هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى بيت الأسرة
نرحب مجددا بجميع أعضاء بيت الأسرة ,, ويسعدنا تننشيط عضويتكم بالتواصل على جوالي بالنسبة للأعضاء ,, وعلى جوال أم عبدالله بالنسبة للأخوات ,, وبامكان الجميع التواصل معي على ايميلي aabohadi @hotmail.com ,, متمنين للجميع سنة جميلة مليئة بالحب والتواصل
ثم دخلت سنة أربع عشرة الباب الثاني (من ذاكرة التاريخ الاسلامي)
كاتب الموضوع
رسالة
ماجد قادري عضو ذهبي
نقاط : 8856 سمعة العضو : 5 الموقع : صبيا
موضوع: ثم دخلت سنة أربع عشرة الباب الثاني (من ذاكرة التاريخ الاسلامي) الجمعة أبريل 30, 2010 3:35 am
ثم دخلت سنة أربع عشرة ذكر ابتداء أمر القادسية لما اجتمع الناس إلن عمر خرج من المدينة حتى نزل على ماء يدعى " صراراً " (1) فعسكر به ولا يدري الناسُ ما يريد أيسير أم يقيم ؟ وكانوا إذا أرادوا أن يسألوه عن شيءٍ رَمَوهُ بعثمان ، أو بعبد الرحمن بن عوف فإن لم يقدر هذان على عِلم شيءٍ مما يريدون ثلثوا بالعباس بن عبد المطلب ، فسأله عثمان عن سبب حركته فأحضر الناس فأعلمهم الخبر واستشارهم في المسير إلى العراق ، فقال العامةُ:سِرْ وسر بنا معك ، فدخل معهم في رأيهم ، وكره أنْ يَدَعهم حتى يخرجهم منه في رفق، وقال:اغدوا واستعدوا فإني سائر إلا أن يجيئ رأيٌ هو أمثل من هذا..ثم جمع وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلام العرب، وأرسل إلى علي ،وكان استخلفه على المدينة فأتاه ، وإلى طلحة وكان على المقدمة فرجع إليه ، وإلى الزبير، وعبد الرحمن وكان على المجنبتين فحضرا ، ثم استشارهم فاجتمعوا على أنْ يبعث رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقيم ويرميه بالجنود فإنْ كان الذي يشتهي فهو الفتح وإلاّ أعاد رجلاً وبعث آخر ففي ذلك غيظٌ العدوّ..فجمع عمر الناس ، وقال لهم:إنّي كنتُ عزمتُ على المسير حتى صرفني ذوو الرأي منكم ، وقد رأيتُ أنْ أقيم وأبعث رجلًا فأشيروا عليّ برجل ، وكان سعد بن أبي وقاص على صدقات هوازن فكتب إليه عمر بانتخاب ذوي الرأي والنجدة والسلاح فجاءه كتاب سعد وعمر يستشير الناس فيمن يبعثه يقول:قد انتخبتُ لك ألف فارس كلهم له نجدة ورأي ، وصاحب حيطة يحوط حريم قومه أ ويمنع ذمارهم، إليهم انتهت احسابهم ورأيهم ، فلما وصل كتابه وافق مشورتهم قالوا لعمر:قد وجدته..قال:من هو؟ قالوا:الأسد عادياً سعد بن مالك (1)..فانتهى إلى قولهم وأحضره وأمّره على حرب العراق ووصاه وقال:" لا يغرنك من الله أنْ قيل:خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّ الله لا يمحو الحسن بالسيء ولكنه يمحو السيء بالحسن ، وليس بين الله وبين أحد نسب إلا طاعته ، فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء ، ؛ الله ربهم وهم عباده ، يتفاضلون بالعافية ، ويدركون ما عنده بالطاعة فانظر الأمر الذي رأيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزمه فالزمه " ووصاه بالصبر..وسرحه فيمن اجتمع اليه من نفر المسلمين وهو أربعة آلاف فيهم حُميضة بن النعمان بن حميضة على بارق ، وعمرو بن معد يكرب ، وأبو سبرة بن ذؤيب على مذحج ، ويزيد بن الحارث الصدائي على صداء، وحبيب ، ومسيلمة، وبشر بن عبدالله الهلالي في قيس عيلان..وخرج إليهم عمر فمر بفتية من السكون مع حصين بن نمير ومعاوية بن خديج دلم سباط (2) فأعرض عنهم فقيل له:مالك وهؤلاء؟ فقال:ما مَرّ بي قوم من العرب أكره إليّ منهم ثم أمضاهم..فكان بعد يذكرهم بالكراهة، فكان منهم سَوْدَان بن حمران قتل عثمان ، وابن ملجم قتل علياً، ومعاوية بن خديج جرد السيف في المسلمين يظهر الأخذ بثأر عثمان ، وحصين بن نمير كان أشد الناس في قتال عليّ ، ثم إن عمر أخذ يوصيهم وبعظهم ثم سَيّرهم ، وأمدّ عمر سعداً بعد خروجه بألفي يمانِيّ وألفي نَجِديّ ، وكان المثنى بن حارثة في ثمانية آلاف. وسار سعد والمثنى ينتظر قدومه فمات المثنى قبل قدوم سعد من جراح انتقضت عليه ، واستخلف على الناس بشير بن الخصاصية ، وسعد يومئذ بزرود، وقد اجتمع معه ثمانية آلاف ، وأمر عمر بني أسد أن ينزلوا على حد أرضهم بين الحزن ، والبسيطة فنزلوا في ثلاثة آلاف..وسار سعد إلى شراف فنزلها ولحقه بها الأشعث بن قيس فىِ ألف وسبعمائة من أهل اليمن..فكان جميع من شهد القادسية بضعة وثلاثين ألفاً ، وجميع من قسم عليه فيؤها نحو من ثلاثين ألفاً، ولم يكن أحد أجرأ على أهل فارس من ربيعة..فكان المسلمون يسمونهم ربيعة الأسد الى ربيعة الفرس ، وكانت العرب في جاهليتها تسمي فارس الأسد ، والروم الأسد. وجَمَعَ سعدُ مَنْ كان بالعراق من المسلمين من عسكر المثنى..فاجتمعوا بشراف فعبّأهم ، وأمّر الأمراء ، وعرّف على كل عشرة عريفاً ، وجعل على الرايات رجالاً من أهل السابقة ، وولى الحروب رجالاً على ساقتها، ومقدمتها، ورجلها، وطلائعها، ومجنباتها ولم يفصل إلا بكتاب عمر، فجعل على المقدمة زهرة بن عبدالله بن قتادة بن الحوّية فانتهى إلى العذيب - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل على الميمنة عبدالله بن المعتم -وكان من الصحابة أيضاً ، واستعمل على الميسرة شرحبيل بن السمط الكندي - وكان غلاماً شاباً وكان قد قاتل أهل الردة، وجعل خليفته خالد بنُ عرفطة- حليف بني عبد شمس ، وجعل عاصم بن عمرو التميمي على الساقة، وسواد بن مالك التميمي على الطلائع ، وسلمان بن ربيعة الباهلي على المجردة؟، وعلى الرجالة حمال بن مالك الأسدي ، وعلى الركبان عبدالله بن ذي السهمين الحنفي(1)..وجعل عمر على القضاء بينهم عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي وقسمة الفيءأيضاً ، وجعل رائدهم وداعيتهم سلمان الفارسي ، والكاتب زياد بن أبيه ، وقَدّم المعنى بن حارثة الشيباني وسلمى بنت خصفة زوجة المثنى بشراف..وكان المعني بعد موت أخيه قد سار إلى قابوس بن قابوس بن المنذر بالقادسية ،وكان قد بعثه إليها الفرس يستنفر العرب فسار إليه المعني فقتله ومن معه ورجع إلى ذي قار، وسار إلى سعد يُعلمه برأي المثنى له وللمسلمين يأمرهم أنْ يقاتلوا الفرس على حدود أرضهم على أدنى حَجَر من أرض العرب ، ولا يقاتلوهم بِعُقر دارهم ، فإنْ يُظْهِرُ اللّهُ المسلمين فلهم ما وراءهم ، ؛ وإن كانت الأخرى رجعوا إلى فئة ، ثم يكونوا أعلم بسبيلهم ، وأجرأ على أرضهم إلى أنْ يَرُد اللّهُ الكرة عليهم..فترحم سعد ومن معه على المثنى، وجعل المعني على عمله ، وأوصى بأهل بيته خيراً، ثم تزوج سعد سلمى زوج المثنى وبنى بها، وكان معه تسعة وتسعون بدرياً (1)، وثلاثمائة وبضعة عشر ممن كانت له صحبة فيما بين بيعة الرضوان إلى ما فوق ذلك ، ثلاثمائة ممن شهد الفتح ، وسبعمائة من أبناء الصحابة..وقدم على سعد وهو بشراف كتاب عمر بمثل رأي المثنى (2)..وكتب عمر أيضاً إلى أبي عبيدة ليصرف أهل العراق ، ومن اختار أن يلحق بهم إلى العراق..وكان للفرس رابطة بقصر ابن مقاتل وعليها النعمان بن قبيصة الطائي ، وهو ابن عم قبيصة بن إياس صاحب الحيرة، فلما سمع بمجيء سعد سأل عنه ، وعنده عبدالله بن سنان بن خزيم الأسدي فقيل:رجل من قريش..فقال:واللّه لأجادنه القتال ، فإن قريشاً عبيد من غَلَب ، والله لا يخرجون من بلادهم الا بخفين..فغضب عبدالله بن سنان من قوله وأمهله حتى دخل قبته فقتله ولحق بسعد وأسلم..وسار سعد من شَراف فنزل العذيب ، ثم سار حتى نزل القادسية بين العتيق..والخندق بحيال القنطرة، وقديس أسفل منها بميل ، وكتب عمر إلى سعد:" إني ألْقِيَ في روعي أنّكم إذا لقيتم العدوّ هزمتموهم فاطرحوا الشك ، وآثروا فمتى لاعب أحدُ منكم أحداً من العجم بأمان أو باشارة أو بلسان كان لا يدري الأعجمي ما كلّمه به وكان عندهم أماناً فاجروا له ذلك مجري الأمان ، وإياكم والضحك، والوفاء الوفاء فإن الخطأ بالوفاء بقية، وإن الخطأ بالغدر هلكة، وفيها وهنكم وقوة عدوكم ،وذهاب ريحكم وإقبال ريحهم..وأعلموا أنّي أحذركم أنْ تكونوا شَيْناً على المسلمين وسبباً لتوهينهم " فلما نزل زهرة في المقدمة وأمسى بعث سرية في ثلاثين معروفين بالنجدة وأمرهم بالغارة على الحيرة فلما جاروا السيلحين وقطعوا جسرها يريدون الحيرة سمعوا جلبة (1) فمكثوا حتى حاذوهم وإذا أخت ازادمرد بن ازاذبه مرزبان الحيرة تزف إلى صاحب الصِّنيَّن وهو من أشراف العجم ؛ فحمل بكير بن عبدالله الليثي أمير السرية على شيرزاد بن ازاذبه وهو بينها وبين الخيل فدق صلبه وطارت الخيل على وجوهها ، وأخذوا الأثقَال وابنة ازاذبه في ثلاثين امرأة من الدهاقين ومائة من التوابع ،ثم ومعهم ما لا يدري قيمته ، فاستاق ذلك ورجع ، فصبّح سعداً بعُذَيْب الهجانات (2)بما أفاء الله على المسلمين فكبروا تكبيرة شديدة، فقال سعد:إقسم بالله لقد كبرتم تكبيرة قوم عرفت فيهم العز فقسّم ذلك على المسلمين وتردُ الحريم بالعذيب ومعها خيل تحوطها وأمّر عليهم غالب بن عبدالله الليثي..ونزل سعد القادسية وأقام بها شهراً لم يأته من الفرس أحد فأرسل سعد عاصم بن عمرو إلى ميسان فطلب غنماً أو بقراً فلم يقدر عليها وتحصن منه مَن هناك فأصاب عاصم رجلاً بجانب أجمة فسأله واستدله عن البقر والغنم فقال:ما أعلم..فصاح ثور من الأجمة كذب عدو الله وها نحن أولاء..فدخل فاستاق البقر فأتى بها العسكر فقسّمه سعد على الناس فأخصبوا أياماً. فبلغ ذلك الحجاج في زمانه فأرسل إلى جماعة فسألهم فشهدوا أنهم سمعوا ذلك وشاهدوه فقال:كذبتم..قالوا:ذلك إنْ كنتَ شهدتها وغبنا عنها..قال:صدقتم ، فما كان الناس يقولون في ذلك..قالوا آيةُ تبشير يستدل بها على رضا اللهّ وفتح عدونا..فقال:ما يكون هذا إلا والجمع أبرار أتقياء..قالوا:والله ما ندري ما أجنتَ قلوبهم فأما ما رأينا فما رأينا قوماً قط أزهد في دنيا منهم ولا أشد بغْضاً لها ليس فيهم جبان ، ولا،غالّ ، ولا غدار..وذلك يوم الأباقر. وبث سعد الغارات والنهب بين كسكر والأنبار فحووا من الأطعمة ما استكفوا به زماناً..وكان بين نزول خالد بن الوليد العراق وبين نزول سعد القادسية والفراغ منها سنتان وشيء ، وكان مقام سعد بالقادسية شهرين وشيئاً حتى ظفر فاستغاث أهلُ السواد إلى يزدجرد وأعلموه أنّ العرب قد نزلوا القادسية ولا يبقى على فعلهم شيء وقد أخربوا ما بينهم وبين الفرات ونهبوا الدوابّ والأطعمة وإنْ ابطأ عنا الغياث أعطيناهم بأيدينا، وكتب إليه بذلك الذين لهم الضياع بالطف وهيجوه على إرسال الجنود..فأرسل يزدجرد إلى رستم فدخل عليه فقال:" إنِّي أريد أنْ أوَجًهَكَ في هذا الوجه وإنما يعد للأمور على قدرها فأنت رجل فارس اليوم وقد ترى ما حل بالفرس مما لم يأتهم مثله "فاظهر له الاجابة ثم قال له:" دعني فإن العرب لا تزال تهاب العجم ما لم تضرهم بي (1) ، ولعل الدولة أن تثبت بي إذا لم أحضر الحرب فيكون الله قد كفن ونكون قد أصبنا المكيدة، والرأي في الحرب أنفع من بعض الظفر، والأناة خير من العجلة، وقتال جيش بعد جيش أمثل من هزيمةٍ بمرّة وأشد على عدونا..فأبى عليه ، وأعاد رستم كلامه وقال:قد اضطرني تضييع الرأي إلى إعظام نفسي وتزكيتها ولو أجد من ذلك بدّاً لم أتكلم به فأنشدك اللهّ في نفسك ومُلكك دعني أقُمْ بعسكري واسَرِّح الجالينوس فإنْ تكن لنا فذلك وإلا بعثنا غيره حتى إذا لم نجد بُدّاً صبرنا لهم وقد وَهَّنَّاهُم ونحن حامون ، فإني لا أزال مَرْجُوّاً في أهل فارس -ما لم أهْزَمْ..فأبى إلاّ أنْ يسير، فخرج حتى ضرب عسكره بساباط ، وأرسل إلى الملك ليعفيه فأبى..وجاءت الأخبار إلى سعدٍ بذلك ، فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر:" لا يكربنك ما يأتيك عنهم ولا ما يأتونك به، واستعنْ بالله ، وتوكل عليه ، وابعثْ إليه رجالًا من أهل المناظرة ، والرأي ، والجلد يدعونه فإنّ الله جاعل دعاءهم توهيناً لهم " فأرسل سعد نفراً منهم:النعمان بن مُقرن ، وبُسْر ابن أبي رُهْم ، وحملة بن جُوّية، وحنظلة بن الربيع ، وفرات بن حيان؛ وعدي بن سهيل ، وعطارد بن حاجب ، والمغيرة بن زرارة بن النباش الأسدي ، والأشعث بن قيس ، والحارث بن حسان ، وعاصم بن عمرو، وعمرو بن معد يكرب ، والمغيرة بن شعبة، والمعني بن حارثة إلى يزدجرد دعاة ، فخرجوا من العسكر فقدِمُوا على يزدجرد وطووا رستم واستأذنوا على يزدجر فحبسوا وأحضر وزراءه ورستم معهم واستشارهم فيما يصنع بهم ويقوله لهم ، واجتمع الناس ينظرون إليهم وتحتهم خيول كلها صهال ، وعليهم البرود وبأيديهم السياط فأذِن لهم وأحضر الترجمان ، وقال له:سَلْهم ما جاء بكم وما دعاكم إلى غزونا ببلادنا؟ أمِنْ أجل أننا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا؟فقال النعمان بن مقرنَ لأصحابه:إنْ شئتم تكلمتُ عنكم ومن شاء آثرته. فقالوا:بل تكلم..فقال:" إنّ الله رحمنا فأرسل إلينا رسولاً يأمرنا بالخير وينهانا عن الشر ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة فلم يدع قبيلة إلَا وقارّبه منها فرقة، وتباعد عنه بها فرقة، ثم أمر أنْ نبتدئ إلى من خالفه من العرب فبدأنا بهم فدخلوا معه على وجهين ، مكره عليه فاغتبط ، وطائع فازداد، فعرفنا جميعاً فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق ، ثم أمرنا أنْ نبتدئ مَنْ يلينا من الأمم فندعوهم إلى الانصاف فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دِيْنٌ حَسَّنَ الحسنَ وقَبّحَ القبيحَ كله فإنْ أبيتم فأمر من الشر هو أهون من اخر شر منه:الجزية، فإنْ أبيتم فالمناجزة، فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله وأقمناكم عليه على أنْ تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم ، لانْ بذلتم الجزاء قبلنا..ومنعناكم وإلا قاتلناكم " فتكتم يزدجرد فقال:إنّي لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عدداً ولا أسوأ ذات بين منكم ، قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي فيكفوننا أمركم لا تغزوكم فارس ولا تطمعوِا أنْ تقوموا لفارس فإنْ كان غرر لحقكم (1) فلا يغرنكم منا ، وإنْ كان الجهد دعاكم فرَضْنَا لكم قُوتاً إلى خصبكم ، وأكرمنا وجوهكم ، وكسوناكم ومَلَّكْنَا عليكم ملكاً يَرْفُقْ بكم " فسكت القوم ، فقام المغيرة بن زرارة فقال:" أيها الملك إنّ هؤلاء رؤوس العرب ،ووجوههم وهم أشراف يستحيون من الأشراف ، وإنما يكرم الأشراف ويعظّم حقهم الأشراف وليس كل ما أرسلوا به قالوه ولا كل ما تكلمتَ به أجابوك عنه وقد أحسنوا ولا يحْسِنُ بمثلهم إلا ذلك فجاوبني لأكون الذي أبلغك، وهم يشهدون على ذلك لي..فأمّا ما ذكرتَ من سوء الحال فهي على ما وصفتَ وأشدّ ثم ذكر من سوء عيش العرب وإرسال اللهّ النبي صلى الله عليه وسلم إليهم نحو قول النعمان وقتال من خالفهم أو الجزية ، ثم قال له -:اختر إنْ شئتَ الجزية عن يدٍ وأنت صاغر، وإنْ شئتَ فالسيف أو تسْلم فتنجِّي نفسك ". فقال:أتستقبلني بمثل هذا..فقال:ما استقبلتُ إلا من كَلّمني ، ولو كلّمني غيرك لم أستقبلك به..فقال:لولا أنّ الرُّسُلَ لا تقتل لقتلتكم ،لاشيء لكم عندي..ثم استدعى بوِقْر(1) من تراب..فقال:احْمِلوه على أشرف هؤلاء ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن ، ارجعوا إلى صاحبكم فاعلموه أني مرسلٌ إليه رستم حتى يدفنه ويدفنكم معه في خَنْدَقِ القادسية وينكّل به وبكم، ثم أورده بلادكم حتى أشغلكم بأنفسكم بأشد مما نالكم من سابور..فقام عاصم بن عمر ليأخذ التراب ، وقال:أنا أشرفهم ، أنا سيد هؤلاء فحَمَلَه على عنقه وخرج به من الإيوان والدار إلى راحلته فركبها وأخذ التراب وقال لسعد:" أبشْر، فوالله لقد أعطانا اللّهُ أقاليد ملكهم " واشتد ذلك على جلساء الملك ، وقال الملك لرستم وقد حضر عنده من ساباط:" ما كنتُ أرى أنّ في العرب مثل هؤلاء، ما أنتم بأحسن جواباً منهم ، ولقد صدقني القوم لقد وُعِدُوا أمراً في ركنه أو ليموتُنّ عليه ، على أنِّي وجدتُ أفضلهم أحمقهم حيث حمل التراب على رأسه فخرج به. فقال رستم:" أيها الملك إنّه أعقلهم ، وتطيَّرَ إلى ذلك وأبصرها دون أصحابه..وخرج رستم من عند الملك غضبان كئيباً، وبعث في أثر الوفد وقال لثقته:" إنْ أدركهم الرسولُ تلافينا أرْضَنَا ، وإنْ أعجزوه سلبكم الله أرضكم " فرجع الرسول من الحيرة بفواتهم فقال:" ذهب القوم بأرضكم من غير شك " وكان منجماً كاهناً..وأغار سواد بن مالك التميمي بعد مسير الوفد إلى يزدجرد على النجاف والفراض فاستاق ثلاثمائة دابة من بين بغل ، وحمار، وثور وأوقرها سمكاً وصبّح العسكر فقسمه سعد بين الناس وهذا يوم الحيتان وكانت السرايا تسري لطلب اللحوم فإنّ الطعام كان كثيراً عندهم فكانوا يسمونِ الأيام بها يوم الأباقر، ويوم الحيتان ، وبعث سعد سرية أخرى فأغاروا فأصابوا إبلًا لبني تغلب والنمر واستاقوها ومن فِيّها فنحر سعد الابل وقسّمها في الناس فاخصبوا ، واغار عمرو بن الحارث على النهرين فاستاق مواشي كثيرة وعاد..وسار رستم من ساباط وجمع آلة الحرب وبعث على مقدمته الجالينوس في أربعين ألفاً، وخرج هو في ستين ألفاً، وفي ساقته عشرون ألفاً، وجعل في ميمنته الهرمزان ، وعلى الميسرة مهران بن بهرام الرازي ، وقال رستم للملك يشجعه بذلك:" إنْ فتح الله علينا توجَّهنا إلى ملكهم في دارهم حتى نشغلهم في أصلهم وبلادهم إلى أنْ يقبلوا المسالمة " وكان خروج رستم من المدائن في ستين ألف متبوع ، ومسيره عن ساباط في مائة ألف وعشرين ألف متبوع ، وقيل:غير ذلك..ولما فصل رستم عن ساباط كتب إلى أخيه البنذوان:" أمّا بعد فرموا حصونكم وأعدوا واستعدوا فكأنكم بالعرب قد وردوا بلادكم وقارعوكم عن أرضكم وأبنائكم ، وقد كان من رأيي مدافعتهم ومطاولتهم حتى تعود سعودهم نحوساً، فإنّ السمكة قد كدّرت الماء ، وإنّ النعائم قد حسنت والزهرة قد حسنت ، واعتدل الميزان ، وذهب بهرام ، ولا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون علينا، ويستولون على ما يلينا، وإنّ أشد ما رأيتُ أنّ الملك قال:" لتسيرن إليهم أو لأسيرنّ بنفسي " ولقي جابان رستم على قنطرة ساباط وكانا منجَمْين فشكى إليه وقال له:ألا ترى ما أري ؟ فقال له رستم:" أما أنا فأقاد بخَشَاش (1) وزمام ولا أجد بُدا مِنْ الانقياد " ، ثم سار فنزل بكُوْثي (2) فأتى برجل من العرب فقال له:ما جاء بكم ؟ وماذا تطلبون ؟ فقال:جئنا نطلب موعود الله بملك أرضكم وأبنائكم إنْ أبيتم أن تُسْلِموا..قال رستم:فإنْ قُتِلْتُم قبل ذلك ؟ قال:مَنْ قُتِلَ منا دخل الجنة ومَنْ بَقِيَ منا أنجزه الله ما وعده فنحن على يقين..فقال رستم:قد وُضعنا إذن في أيديكم..فقال:أعمالكم وَضَعتكم فأسلَمَكُم الله بها فلا يغرّنك من ترى حولك فإنَّك لستَ تجاول الإنس إنما تجاولُالقضاء والقدر..فاستشاط غضباً فأمر به فضربْت عنقه ، ثم سار فنزل البرس فغصب أصحابه الناس أبناءهم وأموالهم ، ووقعوا على النساء، وشربوا الخمور فضجَّ أهلها إلى رستم فقام فيهم فقال:" يا معشر فارس:والله لقد صدق العربيُّ ، والله ما أسلمنا إلا أعمالنا، والله إنّ العرب مع هؤلاء وهم لهم حرب أحسن سيرةً منكم ، إنّ الله كان ينصركم على العدو ويمكّن لكم في البلاد بحسن السيرة وكَفّ الظلم والوفاء بالعهود والإحسان ، فإذا تغيرتم فلا أرى الله إلاّ مغيراً ما بكم ، وما أنا بآمن مِنْ أنْ ينزع اللّهُ سلطانه منكم..وأتى ببعض مَنْ يشكي منه فضرب عنقه ، ثم سار حتى نزل الحيرة ودعا أهلها وتهددهم وهَمَّ بهم ، فقال له ابن بقيلة: لا تجمع علينا اثنتين أنْ تعجز عن نُصرتنا، وتلومنا على الدفع عن أنفسنا وبلادنا فسكت. ولما نزل رستم بالنجف رأي كأنّ ملكاً نزل من السماء ومعه النبي صلى الله عليه وسلم وعُمَر فأخذ الملك سلاح أهل فارس فختمه ثم دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمر، فاصبح رستم حزيناً، وأرسل سعد السرايا ورستم بالنجف ، والجالينوس بين النجف والسيلحين ، فطافت في السواد فبعث سواداً، وحميضة في مائة مائة فأغاروا على النهرين ، وبلغ رستم الخبر فأرسل إليهم خيلاً، وسمع سعد أنّ خيله قد وغلت فأرسل عاصم بن عمرو وجابراً الأسدي في آثارهم يقتصانها وسلكا طريقهما ، وقال لعاصم:" إنْ جمعكم قتالٌ فأنت عليهم "..فلقيهم عاصم بين النهرين وخيل فارس تحوشهم ليخلصوا ما بأيديهم فلما رأته الفرس هربوا ورجع المسلمون بالغنائم ، وأرسل سعد عمرو بن معد يكرب ، وطليحة الأسدي طليعة فسارا في عشرة فلم يسيروا إلا فرسخاً وبعض آخر حتى رأوا مسالحهم وسرحهم على الطفوف قد ملؤها فرجع عمرو ومن معه وأبى طليحة الا التقدم ، فقالوا له:أنت رجل في نفسك غدر ولن تفلح بعد قتل عكاشة بن محصن فارجع معنا فأبى ، فرجعوا إلى سعد فاخبروه بقُرب القوم ، ومضى طليحة حتى دخل عسكر رستم وبات فيه يجوسه ويتوسم ، فهتك أطناب بيت رجل عليه ، واقتاد فرسه ، ثم هتك على آخر بيته وحَلّ فرسه ، نم فعل بآخر كذلك ، ثم خرج يعدو به فرسه ونذر به الناس فركبوا في طلبه فأصبح وقد لَحِقَه فارس من الجند فقتله طليحة، ثم آخر فقتله ثم لحق به ثالث فرأي مصرع صاحبيه ، وهما ابنا عمه فازداد حنقاً فلحق طليحة فكرّ عليه طليحة وأسره ، ولحقه الناس فرأوا فارسي الجند قد قتلا وأسر الثالث وقد شارف طليحة عسكره فأحجموا عنه ، ودخل طليحة على سعد ومعه الفارسي وأخبره الخبر فسأل الترجمان الفارسي فطلب الأمان فأمّنه سعد قال:" أخبركم عن صاحبكم هذا قبل أنْ اخبركم عمن قِبَلي:باشرتُ الحروبوغشيتُها منذ أنا غلام إلى الآن وسمعتُ بالإبطال ولقيتُها ولم أسمع بمثل هذا ، إن رجلًا قطع فرسخين إلى عسكر فيه سبعون ألفاً يخدم الرجل منهم الخمسة والعشرة فلم يرضَ أنْ يخرج كما دخل حتى سلب فرسان الجند وهتك عليهم البيوت فطلبناه فلما أدركناه قتل الأول وهو يعد بألف فارس ثم الثاني وهو نظيره فقتله ثم أدركته أنا - ولا أظن خَلَفْتُ مِنْ بعدي مَنْ يعدلني وأنا الثائر بالقتيلين وهما ابنا عمي - فرأيتُ الموتَ واستؤسرت " ثم أخبره عن الفُرس بأنّ الجند عشرون ومائة ألف ، وأنّ الأتباع مثلهم خدم لهم ، وأسلم ولزم طليحة ، وكان من أهل البلاء بالقادسية ، وسماه سعد مسلماً..ثم سار رستم وقدم الجالينوس وذا الحاجب فنزل الجالينوس بحيال زهرة من دون القنطرة ، ونزل ذو الحاجب بطيرناباذ ، ونزل رستم بالخرارة..ثم سار رستم فنزل بالقادسية ، وكان بين مسيره من المدائن ووصوله القادسية أربعة أشهر لا يقدم رجاء أنْ يضجروا بمكانهم فينصرفوا ، وخاف أنْ يلقى ما لقي مَنْ قبله وطاولهم لولا ما جعل الملك يستعجله ينهضه..وكان عمر قد كتب إلى سعد يأمره بالصبر والمطاولة أيضاً فأعدّ للمطاولة(1) ، فلما وصل رستم القادسية وقف على العتيق بحيال عسكر سعد ، ونزل الناس فما زالوا يتلاحقون حتى اعتموا من كثرتهم والمسلمون ممسكون عنهم ، وكان مع رستم ثلاثة وثلاثون فِيْلاً منها فيل سابور الأبيض ، وكانت الفيلة تألفه فجعل في القلبَ ثمانية عشر فيلاً ، وفي المجنبتين خمسة عشر فيلاً. فلما أصبح رستم من تلك الليلة ركب وسار من العتيق نحو" خفان " حتى أتى على منقطع عسكر المسلمين ثم صد حتى انتهى إلى القنطرة فتأمل المسلمين ووقف على موضع يُشْرِفُ منه عليهم ووقف على القنطرة ، وأرسل إلى زهرة فواقفه فأراده علي أنْ يصالحه ويجعل له جُعْلاً على أنْ ينصرفوا عنه مِنْ غير أن يصرّح له بذلك بل يقول له:"كنتم جيراننا وكنا نحسن إليكم ، ونحفظكم " ، ويخبره عن صنيعهم مع العرب..فقال له زهرة:"ليس أمرنا أمر أولئك ولا طلبتنا طلبتهم، إنّا لم نأتكم لطلب الدنيا إنما طلبتنا وهِمّتنا الآخرة وقد كنا كما ذكرتَ إلى أنْ بعث الله فينا رسولاً فدعانا إلى ربه فأجبناه فقال لرسوله:اني قد سلطتُ هذه الطائفة على من لم يدن بديني فأنا منتقمٌ بهم منهم ، وأجْعَل لهم الغلبة ماداموا مقرِّين به وهو دين الحق لا يرغب عنه أحد إلّا ذل، ولا يعتصم به أحد إلّا عز..فقال له رستم:ما هو؟ قال؛ أما عموده الذي لا يصلح إلا به فشهادة أنْ لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والِإقرار بما جاء به من عند الله قال:ما أحسن هذا ؟ وأي شيء أيضاً ؟ قال ؛ وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله..قال ؛ حسنٌ وأيُ شيء أيضاً:قال:والناس بنو آدم وحواء إخوة لأب وأم قال:ما أحسن هذا ؟ ثم قال رستم:أرأيت إنْ أجبتُ إلى هذا ومعي قومي كيفً يكون أمركم ؟ أترجعون ؟ قال:أيْ والله ثم لا نقربُ بلادكم أبداً إلا في تجارة أو حاجة قال:صَدَقْتَني والله ، أما إن أهل فارس منذ ولّي أردشير لم يدعوا أحداً يخرج من عمله من السفلة ، وكانوا يقولون:إذا خرجوا من أعمالهم تعدوا طورهم وعادوا اشرافهم..فقال له زهرة:نحن خير الناس للناس فلا نستطيع أن نكون كما تقولون بل نطيع الله في السفلة ولا يضرنا من عصى الله فينا..فانصرف عنه (المراسلة بين سعد ورستم) ودعا رجال فارس فذاكرهم هذا فأنِفُوا ، فقال:أبعدكم الله وأسحقكم ، أخزي الله أخرعنا وأجبننا، فأرسل إلى سعد أن ابعث إلينا رجلاً نكلّمه ويكلّمنا. فدعا سعد جماعة ليرسلهم إليهم فقال له ربعي بن عامر: إنّ الأعاجم لهم آراء وآداب ومتى نأتهم جميعاً يَرَوا أنّا قد احتفلنا بهم فلا تَزِدْهُم على رجل. فمالَئوه جميعاً على ذلك فأرسله وحده ، فسار إليهم فحبسوه على القنطرة وأعلم رستم بمجيئه فاستشار عظماء فارس فقال:ما ترون أنباهي أم نتهاون ؟ فأجمع ملأهم على التهاون فأظهر زينته ، وجلس على سرير من ذهب ، وبسطَ البُسُط ، والنمارق ، والوسائد المسوجة بالذهب ، وأقبل ربعي على فرسه وسيفه في خِرْقَه ورمحه مشدود بعصب ،فلما انتهى إلى البُسُط قيل له:انزل فحمل فرسه عليها ونزل ، وربطها بوسادتين شقهما وأدخل الحبلَ فيهما فلم يستطيعوا أنْ ينهوَهْ وأروه التهاون وعرِفَ ما أرادوا فأراد احراجهموعليه درع وأخذ عباءة بعيره فتدرعها وشدَّها على وسَطَه بسلب فقالوا:ضع سلاحك..فقال:لم آتِكم فأضع سلاحي بأمركم ، أنتم دعوتموني فإنْ أبيتم أنْ آتيكم إلّا كما أريد وإلّا رجعتُ..فاخبروا رستم فقال:ائذنوا له هل هو إلّا رجل واحد..فأقبل يتوكأ على رمحه ويقارب خطوه ويزج النمارق والبسط فلم يدع لهم نمرقاً ولا بساطاً إلّا أفسده وهتّكه ، فلما دنا من رستم جلس على الأرض وركز رمحه على البُسْط وقيل له:ما حملك على هذا؟قال:إنّا لا نستحب القعودَ على زينتكم هذه فقال له ترجمان رستم واسمه عبود من أهل الحيرة ما جاء بكم ؟ قال:الله جاء بنا وهو بعثنا لنخرج من يشاء من عباده من ضيق الدنيا إلى سَعَتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الِإسلام ، فأرسلنا بدينه الى خلقه لندعوهم إليه فمَنْ قبله قبلنا منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه دوننا ، ومن أبى قاتلناه حتى نُفْضِي إلى الجنة أو الظفر..فقال رستم:قد سمعنا قولكم فهل لكم أنْ تؤخِّروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا ؟ قال نعم كم تحبُّ إليكم أيوماً أو يومين ؟ قال:بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساءِ قومنا –وأراد مقاربته ومدافعته فقال: وإنّ مما سنّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به أئمتنا أنْ لا نمتهَن الأعداء أكثر من ثلاث فنحن مترددون عنكم ثلاثاً فانظر في أمرك واختر واحدةً من ثلاث بعد الأجل:إما الإسلام وندعك وأرضك ، أو الجزاء فنقبل ونكف عنك ، وإنْ احتجت الينا نصرناك ، أوالمنابذة في اليوم الرابع ولسنا نبدأك إلّا أنْ تبدأنا ، أنا كفيلٌ بذلك عن أصحابي..قال:أسيدُهُم أنت ؟ قال:لا ولكن المسلمين كالجسد الواحد بعضُهم من بعض يجير أدناهم على أعلاهم..فخلا رستم برؤساء قومه فقال: ما ترون ؟ هل رأيتم كلاماً قط أعزّ وأوضح من كلام هذا الرجل ؟.فقالوا:معاذ الله أنْ نميل إلى دين هذا الكلب ، أما تري إلى ثيابه فقال:ويحكم لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا الى الرأي والكلام ، والسيرة إنّ العرب تستخف باللباس والمأكل وتصون الأحساب ليسوا مثلكم. فلما كان من الغد أرسل رستم إلى سعد أن ابعث إلينا ذلك الرجل فبعث إليهم حذيفة بن محصن فأقبل في نحو من ذلك الزي ، ولم ينزل عن فرسه ، ووقف على رستم راكباً قال له:انزل قال:لا أفعل فقال له:ما جاء بك ولم يجىء الأول ؟ قال له:إنّ أميرنا يحبُّ أنْ يعدل بيننا في الشدة والرخاء ، وهذه نوبتي فقال:ما جاء بكم ؟ فأجابه مثل الأول فقال رستم:المواعدة إلى يوم ما ، قال:نعم ثلاثاً من أمس ، فردَّه ، وأقبل على أصحابه وقال:ويحكم أما ترون ما أرى ؟ جاءنا الأول بالأمس فغلبنا على أرضنا وحقّر ما نعظم وأقام فرسه على زبرجنا وربطه به..وجاءنا هذا اليوم فوقف علينا وهو في يمن الطائر يقوم على أرضنا دوننا ، حتى أغضبهم وأغضبوه..فلما كان الغد أرسل ؛ ابعثوا الينا رجلاً..فبعث المغيرة بن شُعْبَة(2) فاقبل اليهم وعليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب وبُسُطهم عَلَى غلوة لا يوصل إلىصاحبهم حتى يمشي عليها ، فأقبل المغيرة حتى جلس مع رستم على سريره فوثبوا عليه وأنزلوه ، وقال:" قد كانت تبلغنا عنكم الأحلام ولا أرى قوماً أسفه منكم إنّا معشر العرب لا نستعبد بعضنا بعضاً إلا أنْ يكون محارباً لصاحبه فظننت أنّكم تواسون قومكم كما نتواسى ، فكان أحسن من الذي صنعتم أنْ تخبروني أنّ بعضكم أرباب بعض فإنّ هذا الأمر لا يستقيم فيكم ولا يصنعه أحد ، واني لم آتكم ولكن دعوتموني ، اليِوم علمتُ أنّ أمركم مضمحل وأنكم مغلبون ، وأنّ ملكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول " فقالت السفلة:صدق والله العربي ، وقالت الدهاقين:والله لقد رمى بكلامِ لا يزال عبيدنا ينزعون إليه قاتل اللهّ أولينا ما كان أحمقهم حين كانوا يصغَرُون أمر هذهَ الأمة. ثم تكلم رستم فحمد قومه وعظم أمرهم وقال:لم نزل متمكنين في البلاد ظاهرين على الأعداء ، أشرافاً في الأمم فليس لأحدٍ مثل عِزِّنَا وسلطانِنَا ننصر عليهم ولا ينصرون علينا إلا اليوم ، واليومين ، والشهر للذنوب ، فإذا انتقمِ اللهّ منا ورضي علينا رد لنا الكرّة على عدونا ،ولم يكن في الأمم أمة أصغر عندنا أمراَ منكم كنتم أهل قشف ومعيشة سيئة لا نراكم شيئاً وكنتم تقصدوننا إذا قَحطتْ بلادكم فنأمر لكم بشيء من التمر ، والشعير ، ثم نردّكم ، وقد علمتُ أنه لم يحملكم على ما صنعتم إلا ما أصابكم من الجهد في بلادكم فأنا آمرٌ لأميركم بكسوة وبغل ، وألف درهم ، وأمر لكل منكم بوقر تمر وتنصرفون عنا فإني لستُ أشتهي أن أقتلكم ولا أسركم..فتكلم المغيرة فحمد الله وأثنى عليه وقال:إن الله خالق كل شيء ورازقه فمن صنع شيئاً فإنما هو بصنعه ، وأمّا الذي ذكرت به نفسك وأهل بلادك فنحن نعرفه اللّه صنعه بكم ووضعه فيكم وهو له دونكم ، وأما الذي ذكرت فينا من سوء الحال والضيق والاختلاف فنحن نعرفه ولسنا ننكره واللهّ ابتلانا به والدنيا دُوَل ، ولم يزل أهل الشدائد يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليه ، ولم يزل أهلُ الرخاء يتوقعون الشدائد حتى تنزل بهم ويصيروا إليها ولو شكرتم ما آتاكم الله لكان شكركم يقصر عما أوتيتم وأسلمكم ضعف الشكر إلى تغيّر الحال ، ولو كنا فيما ابتلينا به أهل الكفر لكان عظيم ما ابتلينا به مستجلباً من اللهّ رحمة ورأفة علينا ، ولكن الشأن غير ما تذهبون إليه أو كنتم تعرفوننابه ، إنّ الله تبارك وتعالى بعث فينا رسولاً - ثم ذكر مثل ما تقدم من ذكر الإِسلام ، والجزية ، والقتال..وقال له:وإنّ عيالنا قد ذاقوا طعام بلادكم فقالوا:لا صبر لنا عنه..فقال رستم:إذاً تموتون دونها فقال المغيرة:يدخل من قتل منا الجنة ومن قتل منكم يدخل النار ، ويظفر مَنْ بقي منا بمن بقي منكم. فاستشاط رستم غضباً ثم حلف بالشمس أنْ لا يرتفع الصبح غداً حتى نقتلكم أجمعين. وانصرف المغيرة وخلص رستم بأهل فارس وقال:أين هؤلاء منكم ! هؤلاء والله الرجالَ صادقين كانوا أم كاذبين - واللّه لئن كان بَلَغَ من عقلهم وصَوْبهم لِسِرِّهم أنْ لا يختلفوا فما قومٌ أبلغ لما أرادوا منهم ، ولئن كانوا صادقين فما يقوم لكم شيء..فلجوا وتجلدوا وقال:واللهّ إني لأعلم أنكم تصغون إلى ما أقول لكم ، وإن هذا منكم رئاء..فازدادوا لجاجة ، فأرسل رستم رسولًا خَلْف المغيرة ، وقال له:إذا قطع القنطرةووصل إلى أصحابه فأعلمه أن عينه تُفْقَا غداً فأعلمه الرسول ذلك فقال المغيرة:بشرتني بخيرٍ وأجر ، ولولا أنْ أجاهد بعد هذا اليوم أشباهكم من المشركين لتمنيت أنّ الأخرى ذهبت أيضاً فرآهم يضحكون من مقالته ويتعجبون من بصيرته ، فرجع إلى رستم فأخبره فقال:أطيعوني يا أهل فارس إني لأرى لله فيكم نقمة لا تستطيعون ردها..ثم أرسل إليه سعد بقية ذوي الرأي فساروا - وكانوا ثلاثة - إلى رستم فقالوا له:إنّ أميرنا يدعوك إلى ما هو خير لنا ولك ، والعافية أنْ تقبل ما دعاك إليه ونرجع إلى أرضنا وترجع إلى أرضك وداركم لكم ، وأمركم فيكم ، وما أصبتم مما وراءكم كان زيادة لكم دوننا ، وكنا عَوْناً لكم على أحد إنْ أرادكم ، فاتق الله ولا يكونَن هلاكُ قومك على يدك ، وليس بينك وبين أن تغبط بهذا الأمر إلّا أنْ تدخل فيه وتطرد به الشيطان عنك..فقال لهم:إنّ الأمثال أوضح من كثير من الكلام وسأضرب لكم مثل تبصروا, إنكم كنتم أهل جهد في المعيشة وقشف في الهيئة لا تنتصفون ولا تمتنعون فلم نسِىءْ جوارَكم ، وكنا نميركم ونحسن إليكم ، فلما طعمتم طعامناوشربتم شرابنا وصفتم لقومكم ذلك ودعوتموهم ، ثم أتيتمونا..وإنما مثلكم ومثلنا كمثل رجل كان له كَرْم فرأي فيه ثَعْلباً ، فقال:وما ثعلب ؟فانطلق الثعلبُ فدعا الثعالب إلى ذلك الكرم ، فلما اجتمعوا إليه سد صاحب الكرم النقب الذي كن يدخلن منه فقتلهن..فقد علمت أنّ الذي حملكم على هذا:الحرص والطمع والجهد فارجعوا عنا عامكم هذا ونحن نميركم فإني لا أشتهي أنْ أقتلكم..ومثلكم أيضاً:كالذباب يرى العسل فيقول:مَنْ يوصلني إليه وله درهمان ؟ فإذادخله غَرِقَ ونشب ، فيقول:من يخرجني وله أربعة دراهم ؟وقال أيضاً:إنّ رجلاً وضع سلةً ، وجعل طعاماً فيها فأتى الجرذان فخرقواالسلة..فدخلوا فيها فأراد سَدَّها فقيل له:لا تفعل إذن تخرقه لكن انقب بحياله ثم اجعل قصبة مجوفة فإذا دخلها الجرذان وخرجن منها فاقتل كل ما خرج منها ؛ وقد سددت عليهم أنْ يقتحموا القصبة ولا يخرج منها أحدٌ إلا قتل..فما دعاكم إلى ما صنعتم ؟ ولا أري عدداً ولا عُدَّة. قال:فتكلم القوم وذكروا سُؤَ حالهم وما مَنَّ الله به عليهم من إرسال رسوله واختلافهم أولاً ثم اجتماعهم على الإسلام ، وما أمرهم به من الجهاد وقالوا:وأما ما ضربتَ لنا من الأمثال فليس كذلك ولكن سنضرب مثلكم:إنما مثلكم كمثل رجل غرس أرضاً واختار لها الشجر والحبّ وأجرى إليها الأنهار، وزينها بالقصور، وأقام فيها فلاحين يسكنون قصورها ويقومون على جناتها ، فخلا الفلاحون في القصور على ما لا يحبّ ، وفي الجنان بمثل ذلك فأطال إمهالهم فلم يَسْتَحْيِوا مِنْ تلقاء أنفسهم استعتبهم فكابروه فدعا إليها غيرهم وأخرجهم منها، فإن ذهبوا عنها تخطفهم الناس ، وإنْ أقاموا فيها صاروا خولا لهؤلاء فيسومونهم الخسف أبداً..والله لو لم يكن ما نقول ، حقاً ولم يكن إلا الدنيا لما صبرنا عن الذي نحن فيه من لذيذِ عيشكم ورأينا مِنْ زبرجكم ولقارعناكم أ حتى نغلبكم عليه ، فقال رستم:أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم ، فقالوا:بل اعبروا إلينا ورجعوا من عنده عشيّاً..وأرسل سعدٌ إلى الناس أن يقفوا مواقفهم ، وأرسل إليهم شأنكم والعبور فأرادوا القنطرة فقال:لا ولا كرامة أما شيء غلبناكم عليه فلن نرده عليكم تَكَفّلوا معبراً غير القناطر !..فباتوا يسكرون العتيق حتى الصباح بالتراب والقصب والبراذع حتى جعلوه طريقاً واستتم بعدما ارتفع النهار..ورأى رستم من الليل كأنَ مَلَكاً نزل من السماء فأخذ قسيّ (1) أصحابه فختم عليها ثم صعد بها إلى السماء ، فاستيقظ مهموماً واستدعى خاصّته فقصّها عليهم ، وقال:إنّ الله ليعظُنا لو اتّعظنا..ولما ركب رستم ليعبر كان عليه درعان ، ومغفر ، وأخذ سلاحه ، وأمر بفرسه فأسرج فأتىِ به فوثب فإذا هو على فرسه ولم يضع رجله في الركاب ، وقال:غداً نَدُقهُم دَقّا:فقال له رجل:إن شاء الله ، فقال:وإنْ لم يشأ..ثم قال:إنّما ضغا الثعلب (2) حين مات الأسد -يعني كسرى - ، وإنّي أخشى أنْ تكون هذه سنَةُ القرود ، وإنما قال:هذه الأشياء توهينا للمسلمين عند الفرس؛ وإلا فالمشهور عنه الخوف من المسلمين وقد أظهر ذلك إلى من يثق به. ذكر يوم أرماث لما عَبَر الفرس العتيق جلس رستم على سريره وضرب عليه طيارة..وعَبَّى(1) في القلب ثمانية عشر فيلاً عليها صناديق ورجال ، وفي المجنبتين ثمانية أو سبعة ، وأقام الجالينوس بينه وبين ميمنته والفيرزان بينه وبين ميسرته وبقيت القنطرة بين الخيلين..وكان يزدجرد قد وضع بينه وبين رستم رجالاً على كل دعوة رجلاً أوَّلهُم على باب إيوانه وآخرهم مع رستم ، فكلما فعل رستم شيئاً قال الذي معه للذي يليه:كان كذا وكذا ، ثم يقول الثاني ذلك للذي يليه وهكذا إلى أنْ ينتهي إلى يزدجرد في أسرع وقت..وأخذ المسلمون مصافهم ، وكان بسعد دَمَامِيْل وعِرق النسا فلا يستطيع الجلوس إنما هو مُكب على وجهه في صدره وسادة على سطح القصر يشرف على الناس والصفّ في أصل حائطه لو تعداه الصف فُوَاق ناقة(2) لأخذ برمته فما كرته هول تلك الأيام شجاعة ، وذكر ذلك الناس وعابه بعضهم بذلك فقال : نقاتل حتى انزل الله نصره (3) وسعد بباب القادسية معصم فابنا وقد امت نساء كثيرة ونسوة سعد ليس فيهن ايم فبلغت أبياته سعداً فقال:" اللهم إنْ كان هذا كاذباً وقال الذي قاله ، رياء وسمعة فاقطع عني لسانه " فإنّه لواقف في الصف يومئذ اتاه سهم غَرَب (1) فأصاب لسانه فما تكلم بكلمة حتى لحق بالله تعالى ، وقال جرير بن عبدالله نحو ذلك أيضاً:وكذلك غيره..ونزل سعد إلى الناس فاعتذر إليهم وأراهم ما به من القروح في فخذيه وإليتيه فعذره الناس وعلموا حاله ، ولما عجز عن الركوب استخلف خالد بن عُرفطة على الناس فاختلف عليه فأخذ نفراً ممن شغب عليه فحبسهم في القصر ، منهم أبو محجن الثقفي وقيِّدهمٍ وقيل:بل كان حبس أبي محجن بسبب الخمر-وأعَلْمَ الناسَ أنه قد استخلف خالدا وإنما يأمرهم خالد فسمعوا وأطاعوا ، وخطب الناس يومئذ ، وهو يوم الاثنين من المحرم سنة أربع عشرة وحثهم على الجهاد وذكّرهم ما وعدهم الله من فتح البلاد وما نال من كان قبلهم من المسلمين من الفرس ، وكذلك فعل أمير كل قوم ، وأرسل سعد نفراً من ذوي الرأي والنجدة ، منهم المغيرة وحذيفة ، وعاصم ، وطليحة ، وقيس الأسدي ، وغالب ، وعمرو بن معد يكرب وأمثالهم ، ومن الشعراء الشماخ ، والحطيئة ، وأوس بن مغراء ، وعَبدة بن الطبيب وغيرهم ، وأمرهم بتحريضى الناس على القتال ففعلوا..وكان صف المشركين على شفير العتيق ، وكان صف المسلمين مع حائط قديس والخندق ، فكان المسلمون والمشركون بين الخندق والعتيق ومع الفرس ثلاثون ألف مسلسل ، وأمر سعد الناس بقراءة سورة الجهاد ، وهي الأنفال ، فلما قُرِئَتْ هَشَّتْ قلوبُ الناس وعيونهم وعرفوا السكينة مع قراءتها..فلما فرغ القراء منها قال سعد:الزموا مواقفكم حتى تُصلوا الظهر فإذا صليتم فإني مكبرٌ تكبيرة فكبروا واستعدوا فإذا سمعتم الثانية فكبروا والبسوا عدتكم ، ثم إذا كبَّرتً الثالثة فكبروا لينشط فرسانكم الناس ، فإذا كبَرْتُ الرابعة فازحفوا جميعاً حتى تخالطوا عدوّكم وقولوا:لا حول ولا قوة إلا بالله..فلما كبر سعد الثالثة برز أهل النجدات فأنشبوا القتال وخرج إِليهم من الفرس أمثالهم فاعتوروا الطعن والضرب ، وقال غالب بن عبدالله الأسدي : قد علمت واردة المسائح ذات اللسان والبيان الواضح أني سمام البطل المسالح وفارج الأمم المهم الفادح فخرج إليه هرمز وكان من ملوك الباب (والأبواب) وكان مُتَوَّجاً فأسره غالب فجاء به سنداً ورجع ، وخرج عاصم وهو يقول : قد علمت بيضاء صفراء اللبب مثل اللجين إذْ تغشاه الذهب أنِّي امرؤٌ لا من يُعنيه السبب (1) مثلي على مثلك يغريه العتب فطارد فارسياً فانهزم فاتبعه عاصم حتى خالط صفهم فحموه ، فأخذ عاصم رجلاً على البغل وعاد به وإذ هو خبّاز الملك معه من طعام الملك وخبيصة فاتى به سعدا فنفله أهل موقفه ، وخرج فارسيٌ فطلب البراز فبرز إليه عَمْرو بن معد يكرب فأخذه وجلد به الأرض فذبحه وأخذ سوارَيْه ومنطقته. وحملت الفيلةُ عليهم ، ففرقت بين الكتائب فنفرتْ الخيلُ وكانت الفرسُ قد قصدت بجيلة بسبعة عشر فيلاً فنفرت خيلُ بجيلة فكادت بجيلة تهلك لنفار خيلها عنها وعمن معها ، وأرسل سعد إلى بني أسد أنْ دافعوا عن بجيلة وعمن معها من الناس ، فخرج طليحة بن خويلد وحمال بن مالك في كتائبهما فباشروا الفيلة حتى عدلها ركبانها ، وخرج إلى طليحة عظيمٌ منهم فقتله طليحة..وقام الأشعث بن قيس في كندة حين استصرخهم سعد فقال:يا معشر كندة لله درّ بني أسد أي فري يفرون وأي هز يهزون عن موقفهم أغنى كلًّ قوم ما يليهم وأنتم تنتظرون من يكفيكم البأس ،أشهد ما أحسنتم أسوة قومكم من العرب أ منذ اليوم وأنهم ليقتلون ويقاتلون وأنتم جثاة على الركب تنظرون فوثب إليه عددٌ منهم عشرة فقالوا:عثر الله جدك إنك لتؤبسنا جاهداً ونحن أحسن الناس موقفاً فمن أين خذلنا قومنا العرب وأسأنا أسوتهم فها نحن معك فنهد ونهدوا معه فأزالوا الذين بإزائهم ، فلما رأى الفرس مما يلقى الناس والفيلة من كتيبة أسد رموهم بحدهم وحملوا عليهم وفيهم ذو الحاجب ؛ والجالينوس ، والمسلمون ينتظرون التكبيرة الرابعة من سعد ، فاجتمعت حَلَبَةٌ فارس على أسد ومعهم تلك الفيلة فثبتوا لهم وكبر سعد الرابعة وزحف إليهم المسلمون ، ورحا الحرب تدور على أسد ، وحملت الفيول على الميمنة والميسرة فكانت الخيول تحيد عنها فأرسل سعد إلى عاصم بن عمرو التميمي ، فقال:يا معشر بني تميم ألستم أصحاب الإبل والخيل أما عندكم لهذه الفيلة من حيلة ؟قالوا:بلى والله ، ثم نادي في رجال من قومه رماة وآخرين لهم ثقافة فقال:ا يا معشر الرماة ذُبُّوا ركبان الفيلة عنهم بالنبل وقال:يا معشر أهل الثقافة استدبروا الفيلة فقطعوا وضنها(1).. ورحا الحرب تدور على أسد ، وقد جالت الميمنة والميسرة غير بعيد ، وأقبل أصحاب عاصم على الفيلة فأخذوا بأذناب توابيتها فقطعوا وضنها وأرتفع عوَاؤهم فما بقي لهم فيل إلا أوى وقتل أصحابها ، ونُفِّسَ عن أسد ، وردوا فارساً عنهم إلى مواقفهم واقتتلوا حتى غربت الشمس ، ثم حتى ذهبت هدأةُ(2) من الليل ، ثم رجع فى هؤلاء وهؤلاء..وأصيب من أسد تلك العشية خمسمائة وكانوا ردءاً للناس ، وكان عاصم حامية للناس..وهذا اليوم الأول وهو يوم أرماث فقال عمرو بن شاس الأسدي : جلينا الخيل من أكناف نيق إلى كسري فوافقها رعالا تركن لهم على الأقسام شَجْواً وبالحقوين أياماً طوالا قتلنا رستماً وبنيه قسرا تثير الخيل فوقهم الهيالا(3) الأبيات ، وكان سعد قد تزوج سلمى امرأة المثنى بن حارث الشيباني بعده بشراف ، فلما جال الناس يوم أرماث وكان سعد لا يطيق الجلوس جعل سعد يتململ جزعاً فوق القصر ، فلما رأتْ سلمى ما يصنع الفرس قالت:وامثيناه ولا مثنى للخيل اليوم ، قالت ذلك عند رجل صخر مما يرى في أصحابه ونفسه فلطمٍ وجهها ، وقال:أين المثنى عن هذه الكتيبة التي تدور عليها الرحا يعني أسداً وعاصما:فقالت:أغيرة وجُبْناً فقال:والله لا يعذرني اليوم أحدٌ إن لم تعذريني وأنت ترين ما بي (والناس أحق أنْ لا يعذروني) فتعلّقها الناس لم يبق شاعر إلا اعتدّ بها عليه ، وكان غير جبان ولا ملوم. ذكر يوم أغواث ولما أصبح القوم وكل سعد بالقتلى والجرحى مَنْ ينقلهم إلى العذيب فسلّم الجرحى الى النساء ليقمن عليهم ، وأمّا القتلى فدفنوا هنالك على مُشَرَّق وهو وادٍ بين العذيب وعين الشمس. (مقدم القعقاع بن عمرو) فلما نقل سعد القتلى والجرحى طلعت نواصي الخيل من الشام ، وكان فتح دمشق قبل القادسية بشهر ، فلما قدم كتاب عمر على أبي عبيدة بن الجراح بإرسال أهل العراق سَيرهم وعليهم هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو التميمي ، فتعجل القعقاع فقدم على الناس صبيحة هذا اليوم وهو يوم أغواث:وقد عهد إلى أصحابه أن يتقطعوا أعشاراً وهم ألف كلما بلغ عشرة مدى البصر سرحوا في آثارهم عشرة فقدم أصحابه في عشرة فأتى الناس فسلم عليهم وبشرهم بالجنود، وحرَّضهم على القتال ، وقال:أ أيها الناس إنّي قد جئتكم في قومِ والله !نْ لو كانوا بمكانكم ثم أحسوكم حسدوكم خطوتها وحاولوا أن يطيروا بها دونكَم اصنعوا كما أصنع..وطلب البراز فقالوا فيه:يقول أبو بكر:لا يُهزم جيش فيهم مثل هذا وسكنواإليه..فخرج إليه ذو الحاجب فعرَفَه القعقاع فنادي:يالثارات أبي عبيد وأصحاب الجسر، وتضاربا فقتله القعقاع..وجعلت خيله ترد إلى الليل وتُنَشَط الناس وكأنْ لم يكن بالأمس مُصيْبَة ، وفرحوا بقتل ذي الحاجب وانكسرت الأعاجم بذلك..وطلب القعقاع البراز فخرج إليه الفيرزان والبنذوان فانضم إلى القعقاع الحارث بن ظبيان بن الحارث أحد بني تيم اللات فتبارزوا فقتل القعقاع الفيرزان وقتل الحارث البنذوان..ونادى القعقاع:يا معشر المسلمين باشروهم بالسيوف فإنما يُحَصَد الناسُ فاقتتلوا حتى المساء فلم يَرَ أهلُ فارس في هذا اليوم ما يعجبهم ، وأكثرَ المسلمون فيهم القتل ولم يقاتلوا في هذا اليوم على فيل ، كانتَ توابيتُها تكسَّرت بالأمس فاستأنفوا عملها فلم يفرغوا منها حتى كان الغد ، وجعل القعقاع كلما طلعت قطعةٌ من أصحابه كَبَّر وكبَّر المسلمون ، ويحمل ويحملون ، وحمل بنو عم للقعقاع عشرة عشرة على إبل قد ألبسوها وهي مجلَلة مبرقعة وأطافت بهم خيولهم تحميهم وأمرهم القعقاع أنْ يحملوها على خيل الفرس يتشبهون بالفيلة ففعلوا بهم هذا اليوم وهو يوم أغواث كما فعلت فارس يوم أرماث ، فجعلت خيل الفرس تفر منها وركبتها خيول المسلمين ، فلما رأى الناسُ ذلك سُرُوا بهم فلقيَ الفرسُ من الِإبل يوم أغواث أعظم ما لقي المسلمون من الفيلة ، يوم أرماث..وحمل رجلٌ من تميم ممن كان يحمي العشرة يقال له سواد على "رستم "يريد قتله فقُتِل دونه ، وخرج رجلٌ من فارس يبارز فبرز إليه الأعراف بن الأعلم العقيلي فقتله ، ثم برز إليه آخر فقتله ، وأحاطت به فوارس منهم فصرعوه وأخذوا سلاحه فغبَر في وجوههم التراب حتى رجع إلى اصحابه (1)..وحمل القعقا
ثم دخلت سنة أربع عشرة الباب الثاني (من ذاكرة التاريخ الاسلامي)