هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى بيت الأسرة
نرحب مجددا بجميع أعضاء بيت الأسرة ,, ويسعدنا تننشيط عضويتكم بالتواصل على جوالي بالنسبة للأعضاء ,, وعلى جوال أم عبدالله بالنسبة للأخوات ,, وبامكان الجميع التواصل معي على ايميلي aabohadi @hotmail.com ,, متمنين للجميع سنة جميلة مليئة بالحب والتواصل
ذكر وقعة يوم فرات بادقلي (1) وفتح الحيرة الباب الاول
كاتب الموضوع
رسالة
ماجد قادري عضو ذهبي
نقاط : 8855 سمعة العضو : 5 الموقع : صبيا
موضوع: ذكر وقعة يوم فرات بادقلي (1) وفتح الحيرة الباب الاول الجمعة أبريل 30, 2010 3:31 am
ذكر وقعة يوم فرات بادقلي (1) وفتح الحيرة ثم سار خالد من أمغيشيا إلى الحيرة، وحمل الرجال والأثقال في السفن فخرج مرزبان الحيرة، وهو الأزاذبه (2) فعسكر عند الغرِيّين (3) وأرسل ابنه فقطع الماء عن السفن فبقيت على الأرض ، فسار خالد في خيل نحو ابن الأزاذبه فلقيه على فرات بادقلي فضربه وقتله وقتل أصحابه ، وسار نحو الحيرة فهرب منه الأزاذبه ، وكان قد بلغه موت أردشير وقتل ابنه فهرب بغير قتال ، ونزل المسلمون عند الغريين وتحصن أهل الحيرة فحصرهم في قصورهم ، وكان ضرار بن الأزور محاصراً القصر الأبيض ، وفيه إياس بن قبيصة الطائي ، وكان ضرار بن الخطاب محاصراً قصر الغريِّين ، وفيه عدي بن عدي المقتول ، وكان ضرار بن مقرن المزنى محاصراً قصر ابن مازن ، وقيه ابن أكال ، وكان المثنى محاصراً قصر ابن بُقيلة، وفيه عمرو بن المسيح بن بقيلة، فدعرهم جميعاً وأجلوهم يوماً وليلة فأبى أهل الحيرة..وقاتلهم المسلمون فافتتحوا الدور والأديار وأكثروا القتل فنادى القسيسون والرهبان:يا أهل القصور ما يقتلنا غيركم..فنادى أهل القصور المسلمين قد قبلنا واحدة من ثلاث وهي:إما الاسلام ، أو الجزية، أو المحاربة..فكفوا عنهم ؛ وخرج إليهم إياس بن قبيصة، وعمرو بن عبدالمسيح بن قيس بن حيان بن الحارث ، وهو بقيلة، وإنما سمي بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين فقالوا:يا حار ما أنت إلا بقيلة خضراء..فارسلوهم إلى خالد فكان الذي يتكلم عنهم عمرو بن عبد المسيح ، فقال له خالد: كم أتى عليك ؟ قال:مئو سنين..قال:فما أعجب ما رأيت ؟ قال:رأيتُ القرى منظومة ما بين دمشق..والحيرة تخرج المرأة من الحيرة فلا تتزود إلا رغيفاً..فتبسم خالد وقال:هل لك من شيخك إلا عقلة خرفت..والله يا عمرو؟ وقال لأهل الحيرة..ألم يبلغني أنكم خبثة خدعة مكرة؟ فما بالكم تتناولون حوائجكم بخرف لا يدري من أين جاء؟فأحب عمرو أن يريه من نفسه ما يعرف به عقله ويستدل به على صحة ما حدثه به قال:وحقك إِني لأعرف من أين جئت ؟..قال:فمن أين خرجت ؟ قال:أقرب أم بعد؟ قال:ما شئت قال:من بطن أمي..قال:فأين تريد؟ قال:أمامي..قال:وما هو؟ قال:الآخرة..قال:فمن أين أقص أثرك ؟ قال:من صلب أبي..قال:ففيم أنت ؟ قال:في ثيابي..قال:اتعقل ؟ قال:أي والله وأقيد..قال خالد: إنما أسألك..قال:فأنا اجيبك..قال:أسِلْم أنت أم حرب ؟ قال:بل سِلْم قال:فما هذه الحصون ؟ قال:بنيناها للسفيه نحبسه حتى ينهاه الحليم..قال:خالد:قتلت أرض جاهلها وقتل أرضا عالمها القوم أعلم بما فيهم ، فقال عمرو:أيها الأمير: النملة أعلم بما في بيتها من الجمل بما في بيت النملة وكان مع ابن بقيلة خادم معه كيس فيه سم فأخذه خالد ونثره في يده وقال:لم تستصحب هذا؟ قال:خشيتُ أن تكونوا على غير ما رأيت وقد أتيت على أجلي فكان الموت أحبّ إِليّ من مكروه ادخله على قومي وعلى أهل قريتي فقال خالد:أنها لن تموت نفسي حتى تأتي على أجلها ، وقال:" باسم الله خير الأسماء ، رب الأرض والسماء، الذي لا يضر مع اسمه داء، الرحمن الرحيم " فأهووا إليه ليمنعوه وبادرهم وابتلع السم ، فقال ابن بقيلة:والله لتبلغن ما أردتم ما دام أحد منكم هكذا..وأبى خالد أن يصالحهم إلا على تسليم كرامة بنت عبد المسيح إلى شويل فأبوا فقالت لهم:هونوا وأسلموني فإني سأفتدي ، ففعلوا فأخذها شويل ، فافتدت منه بألف درهم فلامه الناس..فقال:ما كنت أظن أن عدداً أكثر من هذا: وكان سبب تسليمها إليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر استيلاء أمته على ملك فارس والحيرة سأله شويل أن يعطي كرامة ابنة عبد المسيح وكان رآها شابة فمال إليها فوعده النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فلما فتحت الحيرة طلبها، وشهد له شهود بوعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلمها إليه فسلمها إِليه خالد، وصالحهم على مائة ألف وتسعين ألفاً..وقيل:على مائتي ألف وتسعين ألفاً، وأهدوا له هدايا، فبعث بالفتح والهدايا إلى أبي بكر فقبلها أبو بكر من الجزية ؟ وكتب إلى خالد أن يأخذ منهم بقية الجزية..ويحسب لهم الهدية..وكان فتح الحيرة في شهر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة، وكتب لهم خالد كتاباً فلما كفر أهل السواد بعد موت أبي بكر ضيعوا الكتاب ، فلما افتتحها المثنى ثانية عاد بشرط آخر، فلما عادوا كفروا ، وافتتحها سعد بن أبي وقاص ووضع عليهم أربعمائة ألف سوى الحرزة ، قال خالد:ما لقيت قوماً كأهل فارس وما لقيت من أهل فارس كأهل أليس. ذكر ما بعد الحيرة قيل:كان الدهاقين يتربصون بخالد، وينظرون ما يصنع أهل الحيرة، فلما صالحهم واستقاموا له..اتته الدهاقين من تلك النواحي ، أتاه دهقان فرات سريا ، وصلوا بابن نسطونا، ونسطونا..فصالحوه على ما بين الفلاليج إلى هرمز جرد على ألفي ألف ، وقيل:ألف ألف سوى ما كان لآل كسرى، وبعث خالد عماله ، وبعث ضرار بن الأزور، وضرار بن الخطاب ، والقعقاع بن عمرو، والمثنى بن حارثة ، وعيبة بن النهاس..فنزلوا على السيب ، وهم كانوا أمراء الثغور مع خالد، وأمرهم بالغارة فمخروا ما وراء ذلك إلى شاطيء دجلة، وكتب خالد إلى أهل فارس يدعوهم إلى الاسلام أو الجزية فإن أجابوا وإلا حاربهم ، فكان العجم مختلفين بموت أردشير إلا إنهم قد أنزلوا بهمن جاذويه بهرسير ومعه غيره كأنه مقدمة لهم ، وجبى خالد الخراج في خمسين ليلة، وأعطاه المسلمين ، ولم يبق لأهل فارس فيما بين الحيرة..ودجلة أمر لاختلافهم بموت أردشير إلا أنهم مجمعون على حرب خالد، وخالد مقيم بالحيرة يصعد ويصوب سنة قبل خروجه إلى الشام والفرس يخلعون ويملكون ليس إلا الدفع عن بهرسير، وذلك أن شيري بن كسرى قتل كل من كان يناسبه إلى أنو شروان ، وقتل أهل فارس بعده وبعد أردشير ابنه من كان بين أنو شروان..وبين بهرام جور فبقوا لم يقدروا على من يملكونه ممن يجتمعون عليه ، فلما وصلهم كتب خالد تكلم نساء آل كسرى فولى الفرخزاد بن البنذوان إلى أن يجتمع آل كسرى على من يملكونه إِن وجدوه..ووصل جرير بن عبدالله البجلي إلى خالد بعد فتح الحيرة، وكان سبب وصوله اليه أنه كان مع خالد بن سعيد بن العاص بالشام فاستأذنه في المسير إلى أبي بكر ليكلمه في قومه ليجمعهم له وكانوا أوزاعاً متفرقين في العرب ، فأذن له فقدم على أبي بكر فذكر له ذلك وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعده به وشهد له شهود وسأله إنجاز ذلك فغضب أبو بكر، وقال:له نرى شغلنا وما نحن فيه بِغَوْث المسلمين ممن بإزائهم من الأسدين فارس والروم ، ثم أنت تكلفني التشاغل بما لا يغني عما هو أرضى لله ولرسوله ! دعني " وأمره بالمسير إلى خالد بن الوليد، فسار حتى قدم عليه بعد فتح الحيرة، ولم يشهد شيئاً مما قبلها بالعراق ولا شيئاً مما كان خالد فيه من قتل أهل الردة. ذكر فتح الأنبار ثم سار خالد على تعبيته التي خرج فيها من الحيرة إلى الأنبار- وأنما سمي الأنبار لأن أهراء الطعام كانت بها أنابير- وعلى مقدمته الأقرع بن حابس ، فلما بلغها أطاف بها ، وأنشب القتال ، وكان قليل الصبر عنه إذا رآه أو سمع به وتقدم إلى رمالَه فأوصاهم أن يقصدوا عيونهم فرموا رشقاً واحداً، ثم تابعوا فأصابوا ألف عين فسميت تلك الوقعة " ذات العيون "، وكان على من بها من الجند شيرزاد صاحب ساباط وكان أعقل أعجمي يومئذ، فلما رأى ذلك أرسل يطلب الصلح على أمر لم يرضه خالد، فردّ رسله ونحر من إبل العسكر كل ضعيف وألقاه في خندقهم ثم عبره ، فاجتمع المسلمون والكفار في الخندق..فأرسل شيرزاد إلى خالد وبذل له ما أراد..فصالحه على أن يلحقه بمأمنه في جريدة ليس معهم من متاع شيء وخرج شيرزاد إلى بهمن جاذويه ، ثم صالح خالد من حول الأنبار وأهل كِلْوَاذى(1). ذكر فتح عين التمر(2) ولما فرغ خالد من الأنبار واستحكمت له استخلف عليها الزبرقان بن بدر وسار إلى عين التمر، وبها مهران بن بهرام جوبين في جمع عظيم من العجم ، وعقة بن أبي عقة في جمع عظيم من العرب..من النمر، وتغلب ، وإياد، وغيرهم ، فلما سمعوا بخالد..قال عقة لمهران:إن العرب أعلم بقتال العرب فدعنا وخالداً..قال:صدقت لعمري فأنتم أعلم بقتال العرب وإنكم لمثلنا في قتال العجم فجدعه واتقى به ، وقال:دونكموهم وإن احتجتم إلينا أعنّاكم فلامه أصحابه من الفرس على هذا القول ، فقال لهم دعوني فإن لم أرِدْ إلا ما هو خير لكم وشر لهم إنه قد جاءكم من قتل ملوككم ، وفل حدكم..فاتقيته بهم فإن كانت لكم على خالد فهي لكم ، وإن كانت الأخرى لم يبلغوا منهم حتى يهنوا فنقاتلهم ونحن أقوياء وهم مضعفون ، فاعترفوا له بفضل الرأي وسار عقة إلىِ خالد فالتقوا فحمل خالد بنفسه على عقة، وهو يقيم صفوفه فاحتضنه ، وأخذه أسيراَ وانهزم عسكره من غير قتال ، فأسر أكثرهم ، فلما بلغ الخبر مِهران هرب في جنده وتركوا الحصن ، فلما انتهى المنهزمون إليه تحصنوا به فنازلهم خالد فطلبوا منه الأمان ، فأبى فنزلوا على حكمه فأخذهم أسرى، وقتل عقة ثمِ قتلهم أجمعين وسبى كل مَنْ في الحصن وغنم ما فيه ، ووجد في بيعتهم أربعين غلاماَ يتعلمون الِإنجيل فأخذهم فقسمهم في أهل البلاء منهم سيرين أبو محمد، ونصير أبو موسى ، وحمران مولى عثمان ، وأرسل إلى أبي بكر بالخبر والخمس..وفي عين التمر قتل عمير بن رآب السهمي وكان من مهاجرة الحبشة، ومات بها بشير بن سعد الأنصاري والد النعمان فدفن بها إلى جانب عمير. ذكر خبر دُومة الجندل ولما فرغ خالد من عين التمر أتاه كتاب عياض بن غنم يستمده على من بإزائه من المشركين فسار خالد إليه فكان بإزائه بهراء، وكلب ، وغسان ، وتنوخ ، وكانت دومة على رئيسين ، أكيدر بن عبد الملك ، والجودي بن ربيعة ، فأما أكيدر فلم يرد قتال خالد وأشار بصلحه خوفاً فلم يقبلوا منه فقال:لن أمالئكم على حرب خالد فشأنكم، فخرج عنهم وسمع خالد بمسيره فأرسل إلى طريقه عاصم بن عمرو معارضاً له فأخذه أسيراً فقتله وأخذ ما كان معه (3)، وسار حتى نزل على أهل دومة الجندل فجعلها بينه وبين عياض وكان النصارى الذين أمدوا أهل دومة من العرب محيطين بحصن دومة لم يحملهم الحصن، فلما اطمئن خالد خرج إليه الجودي في جمع ممن عنده من العرب لقتاله ، وأخرج طائفة أخرى إلى عياض فقاتلهم عياض فهزمهم فهَزَمَ خالد من يليه ، وأخذ الجودي أسيراً وانهزموا إلى الحصن فلم يحملهم، فلما امتلأ أغلقوا الباب دون أصحابهم فبقوا حوله فأخذهم خالد فقتلهم حتى سد باب الحصن ، وقتل الجودي ، وقتل الأسرى إلا أسرى كلب فإن بني تميم قالوا لخالد: قد أمناهم وكانوا حلفاءهم فتركهم ،وقال:ما لي ولكم أتحفظون أمرَ الجاهلية وتضيِّعون أمر الاسلام ؟..فقال له عاصم:لا تحسدهم العافية ولا يحوذهم الشيطان..ثم أخذ الحصن قهراً فقتل المقاتلة وسبى الذرية والسرح فباعهم واشترى خالد ابنة الجودي ، وكانت موصوفة ، وأقام خالد بدومة الجندل فطمع الأعاجم وكاتبهم عرب الجزيرة غضباً لعقة، فخرج زَرِمهر وروزبه يريدان الأنبار واتعدا حصيداً والخنافس ، فسمع القعقاع بن عمرو وهو خليفة خالد على الحيرة فأرسل أعبد بن فدكي وأمره بالحصيد، وأرسل عروة بن الجعد البارقي إلى الخنافس فخرجا فحالا بينهما وبين الريف ، ورجع خالد إِلى الحيرة فبلغه ذلك - وكان عازماً على مصادمة أهل المدائن فمنعه من ذلك كراهية مخالفة أبي بكر-فعجَّل القعقاع بن عمرو وأبا ليلى بن فدكي إلى روزبه وزَرِمهر فسبقاه إلى عين التمر ، ووصل إِلى خالد كتاب امرىء القيس الكلبي أن الهذيل بن عمران قد عسكر بالمصيخ ، ونزل ربيعة بن بجير بالثني وبالبشر غضباً لعقة يريدان زرمهر، وروزبه ، فخرج خالد وسار إلى القعقاع وأبي ليلى..فاجتمع بهما بالعين فبعث القعقاع إلى حصيد وبعث أبا ليلى إلى الخنافس. ذكر وقعة حُصيد والخنافس(1) فسار القعقاع نحو حُصيد، وقد اجتمع بها روزبه ، وزرمهر فالتقوا بحصيد ، فقتل من العجم مقتلة عظيمة فقتل القعقاع زرمِهر،(2) وقتل عصمة بن عبدالله أحد بني الحارث بن طريف الضبي روزبه ، وكان عصمة من البررة، وهم كل فخذ هاجرت بأسرها، والخيرة كل قوم هاجروا من بطن ، وغنم المسلمون ما في حصيد، وانهزمت الأعاجم إلى الخنافس ، وسار أبو ليلى بمن معه إلى الخنافس ، وبها المهبوذان على العسكر، فلما أحس المهبوذان بهم هرب إلى المصيخ إلى الهذيل بن عمران. ذكر وقعة مصيخ بني البرشاء ولما انتهى الخبر إلى خالد بمصاب أهل الحصيد - وهرب أهل الخنافس كتب إلى القعقاع ، وأبي ليلى، وأعبد، وعروة، ووعدهم ليلة وساعة يجتمعون فيها إلى المصيخ - وهو بين حوران والقلت - وخرج خالد من العين قاصداً إليهمِ ، على الإبل يجنب الخيل، فلما كانت تلك الساعة من ليلة الموعد اتفقوا جميعاَ بالمصيخ فأغاروا على الهذيل ، ومن معه وهم نائمون مِنْ ثلاثة أوجه فقتلوهم ، وأفلت الهذيل في ناس قليل ، وكثر فيهم القتل ، وكان مع الهذيل عبد العزى بن أبي رهم أخو أوس مناة، ولبيد بن جرير وكانا قد أسلما ومعهما كتاب أبي بكر بإسلامهما فقتلا في المعركة ، فبلغ ذلك أبا بكر قول عبد العزى : أقول إذ طرق الصباح بغارة سبحانك اللهم رب محمد سبحان ربي لا إله غيره رب البلاد ورب من يتورد فوَدَاهما وأوصى بأولادهما فكان عمر يعتد بقتلهما، وقتل مالك بن نويرة على خالد(1) فيقول أبو بكر:كذلك يلقى من نازل أهل الشرك ، وقد كان حرقوص بن النعمان بن النمر قد نصحهم فلم يقبلوا منه فجلس مع زوجته وأولاده يشربون ، فقال لهم:اشربوا شراب مودع هذا خالد بالعين وجنوده بالحصيد، ثم قال : ألا اسقياني قبل خيل أبي بكر لعل منايانا قريب وما ندري (2) فضرب رأسه ، فإذا هو في جفنة فيها الخمر، وقتلوا أولاده:فأخذوا بناته ، وقيل:إنّ قتل حرقوص ، وهذه الوقعة ووقعة الثني كان في مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشام ، وسيذكر ان شاء الله تعالى. ذكر وقعة الثني والزُّمَيْل (3) وكان ربيعة بن بجير التغلبي بالثني ، والبشر - وهو الزميل - وهما شرقي الرصافة - قد خرج غضباً لعقة وواعد روزبه ، وزَرَمِهر، والهذيل؛ ولما أصاب خالد أهل المصيخ ، واعد القعقاع ، وأبا ليلى ليلة..وأمرهما بالمسير ليغيروا عليهم ، فسار خالد من المصيخ فاجتمع هو وأصحابه بالثني فبيتهم من ثلاثة أوجه - كما فعل بأهل المصيخ-وجردوا فيهم السيوف فلم يفلت منهم مخبر، وغنم وسبى، وبعث بالخبر والخمس مع النعمان بن عوف إلى أبي بكر فاشترى عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه بنت ربيعة بن بجير التغلبي فاتّخذها فولدتْ له عمرَ، ورقية..ولما انهزم الهذيل بالمصيخ لحق بعتاب بن فلان وهو بالبشر في عسكر ضخم فبيّتهم خالد بغارة من ثلاثة أوجه قبل أن يصل إليهم خبر ربيعة فقتل منهم مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها وكانت على خالد يمين ليبغتن تغلب في دارها، وكانت في الأخماس ابنة مؤذن النمري ، وليلى بنت خالد، وريحانة بنت الهذيل بن هبيرة، وقسم الغنائم وبعث الخمس إلى أبي بكر مع الصباح بن فلاح المزني ، وسار خالد من البشر إلى الرضاب ، وبها هلال بن عقة..فتفرق عنه اصحابه حين سمعوا بدنو خالد وسار هلال عنها فلم يلق خالد بها كيداً. ذكر وقعة الفراض ثم سار خالد من الرضاب إلى الفراض وهي تخوم الشام ، والعراق ، والجزيرة ، وأفطر بها رمضان لاتصال الغزوات ، وحميت الروم واستعانوا بمن يليهم من مسالح الفرس فأعانوهم ، واجتمع معهم تغلب ، وإياد ، والنَّمِر، وساروا إلى خالد ، فلما بلغوا الفرات قالوا له:إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم..قال خالد:اعبروا..قالوا له:تنح عن طريقنا حتى نعبر..قال:لا أفعل ولكن اعبروا أسفل منا - وذلك للنصف من ذي القعدة سنة اثنتي عشرة فقالت الروم وفارس بعضهم لبعض:احتسبوا ملككم ، هذا رجل يقاتل على دين ، وله عقل ، وعلم ووالله لينصرن ولنُخْذَلَن ثم لم ينتفعوا بذلك فعبروا أسفل من خالد، وعظم في أعينهم ، وقالت الروم:امتازوا حتى نعرف اليوم من يثبت ممن يولي ، ففعلوا فاقتتلوا قتالاً عظيماً، وانهزمت الروم ومن معهم ، وأمر خالد المسلمين أن لا يرفعوا عنهم فقتل في المعركة وفي الطلب مائة ألف ، وأقام خالد على الفراض عشراً، ثم أذن بالرجوع إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بهم، وجعل شجرة بن الأعز على الساقة وأظهر خالد أنّه في الساقة. ذكر حجة خالد ثم خرج خالد حاجاً من الفراض سِيراً لخمس بقين من ذي القعدة ، ومعه عدة من أصحابه فأتى مكة وحج ورجع فما توافى جنده بالخبر حتى وافاهم مع صاحب الساقة فقدما معاً، وخالد وأصحابه محلقون ولم يعلم بحجِّه إلا من أعلمه به ولم يعلم أبو بكر بذلك إلا بعد رجوعه فعتب عليه ، وكانت عقوبته إياه أنْ صرفه إلى الشام من العراق ممداً جموع المسلمين باليرموك ، وكان أهل العراق أيام عليّ إذا بلغهم عن معاوية شيء يقولون:نحن أصحاب ذات السلاسل ويسمون ما بينها، وبين الفراض، ولا يذكرون ما بعد الفراض احتقاراً للذي كان بعدها..وأغار خالد بن الوليد على سوق بغداد، ووجه المثنى فأغار على سوق فيها جمعٌ لقضاعة وبكر، وأغار أيضاً على مسكن ، وقُطْرَبًّل (1) وتل عَقْرَقُوْف(2) وبادوريا(3) ، قال ا لشاعر : وللمثنى بالعال (4)معركة شاهدها من قبيله بشرُ كتيبة أفزعت بوقعتها كسرى وكاد الِإيوان ينفطرُ وشُجع المسلمون إذ حذروا وفي صروف التجارب العبر سهل نهج السبيل فاقتفروا آثاره والأمور تقتفر يعني بالعال الأنبار، ومسكن ، وقطربل ، وبادوريا..وفيها تزوج عمر عاتكة بنت زيد..وفيها مات أبو العاص بن الربيع في ذي الحجة وأوصى إلى الزبير، وتزوج عليّ عليه السلام ابنته امامة، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم..وفيها اشترى عمر أسلم مولاه في قول ، وحج بالناس هذه السنة أبو بكر، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان ، وقيل:حج بالناس عمر بن الخطاب أو عبد الرحمن بن عوف ، وفيها مات أبو مرثد الغنوي ، وهو بدري ؟ وكان ابنه مرثد بن أبي مرثد قد قتل بالرجيع وهو بدري أيضاً. ثم دخلت سنة ثلاث عشرة ذكر فتوح الشام قيل:في سنة ثلاث عشرة وَجّه أبو بكر الجنود إلى الشام بعد عَوْدِهِ من الحج ،فبعث خالد بن سعيد بن العاص ، وقيل:إنما سيره لما سير خالد بن الوليد إلى العراق ، وكان أول لواء عقده إلى الشام لواء خالد، ثم عزله قبل أن يسير، وكان سبب عزله أنّه تربص ببيعة أبىِ بكر شهرين يقول:قد أمّرني رسول الله صلى الله عليه وسلم..ثم لم يعزلني حتى قبضه الله، ولقي علي بن أبي طالب ؟ وعثمان بن عفان..فقال:يا أبا الحسن ، يا بني عبد مناف أغلبتم عليها؟(1) فقال:على أمغالبة تري أم خلافة..فأما أبو بكر فلم يحقدها عليه ، وأما عمر فاضطغنها عليه..فلما ولّاه أبو بكرفأخذ عمر يقول:أتؤمره ، وقد صنع ما صنع وقال ما قال! لم يزل به عمر حتى عزله عن الامارة وجعله ردءاً للمسلمين بتيماء(2)، وأمره أن لا يفارقها إلا بأمره وأن يدعو من حوله من العرب إلا من ارتد ، وأن لا يقاتل إلا من قاتله ، فاجتمع إليه جموع كثيرة..وبلغ خبره الروم فضربوا البعث على العرب الضاحية بالشام من بهراء ، وسليح ، وتنوخ ، وغسان ، وكلب ، ولخم ، وجذام ، فكتب خالد بن سعيد إلى أبي بكر بذلك فكتب إليه أبو بكر أقدم ولا تقتحمن واستنصر الله..فسار إليهم ، فلما دنا منهم تفرقوا فنزل منزلهم وكتب إلى أبي بكر بذلك ، فأمره بالإقدام بحيث لا يؤتى من خلفه ، فسار حتى جاز؟ قليلاً ونزل فسار إليه بطريق من بطارقة الروم يدعى باهان فقاتله ، فهزمه ، وقتل من جنده ، فكتب خالد إلى أبي بكر يستمده ، وكان قد قدم على أبي بكر أوائل مستنفري اليمن ، وفيهم ذو الكلاع ، وقدم عكرمة بن أبي جهل قافلًا وغازياً فيمن كان معه من تهامة ، وعمان ، والبحرين ، والسرو فكتب لهم أبو بكر إلى أمراء الصدقات أن يبدلوا من استبدل..فكلهم استبدل فسمى جيش البدال ، وقدِمُوا على خالد بن سعيد، وعندها اهتم أبو بكر بالشام وعناه أمره.. وكان أبو بكر قد رد عمرو بن العاص إلى عمله الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأه إيّاه من صدقات سعد هذيم ، وعذرة ، وغيرهم قبل ذهابه إلى عمان ، ووعده أن يعيده إلى عمله بعد عوده من عمان فأنجز له أبو بكر عِدّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما عزم على قصد الشام كتب له:" إنّي كنتُ قد رددتك على العمل الذي ولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة، ووعدك به أخري إنجازاً لمواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد وَليتَه ، وقد أجبتُ أن أفرغك لما هو خير لك في الدنيا والآخرة إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك " فكتب إليه عمرو:لا إني سهمٌ من سهام الإسلام وأنت بعد الله الرامي بها؟ والجامع لها ، فانظرْ أشدها ، وأخشاها ، وأفضلها فارم به " فأمره ، وأمر الوليد بن عقبة – وكان على بعض صدقات قضاعة – أن يجمعا العرب ، ففعلا، وأرسل أبو بكر إلى عمرو بعض من اجتمع إليه وأمره بطَرِيْقٍ سماها له إلى فلسطين ، وأمر الوليد بالأردن وأمده ببعضهم ، وأمّر يزيد بن أبي سفيان على جيش عظيم هو جمهور من انتدب إليه فيهم سهيل بن عمر وفي أمثاله من أهل مكة، وشَيّعه ماشيا، وأوصاه وغيره من الأمراء..فكان مما قال ليزيد:" إني قد ولّيتك لأبلوك ، وأجرّبك ، وأخرّجك فإنْ أحسنت رددتك إلى عملك وزدتُك ، وإنْ أسأتَ عزلتُك ، فعليك بتقوي اللهّ فإنّه يري من باطنك مثل الذي من ظاهرك ، وإنّ أولى الناس بالله أشدهم تولياً له ، وأقرب الناس من الله أشدهم تقرباً إليه بعمله ، وقد وليتك عملَ خالد فإياك وعبية الجاهلية فإن الله يبغضها ويبغض أهلها ، وإذا قدمتَ على جندك فأحسِن صحبتَهم ، وابدأهم بالخير، وعِدْهم إياه ، وإذا وعظتَهم فأوجز، فإنّ كثير الكلام يُنْسِي بعضه بعضاً، وأصلِح نفسك يصلحُ لك الناس ، وَصِّلِ الصلوات لأوقاتها بإتمام ركوعِها وسجودِها والتخشع فيها، وإذا قَدِم عليك رسلُ عدّوك فأكرِمهم ، وأقلل لُبْثَهم حتى يخرجوا مِنْ عسكرك ، وهم جاهلون به ، ولا ترينهم فيروا خللك ، ويعلموا عِلْمك ، وأنْزِلهم في ثروةِ عسكرك ، وامنع مَن قبلك من محادثتهم ، وكُنْ أنت المُتَوَلِّي لكلامهم ، ولا تجعل سرك لعلانيتك فيخلط أمرك ، وإذا استشرتَ فاصدُق الحديث تُصْدق المشورة، ولا تخزن عن المشير خبرك فتؤتى من قبل نفسك ، واسمر بالليل فىِ أصحابك تأتِك الأخبار، وتنكشف عندك الاستار، وأكثِر حرسك ، وبددهم في عسكرك وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك ، فمن وجدته غفل عن محرسه فأحسن أدبه ، وعاقبه في غير إفراط ، وأعقب بينهم بالليل ، واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة فإنها أيسرهما لقربها من النهار، ولا تخف من عقوبة المستحق ، ولا تَلِجَّنَّ (1) فيها، ولا تسرع إليها ولا تخذلها مدفعاً..ولا تغفل عن أهل عسكرك..فتفسده ، ولا تجسس عليهم فتفضحهم ولا تكشف الناس عن أسرارهم ، واكتف بعلانيتهم ، ولا تجالس العباثين وجالس أهل الصدق ، والوفاء، وأصدق اللقاء ولا تجبن فيجبن الناس ، واجتنب الغلول فإنه يقرّب الفقر، ويدفع النصر..وستجدون أقواماً حبسوا أنفسهم في الصوامع..فدعهم وما حبسوا أنفسهم له..وهذه من أحسن الوصايا، وأكثرها نفعاً لولاة الأمر..ثم إنّ أبا بكر استعمل أباعبيدة بن الجراح على من اجتمع وأمره بحِمْص ، وسار أبو عبيدة على باب من البلقاء..فقاتله أهله ثم صالحوه فكان أول صلح في الشام ، واجتمع للروم جمع بالعربة من أرض فلسطين فوجَّه إليهم يزيد بن أبي سفيان أبا أمَامة الباهلي فهزمهم ، فكان أول قتال بالشام بعد سرية أسامة بن زيد. ثم أتوا الذَاثِن (2) فهزمهم أبو أمامة أيضاً، ثم مَرْج الصفر استشهد فيها ابن لخالد بن سعيد، وقيل:استشهد فيها خالد أيضاً، وقيل:بل سلم وانهزم على ما نذكره. وذلك أنه لمّا سمع توجيه الأمراء بالجنود بادر لقتال الروم فاستطرد له باهان فاتّبعه خالد ومعه ذو الكلاع ، وعكرمة، والوليد فنزل مرج الصفر فاجتمعت عليه مسالح باهان ، وأخذوا الطرق ، وخرج باهان فرأي ابن خالد بن سعيد فقتله ، ومن معه فسمع خالد فانهزم فوصل في هزيمته إلى ذي المروة قريب المدينة..فأمره أبو بكر بالمقام بها ، وبقي عكرمة في الناس ردءاً للمسلمين يمنع من يطلبهم ، وكان قد قدم شرحبيل بن حَسَنة من عند خالد بن الوليد إلى أبي بكر وافداً فأمره أبو بكر بالشام ، وندب معه الناس واستعمله على عمل الوليد بن عقبة فأتى شرحبيل على خالد بن سعيد ففصل عنه بعض أصحابه واجتمع إلى أبي بكر ناسٌ فأرسلهم مع معاوية بن أبي سفيان ، وأمره باللحاق بأخيه يزيد، فلما مر بخالد فصل عنه بباقي أصحابه فأذن أبو بكر لخالد بدخول المدينة فلما وصل الأمراء إلى الشام نزل أبو عبيدة الجابية،(1) ونزل يزيد البلقاء(2) ونزل شرحبيل الأردُنّ - وقيل:بُصْرَي - ونزل عمرو بن العاص العربة فبلغ الروم ذلك فكتبوا !لى هرقل - وكان بالقدس - فقال:" أرى أن تصالحوا المسلمين ، فوالله لأن تصالحوهم على نصف ما يحصل من الشام ويبقى لكم نصفه مع بلاد الروم أحبّ إليكم من أنْ يغلبوكم على الشام ونصف بلاد الروم " فتفرقوا عنه وعَصَوه فجمعهم وسار بهم إلى حمص فنزلها ، وأعدّ الجنود والعساكر وأراد إشغال كُل طائفةً من المسلمين بطائفةٍ من عسكره لكثرة جنده لتضعف كل فرقة من المسلمين عمن بإزائها، فأرسل تذارق أخاه لأبيه وأمه في تسعين ألفاً إلى عمرو، وأرسل جرجة بن توذر إلى يزيد بن أبي سفيان ، وبعث القيقار بن نسطوس في ستين ألفاً إلى أبي عبيدة بن الجراح ، وبعث الدراقص نحو شرحبيل فهابهم المسلمون ، وكاتبوا عمراً ما الرأي ؟ فأجابهم:إن الرأي لمثلنا الاجتماع ، فإنّ مثلنا إذا اجتمعنا لا نُغْلَب من قلة، فإن تفرقنا لا تقوم كل فرقة لمن استقبلها لكثرة عدونا..وكتبوا إلى أبى بكر فأجابهم مثل جواب عمرو، وقال:إنّ مِثْلَكم لا يؤتى من قلة ،وإنما يؤتى العشرة آلاف من الذنوب ، فاحترسوا منها..فاجتمعوا "باليرموك " متساندين ، وليصلّ كل واحد منكم باصحابه..فاجتمع المسلمون باليرموك (3)والروم أيضاً ، وعليهم التذارق ، وعلى المقدمة جرجة ، وعلى المجنبة باهان ، ولم يكن وصل بعد إليهم ، والدراقص على الأخرى وعلى الحرب القيقار..فنزل الروم وصار الوادي خندقاً لهم وإنما أرادوا أنْ يتأنس الروم بالمسلمين لترجع إليهم قلوبهم ، ونزل المسلمون على طريقهم ليس للروم طريق إلا عليهم ، فقال عمرو: "أبشروا حُصِرَتْ الروم ، وقَلَّ ماجاء محصورٌ بخير" وأقاموا صَفَراً عليهم وشهري ربيع لا يقدرون منهم على شيء من الوادي ، والخندق ، ولا يخرج الروم خرجة إلا أديل عليهم المسلمون. ذكر مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشام لما رأي المسلمون مطاولة الروم استمدوا أبا بكر، فكتب إِلى خالد بن الوليد يأمره بالمسير إليهم ، والحث ، وأن يأخذ نصف الناس ، ويستخلف على النصف الأخر المُثَنَّى بن حارثة(1) الشيباني ، ولا يأخذن مَنْ فِيهِ نجدة إلا ويترك عند المثنى مثله ، وإذا فتح الله عليهم رجع خالد وأصحابه إلى العراق فاستأثر خالد بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على المثنى، وترك للمثنى عدادهم من أهل القناعة مَنْ ليس له صُحْبة، ثم قَسًم الجُنْد نصفين فقال المثنى:" والله لا أقيم إلا على إنفاذ أمر أبي بكر كله في استصحاب نصف الصحابة أو بعض النصف وبالله ما أرجو النصر إلّا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإني تعريني عنهم م..فلما رأي خالد ذلك أرضاه ومض لوجهه وشيعه المثنى إلى قراقر(2)، ثم رجع إلى الحيرة في المحرم.." وقيل:سار من العراق تسعة آلاف ، وقيل:في ستة آلاف ، وقيل:إنما أمره أبو بكر أن يأخذ أهل القوة والنجدة فأتى حدوداء فقاتله أهلها فظفر بهم وأتى المصيّخ وبه جمع من تغلب فقاتلهم وظفر بهم وسبى وغنم ، وكان من السبي "الصهباء بنت حبيب بن بجير"، وهي أم عمر بن علي بن أبي طالب -وقيل:في أمرها ما تقدم -، وقيل:سار خالد فلما وصل إلى قراقر – وهو ماء لكلب - أغار على أهلها وأراد أنْ يسير عنهم مفؤَزاً(3) إلى سُوى وهو ماء لبهراء بينهما خمس ليال فلم يهتد فالتمس دليلاً فدُلّ على رافع بن عَميرة الطائى فقال له في ذلك فقال له رافع:إنك لن تطيق ذلك بالخيل والأثقال ، فوالله إن الراكب المفرد يخافه على نفسه وما يسلكها إلا مغروراً إنها لخمس جياد لا يصاب فيها ماء مع مضلتها..فقال خالد ويحكأنه لا بد لي من ذلك لأخرج من وراء جموع الروم لئلا تحبسني عن غياث المسلمين..فأمر صاحب كل جماعة أنْ يأخذ الماء للشعبة لخمس ، وأنْ يعطّش من الابل الشرف (1) ما يكتفي به ثم يسقوها عللاً بعد نهل (2)، والعلل الشربة الثانية، والنهل الأولى ، ثم يصرُّوا آذان الابل ويشدوا مشافرها لئلا تجتر، ثم ركبوا من قراقر، فلما ساروا يوماً وليلة شقوا لعدة من الخيل بطون عشرة من الابل فمزجوا ماءً في كروشها بما كان من الإلبان وسقوا الخيل ، ففعلوا ذلك أربعة أيام ، فلما خشي خالد على أصحابه في آخر يوم من المفازة قال لرافع بن عَمِيْرة:يا رافع ما عندك ؟ قال:أدركت الرِّقيَ إنْ شاء اللهّ..فلما دنا من العلمين قال للناس:انظروا هل ترون شجرة عَوْسَج كقعدة الرجل ؟ فقالوا:ما نراها، فقال:إنا لله وإنّا إليه راجعون..هلكتم والله وهلكتُ معكم - وكان أرمد فقال لهم:انظروا ويحكم..فنظروا فرأوها قد قُطِعَت وبقيِ منها بقية، فلما رأوها كبّروا ، فقال رافع:احفروا في أصلها فحفروا واستخرجوا عينا فشربوا حتى روي الناس فاتصلت بعد ذلك لخالد المنازل..فقال رافع:والله ما وردتُ هذا الماء قط إلا مرة واحدة مع أبي وأنا غلام ، فقال شاعرٌ من المسلمين : لله عينا رافع أنى اهتدى فوّز من قُراقِر إِلى سِوى خمساً إذا ما ساره الجيش بكى ما سارها قبلك إنسى يرى فلما انتهى خالد إلى سُوى أغار على أهلها وهم بهراء (قبيل الصبح) وهم يشربون الخمر (في جفنة قد اجتمعوا إليها) ومغنيهم يقول : ألا عللاني قبل جيش أبي بكر لعل منايانا قريبٌ ولا ندري ألا عللاني بالزجاج وكررا على كميت اللون صافية تجري ألا علللاني من سلافة قهوة تسلى هموم النفس من جيد الخمر أظن خيول المسلمين وخالداً ستطرقكم قبل الصباح مع النسر فهل لكمُ في السير قبل قتالكم وقبل خروج المعصرات من الخدر فقتل المسلمون مغنيهم وسال دمه في تلك الجفنة، وأخذوا أموالهم ، وقتل حرقوص بن النعمان البهراني ثم أتى أرَك فصالحوه..ثم أتى تَدْمًر فتحصن أهلها ثم - صالحوه ، ثم أتى القريتين..فقاتلهم فظفر بهم ، وغنم ، وأتى حوارين فقاتل أهلها فهزمهم وقتل وسبى، وأتى قصم فصالحه بنو مشجعة من قضاعة، وسار فوصل إلى ثنية العقاب عند دمشق ناشراً رايته وهي راية سوداء، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى" العقاب " - وقيل:كانت رايته تسمى العقاب فسميت الثنية بها ، والأول أصح -، ثم سار فأتى مزج راهط فأغار على غسان في يوم فِصْحِهم (1) فقتل وسبى وأرسل سرية إلى كنيسة بالغوطة فقتلوا الرجال ، وسبوا النساء، وساقوا العيال إلى خالد، ثم سار حتى وصل إلى بُصْرَي فقاتل مَن بها فظفر بهم ، وصالحهم..فكانت بصرى أول مدينة فتحت بالشام..على يد خالد ، وأهل العراق ، وبعث بالأخماس إلى أبي بكر..ثم سار فطلع على المسلمين في ربيع الآخر، وطلع باهان على الروم ، ومعه الشمامسة ، والقسيسون ، والرهبان يحرضون الروم على القتال ، وخرج باهان كالمعتذر فولى خالد قتاله ، وقاتل الأمراءُ مَنْ بازَائِهِم ، ورجع باهان والروم إلى خندقهم وقد نال منهم المسلمون. ذكر وقعة اليرموك فلما تكامل جمع المسلمين باليرموك ، وكانوا سبعة وعشرين ألفاً ، وقدم خالد في تسعة آلاف فصاروا ستة وثلاثين ألفاً سِوَى عكرمة فإنه كان ردءاً لهم ، وقيل:بل.كانوا سبعة وعشرين ألفاً وثلاثة آلاف من فلال خالد بن سعيد، وعشرة آلاف مع خالد بن الوليد فصاروا أربعين ألفاً سوى ستة آلاف مع عكرمة بن أبي جهل ، وكان فيهم ألف صحابي منهم نحو مائة ممن شهد بدراً، وكان الروم في مائتي ألف وأربعين ألف مقاتل ، منهم ثمانون ألف مُقَيد، وأربعون ألف مسلسل للموت ، وأربعون ألفاً مربوطون بالعمائم لئلا يَفِرُّوا ، وثمانون ألف راجل ، وكان قتال المسلمين لهم على تساند، كل أمير على أصحابه لا يجمعهم أحد حتى قدم خالد بن الوليد من العراق ، وكان القسيسون ، والرهيان ، يحرضون الروم شهراً، ثم خرجوا إلى القتال الذي لم يكن بعده في جمادي الآخرة، فلما أحس المسلمون بخروجهم أرادوا الخروج متساندين ، فسار فيهم خالد بن الوليد..فحمد الله وأثنى عليه ثم.قال ! إن هذا يومٌ من أيام الله لا ينبغي فيه الفَخْر، ولا البَغْي أخلِصوا جهادكم وأرضوا الله بعملكم ، فإنَّ هذا يومٌ له ما بعده ، ولا تقاتلوا قوماً على..نظام وتعبية، وأنتم متساندون ، فإن ذلك لا يحلّ ولا ينبغي ، وإنّ مَنْ وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنّه رأي من واليكم ومحبته " قالوا:هات فما الرأي " قال:إن أبا بكر لم يبعثنا إلا وهو يرى.أنّا سنتياسر، ولو علم بالذي كان ويكون لما جمعكم إنّ الذي أنتم فيه أشد على المسلمين..مما قد غشيهم وأنفع للمشركين من أمدادهم ، ولقد علمتُ أن الدنيا فرقت بينكم..فالله الله فقد أفرد كل رجلٌ منكم ببلد لا ينتقصه منه إنْ دان للأمراء ولا يزيده عليه أن دانوا له؛ إنّ تأمير بعضكم لا ينتقصكم عند الله ولا عند خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم هلموا فإنّ هؤلاء قد تهيأوا وإنّ هذا يومٌ له ما بعده إن رددناهم إلى خندقهم اليوم لم نزل نردهم ، وإنْ هزمونا لم نفلح بعدها فهلموا فلنتعاور الِإمارة ، فليكن بعضنا اليوم والآخر غداً والآخر بعد غد حتى تتأمروا كلكم ودعوني أتأمر اليوم..فأمروه (1) وهم يرون أنها كخرجاتهم وأنّ الأمر لا يطول..فخرجت الروم في تعبية لم ير الراؤون مثلها قط ،وخرج خالد في تعبية لم تعبها العرب قبل ذلك ، فخرج في ستة وثلاثين كردوساً(2) إلى الأربعين ، وقال:إن عدوكم كثير، وليس تعبية أكثر في رأي العين من الكراديس فجعل القلب كراديس وأقام فيه أبا عبيدة، وجعل الميمنة كراديس وعليها عمرو بن العاص وشرحبيل بن حَسَنة، وجعل الميسرة كراديس ، وعليها يزيد بن أبي سفيان ، وكان على كردوس من كراديس أهل العراق القعقاع بن عمرو، وجعل على كل كردوس رجلًا من الشجعان..وكان القاضي أبو الدرداء ، وكان القاص أبو سفيان بن حرب ، (1) وعلى الطلائع قباث بن أشيم ، وعلى الأقباض عبدالله بن مسعود وقال رجل لخالد: ما أكثرَ الروم ، وأقلَّ! المسلمين ! فقال خالد:ما أكثر المسلمين ، وأقل الروم إنما تَكْثُرُ الجنود بالنصر، وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال ، والله لوددتُ أن الأشقر-يعني فرسه - براء من توَجيه وأنهم أضعفوا في العدد، وكان قد حفى في مسيره فأمر خالد عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرووكانا على مجنبتي القلب فانشبا القتال..والتحم الناس ، وتطارد الفرسان وتقاتَلوا فإذ هم على ذلك قدم البريد من المدينة واسمه محمية بن زنيم وأخذته الخيول فسألوه الخبر فأخبرهم بسلامة وإمداد ، وإنما جاء بموت أبي بكر وتأمير أبي عبيدة، فبلغوه خالداً فأخبره خبر أبي بكر سراً ، وأخبره بالذي أخبر به الجند..قال أحسنت فقف وأخذ الكتاب وجعله في كنانته وخاف إنْ هو أظهر ذلك أنْ ينتشر له أمرُ الجند. وخرج جرجة(2) إلى بين الصفين ، وطلب خالداً فخرج إليه وأقام أبا عبيدة مكانه ؛ فواقفه بين الصفين حتى اختلفت أعناق دابتيهما، فأمن كل واحد منهما صاحبه فقال جرجة:يا خالد أصدُقني ولا تكذبني فإن الحرَّ لا يكذب ، ولا تخادعني ، فإنّ الكريم لا يخادع المسترسل :هل أنزل اللّهُ على نبيكمِ سيفاً من السماء فأعطاكه فلا تسله على قومِ إلا هزمتهم ؟ قال:لا..قال:ففيم سُمِّيْت سيفَ الله ، فقال له:إنّ الله بعث فينا نبيه صلى الله عليه وسلم فكنتُ فيمن كذبه وقاتله ، ثم إنّ الله هداني فتابعته فقال:أنتَ سيفُ الله سَلّه اللّهُ على المشركين ودعا لي بالنصر، قال:فأخبرني إلى ما تدعوني ؟ قال خالد:إلى الاسلام ، أو الجزية ، أو الحرب..قال:فما منزلة الذي يجيبكم ، ويدخل فيكم..قال:منزلتُنا واحدة، قال:فهل له مثلكم من الأجر والذخر؟ قال:نعم وأفضل لأنّنا اتبعنا نبينا، وهو حي يخبرنا بالغيب ، ونرى منه العجائب والآيات ، وحُقَّ لمن رأى مارأينا وسمع ما سمعنا أنْ يُسلم ، وأنتم لم تروا مثلنا ولم تسمعوا مثلنا فمن دخل بنيةٍ وصدقٍ كان أفضل منا..فقلب جرجة ترْسَه ، ومال مع خالد، وأسلم ، وعلَّمه الاسلام ، واغتسل ، وصلى ركعتين ، ثم خرج مع خالد فقاتل الروم..وحملت الرومُ حملةً أزالوا المسلمين عن مواقفهم إلى المحامية، وعليهم عكرمة، وعمه الحارث بن هشام ، فقال عكرمة يومئذ قاتلت مع النبي صلى الله عليه وسلم في كل موطن ثم أفز اليوم ! ثم نادي:مَنْ يبايع على الموت ؟ فبايعه الحارث بن هشام ، وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين ، وفرسانهم ، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعاً جراحاً، فمنهم مَنْ برأ ومنهم من قتل..وقاتل خالد، وجرجة قتالاً شديداً فقُتل جرجة عند آخر النهار وصلى الناسُ الظهرَ والعصرَ، إيماءً وتضعضع الروم ، ونهد خالد بالقلب حتى كان بين خيلهم ، ورجلهم ، فانهزم الفرسان وتركوا الرجالة..ولما رأى المسلمون خيل الروم ، قد توجهت للمهرب أفرجوا لها فتفرقت ، وقتل الرجالة ، واقتحموا في خندقهم ، فاقتحمه عليهم ، وهوي فيها المقترنون وغيرهم ثمانون ألفاً من المقترنين ، وأربعون ألف مطلق سوي مَنْ قُتِلَ في المعركة. وتجلل القيقار، وجماعة من أشراف الروم برانسهم وجلسوا وقالوا:لا نحبُّ أنْ نرى يوم السوء إذ لم نستطع أن نرى يوم السرور وإذ لم نستطع أنْ نمنع النصرانية فقتلوا متزملين ، ودخل خالد الخندق ، ونزل في رواق تذارق ، فلما أصبحوا أتى خالد بعكرمة بن أبي جهل جريحاً فوضع رأسه على فخذه ، وبعمرو بن عكرمة فجعل رأسه على ساقه ، ومسح وجوههما، وقطر في حلوقهما الماء، وقال:زعم ابن حنتمة يعني عمر أنّا لا نستشهد..وقاتل النساء ذلك اليوم وأبلوا..قال عبدالله بن الزبير: كنتُ مع أبي باليرموك وأنا صبى لا أقاتل فلما اقتتل الناسُ نظرتُ إلى ناسٍ على تل..لا يقاتلون ، فركبت وذهبت إليهم ، وإذا أبو سفيان بن حرب ، ومشيخة من قريش من مًهَاجِرَة الفتح فرأوني حَدَثاً فلم يتقوني..قال:فجعلوا والله إذا مالت المسلمون ، وركبتهم الروم يقولون:" إيه بني الأصفر " ، فإذا مالت الروم ، وركبتهم المسلمون قال:" ويح بنىِ الأصفر " فلما هزم الله الروم أخبرتُ أبي ، فضحك فقال:قاتلهم الله أبو إلاضغنا، لنحن خيرٌ لهم من الروم..وفي اليرموك أصيْبت عينُ أبي سفيان بن حرب ، ولما انهزمت الروم كان هرقل بحمص فنادى بالرحيل عنها قريباً، وجعلها بينه وبين المسلمين وأمّر عليها أميراً كما أمّر على دمشق ، وكان من أصيب من المسلمين ثلاثة آلاف منهم عكرمة، وابنه عمرو، وسلمة بن هشام ، وعمرو بن سعيد، وأبان بن سعيد، وجُنْدَب بن عمرو، والطفيل بن عمرو، وطليب بن عمير، وهشام بن العاص ، وعَياش بن أبي ربيعة وفيها قتل سعيد بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي - وهو من مهاجرة الحبشة ، وفيها قتل نعيم بن عبدالله النحام العدوي عدي قريش - وكان إسلامه قبل عمر-، وفيها قتل النضير بن الحارث بن علقمة – وهو قديم الاسلام والهجرة، وهو أخو النضر الذي قتل ببدر كافراً - وقتل فيها أبو الروم بن عمير بن هاشم العبدري - أخو مصعب بن عمير وهو من مهاجرة الحبشة شهد أحداً..وقيل:قتلوا يوم أجنادين والله أعلم. ذكر حال المثنى بن حارثة بالعراق وأما المثنى بن حارثة الشيباني فإنه لما وَدّع خالد بن الوليد، وسار خالد إلى الشام فيمن معه بالجند أقام بالحيرة ، ووضع المسلحة ، وأذكى العيون واستقام أمرُ فارس بعد مسير خالد من الحيرة بقليل ، وذلك سنة ثلاث عشرة على شهرياز بن أردشير بن شهريار(1) سابور فوجّه إلى المثنى جنداً عظيماً عليهم هرمز جاذويه في عشرة آلاف ومعه فيل ، وكتبت المسالح إلى المثنَى بإقباله، فخرج المثنى من الحيرة نحوه وضم إليه المسالح ، وجعل على مجنبتيه المعنى ومسعود أخواه فأقام ببابل ، وأقبل هرمز نحوه ، وكتب كسري شهربراز إلى المثنى كتاباً: إنّي قد بعثتُ إليكم جنداً من وحش أهل فارس إنما هم رعاء الدجاج والخنازير، ولست أقاتلك إلّا بهم " ، فكتب إليه المثنَّى:إنما أنت أحدُ رجلين:إمّا باغٍ فذلك شرٌ لك وخيرٌ لنا، وإمّا كاذب فاعظم الكاذبين عقوبة وفضيحة عند الله وعند الناس الملوك ، وأما الذي يدخلنا عليه الرأي فإنّكم إنما اضطررتم (2) إليهم ، فالحمد لله الذي رَدَّ كيدكم إلى رعاة الدجاج والخنازير "..فجزع الفرس من كتابه وقالوا:إنما أتى شهربراز من شؤم مولده ، ولؤم.منشئه..وقالوا:جرأتَ علينا عدونا بالذي كتبتَ به إليهم ، فإذا كاتبت أحداً فاستشرْ..فالتقى المثنى وهرمز ببابل فاقتتلوا بعدوة الصراة الدنيا على الطريق الأول قتالاً شديداً ؛ وكان فيلُهم يفرق المسلمين ، فانتدب له المثنى ومعه ناس فقتلوه وانهزم الفرس ، وتبعهم المسلمون إلى المدائن يقتلونهم ومات شهربراز لمّا انهزم هرمز جاذويه ، واختلف أهلُ فارس ، وبقيَ ما دون دجلة بيد المثنى..ثم اجتمعت الفرس على دخت زنان ابنة كسرى فلم ينفذ لها أمر وخلعت ومَلَك سابور بن شهربراز فلما ملك قام بأمره الفرخزاد بن البنذوان فسأله أنْ يزوّجه آزرميدخت بنت كسرى فأجابه فغضبت آزرميدخت وقالت:يا بن عم أتزوجني عبدي ؟ قال:استحي من هذا الكلام ، ولا تعيديه علي فإنه زوجك..فأرسلت إلى سياوخش الرازي – وكان من فتاك الأعاجم – فشكت إليه ، فقال لها:إنْ كنتِ كارهة لهذا فلا تعاوديه فيه وأرسلي إليه فليأتِك وأنا أكفيكه..فأرسلت إليه واستعدّ سياوخش فلما كان ليلة العُرس أقبل الفرخزاد حتّى دخل فثار به سياوخش فقتله ، وقصدت آزرميدخت ومعها سياوخش سابور فحصروه ، ثم قتلوه ، وملكت آزرميدخت ، ثم تشاغلوا بذلك..وأبطأ خبر أبي بكر على المثنَى، فاستخلف على المسلمين بشير بن الخَصَاصِيَة، ووضع مكانه في المسالح سعيد بن مرة العجلي، وسار إلى المدينة الى أبي بكر ليخبرَه خبر المشركين ، ويستأذنه في الاستعانة بمن حسنتْ توبته من المرتدين فإنهم أنشط إلى القتال من غيرهم ، فقدِم المدينة وأبو بكر مريض قد أشفى فأخبره الخبر، فاستدعى عمر وقال له:" اسمع يا عمر ما أقول لك ثم اعمل به:إنَي لأرجو أنْ أموتَ يومي هذا، فإذا مِتُّ فلا تُمْسِيَنَ حتى تندب الناس مع المثنى وإنْ تأخرتُ إلى الليل ، فلا تصبحنّي حتى تندب الناس مع المثنى، ولا تشغلنَّكُم مصيبة وإنْ عظمت عن أمر دينكم ووصية ربكم ، فقد رأيتني متوفَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما صنعتُ - وما أصيب الخلقُ بمثله - وإذا فتح الله على أهل الشام فاردُدْ أهلَ العراق إلى العراق فإنهم أهله ، وولاةُ أمرهِ ، وأهل الضراوة بهم والجراءة عليهم " ومات أبو بكر ليلاً، فدفنه عمر، ونَدَبَ الناسَ مع المثنَى ، وقال عمر:" قد علم أبو بكر أنه يسؤوني أنْ أؤمِّر خالداً فلهذا أمرني أنْ أرُد أصحاب خالد، وترك ذكره معهم " وإلى آزرميدخت انتهى شأنُ أبي بكر..فهذا حديث العراق إلى آخر أيام أبي بكر رضي الله عنه. ذكر وقعة أجنادِيْن قد ذكرها أبو جعفر عقيب وقعة اليرموك ، وروي خبرها عن ابن اسحاق من اجتماع الأمراء ومسير خالد بن الوليد مِن العراق إلى الشام نحو ما تقدم ، وقال:فسار خالد من مرج راهط إلى بُصْرَي - وعليها أبو عبيدة بن الجراح ، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان - فاجتمعوا عليها فرابطوها، فصالحهم أهلُها على الجزية، فكانت أول مدينة فتحت بالشام في خلافة أبي بكر، ثم ساروا جميعاً إلى فلسطين مدداً لعمرو بن العاص ، وهو مقيم بالعربات مِنْ غور فلسطين ، واجتمعت الروم بأجنادين ، وعليهم " تذارق " أخو هرقل لأبويه - وقيل:كان على الروم " القبقلار " - وأجنادين بين الرملة وبيت جبرين من أرض فلسطين ، وسار عمرو بن العاص حين سمعِ بالمسلمين فلقيهم ، ونزلوا بأجنادين وعسكروا عليهم ، فبعث القبقلار رجلًا عربياَ إلى المسلمين يأتيه بخبرهم؛ فدخل فيهم وأقام يوماً وليلة، ثم عاد إليه فقال:ما وراءك ؟ فقال:بالليل رهبان ، وبالنهار فرسان ، ولو سرق ابنُ ملكهم قطعوه ، ولو زنى رجم لإِقامة الحق فيهم..فقال:"إنْ كنتَ صدقتني لبطنُ الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها..ولوددتُ أنّ حظي من الله أنْ يخلي بيني وبينهم فلا ينصرني عليهم ، ولا ينصرهم على..والتقوا يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادي الأولى سنة ثلاث عشرة فظهر المسلمون وهزم المشركون وقتل القبقلار وتذارق (1) ، واستشهد رجال من المسلمين ،منهم سلمة بن هشام بن المغيرة، وهبار بن الأسود، ونعيم بن عبدالله النحام ، وهشام بن العاص بن وائل - وقيل:بل قتل باليرموك -وجماعة غيرهم..قال:ثم جَمَعَ هِرَقل للمسلمين فالتقوا باليرموك ، وجاءهم خبر وفاة أبي بكر وهم متصافون وولاية أبي عبيدة، وكانت هذه الوقعة في رجب هذه سياقة الخبر وكان فيمن قتِل ضرار بن الخطاب الفهري - وله صحبة، وعمرو بن سعيد بن العاص - وهو من مهاجرة الحبشة- وقيل:قتل باليرموك..وممن قتل الفضل بن العباس - وقيل:قتل بمرج الصفر، وقيل:مات في طاعون عمواس..وفيها قتل طليب بن عمير بن وهب القرشي - وقيل:قتل ، باليرموك شهد بدراً، وهو من المهاجرين الأولين..وفيها قتل عبدالله.بن أبي جهم القرشي العدوي -وكان إسلامه يوم الفتح وفيها قتل عبدالله بن الزبير بن عبد المطلب بعد أن قتل جمعاً من الروم في المعركة -وكان عمره يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم نحو ثلاثين سنة..وفيها قتل عبدالله بن الطفيل الدوسي - وهو الملقب بذي النور، وكان من فضلاء الصحابة قديم الاسلام..
ذكر وقعة يوم فرات بادقلي (1) وفتح الحيرة الباب الاول