هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى بيت الأسرة
نرحب مجددا بجميع أعضاء بيت الأسرة ,, ويسعدنا تننشيط عضويتكم بالتواصل على جوالي بالنسبة للأعضاء ,, وعلى جوال أم عبدالله بالنسبة للأخوات ,, وبامكان الجميع التواصل معي على ايميلي aabohadi @hotmail.com ,, متمنين للجميع سنة جميلة مليئة بالحب والتواصل
ذكر فتح دمشق الباب الثاني (من ذاكرة التاريخ الاسلامي)
كاتب الموضوع
رسالة
ماجد قادري عضو ذهبي
نقاط : 8853 سمعة العضو : 5 الموقع : صبيا
موضوع: ذكر فتح دمشق الباب الثاني (من ذاكرة التاريخ الاسلامي) الجمعة أبريل 30, 2010 3:36 am
ذكر فتح دمشق قيل:ولما هزم الله أهل اليرموك وتهافت أهل الواقصة(1) وفرغ من المقاسم والأنفال وبعث بالأخماس وسرحت الوفود استخلف أبو عبيدة على اليرموك بشير بن كعب الحميري وسار حتى نزل بالصفر وهو يريد اتباع الفالة ، ولا يدري يجتمعون أو يفترقون ؟ فأتاه الخبر أن المنهزمين اجتمعوا بفِحْل (2) وأتاه الخبر أيضاً بأنّ المدد قد أتى أهل دمشق من حمص فهو لا يدري بدمشق يبدأ أم بفحل في بلاد الأردن ؟ فكتب إلى عمر في ذلك فأجابه عمر يأمره بأن يبدأ بدمشق ، فانهدوا لها فإنها حصن الشام ، وبيت ملكهم ، وأن يشغل أهل فحل بخيل تكون بإزائهم ، وإذا فتح دمشق سار إلى فحل ، فإذا فتحت عليهم سار هو وخالد إلى حمص وترك شرحبيل بن حسنة وعَمْراً بالأردن وفلسطين...فأرسل أبو عبيدة إلى فحل طائفة من المسلمين فنزلوا قريباً منها، وبثق(3) الروم الماء حول فحل ، فوحلت الأرض ، فنزل عليهم المسلمون فكان أول محصور بالشام أهل فحل ، ثم أهل دمشق..وبعث أبو عبيدة جنداً فنزلوا بين حمص ودمشق ، وأرسل جنداً آخر فكانوا بين دمشق وفلسطين ، وسار أبو عبيدة ، وخالد فقدِموا على دمشق ، وعليها نِسْطَاس فنزل أبوعبيدة على ناحية ، وخالد على ناحية ، وعَمْرو على ناحية ، وكان هِرَقل قريب من(4) حمص فحصرهم المسلمون سبعين ليلة حصاراً شديداً وقاتلوهم بالزحف ، والمجانيق ، وهم معتصمون بالمدينة يرجون الغياث ، وجاءت خيول هرقل مغيثة دمشق فمنعتها خيول المسلمين التي عند حمص فَخُذِلَ أهلِ دمشق ، وطمع فيهم المسلمون ، ووُلد للبطريق الذي على أهلها مولود..فصنع طعاماَ فأكلَ القوم وشربوا وتركوا مواقفهم ، ولا يعلم بذلك أحذ من المسلمين إلّا ما كان من خالد فإنه كان لا ينام ولا ينيم ولا يخفى عليه من أمورهم شيء ، عيونه ذاكية، وهو مَعْنِى بما يليه، وكان قد اتخذ حبالاً كهيئة السلاليم ، وأوهاقاً، فلما أمسى ذلك اليوم نهض هو ومن معه من جنده الذين قَدِم عليهم ، وتقدمهم هو والقعقاع بن عمرو، ومذعور بن عَدي..وأمثاله ، وقالوا:إذا سمعتم تكبيراً على السور فأرقوا إلينا، وقصدوا الباب..فلما وصل هو وأصحابه إلى السور ألقوا الحبال فعلق بالشرف منها حبلان. فصعد فيهما القعقاع ومذعور وأثبتا الحبال بالشرف ،وكان ذلك المكان أحصن موضع بدمشق ، وأكثره ماء وأشده مدخلاً فصعِد المسلمون ، ثم انحدر خالد وأصحابه ، وترك بذلك المكان مَنْ يحميه ، وأمرهم بالتكبير فكبروا ، فأتاهم المسلمون إلى الباب وإلى الحبال ، وانتهى خالد إِلى من يليه فقتلهم ، وقصد الباب فقتل البوابين ، وثار أهلُ المدينة لا يدرون ما الحال ، وتشاغل أهلُ كل ناحية بما يليهم ، وفتح خالد الباب ، وقتل كل من عنده من الروم ، فلما رأى الروم ذلك قصدوا أبا عبيدة وبذلوا له الصلح ، فقبِلَ منهم ، وفتحوا له الباب ، وقالوا له:ادخل وامنعنا مِنْ أهل ذلك الجانب..ودخل أهلُ كل بابَ بصلح مما يليهم ، ودخل خالد عنوة فالتقى خالد والقواد في وسطها هذا قتلاً ونهباً، وهذا صفحاً وتسكيناً فاجروا ناحية خالد مجرى الصلح ، وكان صُلْحُهُم على المقاسمة ، ؟قسموا معهم للجنود التي عند فحل وعند حمص وغيرهم ممن هو رَدْءٌ للمسلمين ، وأرسل أبو عبيدة إلى عمر بالفتح ، فوصل كتاب عمر إلى أبي عبيدة يأمره بإرسال جُنْدِ العراق نحو العراق إلى سعد بن أبي وقاص ، فأرسلهم ، وأمّر عليهم هاشم بن عتبة المرقال ، وكانوا قد قتل منهم فأرسل أبو عبيدة عِوَض مَنْ قتل ، وكان مس أرسل الأشتر وغيره ، وسار أبو عبيدة إلى فِحْل. ذكر غزو فِحْل. فلما فتحت دمشق سار أبو عبيدة إلى فِحل ، واستخلف على دمشق يزيد بن أبي سفيان في خيله، وبعث خالداً على المقذَمة، وعلى الناس شرحبيل بن حسنة، وكان على المجنبتين أبو عبيدة، وعمرو بن العاص ، وعلى الخيل ضرار بن الأزور، وعلى الرجال عياض بن غنم ، وكان أهل فحل قد قصدوا بيسان فهَمَّ بها فنزل شرحبيل بالناس فحلاً وبينهم وبين الروم تلك المياه والأوحال ، وكتبوا إلى عمر بالخبر وهم يحدثون أنفسهم بالمقام ، ولا يريدون أن يريموا فحلاً حتى يرجع جواب كتابهم من عند عمر، ولا يستطيعون الإقدام على عدوهم في مكانهم لما دونهم من الأوحال ، وكانت العرب تسمي تلك الغزاة ذات الردغة وبيسان وفحل ، وأقام الناس ينتظرون كتاب عمر، فاغترهم الروم فخرجوا، وعليهم سقلار بن مخراق ورجوا أن يكونوا على غِرة فأتوهم والمسلمون حذِرُون ، وكان شرحبيل لا يبيت ولا يصبح إلا على تعبية، فلما هجموا على المسلمين لم يناظروهم..فاقتتلوا أشد قتال..كان لهم ليلتهم ويومهم إلى الليل وأظلم الليل عليهم وقد حاروا فانهزم الروم وهم حيارى، وقد أصيب رئيسهم صقلار، والذي يليه فيهم نسطوس ، وظفر المسلمون بهم أحسن ظفر وأهنأه، وركبوهم ولم تعرف الروم مأخذهم فانتهت بهم الهزيمة إلى الوحل فركبوه ، ولحقهم المسلمون فأخذوهم ، ولا يمنعون يدَ لامس ، فوخزوهم بالرماح ، فكانت الهزيمة بفحل والقتل بالرداغ فأصيب الروم وهم ثمانون ألفاً لم يفلت منهم إلا الشريد، وقد كان الله يصنع للمسلمين ، وهم كارهون ، كرهوا البثوق والوحل فكانت عوناً لهم على عدوهم وأناةٌ من الله ليزدادوا بصيرة وجِدًّا ، وغنموا أموالهم فاقتسموها ، وانصرف أبو عبيدة بخالد، ومن معه إلى حمص..وممن قُتلَ في هذه الحرب السائب بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي له صحبة. ذكر فتح بلاد ساحل دمشق لما استخلف أبو عبيدة يزيد بن أبي سفيان على دمشق ، وسار إلى فِحْل ؟ وسار يزيد إلى مدينة صيدا، وعرقة، وجبيل ، وبيروت ، وهي سواحل دمشق على مقدمته أخوه معاوية ففتحها فتحاً يسيراً وجلا كثيراً من أهلها، وتولى فتح عرقة معاوية بنفسه في ولاية يزيد..ثم إنّ الروم غلبوا على بعض هذه السواحل في آخر خلافة عمر، وأول خلافة عثمان فقصدهم معاوية ففتحها، ثم رمها وشحنها بالمقاتلة، وأعطاهم القطائع ، ولما ولي عثمان الخلافة وجمع لمعاوية الشام وجه معاوية سفيان بن مجيب الأزدي إلى طرابلس ؟ وهي ثلاث مدن مجتمعة ثم بنى في مرج على أميال منها حصناً سمي حصن سفيان ، وقطع المادة عن أهلها من البر والبحر، وحاصرهم ، فلما اشتد عليهم الحصار اجتمعوا في أحد الحصون الثلاثة وكتبوا إلى ملك الروم يسألونه أنْ يمدهم أو يبعث إليهم بمراكب يهربون فيها إلى بلاد الروم فوجه اليهم بمراكب كثيره ركبوا فيها ليلاً وهربوا، فلما اصبحِ سفيان وكان يبيت هو والمسلمون في حصنه ثم يغدو على العدو فوجد الحصن خالياَ فدخله ، وكتب بالفتح إلى معاوية، فأسكنه معاوية جماعةً كثيرةً من اليهود، وهو الذي فيه الميناء اليوم ، ثم بناه عبد الملك بن مروان وحصّنه ، ثم نقض أهلُه أيام عبد الملك ففتحه ابنه الوليد في زمانه ذكر فتح بيسان وطبرِيّة لما قصد أبو عبيدة حِمْص من فحل أرسل شرحبيل ومن معه إلى بيسان ، فقاتلوا أهلها فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، ثم صالحهم مَنْ بقي على صلح دمشق فقبل ذلك منهم وكان أبو عبيدة قد بعث بالأعور إلى طبرية يحاصرها، فصالحه أهلها على صلح دمشق أيضاً وأن يشاطروا المسلمين المنازل فنزلها القواد وخيولها وكتبوا بالفتح إلى عمر..قال أبو جعفر: وقد اختلفوا في أي هذه الغزوات كان قبل الأخرى ، وقيل:إن المسلمين لما فرغوا من أجنادَين اجتمع المنهزمون بفِحْل فقصدها المسلمون فظفروا بها، ثم لحق المنهزمون من فحل بدمشق فقصدها المسلمون فحاصروها وفتحوها، وقدم كتاب عمر بن الخطاب بعزل خالد، وولاية أبي عبيدة، وهم محاصرون دمشق..فلم يُعَرًفْهُ أبو عبيدة ذلك حتى فرغوا من صلح دمشق ، وكتم الكتاب باسم خالد، وأظهر أبو عبيدة بعد ذلك عزله ، وكانت فِحْل في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة، وفتح دمشق في رجب سنة أربع عشرة..وقيل إن وقعة اليرموك كانت سنة خمس عشرة، ولم تكن للروم بعدها وقعة وإنما اختلفوا لقُرْب بعض ذلك من بعض. ذكر خبر المثنى بن حارثة، وأبي عُبَيْد بن مسعود (عود إلى حرب الفرس) قد ذكرنا قدوم المُثَنى بن حارثة الشيباني من العراق على أبي بكر ووصية أبي بكر عمر بالمبادرة الى إرسال الجيوش معه ، فلما أصبح عمر من الليلة التي مات فيها أبوبكر كان أول ما عمل أنْ ندب الناس مع المثنى بن حارثة الشيباني ، إلى أهل فارس قبل صلاة الفجر ثم بايع الناس ثم ندب الناس وهو يبايعهم ثلاثاً، ولا ينتدب أحدٌ إلى فارس ، وكانوا أثقل الوجوه على المسلمين وأكرهها إليهم لشدة سلطانهم وشوكتهم وقهرهم الأمم ، فلما كان اليوم الرابع ندب الناس إلى العراق ، فكان أول منتدب أبو عُبَيْد بن مسعود الثقفي وهو والد المختار، وسعد بن عبيدة الأنصاري ، وسليط بن قيس ، وهو ممن شهد بَدْراً ، وتتابع الناس وتكلم المثنى بن حارثة فقال:"أيها الناس لا يعظمنَّ عليكم هذا الوجه فإنّا قد فتحنا ريف فارس وغلبناهم على خَيْر شِقَّى السواد؛ وشاطرناهم ويخلْنَا منهم واجترأنا عليهم ولنا إنْ شاء اللَهُ ما بعدها" فاجتمع الناس (1) فقيل لعمر: أقِر عليهم رجلَاَ من السابقين من المهاجرين أو الأنصار قال:لا والله لا أفعل إنما رفعهم الله تعالى بسَبْقهم ومسارعتهم إلى العدو فإذا فعل فِعْلَهم قومٌ وتثاقلوا كان الذين ينفرون خفافاً وثقَالاً ويسبقون إلى الدفع أولى بالرياسة منهم ، والله لا أؤمر عليهم إلا أولهم أنتداباً ثم دعا أبا عُبَيْد ، وسعداً ، وسليطاً وقال لهما:لو سبقتماه لوليتكما ولأدركتما بها إلى مالكما من السابقة فأمَرَ أبا عبيد على الجيش وقال له:اسمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشركهم في الأمر ولا تجتهد مسرعاً حتى تتبين ولم يمنعني أن أؤمر سليطاً إلا سرعته إلى الحرب ، وفي التسرع إلى الحرب ضياع الأعراب فإنه لا يصلحها إلا الرجل المكيث ، وأوصاه بجنده ، فكان بعث أبي عبيد أول جيش سيّره عمر، ثم بعده سير يعلى بن مُنْيَة إلى اليمن وأمره بإجلاء أهل نجران بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن لا يجتمع بجزيرة العرب دينان. ذكر خبر النمارق فسار أبو عبيد الثقفي ، وسعد بن عبيد ، وسليِط ين قيس الأنصاريان ، والمثنى بن حارثة الشيباني أحد بني هند من المدينة، وأمر عمر المثنى بالتقدم إلى أنْ يقدم عليه أصحابه وأمرهم باستنفار مَنْ حسن إسلامه من أهل الردة ففعلوا ذلك ، وسار المثنى فقدم الحيرة، وكانت الفرس تشاغلت عن المسلمين بموت شهر براز حتى أصطلحوا على سابور بن شهريار بن اردشير فثارت به آزرميدخت فقتلته وقتلت الفرخزاد وملكت بوران وكانت عدلاً بين الناس حتى يصطلحوا فأرسلت إلى رستم بن الفرخزاد بالخبر وتحثه على السير، وكان على فرج خراسان فأقبل لا يلقى جيشاً لازرميدخت إلا هزمه حتى دخل المدائن فاقتتلوا وهزم سياوخش وحصره ازرميدخت بالمدائن ، ثم افتتحها رستم وقتل سياوخش وفقأ عين آزرميدخت وتصب بوران ودعته إلى القيام بأمر أهل فارس وشكت إليه تضعضعهم وإدبار أمرهم على أن تملكه عشر سنين ، ثم يكون الملك في آل كسرى إنْ وَجَدوا من غلمانهم أحداً وإلّا ففي نسائهم.فقال رستم:أما أنا فسامعٌ مطيع غير طالب عِوَضاً ولا ثواباً..فقالت بوران:اغد عليّ..فغدا عليها ودعت مرازبة فارس وأمرتهم أنْ يسمعوا له ويطيعوا وتوّجته فدانت له فارس قبل قدوم أبي عبيد ، وكان منجِّماً حسن المعرفة بالحوادث ، فقال له بعضهم:ما حملك على هذا الأمر وأنت ترى ما ترى؟ قال:حب الشرف والطمع..ثم قدِم المثنى إلى الحيرة ، وقدِم أبو عبيد بعده بشهر فكتب رستم إلى الدهاقين أنْ يثوروا(1) بالمسلمين ، وبعث في كل رستاق رجلاً يثوربأهله ، فبعث جابان إلى فرات بادَقلي ، وبعث نرسي إلى كسكر ووعدهم يوماً ، وبعث جنداً لمصادمة المثنى ، وبلغ المثنى الخبر فضم إِليه مسالحه فحذر، وعجل جابان ونزل النمارق وثاروا وتوالوا على الخروج ، وخرج أهل الرساتيق من أعلى الفرات إلى أسفله ، وخرج المثنى من الحيرة فنزل خَفان (1) لئلا يؤتى من خلفه بشيء يكرهه ، وأقام حتى قَدِمَ عليه أبو عبيد، فلما قدم لبث أياماً يستريح هو وأصحابه واجتمع إلى جابان بشرٌ كثير فنزل النمارق ، وسار إليه أبو عبيد فجعل المثنى على الخيل ، وكان على مجنبتي جابان جشنس ماه ، ومردانشاه فاقتتلوا بالنمارق قتالاً شديداً فهزم الله أهل فارس وأسر جابان أسره مطر بن فضة التيمي ، وأسر مردانشاه أسره أكْتَل بن شماخ العكلي فقتله. وأما جابان فإنه خدع مطراً وقال له:هل لك أنْ تؤمنني وأعطيك غلامين أمردين خفيفين في عَمَلِك..وكذا وكذا؟ ففعل فخَلا عنه فأخذه المسلمون وأتوا به أبا عبيد وأخبروه أنه جابان وأشاروا عليه بقتله فقال:إنّي أخاف الله أنْ أقتله وقد أمّنه رجلٌ مسلم والمسلمون في التوادد والتناصر كالجسد الواحد ما لزم بعضهم فقد لزم كلهم فقالوا له:إنه الملك..قال:وإنْ كان لا أغدر..فتركه، وتركوه ، وأرسل في طلب المنهزمين حتى أدخلوهم عسكر نرسي وقتلوا منهم. ذكر وقعة السقاطية بكسكر(2) ولحق المنهزمون نحو كسكر وبها نرسي وهو ابن خالة الملك ، وكان له النرسيان وهو نوع من التمر يحميه لا يأكله إلا مَلِكُ الفُرْسِ أومَنْ أكرموه بشيء منه ، ولا يغرسه غيرهم ، واجتمع إلى النرسي الفالة ، وهو في عسكره ، فسار أبو عبيد إليهم من النمارق فنزل على نرسي بكسكر، وكان المثنى في تعبيته التي قاتل فيها بالنمارق ، وكان على مجنبتي نرسي ، بندويه ، وتيرويه ابنا بسطام خال الملك ، ومعه أهل باروسما، والزوابي..ولما بلغ الخبر بوران ورستم بهزيمة جابان بعثا الجالينوس إلى نرسي فلحقه قبل الحرب فعاجلهم أبو عبيدة فالتقوا أسفل من كسكر بمكان يُدْعَى السقاطية فاقتتلوا في صحارى ملس قتالاً شديداً ، ثم انهزمت فارس وهرب نرسي ، وغلب المسلمون على عسكره وأرضه وجمعوا الغنائم ، فرأي أبو عبيد من الأطعمة شيئاً كثيراً فنفله مَنْ حوله من العرب وأخذوا النرسيان فأطعموه الفلاحين وبعثوا بخُمْسِهِ إلى عمر، وكتبوا إليه أنّ الله أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة تحميها وأحببنا أن تروها لتشكروا إنعام الله وإفضاله. وأقام أبو عبيد وبعث المثنى إلى باروسما، وبعث والقا إلى الزوابي ، وعاصماًإلى نهر جُور فهزموا مَنْ كان تجمّع ، وأخربوا وسبوا أهل زَنْدوَرْد(1) وغيرها وبذل لهم فروخ وفراونداذ عن أهل باروسما، والزوابي وكسكر الجزاء معجلاً فأجابوا إلى ذلك وصاروا صُلْحاً وجاء فروخ وفرا ونداذ إلى أبي عبيد بأنواع الطعام والأخبصة(2) وغيرها فقال:هل أكرمتم الجند بمثلها؟فقالوا:لم - يتيسر ونحن فاعلون - وكانوا يتربصون قدُوم الجالينوس..فقال أبوعبيد: لا حاجة لنا فيه ، بئس المرءُ أبو عبيد إنْ صحب قوماً من بلادهم استأثر عليهم بشيء ، ولا والله لا آكل ما أتيتم به ولا مما أفاء الله إلا مثل ما يأكل أوساطهم. فلما هُزم الجالينوس أتوه بالأطعمة أيضاً فقال:ما آكل هذا دون المسلمين فقالوا له:ليس من أصحابك أحد إلا وقد أتي بمثل هذا فأكل حينئذ. ذكر وقعة الجالينوس ولما بعث رستم الجالينوس أمره أن يبدأ بنرسي ، ثم يقاتل أبا عبيد فبادره أبو عبيد إلى نرسي فهزمه ، وجاء الجالينوس فنزل بباقسياثا من باروسما فسار إليه أبو عبيد وهو على تعبيته فالتقوا بها فهزمهم المسلمون وهرب الجالينوس ، وغلب أبو عبيد على تلك البلاد، ثم ارتحل حتى قدم الحيرة، وكان عمر قد قال له:إنك تقدم على أرض المكر! والخديعة والخيانة والجبرية ، تَقْدُم على قوم تجرأوا على الشر فعلموه ، وتناسوا..الخير فجهلوه ، فانظر كيف تكون ؟ واحرز(1) لسانك ، ولا تفشين سرك فإنّ صاحب السر ما يضبطه متحصن لا يؤتى من وجه يكرهه ، وإذا ضيعه كان بمضيعة. ذكر وقعة قُسّ الناطف (2) ويقال لها " الجسر " ويقال " المروحة "(3) - وقتل أبي عبيد بن مسعود ولما رجع الجالينوس إلى رستم منهزماً ومن معه من جُنده قال رستم:أقي العجم أشد على العرب فيما ترون؟ قالوا:بهمن جاذويه المعروف بذي الحاجب - وإنما قيل له:ذا الحاجب لأنه كان يعصب حاجبيه بعصابة ليرفعهما كِبْراً - فوجَهه ومعه فيلة ، ورد الجالينوس معه وقال لبهمن:إنْ انهزم الجالينوس ثانية فاضرب عنقه..فاقبل بهمن جاذويه ومعه دِرَفش كابيان راية كسرى كانت من جلود النمر عرض ثماني أذرع وطول اثنتي عشرة ذراعاً، فنزل " بقسّ الناطف "، وأقبل أبو عبيد فنزل " بالمروحة "، فرأت دومة امرأته أم المختار أن رجلًا نزل من السماء بإناء فيه شراب فشرب أبو عبيد ومعه نفر، فأخبرت بها أبا عبيد فقال:"لهذه إنْ شاء الله الشهادة"، وعهد إلى الناس فقال:"إنْ قتلتُ فعلى الناس فلان ،فإن قُتل فعليهم فلان ! ، حتى أمّر الذين شربوا من الإناء على الولاء من كلامه..ثم قال:فإنْ قتل فعلى الناس المثنى. وبعث إليه بهمن جاذويه إما أنْ تعبروا إلينا وندعكم والعبور، وإما أنْ تَدَعُونا نعبر إليكم ، فنهاه الناس عن العبور ونهاه سليط أيضاً فلجّ وترك الرأي وقال:"لا يكونوا أجرأ على الموت منا"، فعبر إليهم على جسر عقده ابن صلوبا للفريقين ، وضاقت الأرض بأهلها واقتتلوا ، فلما نظرت الخيول إلى الفيلة والخيل عليها التجافيف رأت شيئاً منكراً لم تكن رأتْ مثله (فجعل المسلمون إذا حملوا عليهم) فلم تقدم عليهم (خيولهم) وإذا حملت الفرس على المسلمين بالفيلة والجلاجل فرقت خيولهم وكراديسهم ورموهم بالنشاب واشتد الأمرُ بالمسلمين ، فترجل أبو عبيد والناس ثم مشوا إليهم ، ثم صافحوهم بالسيوف فجعلت الفيلة لا تحمل على جماعة إلا دفعتهم ، فنادي أبو عبيد احتوشوا الفيلة ، واقطعوا بِطَانَها(1) ، واقلبوا عنها أهلها ، ووثب هو على الفيل الأبيض فقطع بطانه ووقع الذين عليه وفعل القوم مثل ذلك فما تركوا فيلاً إلا حطوا رحله ، وقتلوا أصحابه وأهوى الفيل لأبي عبيد فضربه أبو عبيد بالسيف وخبطه الفيل بيده فوقع فوطئه الفيل وقام عليه ، فلما بَصُرَ به الناسُ تحت الفيل خشعتْ أنفسُ بعضهم..ثم أخذ اللواء الذي أقره بعده فقاتل الفيل حتى تنحى عن أبي عبيد فأخذه المسلمون فأحرزوه ، ثم قتل الفيل الأمير الذي بعد أبي عبيد وتتابع سبعة أنفس من ثقيف كلهم يأخذ اللواء، ويقاتل حتى يموت ، ثم أخذ اللواء المثنى فهرب عنه الناس ، فلما رأى عبدالله بن مرثد الثقفي ما لقي أبو عبيد وخلفاؤه ، وما يصنع الناس بادرهم إلى الجسر فقطعه ؛ وقال:يا أيها الناس موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تظفروا، وحاز المشركون المسلمين إلى الجسر فتواثب بعضهم إلى الفرات فغرق مَنْ لم يصبر، واسرعوا فيمن صبر، وحمى المثنى وفرسان من المسلمين الناس وقال:أنا دونكم فاعبروا على هينتكم ولا تدهشوا (فإنا لن نزايل حتى نراكم من ذلك الجانب) ولا تغرقوا نفوسكم (فعبروا الجسر)..وقاتل عروة بن زيد الخيل قتالاً شديداً وأبو محجن الثقفي ، وقاتل أبو زبيد الطائي حَمِية للعربية وكان نصرانياً قَدِم الحيرة لبعض أمره ونادي المثَنى:مَن عَبَر نجا، فجاء العلوج فعقدوا الجسر وعبر الناس وكان آخر من قتل عند الجسر سليط بن قيس ، وعبر المثنى وحمى جانبه ، فلما عبر أرفض عنه أهل المدينة (حتى لحقوا بالمدينة، وتركها بعضهم ونزلوا البوادي)، وبقي المثنى قي قلة ، وكان قد جُرِحَ وأثبت فيه حلق من درعه (هتكهن)، وأخبر عمر عما سار في البلاد من الهزيمة استحياء فاشتد عليه ، (ذلك ورحمهم)، وقال:"اللهم إن كل مسلم في حِل مني ، أنافئةُ كُل مسلم ، يرحم الله أبا عبيد لو كان انحاز إليّ لكنتُ له فئة..وهلك من المسلمين (يومئذ) أربعة آلاف بين قتيل وغريق ، وهرب ألفان ، وبقي ثلاثة آلاف..وقتل من الفرس ستة آلاف ، وأراد بهمن جاذويه العبور خلف المسلمين فأتاه الخبر باختلاف الفرس وأنهم قد ثاروا برستم ونقضوا الذي بينهم وبينه وصاروا فريقين الفهلوج على رستم ، وأهل فارس على الفيرزان ، فرجع إلى المدائن..وكانت هذه الوقعة في شعبان..وكان فيمن قتل بالجسر عقبة، وعبدالله ابنا قبطي بن قيس ، وكانا شَهِدا أحداً؟وقتل معهما أخوهما عباد ولم يشهد معهما أحداً، وقتل أيضاً قيس بن السكن بن قيس أبو زيد الأنصاري وهو بدري لا عقب له ، وقتل يزيد بن قيس بن الخطيم الأنصاري شهد أحداً ، وفيها قتل أبو أمية الفزاري له صحبة، والحكم بن مسعود أخو أبي عبيد، وابنه جبر بن الحكم بن مسعود..ذكر خبر ألَيِّس الصغرى لما عاد ذو الحاجب لم يشعر جابان ومردانشاه بما جاء به من الخبر فخرجا حتى أخذا بالطريق ، وبلغ المثنى فعلهما فاستخلف على الناس عاصم بن عمرو وخرجِ في جريدة خيل يريدهما ، فظنا أنه هارب فاعترضاه فأخذهما أسيرين ، وخرج أهل أليّس على أصحابهما فأتوه بهم أسرى وعقد لهم بها ذمة وقتلهما، وقتل الأسرى، وهرب أبو محجن من ألَيّس ولم يرجع مع المثنى بن حارثة. ذكر وقعة البُوَيْب (1) لما بلغ عمر خبر وقعة أبي عبيد بالجسر ندب الناس إلى المثنى، وكان فيمن ندب بجيلة وأمرهم إلى جرير بن عبدالله لأنه كان قد جمعهم من القبائل وكانوا متفرقين فيها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمعهم فوعده ذلك ، فلما ولي أبو بكر تقاضاه بما وعده النبي صلى الله عليه وسلم فلم يفعل ؟ فلما ولي عمر طلب منه ذلك دعاه بالبينة فأقامها له فكتب الى عماله أنه مَنْ كان يُنْسَب إلى بجيلة في الجاهلية وثبت عليه في الإسلام فأخرجوه إلى جرير ففعلوا ذلك ، فلما اجتمعوا أمرهم عمر بالعراق وأبوا إلّا الشام فعزم عمر على العراق وينفلهم ربع الخمس فأجابوا وسيّرهم إلى المثنى بن حارثة، وبعث عصمة بن عبدالله الضبي فيمن تبعه إلى المثنى. وكتب إلى أهل الردة(1) فلم يأته أحد إلا رمى به المثنى ، وبعث المثنى الرسل فيمن يليه من العرب فتوافوا إليه في جمع عظيم ، وكان فيمن جاءه أنس بن هلال النمري في جمع عظيم من النمر نصارى، وقالوا:نقاتل مع قومنا..وبلغ الخبر رستم ، والفيرزان فبعثا مهران الهمذاني إلى الحيرة فسمع المثنى ذلك وهو بين القادسية وخفان فاستبطن فرات بادقلي وكتب إلى جرير وعصمة وكل من..أتاه ممداً له يعلمهم الخبر ويأمرهم بقَصْد البويب فهو الموعد فانتهوا إلى المثنى وهو بالبُوَيْب ومهران بإزائه من وراء الفرات ، فاجتمع المسلمون بالبويب مما يلي الكوفة اليوم وأرسل مهران إلى المثنى يقول:إما أنْ تعبر إلينا وإما أنْ نعبر إليك ، فقال المثنى:اعبروا..فعبر مهران فنزل على شاطىء الفرات وَعَبى المثنَى أصحابه وكان في رمضان فأمرهم بالِإفطار ليقووا على عدوهم فأفطروا، وكان على مجنبتي المثنى بشير بن الخصاصية وبُسْر بن أبي رُهْم ، وعلى مجردته المعني أخوه ، وعلى الرَّجال مسعود أخوه ، وعلى الردء مذعور، وكان على مجنبتي مهران بن الازاذبه مرزبان الحيرة، ومردانشاه ، وأقبل الفرس في ثلاثة صفوف مع كل صف فيل ورجلهم أمام فيلهم ولهم زجل..فقال المثنى للمسلمين:إنّ الذي تسمعون فشل فالزموا الصمت وائتمروا همسا، ودنوا من المسلمين ؛ وطاف المثنى في صفوفه يعهد إليهم ، وهو على فرسه "الشموس" وإنما سمي بذلك للينه وكان لا يركبه إِلا إذا قاتل فوقف على الرايات رايةً رايةً يحرَضْهُم ويأمرهم بأمره ويهزهم بأحسن ما فيهم ، ولكلهم يقول:"إني لأرجو أنْ لا يؤتى الناس من قِبَلِكُمُ اليوم ، والله ما يسرُنِي اليوم لنفسي شيءٌ إلا وهو يسرني لعامتكم " فيجيبونه بمثل ذلك ، وأنصفهم من نفسه في القول والفعل وخلط الناس في المحبوب والمكروه فلم يقدر أحد أن يعيب له قولاً ولا فعلاً، وقال:إني مُكَبِّرٌ ثلاثاً فتهيأوا ثم املوا في الرابعة..فلما كبّر أول تكبيرة أعجلتهم فارس وخالطوهم مع أول تكبيرة، وركدت خيلهم وحربهم ملياً فرأي المثنى خللًا في بني عجل فجعل يمد لحيته لما يري منهم وأرسل إليهم يقول:الأمير يقرأ عليكم السلام ويقول:لا تفضحوا المسلمين اليوم..فقالوا:نعم ، واعتدلوا فضحك فرحاً، فلما طال القتال واشتد..قال المثنى لأنس بن هلال النمري:إنّك امرؤٌ عربي وإنْ لم تكن على ديننا فإذا رأيتني قد حملتُ على مهران فاحمل معي. فأجابه فحمل المثنى على مهران فأزاله حتى دخل في ميمنته..ثم خالطوهم ، واجتمع القلبان ، وارتفع الغبار والمجنبات تقتتل لا يستطيعون أنْ يفرغوا لنصر أميرهم لا المسلمون ولا المشركون ، وارتث مسعود أخو المثنى يومئذ وجماعة من أعيان المسلمين ، فلما أصيب مسعود تضعضع من معه ، فقال:يا معشر بكر ارفعوا رايتكم رفعكم الله ولا يهولنكم مصرعي وكان المثنى قال لهم:إذا رأيتمونا أصِبْنَا فلا تدعوا ما أنتم فيه فإن الجيش ينكشف ثم ينصرف ، ألزموا مصافكم واغنوا عمن يليكم ، واوجع قلب المسلمين في قلب المشركين..وقَتَل غلامُ نصراني من تغلب مهران واستوى على فرسه ثم انتمى(1) "أنا الغلام التغلبي ، أنا قتلت المرزبان أ..فجعل المثنى سلبه لصاحب خيله ، وكان التغلبي قد جلب خيلاً هو وجماعة من تغلب ، فلما رأوا القتال قاتلوا مع العرب. قال:وأفنى المثنى قلب المشركين والمجنبات بعضها يقاتل بعضاً، فلما رأوه قد أزال القلب وأفنى أهله وَثَب مجنبات المسلمين على مجنبات المشركين ، وجعلوا يردون الأعاجم على أدبارهم ، وجعل المثنى والمسلمون في القلب يدعون لهم بالنصر ويرسل إليهم من يذمرهم ويقول لهم:عاداتكم في أمثالهم انصروا الله ينصركم له ، حتى هزموا الفرس ، وسبقهم المثنى إلى الجسر وأخذ طريق الأعاجم فافترقوا بشاطىء الفرات مصعدين ومنحدرين ، وأخذتهم خيول المسلمين حتى قتلوهم وجعلوهم جثثاً، فما كانت بين المسلمين والفرس وقعة أبقى رمة منها بقيت عظام القتلى دهراً طويلاً، وكانوا يحزرون (1) القتلى مائة ألف ، وسمي ذلك اليوم " الأعشار" أحْصِيَ مائة رجل قتل كل رجل منهم عشرة، وكان عروة بن زيد الخيل من أصحاب التسعة، وغالب الكناني وعرفجة الأزدي ، من أصحاب التسعة..وقتل المشركون فيما بين السكون اليوم وضفة الفرات ، ونبعهم المسلمون إلى الليل ومن الغد إلى الليل ، وندم المثنى على أخذه بالجسر؛ وقال:"لم عجزتُ عجزة" وقى الله شرها بمسابقتي إياهم إِلى الجسر وقطعه حتى أحرجتهم فلا تعودوا ولا تقتدوا بي أيها الناس إِلى مثلها فإنها كانت زَلة، فلا ينبغي إحراج من لا يقوى على امتناع(2)..ومات أناسٌ من الجرحى من أعلام المسلمين..منهم مسعود أخو المثنى ، وخالد بن هلال فصلى عليهم المثنى وقدّمهم على الأسنان (3) والقرآن، وقال:"والله إنه ليهوّن عليّ وجدي أنْ صبروا وشهدوا البويب ولم يجزعوا، ولم ينكلوا، وإن كان في الشهادة كفارة لتجوز الذنوب..وكان قد أصاب المسلمون غَنَماً ودقيقاً وبقراً فبعثوا بها إلى عيال من قدم من المدينة وهم بالقوادس..وأرسل المثنى الخيل في طلب العجم فبلغوا السِّيْب..وغنموا من البقر والسبي وسائر الغنائم شيئاً كثيراً فقسمه فيهم ، ونفل أهل البلاءمن جميع القبائل ، وأعطى بجيلة ربع الخمس ، وأرسل الذين تبعوا المنهزمين إلى المثنى يعرّفونه سلامتهم وأنه لا مانع دون القوم ويستأذنونه في الإقدام فأذن لهم فأغاروا حتى بلغوا ساباط (4)، وتحصّن أهله منهم واستباحوا القرى ، ثم مخروا السواد فيما بينهم وبين دجلة لا يخافون كيداً ولا يلقون مانعاً، ورجعت مسالح العجم إليهم وسرهم أن يتركوا ما وراء دجلة. ذكر خبر الخنافس:وسوق بغداد ثم خَلّف المثنى بالحيرة بشير بن الخصاصية..وسار يمخر السواد وأرسل إلى مَيْسَان ، ودَست مَيْسَان (1) وأذكى المسالح ونزل ألَيّس - قرية من قرى الأنبار، وهذه الغزوة تُدْعن غزوة الأنبار الآخرة وغزوة أليس الآخرة..وجاء إلى المثنى رجلان أحدهما أنباري فدّله على سوق الخنافس ، والثانيحِيْرِيّ دله على بغداد، فقال المثنى:أيتهما قبل صاحبتها؟فقالا: بينهما مسيرة أيام..قال:أيهما أعجل ؟ قالا: سوق الخنافس يجتمع بهاتجار مدائن كسرى والسواد ، وربيعة ، وقضاعة يخفرونهم. فركب المثنى وأغار على الخنافس يوم سوقها،وبها خيلان من ربيعة وقضاعة، وعلى قضاعة رومانس بن وبرة، وعلى ربيعة السليل بن قيس وهم الخفراء؛ فانتهب السوق وما فيها وسلب الخفراء، ثم رجع فأتى الأنبار فتحصن أهلُها منه ، فلما عرفوه نزلوا إليه وأتوه بالأعلاف والزاد، وأخذ منهم الأدلاء على سوق بغداد، وأظهر لدهقان الأنبار أنه يريد المدائن وسار منها إلى بغداد ليلاً وعبر إليهم وصبحهم في أسواقهم ، فوضع السيف فيهم وأخذ ما شاء، وقال المثنى:لا تأخذوا إلّا الذهب والفضة، والحر من كل شيء (2) ثم عاد راجعاً حتى نزل بنهر السيْلَحين (3) به نبار فسمع أصحابه يقولون:ما أسرَعَ القوم في طلبنا؟ فخطبهم وقال:"احمدوا الله وسلوه العافية وتناجوا بالبر والتقوى ولا تتناجوا بالاثم والعدوان ، انظروا في الأمور وقَدِّرُوها ثم تكلموا ، انه لم يبلغ النذير مدينتهم بعد ولو بلغهم لحالَ الرعبُ بينهم وبين طلبكم ، إنّ للغارات رَوْعَات تضعف القلوب يوماً إلى الليل ، ولو طلبكم المحامون من رأي العين ما أدركوكم وأنتم على الفرات حتى تنتهوا إلى عسكركم ، ولو أدركوكم لقاتلتهم لاثنتين التماس الأجر، ورجاء النصر، فثقوا بالله وأحسِنوا به الظن..فقد نصركم في مواطن كثيرة وهم أعد منكم " تم سار بهم الأنبار، وكان من خلفه من المسلمين يمخرون السواد ويشنون الغارات ما بين أسفل كسكر وأسفل الفرات ، وجسوا مثقباً إلى عين التمر، وفي أرض الفلاليج ، والمثنى بالأنبار..ولما رجع المثنى من بغداد إلى الأنبار بعث المضارب العجلي في جمع إلى الكباث ، وعليه فارس العناب التغلبي ، ثم لحقهم المثنى فسار معهم فوجدوا الكباث قد سار من كان به عنه ، ومعهم فارس العناب فسار المسلمون خلفه فلحقوه - وقد رحل من الكباث ، فقتلوا في أخريات أصحابه وأكثروا القتل ، فلما رجعوا إلى الأنبار سرّح فرات بن حيان التغلبي ، وعتيبة بن النهاس ، وأمرهما بالغارة على أحياء من تغلب بصِفَين..ثم اتبعهما المثنى واستخلف على الناس عمرو بن أبي سلمى الهجيمي ، فلما دنوا من صِفين فرّ من بها وعبروا الفرات إلى الجزيرة، ،وفني الزاد الذي مع المثنى وأصحابه فأكلوا رواحلهم إلا ما لا بد منه حتى جلودها ثم أدركوا عيراً من أهل دَبا، وحَوْرَان فقتلوا من بها وأخذوا ثلاثة نفر من تغلب كانوا خفراء وأخذوا العير، فقالوا لهم:دلونا..فقال أحدهم:أمنُوني على أهلي ومالي وأدلكم على حَيٍّ من تغلب غدوت من عندهم اليوم. فأمّنه المثنى وسار معهم يومه ، فهجم العشي على القوم والنعم صادرة عن الماء وأصحابها جلوس بأفنية البيوت فبثّ غارته فقتل المقاتلة وسبى الذرية واستاق الأموال ، وكان التغلبيون بني ذي الرويحلة فاشترى من كان مع المثنى من ربيعة السبايا بنصيبه من الفيء وأعتقوهم ، وكانت ربيعة لا تسابي إذا العرب يتسابون في جاهليتهم..وأخبر المثنى أن جمهور من سلك البلاد قد انتجع شاطىء دجلة فخرج المثنى وعلى مجنبتيه النعمان بن عوف ومطر الشيبانيان..وعلى مقدمته حذيفة بن محصن الغلفاني فساروا في طلبهم فأدركوهم بتكريت ، فأصابوا ما شاؤوا من النعم ، وعاد إلى الأنبار ومضى عتيبة وفرات ومَنْ معهما حتى أغاروا على صفَيْن وبها النمر وتغلب متساندين ، فأغاروا عليهم حتى رموا طائفة منهم في الماء فجعلوا ينادونهم الغرق الغرق ، وجعل عتيبة ، وفرات يذمران الناس ويناديانهم تغريق بتحريق يذكَرانهم يوماً من أيام الجاهلية أحرقوا فيه قوماً من بكر بن وائل في غيضة من الغياض ، ثم رجعوا إلى المثنى، وقد غرقوهم وقد بلغ الخبر عمر فبعث إلى عتيبة وفرات فاستدعاهما فسألهما عن قولهما فأخبراه أنهما لم يفعلا ذلك على وجه طلب ذحل إنما هو مثل فاستحلفهما وردهما إلى المثنى. ذكر الخبر عن الذي هيج أمر القادسية ، وملك يزدجرد لما رأى أهل فارس ما يفعل المسلمون بالسواد قالوا لرستم والفيرزان وهما على أهل فارس:أين يذهب بكم ؟ لم يبرح بكما الاختلاف حتى وهّنتما أهل فارس وأطمعتما فيهم عدوّهم ؛ ولم يبلغ من أمركما أن نقرّكما على هذا الرأي ، وأنْ تعرضاها للهلكة ما بعد بغداد، وساباط ، وتكريت إلا المدائن ، والله لتجتمعان أو لَنَبْدَأنَّ بكما قبل أن يشمت بنا شامت، ثم نهلك وقد اشتفينا منكما..فقال الفيرزان ورستم لبوران ابنة كسرى:اكتبي لنا نساء كسرى وسراريه ونساء آل كسرى وسراريهم ففعلت ، ثم أخرجت ذلك إليهم في كتاب فأحضروهن جميعهن وأخذوهن بالعذاب يستدلونهن على ذَكَر من أبناء كسرى فلم يوجد عند واحدة منهن أحد..وقال بعضهن:لم يبق إلّا غلامٌ يُدْعَى يزدجرد من ولد شهريار بن كسرى وأمه من أهل بادوريا..فأرسلوا إليها وطلبوه منها وكانت قد أنزلته أيام شيري حين جمعهن ، في القصر الأبيض فقتل الذكور وأرسلته إلى أخواله ، فلما سألوها عنه دلتهم عليه فجاءوا به فملّكوه وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، واجتمعوا عليه فاطمأنّت فارس واستوثقه وتباري المرازبة في طاعته ومعونته فسمى الجنودَ لكل مسلحة وثغر، فسمى جند الحيرة والأبلة ، والأنبار وغير ذلك..وبلغ ذلك من أمرهم واجتماعهم على يزدجرد المثنى والمسلمين فكتبوا إلى عمر بن الخطاب بما ينتظرون من أهل السواد، فلم يصل الكتاب إلى عمر حتى كفر أهل السواد مَنْ كان له عهد ومن لم يكن له عهد، فخرج المثنى على حاميته حتى نزل بذي قار ونزل الناس بالطف في عسكر واحد..ولما وصل كتاب المثنى إلى عمر قال:"والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب" فلم يَدَع رئيساً ، ولا ذا رأي ، وذا شرف ، وبسطة ولا خطيباً ، ولا شاعراً إلا رماهم به..فرماهم بوجوه الناس ، وكتب عمر إلى المثنى ، ومن معه يأمرهم بالخروج من بين العجم والتفرق في المياه التي تلي العجم على حدود أرضكم وأرضهم وأن لا يدعوا في ربيعة ومضر وحلفائهم أحداً من أهل النجدات ولا فارساً إلا أحضروه إما طوعاً أو كرهاً احملوا العرب على الجُدَ إذْ جَدّ العجم ، فلتلقوا جدهم بجدكم..ونزل الناس بالجل ، وشراف إلى غضي ، وهو حيال البصرة، وبسلمان بعضهم ينظر إلى بعض ويغيث بعضهم بعضاً، وذلك في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة..وأرسل عمر في ذي الحجة من السنة مخرجه إلى الحج إلى عماله على العرب أنْ لا يَدَعُوا من له نجدة، أو فرس ، أو سلاح أو رأي لا وَجّهوه اليه ؛ فأما من كان على النصف ما بين المدينة والعراق فجاء إليه بالمدينة لَمّا عاد من الحج ، وأما من كان أقرب !لى العراق فانضمً إلى المثنى بن حارثة، وجاءت أمداد العرب إلى عمر..وحج في هذه السنة عمر بن الخطاب بالناس وحَجَّ سِنِيهِ كلها..وكان عامل عمر على مكة هذه السنة عتاب بن أسِيد -فيما قال بعضُهُم - ، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص ، وعلى اليمن يعلى بن مُنْيَة، وعلى عمان واليمامة حذيفة بن محصن ، وعلى البحرين العلاء بن الحضرمِيّ ، وعلى الشام أبو عبيدة بن الجراح ، وعلى الكوفة وما فُتِح من أرضها المثنى بن حارثة..وكان على القضاء فيما ذُكر علي بن أبي طالب..وفي هذه السنة مات أبو كَبْشَة(1) - مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقيل بعد ذلك..وفي خلافة أبي بكر مات سهل بن عمرو(2)- أخو سُهَيْل - ، وهو من مُسلِمَة الفتح..وفي خلافته مات الصعب بن جثامة الليثي(1)..وفي أول خلافته مات ابنه عبدالله بن أبي بكر-وكان قد جرح في حصار الطائف ثم انتقض عليه جُرْحه فمات..وقي هذه السنة تُوفي الأرقم بن ابي الأرقم (2) يوم مات أبو بكر، وهو الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً بداره بمكّة أول ما أرسل. مَعركة القادسية العُظمى " والله الذي لا إله إلّا هو ما اطلعنا على أحدٍ من أهل القادسيّة أنه يريد الدنيا مع الآخرة " جابر بن عبدالله رضي الله عنه
ذكر فتح دمشق الباب الثاني (من ذاكرة التاريخ الاسلامي)