هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى بيت الأسرة
نرحب مجددا بجميع أعضاء بيت الأسرة ,, ويسعدنا تننشيط عضويتكم بالتواصل على جوالي بالنسبة للأعضاء ,, وعلى جوال أم عبدالله بالنسبة للأخوات ,, وبامكان الجميع التواصل معي على ايميلي aabohadi @hotmail.com ,, متمنين للجميع سنة جميلة مليئة بالحب والتواصل
ذكر فتح بيت المقدس وهو إيلياء الباب الثاني (ذاكرة من التاريخ الاسلامي)
كاتب الموضوع
رسالة
ماجد قادري عضو ذهبي
نقاط : 8856 سمعة العضو : 5 الموقع : صبيا
موضوع: ذكر فتح بيت المقدس وهو إيلياء الباب الثاني (ذاكرة من التاريخ الاسلامي) الجمعة أبريل 30, 2010 3:37 am
ذكر فتح بيت المقدس وهو إيلياء في هذه السنة فتح بيت المقدس - وقيل:سنة ست عشرة في ربيع الأول - وسبب ذلك أنه لما دخل أرطبون إيلياء(1) فتح عمرو غزة - وقيل:كان فتحها في خلافة أبي بكر ، ثم فتح سَبَسْطِيّة(2) وفيها قبر يحيى بن زكريا عليه السلام ، وفتح نابلس بأمان على الجزية ، وفتح مدينة لُدّ(3) ثم فتح تُبْني (4) ، وعمواس ، وبيت جبرين ، وفتح يافا- وقيل:فتحها معاوية - وفتح عمرو " مرج عيون " فلمّا تم له ذلك أرسل إلى أرطبون رجلاً يتكلم بالرومية وقال له:" اسمع ما يقول " ، وكتب معه كتاباً. فوصل الرسول ودفع الكتاب إلى أرطبون وعنده وزراؤه فقال أرطبون:" لا يفتح والله عمرو شيئاً من فلسطين بعد أجنادين "فقالوا له:مِنْ أين علمت هذا؟..فقال:صاحبها رجل صفته كذا وكذا وذكر صفة عمر.. فرجعِ الرسول إلى عمرو فأخبره الخبر فكتب إلى عمر بن الخطاب يقول:"إن أعالج عَدُوّاَ شديداً وبلاداً قد ادُّخِرَتْ لك فرأيك " فعلم عمر أنّ عَمْراً لم يقل ذلك إلا بشيء سمعه فسار عمر عن المدينة..وقيل كان سبب قدوم عمر إلى الشام أنّ أبا عبيدة حصر بيت المقدس فطلب أهله منه أن يصالحهم على صلح أهل مدن الشام وأنْ يكون المتولي للعقد عمر بن الخطاب ، فكتب اليه بذلك فسار عن المدينة ، واستخلف عليها عليّ بن أبي طالب..فقال له علي:أين تخرج بنفسك ؟ إنّك تريد عدواً كلباً..فقال عمر:أبادر بالجهاد قبل موت العباس إنكم لو فقدتم العباس لأنتقض بكم الشر كما ينتقض الحبل. فمات العباس لسِتِّ سنين من خلافة عثمان فانتقض بالناس الشر..وسار عمر فقدِم الجابية على فرس - وجميع ما قدم الشام أربع مرات ، الأولى على فرس ، والثانية على بعير ، والثالثة على بغل ، ورجع لأجل الطاعون ، والرابعة على حمار- وكتب إلى أمراء الأجناد أنْ يوافوه بالجابية ليوم سماه لهم في المجردة ويستخلفوا على أعمالهم فلقوه حيث رفعت لهم الجابية..فكان أول من لقيه يزيد ، وأبو عبيدة ، ثم خالد على الخيول عليهم الديباج والحرير فنزل وأخذ الحجارة ورماهم بها وقال:" ما أسرع ما رجعتم عن رأيكم ! إياي تستقبلون في هذا الزي ؛ وإنما شبعتم مذ سنتين ، وبالله لو فعلتم هذا على رأس المائتين لاستبدلتُ بكم غيركم فقالوا:يا أمير المؤمنين إنها يلامقة(1) وإنّ علينا السلاح..قال:فنعم إذن..وركب حتى دخل عليه الجابية وعمرو ، وشرحبيل كأنهما لم يتحركا مِنْ مكانهما ، فلما قدم عمر الجابية ، قال له رجل من اليهود:" يا أمير المؤمنين إنّك لا ترجع إلى بلادك حتى يفتح الله عليك إيلياء " ، وكانوا قد شجوا عَمْراً وأشجاهم ولم يقدر عليها ولا على الرملة فبينما عمر مُعَسِكْر بالجابية فزع الناس إلى السلاح ، فقال:ما شأنكم ؟ فقالوا:ما شأنكم ؟ فقالوا:ألا تري إلى الخيل والسيوف. فنظر فإذا كردوس يلمعون بالسيوف فقال عمر:مستأمنة فلا تُرَاعوا ، فأمنوهم وإذا هم أهل إيلياء وحيزها فصالحهم على الجزية وفتحوها له. وكان الذى صالحه العوامّ من أهل إيلياء والرملة لان أرطبون والتذارق دخلا مصر لمّا وصل عمر إلى الشام وأخذوا كتابه على إيلياء وحيزها ، والرملة وحيزها فشهد ذلك اليهودي الصلح فسأله عمر عن الدجال - وكان كثير السؤال عنه - فقال له:وما مسألتُك عنه يا أمير المؤمنين ؟ أنتم والله معشر العرب تقتلونه دون باب لدّ ببضع عشرة ذراعاً ؟وأرسل عمر إليهم بالأمان ، وجعل علقمة بن حكيم على نصف فلسطين وأسكنه الرملة وجعل علقمة بن مجزز على نصفها الآخر وأسكنه إيلياء ، وضم عمراً وشرحبيل إليه بالجابية فلقياه راكباً فقبّلا ركبته وضم كلُ واحدٍ منهما محتضنهما..ثم سار إلى بيت المقدس من الجابية فركب فرسه فرأي به عَرَجاً فنزل عنه ، وأتى ببرذون (1) فركبه فجعل يتجلجلِ به فنزل وضرب وجهه وقال:" لا أعلم مَنْ عَلّمك هذه الخُيَلاء " ! ثم لم يركب برذوناً قبله ولا بعده..وفتحت إيلياء وأهلها على يديه ، وقيل:كان فتحها سنة ستة عشرة ، ولحق أرطبون ومن أبى الصلح من الروم بمصر ، فلما ملك المسلمون مصر قُتِلَ -وقيل:بل لحق بالروم..فكان يكون على صوائفهم والتقى هو وصاحب صائفة المسلمين ومع المسلمين رجل من قيس يقال له:ضريس فقطع يد القيسي وقتله القيسي فقال فيه:فإن يكن أرطبون الروم أفسدها فإنّ فيها بحمد الله منتفعاً وإن يكن أرطبون الروم قطعها فقد تركت بها أوصاله قطعاً(2) ذكر فروض العطاء وعمل الديوان (1) وفي سنة خمس عشرة فرض عمر للمسلمين الفروض ، ودوَن الدواوين ، وأعطى العطايا على السابقة ، وأعطى صفوان بن أمية ، والحارث بن هشام ، وسُهَيْل بن عمرو في أهل الفتح أقلّ ما أخذ من قبلهم فامتنعوا من أخذه ، وقالوا:" لا نعترف أن يكون أحدٌ أكرم منا " فقال:إني إنما أعطيتكم على السابقة في الِإسلام لا على الأحساب قالوا:فنعم إذن..وأخذوا..وخرج الحارث وسهيل بأهليهما نحو الشام فلم يزالا مجاهدين حتى أصيبا في بعض تلك الدروب ، وقيل:ماتا في طاعون عمواس. ولما أراد عمر وضع الديوان ، قال له علي ، وعبد الرحمن بن عوف:ابدأ بنفسك قال لا ، بل أبداً بعَمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الأقرب فالأقرب. ففرض للعباس وبدأ به ؛ ثم فرض لأهل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف - ، ثم فرض لمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة آلاف أربعة آلاف ، ثم فرض لمن بعد الحديبية إلى أن أقلع أبو بكر عن أهل الردة ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف في ذلك من شهد الفتح وقاتل عن أبي بكر ؛ ومن ولى الأيام قبل القادسية ، كل هؤلاء ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف ، ثم فرض لأهل القادسية وأهل الشام ألفَيْن ألفين..وفرض لأهل البلاء النازع منهم ألفين وخمسمائة فقيل له:لو ألحقتَ أهل القادسية بأهل الأيام..فقال:لم أكن لألحقهم بدرجة مَنْ لم يدركوا..وقيل له:قد سوْيتَ مَنْ بعدت داره بمن قربت داره وقاتلهم عن فنائه ! فقال:من قربت داره أحق بالزيادة لأنهم كانوا أردءاً(1) للحتوف وشجى للعدو فهلا قال المهاجرون:مثل قولكم حين سوينا بين السابقين منهم والأنصار فقد كانت نصرة الأنصار بفنائهم وهاجر إليهم المهاجرون من بعد" وفرض لمن بعده القادسية واليرموك ألفاً ألفاً ، ثم فرض للروادف المثنى خمسمائة خمسمائة ، ثم للروادف الليث بعدهم ثلاثمائة ثلاثمائة سوي كل طبقة في العطاء قويهم وضعيفهم عربهم وعجمهم ، وفرض للروادف الربيع على مائتين وخمسين ، وفرض لمن بعدهم وهم أهل هجر ، والعباد على مائتين. وألحق بأهل بدر أربعة من غير أهلها الحسن ، والحسين ، وأباذر وسلمان. وكان فرض للعباس خمسة وعشرين ألفاً ، وقيل:اثني عشر ألفاً ، وأعطى نساء النبي في حيينه عشرة آلاف عشرة آلاف إلا مَنْ جرى عليها الملك ، فقال نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضلنا عليهن في القسمة فَسَو بيننا فْفعل ، وفضّل عائشة بألفين لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها فلم تأخذ ، وجعل نساء أهل بدر في خمسمائة خمسمائة ، ونساء من بعدهم إلى الحديبية على أربعمائة أربعمائة ، ونساء مَنْ بعد ذلك إلى الأيام ثلاثمائة ثلاثمائة ، ونساء أهل القادسية مائتين مائتين ، ثم سَوي بين النساء بعد ذلك وجعل الصبيان سواء على مائة مائة ، ثم جمع ستين مسكيناً وأطعمهم الخبز فأحصوا ما أكلوا فوجدوه يخرج من جريبتين ، ففرض لكل إنسان منهم ولعياله جريبتين في الشهر. وقال عمر قبل موته:" لقد هممتُ أنْ أجعل العطاء أربعة آلاف ألفاً يجعلها الرجل في أهله ، وألفاً يزودها معه ، وألفاً يتجهز بها وألفاً يترفق بها " ، فمات قبل أنْ يفعل..وقال له قائل عند فرض العطاء: "يا أمير المؤمنين لو تركتَ في بيوت الأموالُ عدة لكون إنْ كان فقال:"كلمةُ ألقاها الشيطان على فِيِّك وقاني الله شرّها وهي فتنةُ لمن بعدي ، بل أعِدُّ لهم ما أعدّ اللهُ ورسوله:طاعة الله ورسوله هما عدتنا التي بها أفضينا إلى ما ترون ، فإذا كان المال ثمن دِيْن أحدكم هلكتم " وقال عمر للمسلمين إني كنتُ امرءاً تاجراً يغني الله عيالي بتجارتي وقد شغلتموني بأمركم هذا فما ترون أنه يحل لي في هذا المال ؟فأكثر القومُ وعلي ساكت فقال:ما تقول يا علي ؟ فقال:ما أصلحك وعيالك بالمعروف ليس لك غيره فقال القوم:القول ما قال علي فأخذ قُوْله..واشتدت حاجةُ عمر فاجتمع نفرٌ من الصحابة المهاجرين ، منهم عثمان ،وعلي ، وطلحة ، والزبير فقالوا:لو قُلنا لعمر في زيادة نزيده إيّاها في رزقه..فقال عثمان:هَلُموا فلنستبرىء ، ما عنده من وراء..فأتوا حفصة ابنته فأعلموها الحال واستكتموها أنْ لا تخبر بهم عمر ، فلقيت عمر في ذلك فغضب وقال:مَن هؤلاء ؟ لأسوأنَّهم قالت:لا سبيل إلى علمهم قال:أنت بيني وبينهم، ما أفضل ما اقتنى رسول الله فًي في بيتك من الملبس ؟ قالت:ثوبين ممشقين كان يلبسهما للوفد ويخطب فيهما للجمع قال:فأى الطعام ناله عندَكِ أرفع ؟ قالت: خبز شعير فصببنا عليه وهو حار أسفل عكة لنا فجعلتها دسمة حلوة فأكل منها قال:وأيّ مبسط كان يبسط عندك كان أوطأ ؟ قالت:كِسَاءٌ ثخين كُنَا نرّبعه في الصيف فنجعله تحتنا فإذا كان الشتاء بسطنا نصفه وتدثرنا بنصفه قال:يا حفصة فأبلغيهم عنّي أنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر فوضع الفضول مواضعها وتبلغ بالترجية ، وإني قَدِرتُ فوالله لأضعنَ الفضول مواضعها ولأتبلَّغن بالترجية ، وإنما مَثَلي ومثل صاحبي كثلاثة سلكوا طريقاً فمضى الأول وقد تزود زادأ فبلغ المنزل ، ثم اتبعه الأخر فسلك طريقه فأفضى إليه ، ثم اتبعه الثالث فإنْ لزم طريقهما ورضيَ بزادهما ألحق بهما وكان معهما وإنْ سلك غير طريقهما لم يجامعهما. ذكر الحروب إلى آخر السنة فمن ذلك يوم برس وبابل وكوثى لمّا فرغ سعد من أمر القادسية أقام بها بعد الفتح شهرين ؟ وكاتَبَ عمر فيما يفعل ، فكتب إليه عمر يأمره بالمسير إلى المدائن " وأن يخلف النساء والعيال بالعتيق ، وأنْ يجعل معهم جنداً كثيفاً ، و عهد إليه أنْ يشركهم في كل مغنم ما داموا يخلفون المسلمين في عيالاتهم ، ففعل ذلك ، وسار من القادسية لأيام بقين من شوال ، وكل الناس مُؤد مذ نقل الله إليهم ما كان في عسكر الفرس ، من سلاح ، وكراع ، ومال فلما وصلتْ مقدمة المسلمين بُرس (1) وعليهم عبدالله بن المعتم ، وزهرة بن حوّية ، وشرحبيل بن السمط لقيهم بها بصبهرا في جمع من الفرس فهزمه المسلمون ومن معه إلى بابل ، وبها فالة القادسية وبقايا رؤسائهم النخيرخان (2) ومهران الرازي ، والهرمزان وأشباههم ، وقد استعملوا عليهم الفيرزان وقدم بصهبرا منهزماً من بُرس فوقع في النهر ومات كان طعنه زهرة ، ولما هزم بصبهرا أقبل بسطام دهقان برس فصالح زهرة وعقد له الجسور وأخبره بمن اجتمع ببابل فأرسل زهرة إلى سعد يُعَرَفُهُ ذلك ، فقدم عليه سعد ببرس ، وستره في المقدمة واتبعه عبدالله ، وشرحبيل ، وهاشم المرقال فنزلوا على الفيرزان ببابل ، وقد قالوا:نقاتَلهم قبل أنْ نفترق فاقتتلوا فهزمهم المسلمون ، فانطلقوا على وجهين فسار الهرمزان نحو الأهواز فأخذها ، وخرج الفيرزان نحو نهاوند فأخذها وبها كنوز كسرى ، وأكل الماهَين ، وسار النخير خان ، ومهران إلى المدائن وقطعا الجسر وأقام سعد ببابل أياماً وبلغه أنّ النخير خان قد خلف شهريار دهقاناً من دهاقين الباب بكوثى في جمع فقدم زهرة بين يديه بكير بن عبدالله الليثي ، وكثير بن شهاب السعدي حتى عبرا الصراة(1) فلحقا بأخر القوم ، وفيهم فيومان ، والفرّخان هذا بيساني وهذا أهوازي فقتل بكير الفرّخان ، وقتل كثير فيومان بسورا ، وجاء زهرة فجاز سورا ونزل ، وجاء سعد وهاشم والناس ونزلوا عليه ، وتقدم زهرة نحو الفرس - وكانوا قد نزلوا بين الدير وكوثى ، وقد استخلف النخير خان ومهران على جنودهما شهريار دهقان البابَ فنازلهم زهرة فبرزوا الى قتاله ، وخرج شهريار يطلب المبارزة ، فأخرج زهرة إليه أبا نباتة نايل بن جعشم الأعرجي -وكان من شجعان بني تميم وكلاهما وثيق الخلق - فلما رأي شهريار نايلاً ألقى الرمح ليعتنقه وألقى أبو نباتة رمحه ليعتنقه أيضاً وانتضيا سيفيهما فاجتلدا..ثم اعتنقا فسقطا عن دابتيهما فوقع شهريار عليه كأنه ، جمل..فضغطه بفخذه وأخذ الخنجر وأراد حل أزرار درعه فوقعت إصبعه في فم نايل فكسر عظمها ورأى منه فتوراً فبادره وجلد به الأرض ، ثم قعد على صدره وأخذ خنجره وكشف درعه عن بطنه ، وطعن به بطنه وجنبه حتى مات ، وأخذ فرسه وسواريه وسلبه ، وأنهزم أصحابه فذهبوا في البلاد. وأقام زهرة بكوثى حتى قدم عليه سعد فقدم إِليه نايلاً وألبسه سلاح شهريار وسواريه وأركبه برذونه وغنمه الجميع ، فكان أول أعرجي سور بالعراق ، وأقام سعد أياماً ، وزار مجلس إبراهيم (2) الخليل عليه السلام.. ذكر بَهُرَ سِيْر(3) وهي المدينة العتيقة، وهي المدائن الدنيا من الغرب ثم إن سعداً قدم زهرة إلى بهرسير، فمضى فتلقاه شيرزاد دهقان ساباط بالصلح فأرسله إِلى سعد فصالحه على تأدية الجزية، ولقى زهرة كثيبة بنت كسرى التي تدعى بوران ، وكانوا يحلفون كل يوم أن لا يزول ملك فارس ما عشنا فهزمهم ، وقتل هاشم بن عتبة - وهو ابن أخي سعد المقرطِ وهو أسد كان لكسرى قد ألفه - فقبل سعد رأس هاشم ، وقبّل هاشم سعد، وأرسله سعد في المقدمة إِلى بهُرَسِيْر فنزل إلى المظلم وقرأ أوَلَم تَكُونُوا أقْسَمْتُم مِن قَبْل مَا لَكُم مِن زَوَالٍ..ثم أَرتحل فنزل على بهرسير، ووصلها سعد والمسلمون فرأوا الِإيوان ، فقال ضرار بن الخطاب:الله أكبر أبيضُ كِسْرَي ، هذا ما وعد الله ورسوله..وكبّر وكبّر الناس معه ، فكانوا كلما وصلت طائفةٌ كبروا، ثم نزلوا على المدينة، وكان نزولهم عليها في ذي الحجة، فكان مقامه بالناس على بهرسير شهرين وعبروا في الثالث. ثم دخلت سنة ست عشرة ذكر فتح المدائن الغربية، وهى بهرسير في هذه السنة في صفر دخل المسلمون بَهُرَسِيْر، وكان سعد محاصِراً لها ، وأرسل الخيول فأغارت على مَنْ ليس له عهد فأصابوا مائة ألف فلاح فأصاب كل واحد منهم فلاحاً لأن كل المسلمين كان فارسا فخندق لهم ، فقال له شيرازاد دهقان ساباط:إنك لا تصنع بهؤلاء شيئاً إنَّما هؤلاء علوج لأهل فارس لم يجروا إليك فدعهم إلى حتى يفرق لكم الرأي. فأرسل سعد إلى عمر يستأذنه فأجابه أنّ من جاءكم من الفلاحين إذا كانوا مقيمين ممن لم يعينوا عليكم فهو أمانهم ومن هرب فأدركتموه فشأنكم به فخَلَى سعد عنهم وأرسل إلى الدهاقين ودعاهم إلى الإسلام ، أو الجزية ولهم الذمة والمَنَعَة فتراجعوا على الجزاء والمنعة ولم يدخل في ذلك ما كان لآل كسرى ومن دخل معهم، فلم يبق غربي دجلة إلى أرض العرب إلا آمن ، واغتبط بملك الإسلام ، وأقاموا على بهرسير شهرين يرمونهم بالمجانيق ، ويدنون إليهم بالدبابات ، ويقاتلونهم بكل عدة، ونصبوا عليها عشرين منجنيقاً، فشغلوهم بها، وربما خرج العجم فقاتلوهم فلا يقومون لهم. وكان آخر ما خرجوا متجردين للحرب وتبالغوا على الصبر، فقاتلهم المسلمون فلم يثبتوا لهم وكان على زهرة بن الحويّة درع مفصوم ، فقيل له:لو أمرتَ بهذا الفصم فسرد..فقال لهم:ولم قالوا:نخاف عليك منه..قال:إنّي على الله لكريم، إنْ نزل سهمُ فارس الجند كلهم أنْ لا يؤمنني من هذا الفصم حتى يثبت فيّ ، فكان أول رجل أصيب من المسلمين يومئذ هو بنشابة من ذلك الفصم فقال بعضهم:انزعوها عنه..فقال:دعوني فإنّ نفسي معي ما دامتْ فيّ لعلي أن أصيب منهم بطعنة أوضربة..فمضى نحو العدو فضرب بسيفه شهريار من أهل إصطخر فقتله وأحيط به فقُتِل وما انكشفوا. وقيل:إن زهرة عاش إلى أيام الحجاج فقتله شبيب الخارجي ، وسيرد ذكره وأشتد الحصار بأهل المدائن الغربية حتى أكلوا السنانير والكلاب ، وصبروا من شدة الحصار على أمر عظيم ، فبيناهم يحاصرونهم إذْ أشرف عليهم رسولُ الملك ، فقال:الملكُ يقول لكم:هل لكم إلى المصالحة على أنّ لنا ما يلينا من دجلة إلى جبلنا ولكم ما يليكم من دجلة إلى جبلكم ؟ أما شبعتم لا أشبع الله بطونكم.. فرجع الرجل فقطعوا دجلة إلى المدائن الشرقية التي فيها الإيوان. فنادي سعد في الناس فنهدوا إليهم فما ظهر على المدينة أحد ولا خرج رجل إلّا رجلٌ ينادي بالأمان فأمّنوه ، فقال لهم:ما بقي بالمدينة من يمنعكم فدخلوا فما وجدوا فيها شيئاً ولا أحداً إلا أسارى وذلك الرجل ، فسألوه لأي شيء هربوا؟ فقال:بعث الملك إليكم يعرض عليكم الصلح فأجبتموه أنه لا يكون بيننا وبينكم صلح أبداً حتى نأكل عسل افريدون باترج كوثى فقال الملك:يا ويلتي إن الملائكة تتكلم على ألسنتهم ترد علينا وتجيبنا عن العرب..فساروا إلى المدينة القُصْوَى فلما دخلها المسلمون أنزلهم سعد المنازل وأرادوا العبور إلى المدائن فوجدوا المعابر قد أخذوها ما بين المدائن وتكريت. ذكر فتح المدائن التي فيها إيوان كسرى وكان فتحها في صفر أيضاً سنة ست عشرة، قيل:وأقام سعد ببهرسير أياماً من صفر فأتاه علج (1) فدلّه على مخاضة تخاض إلى صلب الفرس فأبى وتردد عن ذلك وقحمهم المد(2) وكانت السنة كثيرة المدود، ودجلة تقذف بالزَّبَد فأتاه علج فقال:مايقيمك لا يأتي عليك ثالثة حتى يذهب يزدجرد بكل شيء في المدائن فهيّجه ذلك على العبور، ورأوا رؤيا أنّ خيول المسلمين اقتحمت دجلة فعبرت ، فعزم سعد لتأويل الرؤيا فجمع الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:إنّ عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تخلصون إليه معه ويخلصون إليكم إذ شاؤوا في سفنهم فينا وشؤونكم وليس وراءكم شي تخافون أنْ تؤتوا منه قد كفاكموهم أهل الأيام ، وعطَّلوا ثغورهم وأفنوا ذادتهم وقد رأيتُ مِنْ الرأي أنْ تُجاهدوا العدو قبل أن تحصدكم الدنيا ألا إنّي قد عزمتُ على قطع هذا البحر إليهم. فقالوا جميعاً:عزم الله لنا ولك على الرشد فافعل فندب الناس إلى العبور،وقال:مَنْ يبدأ ويحمي لنا الفراض حتى تتلاحق به الناس لكي لا يمنعوهم من العبور؟ فانتدب له عاصم بن عمرو ذو الباس في ستمائة من أهل النجدات فاستعمل عليهم عاصماً فقدّمهم عاصم في ستين فارساً وجعلهم على خيل ذكور ليكون أسلس لسباحة الخيل ، ثم اقتحموا دجلة. فلما رآهم الأعاجم وما صنعوا أخرجوا للخيل التي تقدمت مثلها فاقتحموا عليهم دجلة فلقوا عاصماً وقد دنا من الفراض فقال عاصم:الرماح الرماح اشرعوها وتواخروا العيون فالتقوا فاطعنوا وتوخَّى المسلمون عيونهم فوَتُوا، ولحقهم المسلمون فقتلوا أكثرهم ، ومَنْ نجا منهم صار أعور من الطعن ، وتلاحق الستمائة بالستين ، ولما رأى سعد عاصماً على الفراض قد منعها أذِنَ للناس في الاقتحام ، وقال:قولوا:نستعين باللّه ونتوكل عليه حسبنا الله ونِعْم الوكيل ، واللّه لينصرن الله وليه ، وليظهرن دينه ، وليهز من عدوه لا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم. وتلاحق الناسُ في دجلة وإنهم يتحدثون كما يتحدثون في البر، وطبقوا دجلة حتى ما يري من الشاطىء شئ وكان الذي يساير سعداً، في الماء سلمان الفارسي فعامت بهم خيولهم وسعد يقول:" حسبنا الله ونعم الوكيل ، والله لينصرن الله وليه وليظهرن دينه وليهزمن عدوه إنْ لم يكن في الجيش بَغْيٌ أو ذُنُوب تغلب الحسنات ،..فقال له سلمان:" الاسلامُ جديد ذلَلَتْ لهم والله البحور كما ذُلّل لهم البر، أما والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجاً كما دخلوا فيه أفواجاً. فخرجوا منه كما قال سلمان لم يفقدوا شيئاً، ولم يغرق منهم أحد إلا أن مالك بن عامر العنبري سقط منه قَدَح فذهبت به جرية الماء فقال له الذي يسايره مُعَيراً له:أصابه القدر فطاح فقال:والله إني لعلى حالة ما كان الله ليسلبني قدحي من بين العسكرين..فلما عبروا ألقته الريح إلى الشاطىء فتناوله بعضُ الناس وعرفه صاحبه فأخذه صاحبه ، ولم يغرق منهم أحد غير أنّ رجلًا من بارق يدعى غرقدة زال عن ظهر فرس له أشقر فثنى القعقاع عنان فرسه إليه فأخذ بيده فأخرجه سالماً، فقال البارقي وكان من أشد الناس:أعجز الأخوات أنْ يلدن مثلك قعقاع..وكان للقعقاع فيهم خؤولة(1) وخرج الناس سالمين وخيلهم تنفض أعرافها ، فلما رأي الفرس ذلك وأتاهم أمرٌ لم يكن في حُسابهم خرجوا هاربين نحو حُلوَان ، وكان يزدجرد قد قدم عياله إلى حلوان قبل ذلك وخلف مهران الرازي ، والنخيرخان وكان على بيت المال بالنهروان وخرجوا معهم بما قدروا عليه من خير متاعهم وخفيفه وما قدروا عليه من بيت المال وبالنساء والذراري وتركوا في الخزائن من الثياب والمتاع والآنية والفصوص والألطاف ، والأدهان ما لا يدري قيمته ، وخلّفوا ما كانوا أعدوا للحصار من البقر والغنم والأطعمة ، وكان في بيت المال ثلاثة آلاف ألف ألف ألف ثلاث مرات أخذ منها رستم عند مسيره إلى القادسية النصف ، وبقي النصف. وكان أول من دخل المدائن كتيبة الأهوال وهى كتيبة عاصم بن عمرو ، ثم كتيبة الخرساء وهي كتيبة القعقاع بن عمرو؟ فاخذوا في سككها لا يَلْقَون فيها أحداً يخشونه إلّا من كان في القصر الأبيض فأحاطوا بهم ، ودعوهم ، فاستجابوا على تأدية الجزية والذمة ، فتراجع إليهم أهلُ المدائن على مثل عهدهم ليس في ذلك ما كان لأل كسرى ومن خرج معهم ونزل سعد القصر الأبيض ، وسرح سعد زهرة في آثارهم الى النهروان ، وسرح مقدار ذلك من كل جهة ، وكان سلمان الفارسي رائد المسلمين وداعيتهم دعا أهل بهرسير ثلاثاً ، وأهل القصر الأبيض ثلاثاً ، وأتخذ سعد إيوان كسري مصلى ولم يغيّر ما فيه من التماثيل ، ولم يكن بالمدائن أعجب من عبور الماء، وكان يدعى يوم الجراثيم لا يبقى أحدٌ إلا اشمخرت له جرثومة من الأرض يستريح عليها ما يبلغ الماء حزام فرسه ، ولذلك يقول أبو بُجَيْد نافع بن الأسود وأملنا على المدائن خيلاً بحرها مثل برّهن أريضا فانتثلنا خزائن المرء كسرى يوم ولوا وخاض منها جريضا ولما دخل سعد الإيوان قرأ ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ ) إلى قوله قَوْماً آخرين (1) وصلى فيه صلاة الفتح ثماني ركعات لا يفصل بينهن ولا يصلي جماعة ، وأتم الصلاة لأنه نوي الإقامة ، وكانت أول جمعة بالعراق - وجمعت بالمدائن في صفر سنة ست عشرة. ولما سار المسلمون وراءهم أدرك رجلٌ من المسلمين فارسياً يحمي أصحابه فضرب فرسه ليقدم على المسلم فأحجم وأراد الفرار فتقاعس فأدركه المسلم فقتله وأخذ سلبه ، وأدرك رجلٌ آخر من المسلمين جماعة من الفرس يتلاومون (2) وقد نصبوا لاحدهم كُرة(3) وهو يرميها لا يخطئها ، فرجعوا فلقيهم المسلم فتقدم إليه ذلك الفارسي فرماه بأقرب مما كانت الكرة فلم يصبه فوصل المسلم إليه فقتله وهرب أصحابه. ذكر ما جُمِعَ من غنائم أهل المدائن وقسمتها كان سعد قد جعل على الأقباض عَمْرو بن عَمْرو بن مقرن ، وعلى القسمة سلمان بن ربيعة الباهلي ، فجمع ما في القصر والإيوان والدور، وأحص ما يأتيه به الطلب ؛ وكان أهل المدائن قد نهبوها عند الهزيمة وهربوا في كل وجه فما أفلت أحدٌ منهم بشيء ألا أدركهم الطلب ، فأخذوا ما معهم ، ورأوا بالمدائن قِبَاباً تركية مملؤة سِلاَلًا مختومة برصاص فحسبوه طعاماً فإذا فيها آنية الذهب والفضة ، وكان الرجل يطوف ليبيع الذهب بالفضة متماثلين ، ورأوا كافوراً كثيراً فحسبوه مِلْحاً فعجنوا به فوجدوه مُرًا..وأدرك الطلب مع زهرة جماعة من الفرس على جسر النهروان فازدحموا عليه فوقع منهم بغلٌ في الماء فعجلوا وكلبوا عليه ، فقال بعض المسلمين:إنّ لهذا البغل لشانا فجالدهم المسلمون عليه حتى أخذوه ، وفيه حلية كسري ثيابه ؛ وخرزاته؛ ووشاحه ، ودِرْعه التي فيها الجوهر- وكان يجلس فيها للمباهاة، ولحق الكلج بغلين معهما فارسيان فقتلهما وأخذ البغلين فأبلغهما صاحب الأقباض وهو يكتب ما يأتيه به الرجال ، فقال له:قِفْ حتى ننظر ما معك فحَطّ عنهما فإذا سَفَطان (1) فيهما تاج كسري مرصعاً وكان لا يحمله إلا الأسطوانيان (2) وفيه الجوهر، وعلى البغل الآخر سفطان فيهما ثياب كسري التي كان يلبس من الديباج المنسوج بالذهب المنظوم بالجوهر وغير الديباج منسوجاً منظوماً. وأدرك القعقاع بن عمرو فارسياً فقتله ، وأخذ منه عَيْبَتَيْن (3) غلافين في أحدهما خمسة أسياف وفي الآخر ستة أسياف ، و إذا في العيبتين أدراع منها درع كسرى ومغافره ، ودرع هرقل ، ودرع خاقان ملك الترك ، ودرع داهر ملك الهند ، ودرع بهرام جوبين ، ؛ ودرع سياوخش ، ودرع النعمان أستلبها الفرس أيام غزاهم خاقان ، وهرقل ، وداهر، وأما النعمان وجوبين فحين هربا من كسرى والسيوف من سيوف كسرى ، وهرمز ، وقباذ ، وفيروز ، وهرقل ، وخاقان وداهر ، وبهرا م ، وسياوخش ، والنعمان فأحضر القعقاع الجميع عند سعد فخيّره بين الأسياف فاختار سيف هرقل ، وأعطاه درع بهرام ونفل سائرها في الخرساء إلّا سيف كسري ، والنعمان بعث بهما إلى عمر بن الخطاب لتسمع العرب بذلك لمعرفتهم بهما و حسبوهما(4) في الأخماس..وبعثوا بتاج كسرى وحليته وثيابه إلى عمر ليراه المسلمون. وأدرك عصمة بن خالد الضبي رجلين معهما حماران فقتل أحدهما وهرب الأخر وأخذ الحمارين فأتى بهما صاحب الأقباض فإذا على أحدهما سفطان في أحدهما فرس من ذهب بسرج من فضة، وعلى ثفره ولباته الياقوت والزمرد المنظوم على الفضة، ولجام كذلك ، وفارس من فضة مكلل بالجوهر، وفي الآخر ناقة من فضة عليها شليل (5) من ذهب ، وبطان من ذهب ، ولها زمام من ذهب ، وكل ذلك منظوم بالياقوت ، وعليها رجل من ذهب مكلل بالجواهر كان كسرى يضعهما على أسطوانتي التاج. وأقبل رجل بحُقّ إِلى صاحب الأقباض فقال:هو والذين معه:ما رأينا مثل هذا مايعدله ما عندنا ولا يقاربه ، فقالوا:هل أخذت منه شيئاً؟ فقال:والله لولا الله ما أتيتكم به..فسّالوا:مَن أنت ؟ فقال:والله لا أخبركمٍ فتحمدوني ولا غيركم ليقرظوني، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه..فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه..فإذا هو عامر بن عبد قيس..وقال سعد:والله إن الجيش لذو أمانة ولولا ما سبق لأهل بدر لقلتُ إنهم على فضل أهل بدر لقد تتبعتُ أ من أقوام منهم هناة ما أحسبها من هؤلاء..وقال جابر بن عبدالله:والذي لا إله إلا هو ما أطلعنا على أحدٍ من أهل القادسية أنه يريد الدنيا مع الآخرة فلقد اتهمنا ثلاثة نفر فما رأينا كأمانتهم وزهدهم..وهم طليحة بن خويلد وعمرو بن معد يكرب ، وقيس بن المكشوح ، وقال عمر لما قدم عليه بسيف كسري ومنطقته وزبرجده:" إن قوماً أدوا هذا لذوو أمانة " فقال عليّ:إنّك عففت فعفتْ الرعية. فلما جمعت الغنائم قسم سعد الفيء بين الناس بعدما خمسه ، وكانوا ستين ألفاً،فأصاب الفارس اثني عشر ألفاً ، وكلهم كان فارساً ليس فيهم راجل ، ونفل من الأخماس في أهل البلاء وقسم المنازل بين الناس ، وأحضر العيالات فأنزلهم الدور فأقاموا بالمدائن حتى فرغوا من جلولاء وحلوان ، وتكريت ، والموصل ، ثم تحولوا إلى الكوفة ، وأرسل سعد في الخمس كل شيء أراد أن يعجب منه العرب وما كان يعجبهم أنْ يقع !ليهم. القطيف: وأراد إخراج خُمس القطيف فلم تعتدل قسمته - وهو بهار كسرى - فقال للمسلمين:هل تطيب أنفسكم عن أربعة أخماسه فنبعث به إلى عمر يضعه حيث يشاء؟ فإنّا لا نراه ينقسم وهو بيننا قليل وهو يقع من أهل المدينة موقعاً..فقالوا:نعم..فبعثه إلى عمر. والقطيف بساط واحد طوله ستون ذراعاً وعرضه ستون ذراعاً مقدار جريب كانت الأكاسرة تعده للشتاء إذا ذهبت الرياحين شربوا عليه فكأنهم في رياض فيه طرق كالصور، وفيه فصوص كالأنهار أرضها مذهبة ، وخلال ذلك فصوص كالدر، وفي حافاته كالأرض المزروعة والأرض المبقّلة بالنبات في الربيع والورق من الحرير على قضبان ، الذهب وزهره الذهب والفضة ، وثمره الجوهر وأشباه ذلك ، وكانت العرب تسميه القطيف. فلما قدمت الأخماس على عمر نفل منها مَن غاب ومن شهد من أهل البلاء، ثم قسم الخمس في مواضعه..ثم قال:أشيروا على في هذا القطيف..فمنْ بين مشير بقبضه ، وآخر مفوض إليه ، فقال له عليّ:لم يجعل الله علمك جهلاً، ويقينك شَكا إنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيتَ فأمضيت ، أو لبست فأبليتَ، أو أكلتَ فأفنيتَ ، لانّك إنْ تُبْقِهِ على هذا اليوم لم تعدم في غدٍ من يستحق به ما ليس له..فقال:صدقتني ، ونصحتني..فقطعه بينهم فأصاب علياً قطعة منه فباعها بعشرين ألفاً، وهي أجود تلك القطع. وكان الذي سار بالأخماس بشير بن الخصاصية، والذي ذهب بالفتح حليس بن فلان الأسدي ، والذي ولي القبض عمرو، والقسم سلمان..وأثنى الناس على أهل القادسية فقال عمر:أولئك أعيان العرب ، ولما رأى عمر سيف النعمان سأل جبير بن مطعم عن نسب النعمان فقال جبير: كانت العرب تنسبه إلى أشلاء قنص ، وكان أحد بني عجم بن قنص..فجهل الناس عجم فقالوا:لخم (1) فنفله سيفه ، ووَلى عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص صلاة ما غلب عليه وحربه ، وولَّى الخراج النعمان وسويداً ابني عمرو بن مقرن - سويدا على ما سقت الفرات ، والنعمان على ما سقت دجلة - وعقدوا الجسور، ثم استعفيا فولي عملهما حذيفة أبي أسِيد، وجابر بن عمرو المزني ، ثم ولي عملهما بعد حذيفة ابنَ النعمان ، وعثمان بن حنيف. ذكر وقعة جَلُولاء وفتح حُلوان وفي هذه السنة كانت وقعة جلولاء، وسببها أن الفرس لما انتهوا بعد الهرب من المدائن إلى جَلُولَاء (1)وافترقت الطرق بأهل أذَرْبِيْجَان والباب ، وأهل الجبال ، وفارس تذامروا وقالوا:لو افترقتم لم تجتمعوا أبداً ، وهذا مكانٌ يفرّق بيننا ، فهلموا فلنجتمع للعرب به ، ولنقاتلهم فإنْ كانت لنا فهو الذي نحب ، وإنْ كانت الأخري كنا قد قضينا الذي علينا وأبدينا عُذْراً. فاحتفروا خندقاً ، واجتمعوا فيه على مهران الرازي ، وتقدم يزدجرد إلى حلوان فنزل بها، ورماهم بالرجال وخلف فيهم الأموال فأقاموا وأحاطوا خندقهم بحسك الحديد إلا طرقهم. فبلغ ذلك سعداً، فأرسل بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر سرح هاشم بن عتبة إلى جَلُولاء، وجعل على مقدمته القعقاع بن عمرووعلى ميمنته مسعر بن مالك ، وعلى ميسرته عمرو بن مالك بن عتبة، واجعل على ساقته عمرو بن مرة الجهني وإنْ هزم اللّهُ الفرس فاجعل القعقاع بين السواد والجبل على حد سوادكم ، وليكن الجند اثني عشر ألفاً..ففعل سعد ذلك. وسار هاشم من المدائن بعد قسمة الغنيمة في اثني عشر ألفاً منهم وجوه المهاجرين ، والأنصار، وأعلام العرب ممن كان ارتد ومن لم يرتد ، فسار من المدائن فمرّ ببابل مهروذ، فصالحه دهقانها على أن يفرش له جريب الأرض دراهم ، ففعل وصالحه ، ثم مضى حتى قدِم جلولاء فحاصرهم في خنادقهم وأحاط بهم وطاولهم الفرس ، وجعلوا لا يخرجون إليهم إلاّ إذا أرادوا وزاحفهم المسلمون نحو ثمانين يوماً كل ذلك ينصر المسلمون عليهم ، وجعلت الأمداد تَرِدُ مِنْ يزدجرد إلى مهران وأمدّ سعد المسلمين ، وخرجت الفرس ، وقد اختلفوا فاقتتلوا؛ فأرسل الله عليهم الريح حتى أظلمت عليهم البلاد فتحاجزوا فسقط فرسانهم في الخندق فجعلوا فيه طُرُقاً مما يليهم تصعد منه خيلهم فأفسدوا حصنهم ، وبلغ ذلك المسلمين فنهضوا إليهم وقاتلوهم قتالاً شديداً لم يقتتلوا مثله إلا ليلة الهرير إلا أنه كان أعجل ، وانتهى القعقاع بن عمرو من الوجه الذي زحف فيه إلى باب خندقهم ، فأخذ به وأمر منادياً فنادي:" يا معشر المسلمين هذا أميركم قد دخل الخندق ، وأخذ به فَأقْبِلُوا إليه ولايمنعكم مَنْ بينكم وبينه من دخوله "، وإنما أمر بذلك ليقوي المسلمين به فحملوا ولا يشكوُّن بأنّ هاشماً في الخندق فلم يقم لحملتهم شيء حتى انتهوا إلى باب الخندق فإذا هم بالقعقاع بن عمرو، وقد أخذ به ، فانهزم المشركون عن المجال يمنة ويسرة فهلكوا فيما أعدوا من الحسك ، فعقرت دوابهم وعادوا رجالة ، واتبعهم المسلمون فلم يفلت منهم إلا من لا يُعَدّ، وقتل يومئذ منهم مائة ألف فجَلَّلَت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه فسميت جَلولاء بما جللها من قتلاهم فهي جلولاء الوقيعة، فسار القعقاع بن عمرو في الطلب حتى بلغ خانقين. ولما بلغت الهزيمة يزدجرد سار من حُلوان نحو الرَّيّ (1) ، وقدم القعقاع حلوان فنزلها في جند من الأفناء(2) والحمراء، وكان فتح جلولاء في ذي القعدة سنة ست عشرة..ولما سار يزدجرد عن حلوان استخلف عليها خسر سنوم (3)، فلما وصل القعقاع قصر شيرين خرج عليه خسر سنوم وقدم إليه الزينبي دهقان حلوان فَلَقِيَه القعقاع فقتل الزينبي وهرب خسر سنوم واستولى المسلمون على حلوان ، وبقي القعقاع بها إلى أنْ تحوّل سعد إلى الكوفة فلحقه القعقاع واستخلف على حلوان قباذ ، وكان أصله خراسانياً ، وكتبوا إلى عمر بالفتح وبنزول القعقاع حلوان واستاذنوه في اتباعهم فأبى وقال:" لوددتُ أنّ بين السواد وبين الجبل سَدًّا لا يخلصون إلينا ولا نُخلص إليهم ، حسبُنا من الريف السواد إنِّي آثرتُ سلامة المسلمين على الأنفال. وأدرك القعقاع في اتباعه الفرس مهران بخانِقِيْن (1) فقتله ، وأدرك الفيرزان فنزل وتوغّل في الجبل فتحامَى ، وأصاب القعقاع سبايا فأرسلهن إلى هاشم فقسمهن فاتخذن فولدن ، وممن ينسب إلى ذلك السبي أم الشعبي (2)، وقعت لرجلٍ من بني عبس ، فولدت له عامراً ونشأ في بني عبس وقسمت الغنيمة وأصاب كل واحد من الفوارس تسعة آلاف وتسعة من الدواب ؛ وقيل:إنّ الغنيمة كانت ثلاثين ألف ألف فقسمها سلمان بن ربيعة، وبعث سعد بالأخماس إلى عمر، وبعث الحساب مع زياد بن أبيه وكان الذي يكتب للناس ويدونهم فكلّم عمر فيما جاء له ووصف له فقال عمر:هل تستطيع أن تقوم في الناس بمثل ما كلمتني به ؟ فقال:والله ما على الأرض شخص أهيب في صدري منك فكيف لا أقوى على هذا من غيرك ؟ فقام في الناس بما أصابوا وما صنعوا وبما يستأنفون من الأنسياح في البلاد، فقال عمر:هذا الخطيب المصقع..فقال:إنّ جندنا أطلقوا بالفعال ألسنتنا. فلما قدم الخُمس على عمر قال:والله لا يُجِنُّه سقف بيت حتى أقسمه..فبات عبد الرحمن بن عوف ، وعبدالله بن الأرقم يحرسانه في صحن المسجد، فلما أصبح جاء في الناس فكشف عنه جلابيبه وهي الأنطاع فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده وجوهره بكى..فقال له عبد الرحمن بن عوف:ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ فوالله إن هذا لموطنُ شُكْر..فقال عمر:والله ما ذلك يبكيني – وبالله ما أعطى الله هذا قوماً إلا تحاسدوا وتباغضوا ، ولا تحاسدوا إلا ألقى الله باسهم بينهم ، ومنع عمر من قسمة السواد لتعذر ذلك بسبب الآجام ، والغياض ، وتبعيض المياه ، وما كان لبيوت النار ولسكك البرد، وما كان لكسري ومن جامعه ، ومن كان لمن قتل والأرحام ، وخاف أيضاً الفتنة بين المسلمين فلم يقسمه ، ومنع من بيعه لأنه لم يقسم وأقروها حبيساً يولونها من أجمعوا عليه بالرضا، وكانوا لا يجمعون إلا على الأمراء، فلا يحل بيع شيء من أرض السواد ما بين حلوان والقادسية..واشترى جرير أرضاً على شاطىء الفرات فردّ عمر ذلك الشراء وكرهه. ذكر فتح تكريت ، والموصل وفي هذه السنة فتحت تكريت (1) في جمادى ، وسبب ذلك أنّ الأنطاق سار من الموصل إلى تكريت وخَنْدَق فيه عليه ليحمي أرضه ، ومعه الروم ، وإياد، وتغلب ، والنمر، والشهارجة، فبلغ ذلك سعداً فكتب الى عمر فكتب إليه عمر أن سَرِّح إليه عبدالله بن المعتم واستعمل على مقدمته ربعي بن الأفكل ، وعلى ميمنته الحارث بن حسان الذهلي ، وعلى ميسرته فرات بن حيان العجلي ، وعلى ساقته هانىء بن قيس، وعلى الخيل عرفجة بن هرثمة، فسار عبدالله إلى تكريت ونزل على الانطاق فحصره ، ومن معه أربعين يوماً فتزاحفوا أربعة وعشرين زحفاً ، وكانوا أهون شوكة وأسرع أمراً من أهل جلولاء ، وأرسل عبدالله بن المعتم إلى العرب الذين مع اللأنطاق يدعوهم إلى نصرته على الروم وكانوا لا يخفون عليه شيئاً، ولما رأت الروم المسلمين ظاهرين عليهم تركوا أمراءهم ونقلوا متاعهم إلى السفن ، فأرسلت تغلب ، وإياد، والنمر إلى عبدالله بالخبر، وسألوه الأمان وأعلموه أنهم معه ، فأرسل إليهم:إنْ كنتم صادقين بذلك فأسلِموا فأجابوه وأسلموا ، فأرسل إليهم عبدالله:إذا سمعتم تكبيرنا فاعلموا أنّا أخذنا أبواب الخندق فخذوا الأبواب التي تلي دجلة وكبِّروا واقتلوا مَنْ قدرتم عليه. ونهد عبدالله والمسلمون وكبّروا وكبّرت تغلب ، وإياد ، والنمر وأخذوا الأبواب ،فظن الروم أنّ المسلمين قد أتوهم من خلفهم مما يلي دجلة فقصدوا الأبواب التي عليها المسلمون ،وأخذتهم سيوف المسلمين وسيوف الربعيين الذين أسلموا تلك الليلة فلم يفلتَ من أهل الخندق إلا من أسلم من تغلب ، وإباد، والنمر، وأرسل عبدالله بن المعتم ربعي بن الأفكل إلى الحصنين ، وهما نينوى والموصل فسمى نينوى الحصن الشرقي ، وسمى الموصل الحصن الغربي ، وقال:أسبق الخبر وسر ما دون القيل وأحيي الليل وسرح ومعه تغلب ، وإياد، والنمر فقدّمهم ابن الأفكل إلى الحصنين فسبقوا الخبر وأظهروا الظفر والغنيمة وبشروهم ووقفوا بالأبواب وأقبل ابن الأفكل فاقتحم عليهم الحصنين وكلبوا أبوابهما فنادوا بالاجابة إلى الصلح وصاروا ذمة وقسموا الغنيمة، فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف درهم ، وسهم الراجل ألف درهم وبعثوا بالأخماس مع فرات بن حيان وبالفتح مع الحارث بن حسان إلى عمر. وولى حرب الموصل ربعي بن الأفكل ، والخراج عرفجة بن هرثمة..وقيل:إنّ عمر بن الخطاب استعمل عتبة بن فرقد على قصد الموصل وفتحها سنة عشرين فأتاها فقاتله أهل نينوى فأخذ حصنها، وهو الشرقي عنوة وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الغربي وهو الموصل على الجزية ؛ ثم فتح المرج ، وبانهذرا ، وباعذرا ، وحِبتون ، وداسن ، وجميع معاقل الأكراد..وقرْدي ، وبازبدي ، وجميع أعمال الموصل فصارت للمسلمين. ذكر فتح ما سَبَذَان (1) بلغ سعداً أنّ آذين بن الهرمزان قد جمع جمعاً وخرج بهم إلى السهل..فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر ابعث إليهم ضرار بن الخطاب في جُنْدٍ ، واجعل على مقدمته ابن الهذيل الأسدي ، وعلى مجنبتيه عبدالله بن وهب الراسبي ، والمضارب بن فلان العجلي..فأرسل إليهم ضرار بن الخطاب (3) في جيش فالتقوا بسهل سبذان فاقتتلوا، فأسرع المسلمون في المشركين ، وأخذ ضرار آذين أسيراً فضرب رقبته ، ثم خرج في الطلب حتى انتهى إلى السيروان فأخذ ماسبذان عنوة فهرب أهلها في الجبال فدعاهم فاستجابوا له وأقام بها حتى تحوّل سعد إلى الكوفة فأرسل إليه فنزل الكوفة، واستخلف على ماسبذان ابن الهذيل الأسدي فكانت أحد فروج الكوفة.. ذكر فتح قرقيسيا ولما رجع هاشم بن عتبة من جلولاء الى المدائن ، وقد اجتمعت جُموع أهل الجزيرة فأمدوا هرقل على أهل حمص ، وبعثوا جنداً إلى أهل هِيت وكتب بذلك سعد إلى عمر فكتب اليه عمر أن أبعث إليهم عمر بن مالك في جند، وعلى مقدمته الحارث ، وعلى مجنبتيه ربعي بن عامر، ومالك بن حبيب. فأرسل سعد عمر بن مالك بن عتبة بن نوفل بن عبد مناف في جند، وجعل على مقدمته الحارث بن يزيد العامري ، فخرج عمر بن مالك في جنده نحو هِيت فنازل من بها وقد خندقوا عليهم ، فلما رأى عمر بن مالك اعتصامهم بخندقهم ترك الأخبية على حالها وخلف عليهم الحارث بن يزيد يحاصرهم ، وخرج في نصف الناس فجاء قرقيسيا على غرة فأخذها عنوة فأجابوا إلى الجزية ، وكتب إلى الحارث بن يزيد إنْ هُم استجابوا فَخَل عنهم فليخرجوا وإلا فخندِق على خندقهم خندقاً أبوابه مما يليك حتى أرى رأي ، فراسلهم الحارث فأجابوا إلى العَوْد إلى بلادهم فتركهم ، وسار الحارث إلى عمر بن مالك. وفيها غرب عمر بن الخطاب أبا محجن الثقفي إلى ناصع. وفيها تزوج ابن عمر صفية بنت أبي عبيد أخت المختار..وفيها حمى عمر الربَذَة(2) لخيل المسلمين..وفيها ماتت مارية أم ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليها عمر ودفنها بالبقيع في المحرم..وفيها كتب عمر التاريخ بمشورة علي بن أبي طالب..وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب ، واستخلف على المدينة زيد بن ثابت..وكان عماله على البلاد كانوا في السنة قبلها، وكان على حرب الموصل ربعي بن الأفكل ، وعلى خراجها عرفجة بن هرثمة، وقيل:كان على الحرب والخراج بها عتبة بن فرقد، وقيل كان ذلك كله إلى عبدالله بن المُعْتَمّ ، وعلى الجزيرة عياض بن غنم. ثم دخلت سنة سبع عشرة ذكر بناء الكوفة والبصرة في هذه السنة اختُطّت الكوفة، وتَحوّل سعد إليها من المدائن. وكان سبب ذلك أن سعداً أرسل وفداً إلى عمر بهذه الفتوح المذكورة فلما رآهم عمر سألهمِ عن تغير ألوانهم وحالهم ، فقالوا:وخومة البلاد غَيرَتْنَا..فأمرهم عمر أن يرتادوا منزلاَ ينزله الناس..وكان قد حضر مع الوفد نفر من بني تغلب ليعاقدوا عمر على قومهم فقال لهم عمر: أعاقدهم على أنّ من أسلم منكم كان له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، ومَنْ أبى فعليه الجزية..فقالوا:إذن يهربون ويصيرون عجماً. وبذلوا له الصدقة فأبى فجعلوا جزيتهم مثل صدقة المسلم فأجابهم على أنْ لا يُنَصِّرُوا وليداً ممن أسلم آباؤهم..فقالوا:لك ذلك..فهاجر هؤلاء التغلبيون ومَنْ اطاعهم من النمر، وإياد إلى سعد بالمدائن ونزلوا بالمدائن ونزلوا بعد بالكوفة..وقيا، بل كتب حذيفة إلى عمر: " إنّ العرب قد رقّت بطونها، وجفّت أعضادُها، وتغيّرت ألوانها "وكان مع سعد يومئذ فكتب عمر إلى سعد:أخبرني ما الذي غيّر ألوان العرب ولحومهم ؟فكتب إليه سعد:إن الذي غيرهم وخومة البلاد لإنّ العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان. فكتب إليه عمر أنْ ابعث سلمان وحذيفة رائدين فليرتادا منزلاً برياً بحرياً ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر..فأرسلهما سعد فخرج سلمان حتى أتى الأنبار فسار في غربي الفرات لا يرضى شيئاً حتى أتى الكوفة ، وسار حذيفة في شرقي الفرات لا يرض شيئاً حتى أتى الكوفة، وكل رملة وحصباء مختلطين فهو"كوفة " فأتيا عليها، وفيها ديرات ثلاثة:دير حرمة (1)، ودير أم عمرو، ودير سلسلة ، وخصاص خلال ذلك..فأعجبتهما البقعة فنزلا فصليا ودعوا الله تعالى أنْ يجعلهما منزل الثبات ، فلما رجعا إلى سعد بالخبر، وقدم كتاب عمر إليه أيضاً كتب سعد إِلى القعقاع بن عمرو، وعبدالله بن المعتم أن يستخلفا على جندهما ويحضرا عنده ، ففعلا فارتحل سعد بالناس من المدائن حتى نزل الكوفة في المحرم سنة سبع عشرة، وكان بين نزول الكوفة ووقعة القادسية سنة وشهران ، وكان فيما بين قيام عمر واختطاط الكوفة ثلاث سنين وثمانية أشهر. ولما نزلها سعد كتب الى عمر إني قد نزلتُ بالكوفة منزلًا فيما بين الحيرة والفرات برياً وبحرياً ينبت الحلفاء والنصي (2) وخيّرت المسلمين بينها وبين المدائن ، فمن أعجبه المقام بالمدائن تركته فيها كالمسلحة. ولما استقروا بها عرفوا أنفسهم ورجع إليهم ما كانوا فقدوا من قُوتهِم ، واستأذن أهلُ الكوفة في بنيان القصب ، واستأذن فيه أهل البصرة أيضاً، واستقر منزلهم فيها في الشهر الذي نزل أهل الكوفة بعد ثلاث نزلات قبلها فكتب إليهم إن العسكر أشد لحربكم وأذكر لكم وما أحب أن أخالفكم فابتنى أهل المصرَيْن بالقصب ، ثم إن الحريق وقع في الكوفة والبصرة وكانت الكوفة أشد حريقاً في شوال ، فبعث سعد نفراً منهم إلى عمر يستأذنونه في البنيان باللبن فقدموا عليه بخبر الحريق واستئذانه أيضاً فقال:"افعلوا ، ولا يزيدنَ أحدكم على ثلاث أبيات ولا تطاولوا في البنيان ، وألزموا السنة تلزمكم الدولة" فرجع القوم إلى الكوفة بذلك ، وكتب عمر إلى عتبة وأهل البصرة بمثل ذلك ،وكان على تنزيل الكوفة أبو هياج بن مالك..وعلى تنزيل البصرة عاصم بن دلف أبو الجرباء وقدر المناهجٍ أربعين ذراعاً، وما بين ذلك عشرين ذراعاً ، والأزقة سبع أذرع ، والقطائع ستين ذراعا إلّا الذي لبني ضبة وأول شيء خط فيهما وبنى مسجداهما، وقام في وسطهما رجل شديد النزع فرمى في كل جِهَةٍ بسهم وأمر أنْ يبنى ما وراء ذلك ، وبنى ظلة في مقدمة مسجد الكوفة على أساطين رخام من بناء الأكاسرة في الحيرة، وجعلوا على الصحن خندقاً لئلا يقتحمه أحد ببنيان..وبنوا لسعدٍ داراً بحياله بينهما طريق منقب مائتي ذراع ، وجعل فيها بيوت الأموال وهي قصر الكوفة اليوم بناه روزبه من آجر بنيان الأكاسرة بالحيرة ، وجعل الأسواق على شبه المساجد مَنْ سَبَق الى مقعدٍ فهو له حتى يقوم منه إلى بيته ،ويفرغ من بيعه. وبلغ عمر أنّ سعداً قال - وقد سمع أصوات الناس من الأسواق - سكّنُوا عني ، الصويت ، وأن الناس يسمونه " قصر سعد "، فبعث محمد بن مسلمة الى الكوفة وأمره ا أنْ يحرق باب القصر ثم يرجع ، ففعل ، فبلغ سعداً ذلك فقال:" هذا رسولٌ أرسل لهذا ، فاستدعاه سعد فأبى أنْ يدخل إليه فخرج إليه سعد وغرَض عليه نفقة فلم يأخذ، وأبلغه كتاب عمر إليه: بلغني أنك اتخذت قصراً جعلته حصناً ويسمى " قصر سعد " لا بينك وبين الناس باب ، فليس بقصرك ولكنه قصر الخبال انزل منه مما يلي بيوت الأموال وأغلقه ، ولا تجعل على القصر باباً يمنع الناس من دخوله وتنفيهم به عن حقوقهم ليوافقوا مجلسك ومخرجك من دارك إذا خرجت فحلف له سعد ما قال الذي قالوا، فرجع محمد أ مِنْ فوره حتى إذا دنا من المدينة فني زاده فتبلغ بلحاء من لحاء الشجر، فقدِم المدينة فأبلغ عمر قول سعد فصدقه وقال:" هو أصدق ممن رُوِيَ عليه ومن أبلغني(1) ".وكانت ثغور الكوفة أربعة، حلوان ، وعليها القعقاع ، وماسَبذان ، وعليها ضرار بن الخطاب ، وقرقيسيا، وعليها عمر بن مالك ، أو عمرو بن عتبة بن نوفل ، والموصل وعليها عبدالله بن المعتم..وكان بها خلفاؤهم إذا غابوا عنها، وولى سعد الكوفة بعدما اختطت ثلاث سنين ونصفاً سوى ما كان بالمدائن قبلها. * * * ذكر خبر حِمْص حين قصد هرقل مَن بها من المسلمين وفي هذه السنة قصد الروم أبا
ذكر فتح بيت المقدس وهو إيلياء الباب الثاني (ذاكرة من التاريخ الاسلامي)