منتدى بيت الأسرة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى بيت الأسرة


 
الرئيسيةبوابة الأسرةأحدث الصورالتسجيلدخول
نرحب مجددا بجميع أعضاء بيت الأسرة ,, ويسعدنا تننشيط عضويتكم بالتواصل على جوالي بالنسبة للأعضاء ,, وعلى جوال أم عبدالله بالنسبة للأخوات ,, وبامكان الجميع التواصل معي على ايميلي aabohadi @hotmail.com ,, متمنين للجميع سنة جميلة مليئة بالحب والتواصل
 


 

 الكامل فى التاريخ ذكر فتح رَامَهرمُز(1)، وتستر وأسر الهرمزان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ماجد قادري
عضو ذهبي
عضو ذهبي
ماجد قادري


نقاط : 8855
سمعة العضو : 5
الموقع : صبيا

الكامل فى التاريخ ذكر فتح رَامَهرمُز(1)، وتستر وأسر الهرمزان Empty
مُساهمةموضوع: الكامل فى التاريخ ذكر فتح رَامَهرمُز(1)، وتستر وأسر الهرمزان   الكامل فى التاريخ ذكر فتح رَامَهرمُز(1)، وتستر وأسر الهرمزان Icon_minitimeالجمعة أبريل 30, 2010 3:39 am

الكامل فى التاريخ
ذكر فتح رَامَهرمُز(1)، وتستر وأسر الهرمزان
كان فتح رامهرمز،وتُسْتَر،والسوس في سنة سبع عشرة، وقيل:سنة تسع عشرة، وكان سبب فتحها أنّ يزدجرد لم يزل وهو بمرو يثير أهل فارس أسفاً على ما خرج من ملكهم فتحركوا وتكاتبوا هم وأهل الأهواز وتعاقدوا على النصْرَة فجاءت الأخبار حرقوص بن زهير وجزيءً ، وسلمى ، وحرملة فكتبوا إلى عمر بالخبر، فكتب عمر إلى سعد:أن ابعث إلى الأهواز جنداً كثيفاً مع النعمان بن مُقَرن وعَجَلْ. فلينزلوا بإزاء الهرمزان ويتحققوا أمره، وكتب إلى أبي موسى أن ابعث إلى الأهواز جُنْداً كثيفاً وأمر عليهم سهل(2)بن عدي أخا سهيل وابعث معه البَرَاء بن مالك ؛ ومجزأة بن ثور، وعرفجة بن هرثمة وغيرهم..وعلى أهل الكوفة والبصرة جميعاً أبو سبرة بن أبي رُهم ، وكل من أتاه ممد له فخرج النعمان بن مقرًن في أهل الكوفة فسار إلى الأهواز على البغال يجنبون الخيل فخلف حرقوصاً، وسلمى ؛ وحرملة وسار نحو الهرمزان وهو برامهرمز، فلما سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه بادره بالشدة ورجا أن يقتطعه ومعه أهل فارس فالتقى النعمان والهرمزان بَاربك فاقتتلوا قتالاً شديداً ، ثم إنَ الله عز وجل هزم الهرمزان فترك رامهرمز ولحق بتُسْتَر، وسار النعمان إلى رامهرمز ونزلها وصعد إلى إيذج (1) فصالحه تيرويه على إيذج ورجع إلى رامهرمز فأقام بها، ووصل أهل البصرة فنزلوا سوق الأهواز وهم يريدون رامهرمز فأتاهم خبر الوقعة وهم بسوق الأهواز وأتاهم الخبر أنّ الهرمزان قد لحق بتستر فساروا نحوه ، وسار النعمان أيضاً، وسار حرقوص ، وسلمى ، وحرملة ؛ وجزيء فاجتمعوا على تستر وبها الهرمزان –وجنوده من أهل فارس ، والجبال ، والأهواز في الخنادق ، وأمدهم عمر بأبي موسى وجعله على أهل البصرة، وعلى الجميع أبو سبرة فحاصروهم أشهراً وأكثروا فيهم القتل وقتل البَرَاء بن مالك وهو أخو أنس بن مالك في ذلك الحصار إِلى الفتح مائة مبارزة سوى من قتل في غير ذلك ، وقتل مثله مجزأة بن ثور، وكعب بن ثور، وعِدة من أهل البصرة وأهل الكوفة. وزاحفهم المشركون أيام تُسْتَر ثمانين زحفاً يكون لهم مرة ومرة عليهم ، فلما كان في آخر زحف منها واشتد القتال قال المسلمون:يا براء اقسم على ربك ليهزمنهم لنا قال:" اللهم اهزمهم لنا واستشهدني " - وكان مجاب الدعوة، فهزموهم حتى أدخلوهم خنادقهم ثم اقتحموها عليهم ، ثم دخلوا مدينتهم ، وأحاط بها المسلمون فبينما هم على ذلك وقد ضاقت المدينة بهم وطالت حربهم خرج رجلُ إلى النعمان يستأمنه على أنْ يدله على مدخل يدخلون منه ، ورمى في ناحية أبي مرسى بسهم إن أمنتموني دللتكم على مكان تأتون المدينة منه ، فأمنوه في نشابة فرمى إِليهم بأخرى،وقال:انهدوا مِنْ قِبَل مخرج الماء فإنكم تقتحمونها. فندب الناس إليه فانتدب له عامر بن عبد قيس وبشر كثير ونهدوا لذلك المكان ليلاً وقد ندب النعمان أصحابه ليسيروا مع الرجل الذي يدلهم على المدخل إلى المدينة فانتدب له بشر كثير فالتقوا هم وأهل البصرة على ذلك المخرج فدخلوا في السرب والناس من خارج ، فلما دخلوا المدينة كبروا فيها وكبر المسلمون من خارج وفتحت الأبواب فاجتلدوا فأناموا كل مقاتل ، وقصد الهرمزان القلعة فتحصن بها وأطاف به الذين دخلوا فنزل إليهم على حكم عمر فأوثقوه وأقتسموا ما أفاء الله عليهم ، فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف ، وسهم الراجل ألفاً، وجاء صاحب الرمية والرجل الذي خرج بنفسه فأفنوهما ومَنْ أغلق بابه معهما. وقتل من المسلمين تلك الليلة بشرٌ كثير، وممن قتل الهرمزان بنفسه مجزأة بن ثور، والبراء بن مالك ، وخرج أبو سبرة بنفسه في أثر المنهزمين إلى السوس ونزل عليها ومعه النعمان بن مقرن ، وأبو موسى، وكتبوا إلى عمر فكتب إلى أبي موسى برده إلى البصرة وهي المرة الثالثة..فانصرف إليها من على السوس ، وسار زر بن عبدالله بن كليب الفقيمي الى جُنْدَ يسَابور(1) فنزل عليها وهو من الصحابة، وأقر عمر على جند البصرة المقترب وهو الأسود بن ربيعة أحد بني ربيعة بن مالك وهو صحابي أيضاً وكانا مهاجرين ، وكان الأسود قد وَفَدَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:" جئت لأقترب إلى الله بصحبتك " فسماه المقترب. وأرسل أبو سبرة وفداً إلى عمر بن الخطاب فيهم أنس بن مالك والأحنف بن قيس ومعهم الهرمزان فقدموا به المدينة وألبسوه كسوته من الديباج الذي فيه الذهب وتاجه وكان مكللاً بالياقوت وحليته ليراه عمر والمسلمون ، فطلبوا عمر فلم يجدوه فسألوا عنه فقيل:جلس في المسجد لوفد من الكوفة فوجدوه في المسجد متوسداً برنسه (2) وكان قد لبسه للوفد ، فلما قاموا عنه توسده ، ونام فجلسوا دونه ، وهو نائم والدرة في يده ، فقال الهرمزان:أين عمر؟ قالوا:هوذا..فقال:أين حرسه وحُجابه ؟ قالوا:ليس له حارس ولا حاجب ، ولا كاتب..قال:فينبغي أن يكون نبياً..قالوا: بل يعمل بعمل الأنبياء..فاستيقظ عمر بجلبة الناس فاستوي جالساً، ثم نظر إلى الهرمزان فقال:الهرمزان ؟ قالوا:نعم..فتأمله وتأمل ما عليه ، وقال:أعوذ بالله من النار وأستعين الله فقال:الحمد لله الذي أذل بالاسلام هذا وغيره أشباهه..فأمر بنزع ما عليه فنزعوه وألبسوه ثوباً صفيقاً ، فقال له عمر:هيه يا هرمزان كيف رأيت عاقبة الغدر وعاقبة أمر الله ؟ فقال:يا عمر إنّا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم إذ لم يكن معنا ولا معكم..فلما كان الآن معكم غلبتمونا..فقال عمر: إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا.
ثم قال له:ما حجتك وما عذرك في أنتقاضك مرة بعد أخرى؟ فقال:أخاف أنْ تقتلني قبل أن أخبرك..قال:لا تخف ذلك ، واستسقى ماءً فأتي به في قدح غليظ فقال:لو مِتُ عطشاً لم أستطع أن أشرب في مثل هذا فأتي به في إناء يرضاه فجعلت يده ترجف فقال:إني أخاف أن أقتل وأنا أشرب فقال عَمر:لا بأس عليك حتى تشربه..فأكفاه فقال عمر:أعيدوا عليه ولا تجمعوا عليه بين القتل والعطش ، فقال:لا حاجة لي في الماء إنما أردتُ أنْ استأمن به فقال عمر له:إني قاتلك فقال:قد أمنتني..فقال:كذبت قال أنس:صَدَقَ يا أمير المؤمنين قد أمنته قال عمر:ويحك يا أنس أنا أؤمن قاتل مجزأة بن ثور والبراء بن مالك والله لتأتين بمخرج أو لأعاقبنك..قال:قلت له لا بأس عليك حتى تخبرني ولا بأس عليك حتى تشربه وقال له من حوله مثل ذلك فأقبل على الهرمزان وقال:خدعتني و الله لا أنخدع إلا أن تسلم فاسلم ، ففرض له في ألفين وأنزله المدينة ، وكان المترجم بينهما المغيرة بن شعبة وكان يفقه بالفارسية إلى أن جاء المترجم.. وقال عمر للوفد:لعل المسلمين يؤذون أهل الذمة فلهذا ينتقضون بكم..قالوا:ما نعلم إلا وفاء..قال:فكيف هذا؟ فلم يشفه أحد منهم إلا إن الأحنف قال له:يا أمير المؤمنين إنك نهيتنا عن الانسياح في البلاد وأمرتنا بالاقتصار على ما في أيدينا لانّ مَلِك فارس حَيُ بين أظهرهم ولا يزالون يقاتلوننا ما دام مَلِكُهُم فيهمٍ ، ولم يجتمع ملكان متفقان حتى يُخرج أحدهما صاحبه ، وقد رأيت أنا لم نأخذ شيئا بعد شيء إلا بانبعاثهم وغدرهم ، وإن مَلِكَهم هو الذي يبعثهم ولا يزال هذا دأبهم حتى تأذن لنا بالانسياح فنسيح في بلادهم ونُزِيْل ملكهم فهنالك ينقطع رجاء أهل فارس فقال:صدقتني والله..ونظر في حوائجهم وسرحهم ، وأتى عمر الكتاب باجتماع أهل نهاوند فأذن في الانسياح في بلاد الفرس.
ذكر فتح السُّوس (1)
..قيل:ولما نزل أبو سبرة على السوس وبها شهريار أخو الهرمزان أحاط المسلمون بها وناوشوهم القتال مرات كل ذلك يصيب أهل السوس في المسلمين فأشرف عليهم يوماً الرهبان والقسيسون فقالوا:" يا معشر العرب إنّ مما عهد إلينا علماؤنا وأوائلنا أنّه لا يفتح السوس ألا الدجال أو قَوْمٌ فيهم الدجال ، فإنْ كان فيكم فستفتحونها".وسار أبو موسى إلى البصرة من السوس وصار مكانه على أهل البصرة بالسوس المقترب بن ربيعة ، واجتمع الأعاجم بنهاوند ، والنعمان على أهل الكوفة محاصراً أهل السوس مع أبي سبرة، وزرّ محاصراً جندَ يسابور، فجاء كتاب عمر بصرف النعمان إلى أهل نهاوند من وجهه ذلك فناوشهم القتال قبل مسيره فصاح أهلها بالمسلمين وناوشوهم وغاظوهم ، وكان صاف بن صياد مع المسلمين في خيل النعمان فأتى صاف باب السوس فدقّه برجله فقال:انفتح بظار وهو غضبان فتقطعت السلاسل وتكسرت الأغلاق ، وتفتحت الأبواب ودخل المسلمون ، وألقى المشركون بأيديهم ، ونادوا الصلح الصلح ، فاجابهم إلى ذلك المسلمون بعد ما دخلوها عنوهّ واقتسموا ما أصابوا قبل الصلح، ثم افترقوا، فسار النعمان حتى أتى نهاوند، وسار المقترب حتى نزل على جند يسابور مع زر.
وقيل لأبي سبرة:هذا جسد "دانيال" في هذه المدينة..قال:وما علمي بذلك ؟فأقره في أيديهم ، وكان دانيال قد لزم نواحي فارس بعد بختنصر فلما حضرته الوفاة ولم ير أحداً ممن هو بين ظهريهم على الإسلام أكرم كتاب اللّه ولم يجبه ولم يقبل منه فأودعه ربه فقال:لأبنه ائت ساحل البحر فاقذف بهذا الكتاب فيه فأخذه الغلام ومضى به وغاب عنه وعاد، وقال له:قد فعلتُ قال:ما صنع البحر حين هوى فيه؟ قال:ما صنع شيئاً..فغضب وقال:والله ما فعلتَ الذي أمرتُك به ، فخرج من عنده وفعل مثل فعلته الأولى ثم أتاه فقال:كيف رأيتَ البحر صنع حين هوى فيه؟ قال:ماج واصطفق فغضب أشد من الأول ، وقال:والله ما فعلت الذي أمرتُك به فعاد إلى البحر وألقاه فيه فانفلق البحر عن الأرض حتى بدت وانفجرت له الأرض عن مثل التنور فهوى فيها ، ثم انطبقت عليه واختلط الماء ، فلما رجع إليه وأخبره بما رأى فقال:الآن صدقت..ومات دانيال بالسوس ، وكأن هناك يستسقى بجسده ، فاستأذنوا عمر فيه فأمر بدفنه. وقيل في أمر السوس:أنّ يزدجرد سار بعد وقعة جلولاء، فنزل إصطخر ومعه سياه في سبعين من عظمات الفرس ، فوجهه إلى السوس والهرمزان إلى تستر فنزل سياه الكَلْتَانِيّة(1) وبلغ أهل السوس أمر جلولاء ونزول يزدجرد إصطخر منهزماً فسألوا أبا موسى الصلح وكان محاصراً لهم فصالحهم ، وسار إلى رامهرمُز، ثم سار إلى تُسْتَر ونزل سياه بين رامهرمز وتستر، ودعا مَنْ معه مِنْ عظماء الفرس ، وقال لهم:قد علمتم أنِّا كنا نتحدث أن هؤلاء القوم أهل الشقاء والبؤس سيغلبون على هذه المملكة، وتروث دوابهم في إيوانات إصطخر ومصانع الملوك ويشذُون خيولهم في شجرها وقد غلبوا على ما رأيتم وليس يلقون جنداً إلا فَتَوه ، ولا ينزلون بحصن إلا فتحوه فانظروا لأنفسكم قالوا:رأينا رأيك . قال:أري أنْ تدخلوا في دينهم ، ووجهوا شيرويه في عشرة من الأساورة إلى أبي موسى ، فشرط عليهم أن يقاتلوا معه العَجَم ولا يقاتلوا العرب وإنْ قاتلهم أحدٌ من العرب منعهم منهم ، وينزلوا حيث شاؤوا،ويلحقوا بأشرف العطاء ويعقد لهم ذلك عمر على أن يُسْلموا فأعطاهم عمر ما سألوا ، فاسلموا وشهدوا مع المسلمين حصار تُسْتَر، ومضى سياه إلى حصن قد حاصره المسلمون في زِق العجم فالقى نفسه إلى جانب الحصن ونضح ثيابه بالدم فرآه أهل الحصن صريعاً فظنوه رجلاً منهم ففتحوا باب الحصن ليُدْخلوا إليهم ، فوثب وقاتلهم حَتَى خلوا عن الحصن ، وهربوا فملكه وحده . وقيل:إنّ هذا الفعل كان منه بتستر.
ذكر مصالحة جُنْدَ يْسَابُور
وفي هذه السنة سار المسلمون عن السوس فنزلوا بجند يسابور ، وزر بن عبدالله محاصرهم ، فأقاموا عليها يقاتلونهم فرمى إلى مَنْ بها من عسكر المسلمين بالأمان فلم يفجأ المسلمين إلّا وقد فتحت أبوابها ، وأخرجوا أسواقهم ، وخرج أهلها فسألهم المسلمون فقالوا:رميتم بالأمان فقبلناه وأقررنا بالجزية على أنْ تمنعونا . فقالوا:ما فعلنا فقالوا: ما كذبنا. وسأل المسلمون فيما بينهم فإذا عبُد يدعى مكثفاً(2) كان أصله منها فعل هذا فقالوا:هو عبد فقال أهلها:لا نعرف العبد من الحر ، وقد قبلنا الجزية وما بذلنا فإنْ شئتم فاغدروا. فكتبوا إلى عمر فأجاز أمانهم فأمنوهم وانصرفوا عنهم .
ذِكْر مسير المسلمين إلى كِرَمْان (1) وغيرها
في سنة سبع عشرة أذن عمر للمسلمين في الانسياح في بلاد فارس وانتهى في ذلك إلى رأي الأحنف أ بن قيس وعرف فضله وصدقه فأمر أبا موسى أنْ يسير من البصرة إلى منقطع ذمة البصرة فيكون هناك حتى يأتيه أمره ، وبعث بألوية من ولى مع سهيل بن عدي فدفع لواء خراسان إلى الأحنف بن قيس ، ولواء اردشير خرة ، وسابور إلى مجاشع بن مسعود السلمي ، ولواء إصطخر إلى عثمان بن أبي العاص الثقفي ، ولواء فسا ؛ ودارا بجرد إِلى سارية بن زنيم الكناني ، ولواء كرمان إلى سهيل بن عدي ، ولواء سجستان إلى عاصم بن عمرو-وكان من الصحابة ، ولواء مكران إلى الحكم بن عمير التغلبىِ ، فخرجوا ولم يتهيأ مسيرهم إلا سنة ثمانية عشرة ، وأمدهم عمر بنفر من أهل الكوفة ، فأمد سهيل بن عدي بعبدالله بن عتبان ، وأمد الأحنف بعلقمة بن النضر ، وبعبدالله بن أبي عقيل . وبربعي بن عامر ، وبابن أم غزال . وأمد عاصم بن عمرو بعبدالله بن عمير الأشجعي ، وأمد الحكم بن عمير بشهاني بن المخارق في جموع ، وقيل:كان ذلك سنة إحدى وعشرين ، وقيل:سنة اثنتين وعشرين ، وسنذكر كيفية فتحمها هناك وذكر أسبابها إن شاء الله تعالى ، وكان على مكة هذه السنة عتاب بن أسيد في قول ، وعلى اليمن يعلى بن مُنْيَة ، وعلى اليمامة والبحرين عثمان بن أبي العاص ، وعلى عمان حذيفة بن محصن ، وعلى الشام من ذكر قبل . وعلى الكوفة وأرضِها سعد بن أبي وقاص ، وعلى قضائها أبو قرة، وعلى البصرة وأرضها أبو موسى، وعلى القضاء أبو مريم الحنفي ، وقد ذكر من كان على الجزيرة والموصل قبل . وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب .
ثم دخلت سنة ثمان عشرة
ذكر القحط وعام الرمادة
في سنة ثمان عشرة أصاب الناس مجاعة شديدة ، وجدب وقحط وهو"عام الرمادة"وكانت الريح تسفي تراباً كالرمادة فسُميّ عام الرمادة واشتد الجوع حتى جعلت الوحش تأوي إلى الأنس ، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قُبْحِها . وفيه أيضاً طاعون عمّواس . وفيه ورد كتاب أبىِ عبيدة على عمر يذكر فيه أنّ نفراً من المسلمين أصابوا الشراب منهم ضرار ، وأبو جندل فسألناهم فتأولوا وقالوا:خُيِّرْنَا فاخترنا:قال:فَهَلْ أنْتُم مُنْتَهُون (1) ولم يعزِم؟علينا فكتب إليه عمر إنّما معناه فانتهوا، وقال له:" ادعُهُم على رؤوس الناس وسَلْهم:أحلال الخمر أم حرام؟فإن قالوا:حرام فاجلدهم ثمانين ، وإنْ قالوا:حلال فاضرب أعناقهم . فسألهم فقالوا:" بل حرام فجلدهم وندِموا على لجاجتهم (2) وقال:لَيَحْدُثَنَّ فيكم يا أهل الشام حدث ، فحدث عام الرمادة(3) . وأقسم عمر أن لا يذوق سَمْناً ولا لَبَناً ولا لَحْمأ حتى يحيا الناس ، فقدمتْ السوق عكة سمن ، ووطب من لبن فاشتراهما غلامٌ لعمر بأربعين درهماً ثم أتى عمر ، فقال:يا أمير المؤمنين قد أبَرَّ اللهُ يمينَك وعَظَمَ أجرك قدم السوق وطب من لبن وعكة من سمن ابتعتهما بأربعين درهماً . فقال عمر: غليتَ بهما فتصدًقْ بهما فإنِي أكره أن آكل إسرافًا . وقال:كيف يعنيني شأن الرعيّة إذا لم يصبني ما أصابهم ؟وكتب عمر إلى أمراء الأمصار يستغيثهم لأهل المدينة ومَنْ حولها ويستمدهم ،فكان أول من قَدِم عليه أبو عبيدة بن الجراح بأربعة آلاف راحلة من طعام فولّاه قسمتها فيمن حول المدينة فقسّمها . فلما فرغ ورجع إليه أمر له بأربعة آلاف درهم فقال:لا حاجة لي فيها يا أمير المؤمنين إنما أردت اللهَ وما قبله فلا تدخل على الدنيا . فقال:خذْهَا فلا بأس بذلك إذ لم تطلبه . فأبى وكرر ذلك مراراً فقبل أبو عبيدة وانصرف إلى عمله ، وتتابع الناس ، واستغنى أهل الحجاز ، وأصلح عمرو بن العاص بحر القلزم ، وأرسل فيه الطعام إلى المدينة فصار الطعام بالمدينة كسِعْر مصرٍ ، ولم ير أهل المدينة بعد الرمادة مثلها حَتى حبس عنهم البحر مع مقتل عثمان فذلوا وتقاصروا ، وكان الناس بذلك وعمر كالمحصور عن أهل الأمصار ، فقال أهل بيت من مزينة لصاحبهم وهو بلال بن الحارث:قد هلكنا ، فاذبح لنا شاة . قال:ليس فيهن شيء فلم يزالوا به حتى ذبح فسلخ عن عظم أحمر فنادي:يا محمداه . فأرى في المنام أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فقال:" أبِشر بالحياة ائت عمر فأقرئه مني السلام وقل له:إني عهدتُك وأنتَ وفِيّ العهد ، شديد العقد فالكيس الكيس يا عمر . فجاء حتى أتى باب عمر فقال لغلامه:استأذِنْ لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى عمر فأخبره ، ففزع وقال:أرأيت به مَسا(1) قال لا قال:فأدخله فدخل وأخبره الخبر ، فخرج فنادي في الناس وصعد المنبر فقال:نشدتُكم الله الذي هداكم هل رأيتم مني شيئاً تكرهونه. قالوا:اللهم لا، ولم ذاك؟فأخبرهم ففطنوا ولم يفطن عمر، فقالوا: إنما استبطأك في الاستسقاء فاستسق بنا، فنادي في الناس ، وخرج معه العباس ماشياً فخطب وأوجز وصلى، ثم جثا لركبتيه وقال:"اللهم عجزتْ عنا أنصارنا، وعجز عنا حولنا وقوتنا، وعجزتْ عنا أنفسُنَا ولا حول ولا قوة إلا بك ، اللهم فاسقنا وأحي العباد والبلاد . وأخذ بيد العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإنّ دموع العباس لتتحادر على لحيته فقال:" اللهم إنّا نتقرب إليك بعم نبيك صلى الله عليه وسلم وبقية آبائه وأكبر رجاله ، فإنك تقول وقوله الحق:وَأما الجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيْمَيْنِ فِي اَلمدِينَة)(1) فحفظتهما بصلاح آبائهما فاحفظ اللهم نبيك صلى الله عليه وسلم في عمه فقد دلونا به إليك مستشفعين مستغفرين "ثم أقبل على الناس فقال:اسْتَغْفِروُا رَبًكُم إنَه كَانَ غَفَاراً)(2) .
وكان العباس قد طال عمره وعيناه تذرفان ولحيته تجول على صدره وهو يقول:اللهم أنتَ الراعي فلا تُهمل الضالة ، ولا تدع الكسير بدار مُضيّعة فقد صرخ الصغير ، ورَقَّ الكبيرُ وارتفعتْ الشكوى ، وأنت تعلم السر وأخفى ، اللهم فاغنهم بغناك قبل أن يقنَطُوا فيهلَكُوا ، فإنه لا ييأس إلا القومُ الكافرون . فنشأت طريرة من سحاب ، فقال الناس: ترون ثم التأمتْ ، ومشطّ فيها ريح ، ثم هدأت ودَرَت ، فواللهّ ما تروحوا حتى اعتنقوا الجدار وقلصوا المآزر ، فطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه ويقولون:" هنيئاً لك ساقي الحرمين"، فقال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب :
بعمي سقى الله الحجازَ وأهلَه عشية يستسقي بشيبتَه عُمَر
توجه بالعباس في الجدب راغباً إليه فما أنْ رام حتى أتى المَطَر
ومنّا رسول الله فينا تُرَاثُه فهل فوق هذه للمُفَاخِرِ مُفْتَخَر
ذكر طاعون عَمَوَاس(1)
في هذه السنة كان طاعون عمواس بالشام فمات فيه أبو عبيدة بن الجراح وهو أمير الناس ، ومعاذ بن جبل ، ويزيد بن أبي سفيان ، والحارث بن هشام ، وسُهْيْل بن عمرو ، وعتبة بن سهيل ، وعامر بن غيلان الثقفي ، وتفانى الناس منه . قال طارق بن شهاب:أتينا أبا موسى في داره بالكوفة نتحدث عنده فلما جلسنا فقال:لا عليكم أنْ تخفقوا فقد أصيب في الدار إنسان بهذا السقم ولا عليكم أنْ تنزعوا من هذه القرية فتخرجوا في فسيح بلادكم ونزهها حتى يُرْفَعَ هذا الوباء ، وسأخبركم بما يكره ويتقي من ذلك أنْ يظن من خرجَ أنّه لو أقام مات ويظُن مَنْ أقام فأصابه ذلك أنّه لو خرج لم يصبه ، فإذا لم يظن المسلم هذا فلا عليه أنْ يخرج . إنّي كنت مع أبي عبيدة بالشام عام طاعون عمواس فلما اشتعل الوجع ، وبلغ ذلك عمر كتب إلى أبي عبيدة ليستخرجه منه:أنْ سلامٌ عليك ، أما بعد فقد عَرَضَتْ لي إليك حاجةٌ أريدُ أن أشافهك فيها فعزمتُ عليك إذا أنتَ نظرتَ في كتابي هذا ألا تضعه من يدك حتى تُقبل إليّ . فعرف أبو عبيدة ما أراد فكتب إليه يا أمير المؤمنين قد عرفت حاجتك إليّ وإنِّي في جُنْدٍ من المسلمين لا أجد بنفسي رغبة عنهم فلستُ أريذُ فراقهم حتى يقضيَ الله في وفيهم أمره وقضاءه فخلني من عزيمتك . فلما قرأ عمر الكتاب بكى فقال الناس:يا أمير المؤمنين أمات أبو عبيدة ؟فقال:لا وكأنهْ قد مات. وكتب إليه عمر ليرفعنّ بالمسلمين من تلك الأرض ، فدعا أبا موسى فقال له:" ارتد للمسلمين منزلاً قال . فرجعت إلى منزلي لأرتحل فوجدت صاحبتي قد أصيبت فرجعتُ إليه فقلت له:والله لقد كان في أهلي حَدَث "فقال:لعل صاحبتك أصيبت قلت:نعم . قال:فأمر ببعيره فرحل له فلما وضع رجله في غرزه طُعِن (2) فقال:والله لقد أصبتُ ، ثم سار بالناس حتى نزل الجابية ،وكان أبو عبيدة قد قام في الناس خطيباً فقال:"أيها الناس إنّ هذا الوجع رحمة ربكم ، ودعوةُ نبيكم ، وموتُ الصالحين قبلكم وإنّ أبا عبيدة سأل الله أن يقسم له منه حظه "فطُعِنَ فمات ، واستخلف على الناس معاذ بن جبل فقام خطيباً بعده . لقال:أيها الناس إنّ هذا الوجع رحمةُ ربكم ، ودعوةُ نبيكم ، وموتُ الصالحين قبلكم وإنّ معاذاً يسألُ الله أن يقسم لآل معاذ حظهم" فطعن ابنه عبد الرحمن فمات . ثم قام فدعا به لنفسه فطعن في راحته ، فلقد كان يقبِّلُهَا ثم يقول:" ما أحبُّ أنّ لي بما فيك شيئاً من الدنيا" فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص فقام خطيباً في الناس فقال:أيها الناس إنّ هذا الوجع وقع فإنّما يشتعل اشتعالَ النار فتجبَّلوا منه في الجبال"فقال أبو وائلة الهذلي:" كذبتَ ، والله لقد صحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت شر من حماري هذا"قال:والله ما أردُّ عليك ما تقول ، وأيمُ اللّه لا نقيم عليه فخرج بالناس إلى الجبال ورَفَعَهُ اللهُ عنهم فلم يكره عمر ذلك من عَمرو . وقد قيل:إنّ عمر بن الخطاب قدم الشام ، فلما كان بسرغ (1) لقيه أمراء الأجناد . فيهم أبو عبيدة بن الجراح فأخبروه بالوباء وشدته ، وكان معه المهاجرون والأنصار خرج غازياً فجمع المهاجرين الأولين والأنصار فاستشارهم ، فاختلفوا عليه ، فمنهم القائل خرجتَ لوجه الله فلا يصدك عنه هذا ، ومنهم القائل إنه بلاء وفناءٌ فلا نرى أنْ تقْدِم عليه . فقال لهم:" قوموا عني"ثم أحضر مهاجرَة الفتح من قريش فاستشارهم فلم يختلفوا عليه وأشاروا بالعَوْد ، فنادي عمر في الناس:إنِي مصبح على ظهر فقال أبو عبيدة:أفراراً من قَدَرِ الله؟فقال:نعم ، نفرٌ من قدر الله إلى قدر اللّه ، أرأيتَ لو كان لك إبل فهبطت وادياً له عُدوتان (2) إحداهما مخصبة والأخرى مجدبة أليس إنْ رعيتَ الخصبة رعيتها بقدر الله وإنْ رعيتَ الجدبة رعيتها بقدر الله ؟فسمع بهم عبد الرحمن بن عوف (1) فقال:إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا سمعتُم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع ببلد وأنتم به فلا تخرجوا فراراً منه "(2) . فانصرف عمر بالناس إلى المدينة . وهذه الرواية أصح فإنّ البخاري ومسلماً أخرجاها في صحيحيهما ، ولأن أبا موسى كان هذه السنة بالبصرة ولم يكن بالشام لكن هكذا ذكره ، وإنما أوردناه لننبه عليه . ومعنى قوله دعوة نبيكم حين جاءه جبريل فقال:" فناء أمتك بالطعن (3)أو الطاعون فقال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم:فبالطاعون . ولما هلك يزيد بن أبي سفيان استعمل عمر أخاه معاوية بن أبي سفيان على دمشق وخراجها ، واستعمل شرحبيل بن حَسَنة على جُنْد الأردن وخراجها ، وأصاب الناس من الموت ما لم يروا مثله قط ، وطمع له العدو في المسلمين لطول مكثه مكث شهوراً وأصاب الناس بالبصرة مثله . وكان عدة من مات في طاعون عَمَوَاس خمسة وعشرين ألفاً .
ذكر قدوم عمر إلى الشام بعد الطاعون
لما هلك الناس في الطاعون كتب أمَراءَ الأجناد إلى عمر بما في أيديهم من المواريث فجمع الناس واستشارهم وقال لهم:" قد بدا لي أنْ أطوف على المسلمين في بُلْدَانِهِم لأنظر في آثارهم فأشيروا عليّ"وفي القوم كعب الأحبار(1) ، وفي تلك السنة أسلم فقال كعب:" يا أمير المؤمنين بأيها تريد أن تبدأ؟قال:بالعراق . قال فلا تفعل فإنّ الشر عشرة أجزاء تسعة منها بالمشرق وجزء بالمغرب والخير عشرة أجزاء تسعة بالمغرب وجزء بالمشرق . وبها قرن الشيطان وكل داءٍ عُضَال .
فقال علي:يا أمير المؤمنين:إنّ الكوفة للهجرة بعد الهجرة وإنها لَقبةُ الاسلام ليِأتينها يوم لا يبقى مسلم إلا وَحَنّ إليها لينتصرن بأهلها كما انتصر بالحجارة من قوم لوط . فقال عمر:إن مواريث أهل عمواس قد ضاعت فأبدأ بالشام فأقسم المواريث وأقيم لهم ما في نفسي ، ثم أرجع ، فأتقلب في البلاد وأبدي إليهم أمري"
فسار عن المدينة وأستخلف عليها عليّ بن أبي طالب واتخذ أيلة طريقاً ، فلما دنا منها ركب بعيره وعلى رحله فرو مقلوب وأعطى غلامه مركبه فلما تلقاه الناس قالوا:أين أمير المؤمنين؟قال:أمامكم . يعني نفسه فساروا أمامهم وانتهى هو إلى أيلة فنزلها ، وقيل للمتلقين قد دخل أمير المؤمنين إليها ونزلها فرجعوا إليه وأعطى عمر الأسقف بها قميصه وقد تخرّق ظهره ليغسله ، ويرقعه ففعل وأخذه ولبسه وخاط له الأسقف قميصاً غيره فلم يأخذه ، فلما قدم الشام قسَّم الأرزاق وسمى الشواتي والصوائف ، وسد فروج الشام ومسالحها ، وأخذ يدورها ، واستعمل عبدالله بن قيس على السواحل من كل كورة ، واستعمل معاوية ، وعزل شرحبيل بن حَسَنة وقام يَعْذُرُهُ في الناس . وقال:"إنّي لم أعزله عن سخطة ولكني أريدُ رجلًا أقوى من رجل"واستعمل عمرو بن عتبة(2) على الأهراء . وقسم مواريث أهل عَمَوَاس فورث بعض الورثة من بعض وأخرجها إلى الأحياء من ورثة كل منهم ، وخرج الحارث بن هشام في سبعين من اهل بيته فلم يرجع منهم إلا اربعة ، ورجع عمر الى المدينة فيٍ ذي القعدة(1). ولما كان بالشام وحضرت الصلاة قال له الناس:لوم مرت بلالا فأذن . فأمره فَأذَّن فما بقي أحَدٌ كان أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وبلال يؤذن له ، إلا وبكى حتى بل لحيته وعمر أشدهم بكاء وبكى من لم يدركه ببكائهم ولذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم"قال الواقدي:إنِّ الرها ؛ وحرّان ، والرّقة فتحت هذه السنة على يد عياض بن غنم ، وإنَ عين الوردة ، وهي رأس عين فتحت فيها على يد عمير بن سعد ، وقر تقدم شرح فتحها . وفي هذه السنة في ذي الحجة حول عمر المقام إلى موضعه اليوم وكان ملصقاً بالبيت . وفيها استقضى عمر شريح بن الحارث الكندي على الكوفة ، وعلى البصرة كعب بن سور الأزدي ، وكانت الولاة على الأمصار الولاة الذين كانوا عليها في السنة قبلها . وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب .
ثم دخلت سنة تسع عشرة
قال بعضهم:إنّ فتح جلولاء والمدائن كان في هذه السنة على يدي سعد وكذلك فتح الجزيرة وقد تقدم ذكر فتح الجميع والخلاف فيه . وقيل فيها:كان فتح قيسارية على يد معاوية ، وقيل:سنة عشرين ، وقد تقدم أيضاً ذكر ذلك سنة ست عشرة : وفي هذه السنة سالت حرة ليلى وهي قريب المدينة ناراً ، فأمر عمر بالصدقة فتصدق الناس فانطفأت . وحج بالناس هذه السنة عمر ، وكان عماله فيها من تقدم ذكرهم . وفيها قتل صفوان بن المعطل السلمي ، وقيل:بل مات سنة ستين آخر خلافة معاوية. وفيها مات أبيّ بن كعب (1) والله أعلم .
ثم دخلت سنة عشرين
ذكر فتح مِصر
قيل:في هذه السنة فُتحت مصر في قول بعضهم على يد عمرو بن العاص ، والاسكندرية أيضاً . وقيل ة فتحت الاسكندرية سنة خمس وعشرين ، وبالجملة فينبغي أنْ يكون فتحها قبل عام الرَّمادة لأن عمرو بن العاص حمل الطعام في بحر القلزم من مصر إلى المدينة والله اعلم ، وقيل:غير ذلك. وأما فتحها فإنّه لما فتح عمر بيت المقدس وأقام به أياماً وأمضى عمرو بن العاص إلى مصر وأتبعه الزبير بن العوام مدداً له فأخذ المسلمون بابليون (1) وساروا إلى مصر ، فلقيهم هناك أبو مريم جاثليق مصر ، ومعه الأسقف بعثه المقوقس لمنع بلادهم ، فلما نزل بهم عمرو قاتلوه فأرسل إليهم:لا تعجلونا حتى نعذر إليكم وترون رأيكم بعد ، وليبرز إليّ أبو مريم ، فكفوا وخرجا إليه فدعاهما إلى الِإسلام أو الجزية ، وأخبرهما بوصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر بسبب هاجر أم اسماعيل عليه السلام فقالوا:قرابة بعيدة لا يصلُ مثلَها إلّا الأنبياء(2)، آمِنَّا حتى نرجع إليك. فقال عمرو: مثلي لا يُخْدَع ، ولكنني أؤجلكما ثلاثاً لتنظرا . فقالا:زدنا فزادهم يوماً . فرجعا إلى المقوقس فهمّ أبن ارطبون أنْ يجيبهما وأمر بمناهدتهم ، فقال لأهل مصر: أمّا نحن فسنجهد أنْ ندفع عنكم ولا نرجع إليهم، فلم يفجأ عَمْراً إلا البيات وهو على عدة فلقوه فقتل أرطبون وكثير ممن معه وانهزم الباقون . وسار عمرو ، والزبير إلى عين الشمس وبها جمعهم وبعث إلى فَرَمَا(1) أبرهة بن الصباح فنزل عليها ، وبعث عوف بن مالك الى الإسكندرية فنزل عليها ، قيل:وكان الاسكندر وفرما أخوين . ونزل عمرو بعين الشمس فقال أهل مصر لملكهم:ما تريد إلا قتال قوم هزموا كسري وقيصر وغلبوهم على بلادهم؟فلا تعرض لهم ولا تعرضْنَا ، وذلك في اليوم الرابع .
فأبى ، وناهدوهم ، وقاتلوهم ، فلما ألتقى المسلمون والمقوقس بعين الشمس واقتتلوا جال المسلمون فذمرهم عمرو فقال له رجل من اليمن:إنّا لم نخلق من حجارة ولا حديد فقال له عمرو:اسكت إنما أنت كلب قال:فأنت أميرُ الكلاب . فنادي عمرو بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأجابوه فقال:تقدموا فبكم ينصر الله المسلمين فتقدموا ، وفيهم أبو بردة ، وأبو برزة وتبعهم الناس وفتح الله على المسلمين وظفروا وهزموا المشركين ، فارتقى الزبير بن العوام سورها فلما أحسوه فتحوا الباب لعمرو وخرجوا إليه مصالحين فقبل منهم . ونزل الزبير عليهم عنوة حتى خرج على عمرو من الباب معهم فعقدوا صلحاً بعدما أشرفوا على الهلكة فأجروا ما أخذوا عنوة مجري الصلح فصاروا ذمة ، وأجروا مَنْ دخل في صلحهم من الروم والنوبة مجرى أهل مصر ومن اختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه .
واجتمعت خيول المسلمين بمصر وبنوا الفسطاط ونزلوه . وجاء أبو مريم وابو مريام إلى عمرو وطلبا منه السبايا التي أصيبت بعد المعركة فطردهما فقالا:كل شيء أصبتموه منذ فارقناكم إلى أنْ رجعنا إليكم ففي ذمة . فقال عمرو لهما:أتغيرون علينا وتكونون في ذمة؟قالا:نعم . فقسم عمرو بن العاص السبيَ على الناس ، وتفرّق في بلدان العرب ، وبعث بالأخماس إلى عمر بن الخطاب ومعها وفد ، فأخبروا عمر بن الخطاب بحالهم كله وبما قال أبو مريم فرد عمر عليهم سبي مَنْ لم يقاتلهم في تلك الأيام الأربعة وترك سبي من قاتلهم فردوهم .
وحضرت القبط باب عمرو وبلغ عَمْراً انهم يقولون:ما أرث العرب وأهون عليهم انفسهم ما رأينا مثلنا دان لهم؟فخاف أن يطمعهم ذلك فأمر بجُزُر(1) فذبحت فطبخت بالماء والملح ، ودعا أمراء الأجناد فأعلموا أصحابهم فحضروا عنده وأكلوا أكلاً عربياً ابتشكوا(2) وحشوا وهم في العباء بغير سلاح فازداد طمعهم ، وأمر المسلمين أنْ يحضروا الغد في ثياب أهل مصر وأحذيتهم (3) ففعلوا وأذن لأهل مصر فرأوا شيئاً غير ما رأوا بالأمس وقام عليهم القوام بألوان مصر فأكلوا أكل أهل مصر ونحوا نحوهم فارتاب القبط ، وبعث أيضاً الى المسلمين تسلحوا للعرض غداً وأذن لهم فعرضهم عليهم وقال لهم:علمتُ حالكم حين رأيتم اقتصادَ العرب فخشيتُ أنْ تهلكوا فأحببتُ أنْ أريكم حالهم في أرضهم كيف كانت ، ثم حالهم في أرضكم ، ثم حالهم في الحرب فقد رأيتم ظفرهم بكم وذلك عيشهم وقد كلبوا على بلادكم بما نالوا في اليوم الثاني (4) فأردتُ أن تعلموا أنّ ما رأيتم في اليوم الثالث غير تارك عيش اليوم الثاني وراجعٌ إلى عيش اليوم الأول . فتفرقوا وهم يقولون:لقد رمتكم العرب برجلهم . وبلغ عمر ذلك فقال:" والله إنّ حربه لمنية ، مالها سطوة ولا سورة كسورات الحروب من غيره"
ثم ان عمراً سار إلى الإسكندرية وكان مَنْ بين الإسكندرية والفسطاط من الروم والقبط قد تجمعوا له وقالوا:نغزوه قبل أنْ يغزونا ويروم الإسكندرية فالتقوا واقتتلوا فهزمهم ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وسار حتى بلغ الإسكندرية ، فوجد أهلها معدِّين لقتاله ، فأرسل المقوقس إلى عمرو يسأله الهدنة إلى مدة فلم يجبه الى ذلك ، وقال : " لقد لقينا ملككم الأكبر هرقل ، فكان منه ما بلغكم ، . فقال المقوقس لأصحابه:صَدَق ، فنحن أولى بالإذعان . فأغلظوا له في القول ، وامتنعوا ، فقاتلهم المسلمون وحصروهم ثلاثة أشهر، وفتحها عَمْرو عنوة ، وغنم ما فيها وجعلهم ذمة .
وقيل:إن المقوقس صالح عَمْراً على اثني عشر ألف دينار على أنْ يخرج من الاسكندرية من أراد الخروج ويقيم من أراد القيام ، وجعل فيها عَمْرو جنداً . ولما فتحت مصر غزوا النوبة فرجع المسلمون بالجراحات وذهاب الحدق لجودة رميهم فسموهم "رماة الحدق"، فلما ولي عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر أيام عثمان بن عفان صالحهم على هدية عدة رؤوس يؤدونها إلى المسلمين في كل سنة ويهدي إليهم المسلمون كل سنة طعاماً مسمى وكسوة، وأمضى ذلك الصلح عثمان ومَنْ بعده من ولاة الأمور. وقيل:إن المسلمين لما انتهوا إلى بلهيب ، وقد بلغت سباياهم إلى اليمن أرسل صاحبهم إلى عمرو:"إنني كنتُ اخرج الجزية إلى من هو أبغض إليّ منكم فارس والروم فإنْ أحببت الجزية على أنْ ترَّد ما سبيتم من أرضي فعلت . فكتب عَمرو إلى عُمر يستأذنه في ذلك ورفعوا الحرب إلى أنْ يرد كتاب عمر، فورد الجواب من عمر" لعمرِي جزية قائمة تكون لنا ولمن بعدنا أحمت إلينا من غنيمة تقسّم ثم كأنها لم تكن ، وأما السبي فإنْ أعطاك ملكهم الجزية على أنْ تخيروا من في أيديكم منهم بين الاسلام ودين قومه ، فمن اختار الاسلام فهو من المسلمين ومن اختار دين قومه فضع عليه الجزية، وأما من تفرق في البلدان فإنّا لا نقدر على ردهم فافعل"فعرض عمرو ذلك على صاحب الاسكندرية فأجاب إليه ، فجمعوا السبي ، واجتمعت النصارى وخيروهم واحداً واحداً فمن اختار المسلمين كبروا ، ومن اختار النصارى جزعوا عليه وسار عليه جزية حتى فرغوا . وكان من السبي أبو مريم عبد الله بن عبد الرحمن فاختار الاسلام ، وصار عريف
زبيد . وكان ملوك بني أمية يقولون:إن مصر دخلت عنوة وأهلها عبيدنا نزيد عليهم كيف شئنا ولم يكن كذلك .
ذكر عدة حوادث
وفي هذه السنة أعني سنة عشرين غزا أبو بحرية عبد الله بن قيس أرض الروم وهو أول من دخلها فيما قيل ،وقيل:أول من دخلها ميسرة بن مسروق العبسي فسبى وغنم . وقيل:فيها عزل عمر قدامة بن مظعون من البحرين وحده في شرب الخمر، واستعمل أبا بَكْرة (1) على البحرين واليمامة .
وفيها تزوج عمر فاطمة بنت الوليد أم عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . وفيها عزل عمر سعد بن أبي وقاص عن الكوفة لشكايتهم إياه ، وقالوا:لا يحسن يصلي . وفيها قسم عمر خيبر بين المسلمين وأجلى اليهود عنها، وقسم وادي القرى . وفيها أجلى يهود نجران إلى الكوفة . وفيها بعث عمر علقمة بن مجزِز المدلجي إلى الحبشة وكانت تطرفت بلاد الاسلام فأصيب المسلمون فجعل عمر على نفسه أنْ لا يحمل في البحر أحداً أبداً يعني للغزو،.
وفيها مات أسَيْد بن حُضَيْر في شعبان. وفيها مات هرقل وملك ابنه قسطنطين. وفيها ماتت زينب بنت جحش ونزل في قبرها أسامة بن زيد، وابن أخيها محمد بن عبدالله بن جحش . وحج بالناس عمر. وكان عماله على الأمصار من كان قبل هذه السنة إلا من ذكرت أنه عزله . وكان قضاته فيها القضاة في السنة قبلها. وفيها مات عِياض بن غَنْم (1) . وهو الذي فتح الجزيرة، وهو أول من أجاز الدرب إلى الروم . وفيها مات بلال بن رباح (2)مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم بدمشق ، وقيل:بحلب . وفيها مات أنَيْس بن مرثد بن أبي مرثد الغنوي (3)، وله ولأبيه ولجده صحبة، وقتل أبوه في غزوة الرجيع . وفيها مات سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي (4) شهد فتح خيبر، وكان فاضلاً، وكان على حمص حتى مات ، وقيل:مات سنة تسع عشرة، وقيل:سنة احدى وعشرين ، وعمره أربعون سنة . وفيها مات أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب(5). وفيها ماتت صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم . وفيها قتل المُظَفر بن رافع الأنصاري قدم من الشام ومعه من علوج الشام فلما كان بخيبر أمرهم قوم من اليهود فقتلوه فاجلاهم عمر.
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين
ذكر وقعة نَهَاوَنْد(1)
قيل:فيها كانت وقعة نهاوند، وقيل:كانت سنة ثمان عشرة، وقيل سنة تسع عشرة . وكان الذي هيّج أمر نهاوند أنّ المسلمين لما خلصوا جند العلاء من بلاد فارس وفتحوا الأهواز كاتبت الفرس ملكهم وهو بمرو فحركوه ، وكاتب الملوك من بين الباب ، والسند، وخراسان ، وحلوان فتحركوا وتكاتبوا واجتمعوا إلى نهاوند، ولما وصلها أوائلهم بلغ سعداً الخبر فكتب إلى عمر(بذلك) وثار بسعد قومٌ سعوا به وألَّبُوا عليه ولم يشغلهم ما نزل بالناس ، وكان ممن تحرك في أمره الجراح بن سنان الأسدي في نفر فقال لهم عمر: والله ما يمنعني ما نزل بكم من النظر فيما لديكم . فبعث عمر محمد بن مسلمة والناس في الاستعداد للفرس ، وكان محمد صاحب العمال يقتص آثار من شكى زمان عمر، فطاف بسعد على أهل الكوفة يسأل عنه ، فما سأل عنه جماعةً إلّا أثنوا عليه خَيْراً سوي مَنْ مالأ الجراح الأسدي فإنهم سكتوا ولم يقولوا:سُوءاً ولا يسوغ لهم (ويتعمدون ترك الثناء)، حتى انتهى إلى بني عبس فسألهم فقال أسامة بن قتادة:" اللهم إنه لا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية ، ولا يغزو في ا لسرية"فقال سعد:"اللهم إنْ كان قالها رياءً وكذباً وسمعةً فاعم بصره وأكَثر عياله ، وعرضه لمضلات الفتن" فعمي ، واجتمع عنده عشر بنات ، وكان يسمع بالمرأة فيأتيها حتى يجسها فإذا عثر عليه قال:دعوةُ سعد الرجل المبارك . ثم دعا سعد على أولئك النفر فقال:" اللهم إن كانوا خرجوا أشراً وبطراً ورياء فاجهد بلادهم فجهدوا ، وقُطِّع الجراح بالسيوف يوم بادر الحسن بن علي عليه السلام ليغتاله بساباط ، وشُدخ قبيصة بالحجارة، وقُتل أربد بالوج . وبنعال السيوف "(1) . وقال سعد:" إنّي أول رجل أهراق دماً من المشركين ، ولقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه وما جمعهما لأحدٍ قبلي . ولقد رأيتُني خمس الِإسلام وبنو أسد تزعم أني لا أحسن أصلي ، وأنّ الصيد يلهيني "!وخرج محمد بسعد وبهم معه إلى المدينة فقدِموا على عمر فأخبروه الخبر فقال :كيف تصلي يا سعد؟.
قال:أطيل الأوليين واحذف الآخريين. فقال:هكذا الظن بك يا أبا اسحاق ولولا الاحتياط لكان سبيلهم بينا. وقال:من خليفتك يا سعد على الكوفة؟
فقال:عبد الله بن عبد الله بن عتبان فأقرّه فكان سبب نهاوند وبعثها زمن سعد . وأمّا الوقعة فهي زمن عبد الله فنفرت الأعاجم بكتاب يزدجرد فاجتمعوا بنهاوند على الفيرزان في خمسين ألفاً ومائة ألف مقاتل ، وكان سعد كتب إلى عمر بالخبر ثم شافهه به لما قدم عليه ، وقال له:"إنّ أهل الكوفة يستأذنونك في الانسياح وأن يبدأ وهم بالشدة ليكون أهيب لهم على عدوهم"فجمع عمر الناس واستشارهم ، وقال لهم:" هذا يومٌ له ما بعده ، وقد هممتُ أنْ أسيرَ فيمن قِبَلي ومَنْ قدرتُ عليه فأنزل منزلاً وسطاً بين هذين المصرين ثم أستنفرهم وأكون لهم رِدْءاً حتى يفتح اللّه عليهم ويقضي ما أحب فإنْ فتح الله عليهم صببتُهم في بلد ا نهم"
فقال طلحة بن عبيد اللّه:يا أمير المؤمنين قد أحكمتك الأمور، وعجمتك البلابل واحتنكتك التجارب وأنت وشأنك ورأيك لا ننبو في يديك ولا نكل عليك إليك هذا الأمر فَمُرْنا نطع وادعنا نجب واحملنا نركب و وفدنا نفد وقُدْنا ننقد، فإنّك وليُ هذا الأمر وقد بلوتَ وجربتَ واختبرتَ فلم ينكشف شيءٌ من عواقب قضاء الله لك إلّا عن خيارهم . ثم جلس فعاد عمر فقام عثمان فقال:أري يا أمير المؤمنين أنْ تكتب إلى أهل الشام فيسيروا من شامهم ، وإلى أهل اليمن فيسيروا من يَمَنِهِم ثم تسيرُ أنت بأهل هذين الحَرَمَيْن إلى الكوفة والبصرة فتلقى جمع المشركين بجمع المسلمين فإنّك إذا سرتَ بمن معك قل عندك ما قد تكاثر من عدد القوم وكنتَ أعز عزاً وأكثر، يا أمير المؤمنين إنك لا تستبقي بعد نفسك من العرب باقية ولا تمنع من الدنيا بعزيز ولا تلوذ منها بحريز إنّ هذا يومٌ له ما بعده من الأيام ، فاشهده برأيك وأعوانك ، ولا تغب عنه . وجلس . فعاد عمر فقال:إنّ هذا يوم له ما بعده من الأيام فتكلموا . فقام إليه علي بن أبي طالب فقال:أما بعد يا أمير المؤمنين فإنّك إنْ أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الرومُ إلى ذراريهم ، وإنك أشخصتَ أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشةُ إلى ذراريهم ، وإنك إنْ أشخصتَ من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكونَ ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من ا لعورات والعيالات .. أقرر هؤلاء في أمصارهم واكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا فيها ثلاث فِرَق فرقة في حرمهم وذراريهم ، وفرقة في أهل عهدهم حتى لا ينتقضوا ، ولتسر فرقةٌ إلى إخوانهم بالكوفة مدداً لهم ، إنّ الأعاجم إنْ ينظروا إليك غداً قالوا:هذا أمير المؤمنين أمير العرب وأصلها فكان ذلك أشد لكلبهم عليك . وأمّا ما ذكرت من مسير القوم فإنّ الله هو أكره لمسيرهم منك ، وهو أقدر على تغيير ما يكره ، وأما ما ذكرتَ مِنْ عددهم فإنّا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ولكن بالنصر .
فقال عمر: هذا هو الرأي كنتُ أحبُ أنْ أتابع عليه ،. وقيل:إن طلحة وعثمان وغيرهما أشاروا عليه بالمقام والله أعلم .
فلما قال عمر: أشيروا عليّ برجل أولّيه ذلك الثغر وليكن عِرَاقيّاً فقالوا:أنت أعلم بجندِك وقد وفدوا عليك ورأيتهم وكلَّمتهم . فقال:والله لأوِّليَن أمرهم رجلًا يَكون أول الأسنة إذا لقيها غداً . فقيل:من هو؟ فقال:هو النعمان بن مقرن المزني . فقالوا:هو لها . وكان النعمان يومئذ معه جمع من أهل الكوفة قد اقتحموا جند يسابور، والسوس ، فكتب إليه عمر يأمره بالمسير إلى ماه لتجتمع الجيوش عليه ، فإذا اجتمعوا إليه سار بهم إلى الفيرزان ومن معه .
وقيل بل كان النعمان عاملًا بكسكر فكتب إلى عمر يسأله أنْ يعزله ويبعثه إلى جيش من المسلمين ، فكتب إليه عمر يأمره بنهاوند فسار، فكتب عمر إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان ليستنفر الناس مع النعمان كذا وكذا ويجتمعوا عليه بماه فندب الناس فكان أسرعهم إلى ذلك الروادف ليبلوا في الدين وليدركوا حظاً، فخرج الناس منها وعليهم حذيفة بن اليمان ومعه نعيم بن مقرّن حتى قدموا على النعمان ، وتقدم عمر إلى الجند الذين كانوا بالأهواز ليشغلوا فارساً عن المسلمين وعليهم المقترب ، وحرملة، وزر فأقاموا بتخوم أصبهان وفارس وقطعوا أمداد فارس عن أهل نهاوند ، وأجتمع الناس على النعمان وفيهم حذيفة بن اليمان ، وابن عمر، وجرير بن عبد الله البجلي ، والمغيرة بن شعبة، وغيرهم . فأرسل النعمان طليحة بن خويلد، وعمرو بن معد يكرب ، وعَمْرو بن ثنى - وهو ابن أبي سلمى - ليأتوه بخبرهم وخرجوا وساروا يوماً إلى الليل فرجع إليه عمرو بن ثنى فقالوا:ما رجعك؟فقال:لم أكن في أرض العجم وقتلت أرض جاهلها وقتل أرضا عالمها.
ومض طليحة . وعمرو بن معد يكرب فلما كان آخر الليل رجع عمرو فقالوا:ما رجعك؟قال:سرنا يوماً وليلة ولم نر شيئاً وخفتُ أنْ يؤخذ علينا الطريق فرجعتُ ، ومضى طليحة ولم يحفل بهما حتى انتهى إلى نهاوند وبين موضع المسلمين الذي هم به ونهاوند بضعة وعشرون فرسخاً فقال الناس:أرتد طليحة الثانية فعلم كلام القوم واطلَع على الأخبار ورجع ، فلما رأوه كبروا فقال:ما شأنكم؟فأعلموه بالذي خافوا عليه ، فقال:والله لو لم يكن دين إلا العربي ما كنت لاجزر العجم الطماطم هذه العرب العاربة . فأعلم النعمان أنه لير بينهم وبين نهاوند شيء يكرهه ولا أحد. فرحل النعمان وعبى (1) أصحابه وهم ثلاثون ألفاً، فجعل على مقدمته نعيم بن مقرن وعلى مجنبتيه حذيفة بن اليمان ، وسويد بن مقرن ، وعلى المجردة القعقاع بن عمرو، وعلى الساقة مجاشع بن مسعود، وقد توافت إليه أمداد المدينة، فيهم المغيرة بن شعبة فانتهوا إلى اسبيذهان والفرس وقوف على تعبيتهم ، وأميرهم الفيرزان وعلى مجنبتيه الزردق ، وبهمن جاذويه الذي جعل مكان ذي الحاجب ، وقد توافى اليهم الأمداد بنهاوند كل من غاب عن القادسية ليسوا بدونهم . فلما رآهم النعمان كبر وكبر معه الناس فتزلزلت الأعاجم وحطت العرب الأثقال وضرب فسطاط النعمان فابتدر أشرافُ الكوفة قضربوه منهم حذيفة بن اليمان ، وعقبة بن عامر والمغيرة بن شعبة، وبشير بن الخصاصية، وحنظلة الكاتب ، وجرير بن عبد الله البجلي ، والأشعث بن قيس ، وسعيد بن قيس الهمداني ، ووائل بن حجر، وغيرهم فلم ير بناء فسطاط بالعراق كهؤلاء.
وأنشب النعمان القتال بعد ما حط الاثقال فاقتتلوا يوم الأربعاء وبوم الخميس والحرب بينهم سجال وأنهم انجحروا في خنادقهم يوم الجمعة ، وحصرهم المسلمون وأقاموا عليهم ما شاء الله والفرس بالخيار لا يخرجون إلا إذا أرادوا الخروج فخاف المسلمون أنْ يطول أمرهم حتى إذا كان ذات يوم في جمعة من الجمع تجمع أهل الرأي من المسلمين فتكلموا وقالوا:نراهم علينا بالخيار. وأتوا النعمان في ذلك فوافوه وهو يروي في الذي رووا فيه فأخبروه فقال:على رِسْلِكم ، لا تبرحوا . فبعث إلى من بقي من أهل النجدات والرأي فأحضرهم فتكلم النعمان فقال:قد ترون المشركين وأعتصامهم بخنادقهم ومدنهم وأنهم لا يخرجون إلينا إِلا إذا شاؤوا ولا يقدر المسلمون على إخراجهم ، وقد ترون الذي فيه المسلمون من التضايق ، فما الرأي الذي به نستخرجهم إلى المناجزة وترك التطويل ؟
فتكلم عمرو بن ثنى وكان أكبر الناس يومئذ سناً وكانوا يتكلمون على الأسنان فقال:التحصن عليهم أشد من المطاولة عليكم فدعهم وقاتِل من أتاك منهم . فردوا عليه رأيه . وتكلم عمرو بن معد يكرب فقال:ناهدهم وكابدهم ولا تخفهم . فردوا جميعاً عليه رأيه وقالوا:إنما يناطح بنا الجدران وهي أعوان علينا . وقال طليحة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الكامل فى التاريخ ذكر فتح رَامَهرمُز(1)، وتستر وأسر الهرمزان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ذكر أخبار الأسود العنسي باليمن(ذاكرة التاريخ الاسلامي)
» ذكر دخول المسلمين بلاد الأعاجم (ذاكرة التاريخ الاسلامي)
» ذكر غزوة خالد بن الوليد بني جَذِيْمة(ذاكرة التاريخ الاسلامي)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى بيت الأسرة :: المنتدى الاسلامي :: المكتبة الاسلامية-
انتقل الى: