد تقدم ذكرهم ، فقال: ألا ترضون أن يحكم فيهم سعد بن معاذ؟ قالوا بلى. فأتاه قومه فاحتملوه على حِمار ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون: يا أبا عمرو أحسِنْ إلي مواليك ، فلما كثروا عليه قال:قد آن لسعد أنْ لا تأخذَهُ في اللهِّ لومةَ لائم. فعلم كثيرٌ منهم أنه يقتلهم فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قوموا إلى سيدكم أو قال: خيركم (1) فقاموا إليه وأنزلوه وقالوا: يا أبا عمرو أحسِن إلى مواليك فقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إليك. فقال سعد: عليكم عهد اللهّ وميثاقه أنّ الحكم فيهم إليّ. قالوا: نعم. فالتفت إلى الناحية الأخرى التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم وغض بصره عن رسول اللهّ إجلالاً وقال: وعلى مَنْ ها هنا العهد أيضاً. فقالوا: نعم. وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نعم. قال: فإنّي أحكم أنْ تقتل المقاتلة، وتُسْبَى الذرية والنساء، وتقسّم الأموال. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمتَ فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة. ثم استُنْزِلوا فحبسوا في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار ثم خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة فخندق بها خنادق ثم بعت إليهم فضَرَب أعناقهم فيها وفيهم حيي بن أخطب وكعب بن أسد سيدهم وكانوا ستمائة أو سبعمائة، وقيل: ما بين سبعمائة وثمانمائة، وأتي بحيى بن أخطب وهو مكتوف فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: والله ما لُمْتُ نفسي في عداوتك ، ولكن مَنْ يخذل الله تخذل. ثم قال للناس: إنه لا بأس بأمر اللهّ كتابٌ (2) وقَدَر، وملحمةٌ كُتِبَتْ على بني اسرائيل. فأجلس وضربتْ عنقه ، ولم تقتل منهم إلا امرأة واحدة قتلت بحَدَثٍ أحدثته (3) ، وقتلت أرفعة بنت عارضة منهم ، وأسلم منهم (4) ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسيد بن عبيد. ثم قسّم رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم أموالهم فكان للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان ولفارسه سهم ، وللراجل ممن ليس له فرس سهم ، وكانت الخيل ستة وثلاثين فرساً وأخرج منها الخُمس. وكان أول فيء وقع فيه السهمان والخمس ، واصطفى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خنافة من بني قريظة فأراد أن يتزوجها فقالت: اتركني في مِلْكِكَ فهو أخف عليّ وعليك. فلما انقضى أمر قريظة انفجر جُرْح سعد بن معاذ واستجاب اللهّ دعاءَه وكان في خيمته (1) التي في المسجد فحضره رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وقالت عائشة: سمعت بكاء أبي بكر وعمر عليه وأنا في حجرتي ، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يبكي على أحد كان إذا اشتد وجده أخذ بلحيته ، وكان فتح قريظة في ذي القعدة وصدر ذي الحجة. وقتل من المسلمين في الخندق ستة نفر، وفي قريظة ثلاثة نفر. ودخلت سنة ست من الهجرة ذكر غزوة بني لحيان في جمادى الأولى منها خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع خُبَيْبَ بن عدي وأصحابه وأظهر أنّه يريد الشام ليصيب من القوم غرة، وأغد السير حتى نزل علق غُرَان منازل بني لحيان وهي بين أمَج ، وعسفان ، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رؤوس الجبال ، فلما أخطأه ما أراد منهم خرج في مائتي راكب حتى نزل بعسفان تخويفاً لأهل مكة وأرسل فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم عاد قافلَاَ. ذكر غزوة ذي قَرَد ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلم يُقم إلا أياماً قلائل حتى أغار عُيَيْنة بن حصن الفزاري في خيل غطفان على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم ، وأول مَنْ نذر بهم سَلَمة بن الأكوع الأسلمي. هكذا ذكرها أبو جعفر بعد غزوة بني لحيان عن ابن اسحاق والرواية الصحيحة عن سلمة أنها كانت بعد مَقْدِمِهِ المدينة منصرفاً من الحديبية، وبين الوقعتين.تفاوت. قال سلمة بن الأكوع: أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد صلح الحديبية(1) فبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلامه وخرجت معه بفرس طلحة بن عبيد الله فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه أجمع وقتل راعيه قلت: يا رباح هذه الفرس فأبلغها طلحة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنّ المشركين قد أغاروا على سرحه. ثم استقبلت الأكَمة(1) فناديتُ ثلاث أصوات " يا صباحاه " ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز وأقول : خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع (2) قال: فوالله ما زلتُ أرميهم وأعقر بهم فإذا خرج إليّ فارس قعدتُ في أصل شجرة فرميته فعقرتُ به وإذا دخلوا في مضايق الجبلِ رميتهم بالحجارة من فوقهم فما زلتُ كذلك حتى ما تركتُ من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراَ إلا جعلته وراء ظهري وخلوا بيني وبينه وألقوا أكثر من ثلاثين رمحاً وثلاثين بردة يستخفون بها لا يلقون شيئاً إلا جعلتُ عليه أمارة أي علامة حتى تعرفه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتهوا إلى مضايق من ثننية أتاهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ممداً فقعدوا يتضحون (3) فلما رآني قال: من هذا؟ قالوا: لقينا منه البَرْح (4) وقد استنقذ كل ما بأيدينا فما برحتُ مكاني حتى أبصرت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر أولهم الأخرم الأسدي واسمه مُحرز بن نضلة من أسد بن خزيمة. وعلى أثره أبو قتادة؛ وعلى أثره المقداد بن الأسود الكندي فأخذت بعنان الأخرم (5) وقلت: أحذر القوم لا يقتطعوك حتى تلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فقال: يا سلمة إنْ كنت تؤمن باللّه واليوم الآخر فلا تَحُلْ بيني وبين الشهادة. قال: فخليته فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فعقر الأخرم بعبد الرحمن فرسه وطعنه عبد الرحمن فقتله وتحوّل عبد الرحمن على فرس الأخرم ، ولحق أبو قتادة فارس رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن فطعنه فانطلقوا هاربين ، قال سلمة: فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لتبعتهم أعدو على رجليّ حتى ما أري ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا غبارهم شيئاً وعدلوا قبل غروب الشمس إلى غارٍ فيه ماء يقال له: ذو قَرَد ليشربوا منه وهم عِطاش فنظروا إليّ أعدو في آثارهم فاجليتهم عنه فما ذاقوا منه قطرة، قال: واشتدوا في ثننية ذي أبهر(6) فأرشُقُ بعضهم بسهم فيقع في نُغض كتفه (1)فقلت : خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع وأرادوا فرسين على ثننية فجئتَ بهما أقودهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولحقني عمي عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن وسط حية فيها ماء فتوضأتُ وصليتُ وشربتُ ثم جئتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو علي الماء الذي أجليتهم عنه بذي قَرَد، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ تلك الأبل التي استنقذتُ من العدو وكل رمح وكل بردة وإذا بلال قد نحر لهم ناقة من الإبل وهو يشوي منها. فقلت: يا رسول الله خلني أنتخب مائة رجل فلا يبقى منهم عين تطرف. فضحك وقال: إنهم ليقرون بأرض غطفان ، فجاء رجل من غطفان فقال: نحر لهم فلان جزوراً فلما كشطوا عنها جلدها رأوا غباراً فقالوا: أتِيْتُم فخرجوا هاربين. فلما أصبحنا قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع ثم أعطاني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سهمين سهم الفارس وسهم الراجل ، ثم أردفني وراءه علىِ العضباء راجعين إلي المدينة فبينما نحن نسير وكان رجل من الأنصار لا يسبق شداَ فقال: ألا من مُسَابق مراراً، فقلت: يا رسول اللّه بأبي أنت وأمي ائذن لي فلأسَابق الرجل. قال: إنْ شئت. قال: فطفرت (3) فعدوتُ فربطت عليه شرفاً أو شرفين استبقي نفسي ، ثم عدوتُ في أثره فربطتُ عليه شرفاً أو شرفين ، ثم إني رفعتُ حتى ألحقه فأصكه بين كتفيه فقلت: سبقتُك واللّه ، قال: أنا أظن. فسبقته إلى المدينة فلم نمكث بها إلا ثلاثاً ،حتى خرجنا إلي خيبر. وفي هذه الغزوة نودي يا خيل الله اركبي ولم يكن يقال: قبلها. ذكر غزوة بني المصطلق من خزاعة ذكرت هذه الغزوة بعت غزوة ذي قَرَد، وكانت في شعبان من السنة سنة ست ، وكان بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ بني المصطلق تجمَّعُوا له ، وكان قائدهم الحارث بن أبي ضرار-أبو جويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم -فلما سمع بهم خرج إليهم فلقيهم بماء لهم يقال له: المُرَيْسِيْع (1) بناحية قديد فاقتتلوا فانهزم المشركون ، وقًتِلَ من قُتِلَ منهم ؟ وأصيب رجلٌ كل من المسلمين من بني ليث بن بكر اسمه هشام بن صبابة أصابه رجل من الأنصار بسهم من رهط عبادة بن الصامت وهو يرى أنه من العدوّ فقتله خطأ. وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا كثيرة فقسمها في المسلمين ، وفيهم جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار فوقعت في سهم لثابت بن قيس بن شماس أو لأبن عم له فكاتبته عن نفسها فأتت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاستعانته في كتابتها فقال لها: هل لك على خير من ذلك ؟ قالتَ: وما هو يا رسول الله ؟ قال: أقضي كتابتك وأتزوجك. قالت: نعم يا رسول الله. ففعل وسمع الناس الخبر فقالوا: أصهار رسول الله فأعتقوا أكثر من مائة بيت مِن أهل بني المصطلق فما كانت امرأة أعظم بركة علي قومها منها. وبينما الناس على ذلك الماء وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له: جهجاه فازدحم هو وسنان الجهني حليف بني عوف من الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار. وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين. فغضب عبد اللّه بن أبي بن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حدث السن فقال: أو قد فعلوها؟ قد كاثرونا في بلادنا ، أما والله ( لَئِن رَجَعْنَا إلَى المَدينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعزُّ مِنْها الأذَلّ )(2) ثم أقبل على مَنْ حضره من قومه فقال: هذا مافعلتم بأنفسكم أحللتموهم ببلادكم وقاسمتموهم أموالكم والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم ، فسمع ذلك زيد فمشى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك عند فراغ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من غزوهِ فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله مُرْ به عباد بن بشر فليقتله. فقال رسول اللّهَ صلى الله عليه وسلم كيف إذا تحدث الناس أنّ محمداً يقتل أصحابه ؟ ولكن أذن بالرحيل. فارتحل في ساعةٍ لم يكن يرتحل فيها ليقطع ما الناس فيه ، فلقيه أسَيْد بن حضير فسلّم عليه وقال: يا رسول اللهّ لقد رحت في ساعة لم تكن تروح فيها؟ فقال: أو ما بلغك ما قال عبد اللّه بن أبيّ ؟ قال: وماذا قال ؟ قال: زعم إنْ رَجَعَ إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال أسيد: فأنتَ واللّه تُخْرِجُهُ إنْ شئت فإنك العزيز وهو الذليل. ثم قال: يا رسول اللّه ارفق به لقد مَنَّ اللّهُ بك وإنّ قومه لينظمون له الخرز ليتوِّجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكاً. وسمع عبد اللّه بن أبَيّ أنّ زيداً أعلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم قوله فمشى إليِ رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم فحلف باللّه ما قلت ما قال ولا تكلمت به ، وكان عبد اللهّ في قومه شريفاَ فقالوا: يا رسول اللّه أنْ يكون الغلام قد أخطأه. وأنزل اللّه ( إذَا جَاءَكَ المُنَافِقُون )(1) تصديقاً لزيد، فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذُن زيد وقال: هذا الذي أوفي اللّه بأذنه. وبلغ عبداللّه بن أبيّ بن سلول ما كان من أمر أبيه فأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه بلغني أنك تريد قتل أبي فإنْ كنتَ فاعِلًا فمُرْنِي به فأنا أحمل إليك رأسه ، وأخشى أنْ تأمر غيري بقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار، فقال النبي في صلى الله عليه وسلم : بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا، فكان بعد ذلك إذا أحدث حدتاً عاتبه قومه وعنّفوه وتوعدوه فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك عنهم: كيف ترى ذلك يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم أمرتني بقتله لأرعدت له أنف لو أمرتُها اليوم بقتله لقتلته ؟ فقال عمر: أمرُ رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري. وفيها قَدِمَ مقيس بن صُبابة مسلماً فيما يظهر فقال: يا رسول الله جئت مسلماً وجئت أطلب دية أخي وكان قتل خطأ، فأمر له بدية أخيه هشام بن صَبَابة وقد تقدم ذكر قتله آنفاً، فأقام عند رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم كثير، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ثم خرج إلى مكة مرتداً فقال : شفى النفس أنْ قد بات في القاع مسنداًَ تضرّج ثوبيه دماء الأخادع (1) وكانت هموم النفس من قبل قتله تلم فتحميني وطاء المضاجع حللت به نذري وأدركت ثؤرتي وكنت إلى الأصنام أول راجع
حديث الأفك وكان حديث الِإفك في غزوة بني المصطلق ، لما رجع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فكان ببعض الطريق قال أهل الافك ما قالوا ، وكان من حديثه ما روي عن عائشة قالت: كان رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، فلما كانت غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه فخرج سهمي فخرج بي معه. وكان النساء إذْ ذاك إنما يأكلن العلقة لم يتفكهن (2) باللحم وكنت إذا وصل بعيري جلستً في هودجي ثم يأتي القوم الذين يرحّلون بعيري فيحملون الهودج وأنا فيه فيضعونه على ظهر البعير ثم يأخذون برأس البعير ويسيرون. قالت: فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك وكان قريباً من المدينة بات بمنزل بعض الليل ثم ارتحل هو والناس وكنت قد خرجتُ لبعض حاجتي وفي عنقي عقد لي من جَزع ظفار (3) انسل من عُنُقي ولا أدري ، فلما رجعت التمستُ العقد فلم أجده وأخذ الناس في الرحيل فرجعتُ إلى المكان الذي كنتُ فيه التمسه فوجدته ، وجاء القوم الذين يرحلون بعيري فاخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه فاحتملوه على عادتهم وانطلقوا. ورجعت إلى المعسكر وما فيه من داع ولا مجيب ، فتلففت بجلبابي واضطجعت في مكاني وعرفتُ أنهم يرجعون إليّ إذا افتقدوني. قالت: فوالله إني لمضطجعة إذْ مَرّ بي صفوان بن المُعَطّل السلمي (1) وقد كان تخلف عن العسكر لحاجته فلم يبت مع الناس فلما رأى سوادي أقبل حتى وقف عليّ فعرفني ، وكان رآني قبل أنْ يُضْرَبَ الحجاب ، فلما رآني استرجع وقال: ما خلفكِ ؟ قالت: فما كَلَّمْتُه ثم قَربَ البعير وقال: اركبي فركبتُ ، وأخذ برأس البعير مسرعاً، فلما تزل الناس واطمأنوا أطلع الرجل يقود بي فقال أهل الأفك: ما قالوا، فارتعج (2) العسكر ولم أعلم بشيء من ذلك. تم قدمنا المدينة فاشتكيت شكوى شديدة وقد انتهى الحديث إلىِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلي أبويّ ولا يذكران لي منه شيئاً إلا أني أنكرتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لُطْفِهِ فكان إذا دخل عليّ وأمي تمرضني فال: كيف بنتِْكُم ؟ لا يزيد على ذلك ، فوجدت في نفسي مما رأيتُ من جفائه لي فاستأذنته في الانتقال إلى أمي لتمرضني فأذِنَ لي وانتقلت ولا أعلم بشيء مما كان حتى نقهت (3)من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة. قالت: وكنا قوماً عَرَبا لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف نعافها ونكرهها إنما كانت النساء يخرجن كلّ ليلة فخرجت لبعض حاجتي ومعي أم مِسْطَح ابنة أبي رهم بن المطلب ، وكانت أمها خالة أبي بكر الصديق قالت: فواللّه إنها لتمشي إذ عثرت في مرطها فقالت: تَعِسَ مسطح قالت: قلت لعمر اللّه بئسما قلتِ لرجلٍ من المهاجرين شهد بدراً. قالت: أو ما بلغك الخبر؟ قلت: وما الخبر؟ فأخبرتني بالذي كان. قالت: فوالله ما قدرتُ على أنْ أقضي حاجتي ، فما زلتُ أبكي حتى ظننتُ أنّ البكاء سيصدع كبدِي ، وقلت لأمي: تحدَث الناسُ بما تحدثوا به ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً؟ قالت: أي بنية خَفِّضي عليك فوالله قَلَّما كانت امرأةٌ حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلاَّ كثرن وكثر الناس عليها، قالت: وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فخطبهم ولا أعلم بذلك ، ثم قال: أيها الناس ما بال رجالٌ يؤذونني في أهلي وتقولون عليهن غير الحق ويقولون ذلك لرجلٍ والله ما علمتُ عليه إلا خيراً وما دخل بيتاً من بيوتي إلا معي. وكان كِبَر ذلك عند عبد الله بن أبيّ بن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش ، وذلك أنّ زينب أختها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضارني لاختها، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة قال أسيد بن حضير: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنْ يكونوا من الأوس نكفكهم ، وإن يكونوا من إخواننا الخزرج فمرنا بأمرك. فقال سعد بن عبادة، والله ما قلتَ هذه المقالة إلا وقد عرفت أنهم من الخزرج ولو كانوا من قومك ما قلتَ هذا، فقال أسيد: كذبت ولكنك منافق تجادلُ عن المنافقين. وتثاورَ الناس (1) حتى كاد يكون بينهم شر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد فاستشارهما فأما أسامة فأتنى خيراً ، وأما علي فقال: إنّ النساء لكثير وسَل الخادم تَصْدقْك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة يسألها فقام إليها عليّ فضربها ضرباً شديداً وهو يقول: اصدُقِي رسول الله فقالت: والله ما أعلم إلا خيراً، وما كنتُ أعيبُ عليها شيئاً إلا إنها كانت تنام عن عجينها فتأتي الداجنُ (2) فتأكله. قالت عائشة: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أبواي وامرأة من الأنصار وأنا أبكي وهي تبكي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا عائشة: إنه قد كان ، قد بلغكِ من قولِ الناس فإنْ كنتِ قارفتِ سوءاً فتوبي إلى الله. قالت: فوالله لقد تقلص دمعي حتى ما أحس منه شيئاً وانتظرتُ أبواي أنْ يجيباه فلم يفعلا فقلت: ألا تجيبانه ! فقالا: والله ما ندري بما نجيبه وما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على أبي بكر تلك الأيام. فلما أن استعجما عليّ بكيتُ ثم قلت: والله لا أتوبُ إلى الله مما ذكرتَ أبداً والله لئن أقررتُ -والله يعلم أني منه بريئة - لتصدقني ولئن أنكرتُ لا تصدقونني. فقلتُ: ولكني أقول كما قال أبو يوسف: ( فَصَبْر جَمِيْل وَالله المُسْتَعَانُ على مَا تَصِفُونَ )(3). ولَشَأنِي كان أصغر في نفسي من أنْ ينزل الله في قراناً يتلى ولكني كنت أرجو أنْ يري رؤيا يكذب الله بها عني قالت: فوالله ما برح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من مجلسه حتى جاء الوحي فسجي بثوبه فأما أنا فوالله ما فزعتُ ولا باليت قد عرفتُ أني بريئة وأنّ الله غير ظالمي ، وأما أبواي فما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننتُ لتخرجنَّ أنفسهما فَرَقاً(1) من أنْ يحقق الله ما قال الناس. قالت: ثم سرِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه ليتحدر عنه مثل الجُمَان (2) فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول: أبشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك. فقلت: بحمد الله. تم خرج إلى الناس فخطبهم وذكر لهم ما أنزل الله فيّ من القران ، ثم أمر بِمِسْطَح بن أتاتة، وحسان بن ثابت ، وحمنة بنت جحش ، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا بواحدهم. وحلف أبو بكر لا ينفق على مِسْطح أبداً فأنزل الله (وَلَا يَأتَلِ أوُلو الفَضْلِ مِنْكم )(3) الآية، فقال أبو بكر: إني أحِبُّ أن يغفرَ اللَّهُ لي. ورجع إلى مسطح نفقته. ثم إن صفوان بن المعطل اعترض حسان بن تابت بالسيف حين بلغه ما كان يقول فيه فضربه ثم قال : تلق ذباب السيف عني فإنني غلامٌ إذا هوجيت لست بشاعر فوثب تابت بن قيس بن شماس فجمع يديه إلى عنقه وانطلق به إلىِ الحارث بن الخزرج فلقيه عبد الله بن رواحة فقال: ما هذا؟ فقال: ضرب حساناَ وما أراه إلا قتله. فقال عبد الله: هل علم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بشيء مما صنعت. قال: لا والله قال: لقد اجترأت أطلِق الرجل فأطلقه. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا حسان وصفوان بن المعطل فقال صفوان: هجاني يا رسول الله وآذاني فضربته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان: أحسِن يا حسان. قال: هي لك يا رسول الله فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوضاً منها بيرحاء وهي قصر بني حُديلة وأعطاه سيرين أمةٌ قبطية وهي أخت مارية أم ابراهيم بن رسول الله فولدت له ابنه عبد الرحمن. وكان صفوان حصوراً لا يأتي النساء ثم قتل بعد ذلك شهيداً. ذكر عُمْرة الحديبية في هذه السنة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمراً في ذي القعدة لا يريد حرباً، ومعه جماعة من المهاجرين والأنصار ومن تبعه من الأعراب ألف وأربعمائة- وقيل: ألف وخمسمائة، وساق الهَدْيَ معه سبعين بَدَنة ليعلم الناس أنه إنما جاء زائراً للبيت ، فلما بلغ عُسفان لقيه بسر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله هذه قريش قد سمعوا بمسيرك فاجتمعوا بذي طوى يحلفون بالله لا تدخلها عليهم أبداً ، وقد قدموا خالد بن الوليد إلى كراع الغميم -ولما بلغه بسر ما فعلت قريش قال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم : " يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين ساتر الناس "" فإنْ هم أصابوني كان الذي أرادوا وإنْ أظهرني الله دخلوا في الاسلام وافرين ! ، والله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني اللهّ به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة(1) تم خرج على غير الطريق التي هُمْ بها وسلك ذات اليمين حتى سلك ثنية المُرَار(2) على مهبط الحديبية فبركت به ناقته ، فقال الناس: خلأت (3) فقال: " ما خلأت ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة لا يدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ". تم قال للناس: انزلوا فقالوا: ما بالوادي ماء ينزل عليه. فأخرج سهماً من كنانته فأعطاه رجلاً من أصحابه فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه فجاش الماء بالري حتي ضرب الناس عنه بعطن ، وكان اسم الذي أخذ السهم ناجية بن جندب بن عمير سائق بدن النبي صلى الله عليه وسلم فبينما هم كذلك أتاهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه خزاعة وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من تهامة، فقال: تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي أعداد مياه الحديبية وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنا لم نأت لقتال أحَدٍ ولكنا جئنا معتمرين وإن شاءت قريش ماددناهم مدة وتخلّوا بيني وبين الناس وإن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي. فانطلق بديل إلى قريش فأعلمهم ما قال النبي صلى الله عليه وسلم فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال: إنّ هذا الرجل عرض عليكم خطة رُشْد فاقبلوها دعوني آته. فقالوا: آته. فأتاه وكلمه فقال له: يا محمد جمعتَ أوشاب الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها(1) بهم إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل (2)، قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله أنك لا تدخلها عليهم عنوة أبداً، وأيم الله لكأني بهؤلاء قد تكشفوا عنك غدا. فقال أبو بكر: امصص بظر اللات (3) أنحن ننكشف عنه ! قال: من هذا يا محمد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا ابن أبي قحافة. فقال: أما والله لولا يَدٌ كانت لك عندي لكافأتك بها(4) ، ثم جعل يتناول لِحْيَة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه والمنيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد فجعل يقرع يده إذا تناولها وتقول له: اكْفُفْ يدك قبل أن لا تصل إليك. فقال عروة: مَن هذا يا محمد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا ابن أخيك المغيرة، فقال: أي غدر وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس ؟ وكان المغيرة قد قتل ثلاثة عشر رجلًا من بني مالك وهرب ، فتهايج الحيان بنو مالك رهط المقتولين والأحلاف رهط المغيرة فودي عروة للمقتولين ثلاث عشرة دية وأصلح ذلك الأمر- وطال الكلام بينهم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم نحو مقالته لبديل ، فقال له عروة: يا محمد، أرأيت إن استأصلتَ قومك فهل سمعتَ بأحدٍ من العرب اجتاح أصله قبلك ؟ وجعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فوالله لا يتنخم النبيُّ نخامة إلّا وقعت في كَفَ أحدهم فدلك بها وجهه وجلده ، وإنْ أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وما يحِدّون النظر إليه تعظيماً له. فرجع عروة إلى أصحابه وقال: أي قوم قد وفدتُ على كسري وقيصر والنجاشي فوالله ما رأيت مَلِكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً، وحَدّتهم ما رأي وما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فقال رجل (5) من كنانة: دعوني آته فقالوا اتته. فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا فلان وهو من قوم يعظمون البُدُن فابعثوها له فبعثت له واستقبله قوم يُلَبُّون فلما رأي ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أنْ يُصَدُّوا عن البيت. وقيل: إنّ قريشاً بعثت إليه الحليس بن علقمة وهو سيد الأحابيش فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهَدْيَ في وجهه حتى يراه. فلما رأي الهَدْيَ رجع إلى قريش ولم يصلً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا قوم قد رأيتُ ما لا يحل صَدّه الهدي في قلائده. فقالوا: اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك. فقال: والله ما على هذا حالفناكم أنْ تَصُدُّوا عن البيت مَنْ جاء مُعَظماً له ، والذي نفسي بيده لتخلُنَّ بين محمد ويبن البيت أو لأنفرنّ الأحابيش نفرة رجل واحد. قال: فقالوا: مَهْ كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته. فقالوا: أفعل. فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأصحابه: هذا رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سُهَيْل بن عمرو فلما جاء قال النبي: سَهُلَ أمركم. وقال ابن اسحاق: إنّ قريشاً إنما بعثت سهيلاً بعد رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عثمان بن عفان ، قال: لما رجع عروة بن مسعود إلى قريش بعت رسول الله صلى الله عليه وسلم خراش بن أمية الخزاعي إلى قريش على جمل له يقال له: الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش وخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ليرسله إلى مكة، فقال: ليس بمكة من بني عدي مَن يمنعني وقد علمت قريش عداوتي لها وغِلظتي عليها وأخافها على نفسي ، فأرسِلْ عثمان فهو أعزّ بها مني ، فدعا عثمان فأرسله ليبلغ عنه فانطلق فلقيه أبان بن سعيد بن العاص فأجاره فأتي أبا سفيان ، وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا لعثمان حين فرغ من أداء الرسالة: إنْ شئتَ أنْ تطوف بالبيت فطُفْ به فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به النبي صلى الله عليه وسلم فاحتبسته قريش عندها فَبَلَغ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد قُتِل فقال: لا نبرح حتى نناجز القوم ، ثم دعا الناس إلى البيعة فبايعوه تحت الشجرة وهي سمرة لم يتخلف منهم أحد إلا الجدّ بن قيس وكان أول من بايعه رجل من بني أسد يقال له: أبو سنان ، ثم أتى الخبر أن عثمان لم يقتل. تم بعثت قريش سُهَيْل بن عمرو أخا بني عامر بن لؤي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليصالحه على أنْ يرجع عنهم عَامهُ ذلك ، فأقبل سهيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأطال معه الكلام وتراجعا،تم جرى بينهم الصلح ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: لا نعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم. فكتبها، ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو، فقال سهيل: لو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك. فقال: لعلي امح رسول الله. فقال: لا أمحوك أبداً. فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يحسن أنْ يكتب فكتب موضع رسول الله محمد بن عبد الله ، وقال لعلي لتبلين بمثلها، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن الناس ، وإنه من أتى منهم رسول الله بغير إذن وليه رده إليهم ، ومن جاء قريشاً ممن مع رسول الله لم يردّوه عليه ومن أحب أنْ يدخل في عهد رسول الله دخل ، ومن أحب أنْ يدخل في عهد قريش دخل ، فدخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش ، وأنْ يرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم عامه ذلك فإذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلَتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثاً، وسلاح الراكب السيوف في القِرَب لا تدخلها بغيرها. فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمر ويوسف في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أصحاب النبي لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوا الصلح دخلهم من ذلك أمرٌ عظيم حتى كادوا يهلكون ، فلما رأى سهيل ابنه أبا جندل أخذه ، وقال: يا محمد قد تمت القضية بيني وبينك قبل أنْ يأتيك هذا. قال: صدقتَ ، وأخذه ليرده إلى قريش ، فصاح أبو جندل يا معشر المسلمين أردّ إلى المشركين ليفتنوني عن ديني ! فزاد الناس شراً إلى ما بهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتسب ، فإنّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، إنّا قد أعطينا القوم عهودنا على ذلك فلا نغدر بهم. قال فوثب عمر بن الخطاب يمشي مع أبي جندل وتقول له: اصبر واحتسب فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب ، وأدني قاتم السيف منه رجاء أن يأخذه فيضرب به أباه. قال: فبخل الرجل بأبيه ونفذت القضية، وشهد جماعة على الصلح من المسلمين ؛ فيهم أبو بكر ، وعمر ، وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم ، وجماعة من المشركين ، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من قضيته قال: قوموا فانحروا ثُمّ احلقوا فما قام أحدٌ حتى قال ذلك مراراً فلما لم يقم أحد منهم دخل على أم سلمة فذكر لها ذلك فقالت: يا نبي الله آخرج ولا تكلم أحداً منهم حتى تنحر بدنك وتحلق شعرك. ففعل ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وحلقوا حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً للازدحام فما فتح في الاسلام قبله فتح كان أعظم منه حيت أمن الناس كلهم بعضهم بعضاً فدخل في الاسلام تينك السنتين مثل ما دخل فيه قبل ذلك وأكثر. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي وهو مسلم ، وكان ممن حبس بمكة فكتب فيه الأزهر بن عبد عوف ، والأخنس بن شريق وبعثا فيه رجلًا من بني عامر بن لؤي ومعه مولى لهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد علمتَ أنّا قد أعطينا هؤلاء القوم عهداً ولا يصلح الغدر في ديننا. فانطلق معهما إلى ذي الحليفة فجلسوا وأخذ أبو بصير سيفَ أحدهما فقتله به وخرج المولى سريعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بقتل صاحبه ثم أقبل أبو بصير فقال: يا رسول الله قد وَفّت ذمتك وأنجاني الله منهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وتل! أمه مسّعر حرب لو كان له رجال "(1) فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج أبو بصير حتى نزل بناحية ذي المروة على ساحل البحر على طريق قريش إلى الشام ، وبلغ المسلمين الذي كانوا حبسوا بمكة ذلك فخرجوا إلى أبي بصير، منهم أبو جندل فاجتمع إليه منهم قريب من سبعين رجلًا فضيّقوا علي قريش يعترضون العير تكون لهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يناشدونه الله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه فهو آمن فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيها نزلت (سورة الفتح ). وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسوة مؤمنات فيهن أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط فجاء أخواها عمارة والوليد يطلبانها فأنزل الله ( فَإِن عَلِمْتُمُوهُنّ مُؤمِنَاتٍ فَلَا ترجِعُوهُنً إلى الكُفَار ) الآية ، فلم يرسل امرأة مؤمنة إلى مكة، وأنزل الله ) وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِر )(2) فطلّق عمر بن الخطاب امرأتين له إحداهما قريبة بنت أبي أمية، والثانية أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعي وهما مشركتان. فتزوج أم كلثوم أبو جهم بن حذيفة بن غانم. وفيها كانت عدة من سرايا وغزوات : (منها سرية عكًّاشة بن مِحْصَن ) في أربعين رجلاً إلى الغمر فيهم تابت بن أقرم وشجاع بن وهب فنذر بهم القوم فهربوا فسعت الطلائع فوجدوا مائتي بعير فأخذوها إلى المدينة وكانت في ربيع الأخر. (ومنها سرية محمد بن مسلمة ) أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة فوارس في ربيع الأول إلى بني ثعلبة بن سعد فكمن القوم له حتى نام هو وأصحابه وظهروا عليهم فقتل أصحابه ونجا هو وحده جريحاً. (ومنها سرية أبي عُبَيْدة بن الجَرَّاح ) إلى ذي القصَة في ربيع الأخر في أربعين رجلاً فهرب أهله منهم في الجبال وأصابوا نعماً ورجلاً واحداً أسلم فتركه رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم. (ومنها سرية زيد بن حارثة) بالجموم فأصاب امرأة من مزينة اسمها حليمة فدلتهم على محلة من محال بني سليم فأصابوا نعماً وشاء وأسري وكان فيهم زوجها فأطلقها رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم وزوجها معها. (ومنها سرية زيد أيضاً إلى العيص ) في جمادى الأولى ، وفيها أخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص بن الربيع واستجار بزينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم فأجارته وقد تقدم ذكره في غزوة بدر. (ومنها سرية أيضاً
ذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)الجزء الثالث